الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من أين تأتي جاذبية خطاب العنف والتطرف ؟

أحمد عصيد

2014 / 3 / 22
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


في لقاء حول التنوع الإعلامي عاتبتُ أحد المسئولين عن إحدى القنوات الإذاعية الخاصة التي تفرد لأحد خطباء التطرف حيزا هاما من وقتها، وهو الخطيب الذي عبّر غير ما مرة عن مواقف وآراء لا يمكن إلا استنكارها من قبل كل ذي عقل سليم، لأنها تتعارض مع ثقافة المغاربة ومع التزامات وتعهدات الدولة المغربية، كما تمسّ بمكتسبات عديدة تمّ تحقيقها حتى الآن، وكان جواب المسئول غريبا عجيبا حيث قال : "نحن لا نتفق معه، ولكن لديه جمهور !؟". جواب هذا المسئول يطرح أولا سؤال ما إذا كانت للقنوات الإذاعية الخاصة رؤية وخط تحريري وأهداف ومرامي تتماشى مع مصلحة البلاد، ويطرح أيضا سؤال معايير تقويم هذه القنوات من قبل الهاكا. كما يطرح من جهة أخرى سؤال الأسباب التي تجعل خطاب التطرف مثيرا للجمهور وجذابا لاهتمامهم، فثمة كثير من الخطباء الذين يتمتعون بحس عقلاني وبخطاب وسطي سمح وإنساني، لكنهم لا يلاقون نجاحا كبيرا، في مقابل خطباء آخرين يعبرون عن أفكار غاية في الغلوّ والتعارض مع مصلحة المجتمع، ويلاقون رغم ذلك إقبالا على آرائهم رغم طابعها المتشدّد.
يسأل الناس الخطيب "الداعية" بنفوس منكسرة، وأصوات راجفة، وقلوب وجلة، تدلّ على أنهم في غاية الضعف والهشاشة، وأنهم بحاجة إلى خشبة نجاة قوية تنقذهم من عذاب الروح ومعاناة الضمير.
ولا يحبّ الناس من يقول لهم بضرورة استعمال عقولهم والتحلي بالإرادة والثقة في النفس، أو باحترام القانون والمؤسسات، لأنه ثبت في قرارة أنفسهم بأن عقولهم "قاصرة" و"محدودة"، وبأن القانون وضعي بشري، ولهذا يضعون ثقتهم في الفقهاء الذين يمتلكون أجوبة "نهائية وحاسمة" لأنها "كلام الله"، كما يثقون أيضا في الشوافة والمشعوذين لأنهم يعتقدون بأن هؤلاء بدورهم مسنودون بقوة ميتافيزيقية خارقة.
كيف نفسر أن العقل والحسّ السليم والقانون وخطاب الدولة يعتبرون جميعا أن العنف ضدّ المرأة أمر سلبي ينبغي محاربته، ويتجه المواطن رغم ذلك إلى الفقيه يسأله إن كان يحلّ له ضرب زوجته ؟ ويأتي جواب الفقيه صاعقا ماحقا : نعم من الإسلام "تأديب" المرأة والقرآن ينصّ على ذلك صراحة، وهناك "آداب وقواعد" لهذا "التأديب" ينبغي مراعاتها، أما ما يسمى "محاربة العنف ضد النساء" فهو خطاب غربي مستورد، لا يمت بصلة إلى تقاليدنا العريقة.
يعلم المواطن بأن تزويج الطفلات أمر مرفوض قانونا وعقلا في عصرنا هذا، ولكنه رغم ذلك لا يثق إلا في الفقيه، وطبعا لا يخيب الفقيه ظنه، إذ يأتي الجواب قاطعا وحاسما مرة أخرى، إذا كان جسم الطفلة "فائضا" فلا مبرّر لأن تنتظر، ينبغي تزويجها على الفور وبدون تردّد.
لماذا يعتبر المواطن المسلم بأنّ ما يمنعه القانون وينبذه العقل ويمجّه الذوق يمكن أن يكون رغم ذلك "حلالا" في الدين ؟ هذا هو السؤال الذي ينبغي للمسلمين أن يطرحوه في هذه المرحلة العصيبة التي يمرّون بها في تاريخهم .
المواطن المسلم يزعجه القانون، لأنه يتعارض مع غرائزه، ويجدُ في دعاة التطرف ضالته لأنهم يلبون له غرائزه ويشبعونها بشكل "شرعي" وبدون وجل أو خشية، ما داموا يتكلمون باسم السماء، ولتذهب الدولة كلها إلى الجحيم.
ينتشر خطاب العنف والتشدّد والقسوة ويلقى القبول والرضا لأن الناس في بلاد المسلمين تربوا على الاستبداد والعنف والقسوة، ولم يتعودوا أن يعطاهم حق الاختلاف والحرية والشك والاعتراض.
تربى الناس على القسوة والعنف وعاشوا في ظل الاستبداد فرسخ في نفوسهم أن قرار الله لا بد أن يكون قاسيا صعبا شديد الوقع، وأنهم لا بد أن يقبلوه (كما يتحمّلون حُكامهم) لكي ينالوا الثواب ويدخلوا الجنة، وأن هذا هو الثمن الذي عليهم أن يؤدّوه من أجل الخلاص في الآخرة. هكذا ارتبط الدين بالخوف عوض أن يرتبط بالرحمة، وفقد الذين يحتكرون الكلام باسم الدين كل حسّ إنساني، لأن ذلك يجعلهم في مستوى جميع الناس، بينما يعطيهم خطاب الخوف والترهيب سلطة على النفوس.
دُعاة التطرف مشعوذون أذكياء لأنهم يدركون كل هذا، ويدركون أيضا مقدار تخلف المجتمع، ولهذا يجدون متعتهم في هدم الدولة العصرية ونقض أسس المواطنة، لأنهم إن تحققت هذه الأخيرة، فسيتم الاستغناء حتما عن "خدماتهم".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تعليق
عبد الله خلف ( 2014 / 3 / 22 - 16:27 )
تم التعليق في خانة الفيس بوك , و السبب : سعة مساحة الكتابة .


2 - لم سميت اذاعات خاصة اذا؟
عبد الله اغونان ( 2014 / 3 / 22 - 20:50 )

وفي المقابل في هذه الاذاعات الخاصة برامج تؤذي الشعور الديني وتناقش بالعلالي كل شيئ ومع كل من هب ودب بل هناك برانامج شبيه ببرنامج باسم المصري عنوانه
ساس يسوس يسخر بسفاهة ووقاحة من رئيس الحكومة

ومن غير ماينتقده الأستاذ عصيد هناك اذاعة محمد السادس للقران الكريم وهي التي تنال المرتبة الأولى دائما كما أن لها قناة فضائية
وهي تطرح نفس الفكر فهل نحجر على المواطنين ونمنع رأي العلماء النزهاء وتفتح قنوات الاتصال هاتفيا مع المواطنين
هناك خطاب الميوعة والانحلال والحداثة الوهمية للنص السفلي فقط
لاتتكلم نصف الحقيقة وتتمسح بالقانون فهو نصا يمنع بيع الخمر وواقعا يسنح بصنعها وبيعها واستهلاكها واستيرادها وتصديرها
الاسلام نص على تأديب الرجل والمرأة في احكام كثيرة هل تريد فقهاء يفتون حسب الطلب؟ هناك من يراك أنت ياأستاذ عصيد متطرفا ومثيرا للجدل في قضايا معروفة
يجب أن تتصفوا انتم أيضا بالمرونة وتقدير هوية الناس ومشاعره وعقائدهم بدل الاثارة
والاستفزاز فأنتم بهذا تخلقون وتصنعون التطرف أكثر وأنتم لاتشعرون

اخر الافلام

.. رغم تضييقات الاحتلال.. فلسطينيون يؤدون صلاة عيد الأضحى في ال


.. دائرة الأوقاف الإسلامية بالقدس تعلن عن تأدية 40 ألف فلسطيني




.. خطيب المسجد الحرام: فرحة العيد لا تنسي المسلمين مآسي ما يتعر


.. مراسل العربية أسامة القاسم: نحو 1.5 مليون مليون حاج يصلون إل




.. مبعدون عن المسجد الأقصى يؤدون صلاتهم عند باب الأسباط