الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الميكانيزم الدفاعي الجماعي : أو كيف يتصرف المُجتمع المصدوم مع الصدمة ؟!

حمودة إسماعيلي

2014 / 3 / 22
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


تخضع المجتمعات للمقارنة، مجتمع يقارن نفسه بمجتمع آخر، ومجتمع يقارن مجتمع غيره بمجتمع آخر (يقارن بينهما)، المجتمع ـ وهنا نشير للأفراد ـ عندما يقوم بالمقارنة، فإنها (المقارنة) تتخد وجهان : وجه مقارنة مع الأفضل و وجه للمقارنة مع الأسوأ. المجتمع الأسوأ هنا يمثل عزاء أمام الإحساس بالنقص والمهانة أمام المقارنة بالمجتمع الأفضل. ونظرا لرغبة أي مجتمع بأفراده التفوق على غيره من المجتمعات، وقد يجد هذا المطلب يبدو صعبا. لذا يمكن أن يظهر هنا ميكانزيم دفاعي جماعي.

الميكانيزم يظهر : بالتغني بالأمجاد والإنجازات التي حققها (ويحققها) المجتمع مقارنة بالمجتمع الأسوأ صاحب الإنتاج الضئيل، وصب الكره باتجاه المجتمع المتفوق إذا بدا أن التنافس غير عادل، والخسارة (أمامه بالمقارنة) واضحة. غالبا يتم تبرير العجز عن التفوق المطلق والسيادة، بالمؤامرات أو بغباء السلطة أو ما سواه مما يتم التركيز فيه على جانب معين كسبب لعدم التجاوز (التفوق)، رغم أن المجتمع يشارك بكل أطيافه ومؤسساته وطبقاته في فشله أو في تفوقه سواء علموا بذلك أم لا ! .

عندما تظهر شخصية رياضية أو أدبية أو علمية متفوقة (عالميا)، فإن المجتمع بكل أطيافه يدعمها ويتغنى بها (ويكفي التلميح إلى ما تقوم به الجماهير عندما يتفوق فريقهم الرياضي على فريق مجتمع آخر : متفوق عليهم سياسيا واقتصاديا وخاصة رياضيا). هذا ما قام به المجتمع العربي عندما فاز نجيب محفوظ بجائزة نوبل للأدب فحوّلوه "لإله أدبي" ودون وعي أصبح التعليم انطلاقا من الابتدائية إلى المراحل الجامعية يشكل قوالب أدبية شبيهة بنجيب محفوظ : كل من يخرج عن أسلوبه الكتابي أو يتجاوزه يعتبر مهرطقا ومارقا أدبياً ! . رغم أنه وكما قيل عنه "لا يمكنك سوى أن تتأمل وتعجب كيف انتصر الموهوب في نهاية الطريق على دولة تعبد موظفيها متوسطي المواهب، وكانت، قبل وقت قريب من مفاجأته لها بفوزه بنوبل، لا تعرف الفارق بين مشروع رجل يؤسّس فن الرواية العربية ويطرق أبوابها بجرأة، وبين ما يكتبه غيره ممن تطرحهم السّلطة أو تروّضهم، قبل أن يدركوا أن ما يفعله ينتمي لشيء أرحب.. شيء يُدعى «العالم»"(1). المهم هو أي "شخص" يظهر ويتفوق على ؤلائك المتعجرفين الذين يحسبوننا أغبياء ومخلوقات أدنى : "سنكون له عابدون" ! (رغم أن سبب تفوقه قد يعود لاستفادته من إنتاج ؤلائك المتعجرفين !) وهذه الأعراض من دلائل اضطراب صدمة "النرجسية المجروحة" ـ وهو ما ألمح له "الشاعر سعد عبد الرحمن المدح الزائد فى أدب نجيب محفوظ، قائلاً: أخشى أن يتحول أدب محفوظ إلى وثن نقدسه، مشيراً إلى أن كل الندوات التي تنعقد للاحتفال بنجيب محفوظ تذكر الإيجابيات فقط، وهذا غير صحيح لأن كل روائي يحتمل أدبه الإيجابيات والسلبيات"(2) فلا تخشى أيها الشاعر لأنه تحول إلى وثن : والوثن لا يطاله الجُرح (كانعكاس لSuper المُفتَقد في الذات) ـ وما نود الوصول إليه هو أنه حينما يكافح شخص داخل المجتمع الذي يعاني من اضطراب الصدمة، فإنه يصبح رمز تقديس بدل أن يساهم في خروج أفراد آخرين من تحت رحمة الاضطراب : وليس هو طبعا فالأمر هنا يتعلق برد الفعل الجماعي. وهذا ما جعل المجتمع العربي لا يشعر بما تشعر به دول : كالولايات المتحدة أو بريطانيا أو ألمانيا، سواء أشرنا لجائزة نوبل أو الجوائز الأولمبية أو أي انتاج فني أو اقتصادي ـ فلا يفعلون ما يفعله المجتمع الأدنى (نفسيا قبل أن يكون سياسياً) : عندما يبزغ قليل من ضوء الإبداع عند أحد أفراده، فلا يتوقف عن الثرثرة بعدما انفكت عقدة لسانه مؤقتا ! .

والسبب بسيط وليس كما هو متداول : هي كما هي عليه بسبب المنهج التربوي والتعليمي والإعلامي الذي يقدم جرعات تساعد على تقديم الأفضل : فالهوة لم تتسع بعد بين المؤسسات والأفراد. فحينما تتسع الهوة، تنفك روابط خلق العمل التعاوني : فيتم اللجوء للتعويض الذاتي بالتدمير النفسي للمجتمعات الأدنى لأنها حلقة أضعف : كتكيف وجودي مع الصدمة ـ التي يصعب التخلص منها لأن غالبية الأفراد عاجزين ! فاستعراض التفوق النسبي أو المتخيل على الحلقات الأضعف (المجتمعات الأدنى)، يساعد على حماية الذات بإخفاء العجز : بإسقاطه على الحلقات الأضعف (للتخلص منه) عبر استدعاء مميزات التفوق ـ وهو ما نجده في مثال "متبصش للي أحسن منك، شوف كام واحد أقل منك".

يمتهن المجتمع المصدوم "جنون الاضطهاد" كتبرير للعجز الداخلي، مثلما يمتهنه المجتمع المتفوق كتبرير للممارسات السياسية العسكرية الخارجية : كعقدة السوفييات (التجسس والتجارب الدماغية على الضحايا الأمريكيين) وعقدة بن لادن (التربّص الخارجي بالأمن القومي الداخلي) ـ تجد الولايات المتحدة في ذلك حلا لوساوسها الجنونية المتضخمة.
بقية المجتمعات التي لم يعد أفرادوها يتخدرون بدراما التآمر الخارجي (فقط النخبة السياسية تظل متشبثة بالحبكة كمجانين المصحة) لأن الوضع الداخلي لا يسمح بأي استغلال خارجي : تنكب المشاكل النفسية على الحكومة (كمؤسسة وهمية ليس لها وجود)، يستغل الأفراد عجز بعضهم البعض لزيادة الأرباح الاقتصادية الخاصة ـ مع وضع احتمال إلقاء مسؤولية الأفعال ونتائجها على "وهم الحكومة". بذلك يشارك المجتمع بأفراده (عن تعمّد) بالحفاظ على استمرارية الوضع (العجز) كما هو : خدمةً لإنعاش الصدمة التي تحمي الأفراد من مواجهة "الواقع العاري" وجها لوجه بطريقة مباشرة .. إنه الجنون الذي يحمي الذهاني (الانفصامي) من تحمل مسؤولية المصير : في التركيز على ردع المعاقِب الذي يخطط للإيقاع به - بالحذر من الأقرباء (أن يكون بينهم)، لحين إنجاب المُخلِّص المنتظَر. ينزوي الجميع في الدين طالما أنه يغذي الاحتمالات المرجوة من الصدمة : تأكيدا للمصالحة مع الجنون الذي يُغلِّف العجز.


ـــــــــــــــــ
هوامش :

1 : في ذكرى ميلاد الحكَّاء الأكبر نجيب محفوظ.. الموهوب ينتصر - مقال لأحمد الفخراني ـ جريدة المصري اليوم.
2 : شاعر يحذر من تقديس - أدب نجيب محفوظ مقال لسارة عبد المحسن ـ جريدة اليوم السابع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قصف إسرائيلي على أرجاء قطاع غزة مع اشتداد المعارك في شرق رفح


.. أوكرانيا، روسيا، غزة: هل ستغير الانتخابات البرلمانية الأوروب




.. أوكرانيا: موسكو تشن هجوما بريا على خاركيف وكييف تخلي بلدات ف


.. لبنان.. جدل واتهام للمسرحي وجدي معوض بالعمالة لإسرائيل




.. متاعب جديدة لشركة الطيران الأمريكية بوينغ.. واختفاء مجهول لع