الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحداثة وما بعد الحداثة والتداخل المفاهيمي بينهما .

علي حسين يوسف
(Ali Huseein Yousif)

2014 / 3 / 22
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


في لسان العرب : الحديث نقيض القديم ، وقد ورد هذا المصطلح ومرادفه (المحدث) في الكتب العربية القديمة ، فقد صنف ابن قتيبة الشعراء إلى قدماء ومحدثين ، فلم ينظر إلى القديم بعين القداسة لقدمه ، ولا إلى الحديث بعين الازدراء لحداثته ، ويمكن أن نفهم من موقف ابن قتيبة بأنه جرد مفهوم الحديث من بعده الزمني ، وانتصر للبعد التزامني ، بمعنى أن ابن قتيبة تعامل مع مفهوم الحديث بمعنى الجدة أو بمعناه الفني، ونجد التعامل مع معنى الحداثة ذاته عند ابن رشيق في قوله : كل قديم من الشعراء فهو محدث في زمانه فضلا عمن كان قبله ، وهذا يعني أن الحداثة تمثل كل جهد إبداعي مرتبط بزمانه ، بشرط أن لا يفقد تميزه وإن تقادم العهد عليه مثلما نطلق اليوم على شعر مسلم بن الوليد، وبشار، وأبي نواس، وأبي تمام أنه مثّل حداثة في حركة الشعر العربي .
أما مفهوم الحداثة في الفكر العربي المعاصر فإنه يتسم بشيء من الضبابية وعدم الوضوح في الرؤية ،فإنها –أي الحداثة- تارة (ثورة فكرية) ، وتارة أخرى انقطاع عن الماضي من أجل الحاضر وانفصام عن الحاضر من أجل المستقبل ، وإن أدب الحداثة هو أدب اللاسلطة .
ويمكن القول أن خطاب الحداثة عند النقاد العرب المعاصرين اتسم بالحماسة رغبة في التجديد والبحث عن المختلف مما أدى إلى خلق قناعات ورؤى في أذهان العديد من الأدباء الشباب في السبعينات والثمانينات حول الكتابة تجسدت في الانهماك في التجريب ايمانا بمقولات تفجير اللغة وكسر المألوف كما يرى ذلك طراد الكبيسي في كتابه المنزلات .
والحداثة في الاصطلاح المعاصر مصطلح ظهر في الثقافة الغربية في الربع الأخير من القرن التاسع عشر مقترنا بالثورة الصناعية ومرتكزا على رؤية فلسفية تنزع إلى تجاوز القديم في كل مجالات الحياة ومحاولة الانتفاع منه .
وإذا كانت الحداثة قد ابتدأت في القرن السابع عشر الميلادي بحسب ما حدده بودلير فإن المرحلة السابقة لذلك التاريخ سميت بـ(ما قبل الحداثة)، واتسمت بخضوع المجتمعات الأوربية لسلطة الكنيسة التي أشاعت الإيمان بالأساطير والخرافات والسحر، والسيطرة على مقدرات الشعوب فأصبح الإنسان ضعيفا خاضعا لرجال الدين والملوك والأمراء، أما الثقافة فكانت ثقافة دينية متخلفة ونُظر إلى اللغة على أنها أساليب بيانية أما الأدب فكان يمثل حياة الطبقات الأرستقراطية.
أما الحداثة فقد كانت ثورة ضد كل ما تقدم لكن ذلك لم يكن بالأمر الهين، ولولا ظهور الحركات الإصلاحية من رحم الكنيسة لما حققت أوروبا نهضتها، فقد كان رواد الحداثة في أول الأمر من رجال الدين أمثال كالفن ولوثر اللذان فنّدا مزاعم الكنيسة في قداسة مقرراتها ، ومن حسن الحظ أن تلك الحركة الإصلاحية رافقتها حركة نهضوية إنسانية آمنت بالإنسان بوصفه قيمة عليا وبأن العقل والتجربة هما مصدرا المعرفة . مما ادى إلى اعتداد الإنسان بالعقل والتمركز على الذات وقد ترتب على ذلك ظهور الدولة القومية في أوربا وازدياد التنافس للسيطرة على أراضي وشعوب أخرى حتى انتج هذا التنافس حربين عالميتين حصدت أرواح ما يقرب المئة مليون إنسان فضلا عن دمار أوربا ، مما ولد ردة فعل قوية ضد توجهات الحداثة، ومن هنا تبلورت حركة (ما بعد الحداثة) كحركة رافضة لما أصاب البشرية – لا سيما بعد الحرب العالمية الثانية– من حروب وكوارث واستعمار وقمع عسكري وقنابل ذرية .
ومن هنا نادت ما بعد الحداثة باللامركزية والتشظي والتشتيت وعدم الثبات كمقابل لإيديولوجيات الحداثة وشموليتها وثوابتها كما يرد في دليل الناقد الادبي ، وقد صاحب ذلك جدل فكري حول هوية هذه المرحلة، فإذا كان مفكرو ما بعد الحداثة مثل إيهاب حسن وليوتار وفوكو ودريدا يرون أنها مرحلة جديدة في التاريخ البشري تستحق أن تسمى بـ( ما بعد الحداثة) فإن مفكرا مثل هابرماس لم يرتض هذه التسمية عادّا ما تمر به أوروبا مرحلة تالية من مراحل الحداثة نفسها .
ويتمثل الجانب الاشكالي في مفهوم الحداثة في تشابكه مع مفهوم مابعد الحداثة , وذلك لسببين: الأول يتمثل في عدم منطقية التسمية (ما بعد الحداثة) لأنها بتقادم الزمان ستولد ما بعد حداثة أخرى ، بل ما بعد حداثات أخرى , فبماذا سيكون التمييز بين تلك الحركات , وفي حقيقة الامرــ وعلى حد تعبير طراد الكبيسي ــ ليس هناك شيء اسمه ما بعد الحداثة لأنه عندما تصبح الحداثة في مكان أو زمان معين خربة نمطا –عادة-تقوم على أنقاضها حداثة. أن هناك سلسلة من الحداثات المتتابعة . اما السبب الآخر فأنه يتعلق بواقعنا – نحن أبناء الشرق- فللشرق حداثتهم الخاصة المتولدة من واقعهم المحلي , ولذلك لايمكن تقسيم الحضارة العربية على : ماقبل حداثوية وحداثوية ومابعد حداثوية , فللعرب حداثة واحدة اقترنت بظهور الاسلام , لكنها اخفقت في الاستمرار بفعل عوامل لامجال لذكرها , وعسى ان تكون عودة مسار الحضارات من الغرب إلى الشرق من جديد هو عودة العمق التاريخي في الوعي الإنساني.. إن هذه الشعوب تعود من جديد إلى المركز وتأخذ مكان الريادة بدلا من الوعي الأوربي بحسب تعبير حسن حسن حنفي في كتابه مقدمة في علم الاستغراب .
ومن الاشكاليات الحداثية ايضا : ان المنظرين في هذا المجال قد تبانيت وجهات نظرهم تبعاً لثقافات بلدانهم وهذا ما يفسر وجود ثلاث مدارس مختلفة عن بعضها للحداثة فهناك المدرسة الالمانية وريثة النقد الجديد ورائدها هابرماس والتي ترى ان ما بعد الحداثة يمثل امتداداً للحداثة وهناك المدرسة الفرنسية ذات الابعاد الفلسفية المتمردة وروادها : ديلوز وبيير ودريدا وبودريارد وليوتار والتي ترى ان ما بعد الحداثة تمثل قطيعة مع الحداثة , اما المدرسة الامريكية ذات الابعاد الاقتصادية والاجتماعية فترى ان الحداثة تمثل تعبيرا عن الرأسمالية الجديدة ومن روادها : فريدريك جيمسون وايهاب حسن ورورتي .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بهجمات متبادلة.. تضرر مصفاة نفط روسية ومنشآت طاقة أوكرانية|


.. الأردن يجدد رفضه محاولات الزج به في الصراع بين إسرائيل وإيرا




.. كيف يعيش ربع سكان -الشرق الأوسط- تحت سيطرة المليشيات المسلحة


.. “قتل في بث مباشر-.. جريمة صادمة لطفل تُثير الجدل والخوف في م




.. تأجيل زيارة أردوغان إلى واشنطن.. ما الأسباب الفعلية لهذه الخ