الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الذات الباحثة في كتابة التاريخ: وجهة نظر في نقد النقد

منصور بختي دحمور

2014 / 3 / 22
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


أدوار كثيرة تلك التي تلعبها الذاتية الفردية والجماعية في صياغة التاريخ وبنفس الدرجة التي يكون فيها للذاتية أثرها في صناعته من طرف الذي لا يكتبون التاريخ بأقلامهم فحسب ولكنهم يقومون بصياغتة التاريخ بأيديهم وأفكارهم في محاولة ليس ربطه بالواقع فقط ولكن ربطه بمستقبل شريحة واسعة من المجتمع الذي قد يشمل أمما عديدة.
هناك فرق بين كتابة التاريخ وصناعته ولكن السبب في الذاتية الكاتبة والذاتية الصانعة واحد ذلك انه ينبع من داخل النفس البشرية، وفي رأيي أنه من الكذب أن نقول أن هناك بحثا تاريخيا لم تكتبه يد الذاتية ذلك أن منطلق أي بحث تاريخيي كان أم غير تاريخي هو في واقع الامر الذات البشرية والنفس الناطقة عن الافكار والمعتقدات والاراء والخلفيات الذهنية والاجتماعية للفرد والجماعة.
يجب الا نخفي ان هناك فكرة وهناك واقع وهناك وجهة نظر مهما تعارضت هذه الوجهة مع وجهات اخرى في المجتمع الواحد، وهذه هي الدورة القطرية للبحث التاريخي.
ويجدر بنا أن ننتبه الى امر في غاية الاهمية في اخراج الافكار الى حروف وكلمات ونقدها الا وهي:
أولا:
لابد وان الفكرة لا تنطلق من العدم ولكنها نتيجة تمر على فترات كثيرة من النظر والتأكيد في ذهنية الباحث وبالتالي فهي عصارة خلفية ذهنية وزبدة ركام من الاعتقادات والتخمينات التي امتزجت بالنفس الناطقة فخرجت في شكل شرح لتلك المشاعر الفكرية ووجهة نظر الكاتب، ومن هنا نستنتج أن الذاتية نفسها هي من صنعت الفكرة .
ثانيا:
لابد ان نعرف ان الاختلاف في وجهات النظر هو مبدأ الوصول الى الحقيقة ولكن يجدر بنا ان نعرف ايضا ان وجهة النظر المخالفة هي مجرد اختلاف في الفكرة ذاتها ونفس المراحل التي صنعت الفكرة الاولى هي التي صنعت الثانية ولابد، وعلى هذا الاساس وجدت الفكرتان المتعارضتان، الفائدة في الامر هو ان كلا الفكرتين يتوجهان في سبيل واحد هو البحث عن الحقيقة.
ثالثا:
لابد وان تعارض الافكار سيؤدي بالضرورة الى نقضها والسبيل الى ذلك هو نقد المعلومة الذي سيؤدي آليا الى نقد الفكرة وهنا تظهر ما يسمى بالادلة المضادة في اثبات الخطأ ولكن علينا ان نعرف هنا أن الناقد مهما كان موضوعيا ومتمرسا في ما يسمى بالقطيعة الابستسمولوجية ينتقد الآخر انطلاقا مما يعتقده هو نفسه وبالتالي سوف تكون هذه الاعتقادات التي تشمل كل الخلفيات الذهنية للناقد بابا لإثبات خطأ أو صحة الرأي الآخر ونستنتج من هنا أن الناقد يدافع عن رأيه وعما يعتقد حول الموضوع في نفس الوقت الذي يدافع فيه الاخر عن فكرته هو ورأيه مهما كلفه الثمن وهنا تظهر الذاتية في اي كتابة واي نقد حول موضوع ما وحول الدراسات التاريخية بوجه التحديد.
رابعا:
اذا فالبحث لا يخلو من ذاتية، مالذي نفعله هنا؟
السبيل الوحيد في اخراج البحث العلمي الاكاديمي ليس احداث القطيعة مع الافكار السالفة أو رمي الخلفيات الذهنية والمعتقدات في سلة المهملات ولكن السبيل الصحيح هو احداث قطيعة مع الادلة التي يعتمدها الكاتب نفسه في دراسة موضوع بحثه أي استبعاد وليس الغاء فكرة انه الباحث على صواب وبالتالي نسبية البحث والادلة.
وهنا يكون هدف الباحث هو؟
الهدف من البحث ليس الغاء الافكار الباطنة والقول بالقطيعة الابستسمولوجية مع الافكار والمعتقدات مجرد ترهات واكذوبة على الذات ، ذلك ان احداث قطيعة مع الذات هو جحود لافكار تحتمل الصواب وهو في حقيقة الامر تنصل من ثوابت النفس الناطة وغير مستبعد ان يكون صاحب هذه النظر اذا ما طبقها حقا في البحث مريضا نفسيا يحتاج الى علاج كون التنصل من فكرة الذات انتماء االى فكرة أخرى مغايرة وان لم تكن واضحة ذلك ان الفكرة تحتمل الصواب كما تحتمل الخطأ والغاء فكرة الذات سواء كانت صوابا ام خطأ هو انتماء لفكرة مناقضة تحتمل الصواب والخطأ أيضا.
إن نظرة تفحصية في طريقة كتابة الغربيين للبحث العلمي يشمل ذاتية غربية يظنها هؤلاء صوابا وحقيقة سواء وافقوا المجتمع عليها ام لا ، نفس الشيء الذي نلمسه في بحوثنا نحن وبحوث الشرقيين من العالم، ولكن نظرة بأسلوب تحليل الخطاب الخفي في الكتب والبحوث الخاصة بالمستشرقين او المستغربين تدعو الى الشك فيما قدموه، وهم وان قالوا بموضوعيتهم في الكتابة التاريخية او غيرها مخطؤون ، كونهم نظرو االى الفكرة من وجهة نظر الآخر بينما نظر غيرهم اليها من وجهة نظرهم هم.
يتبين هنا أنه لا مناص من الذاتية في الكتابة العلمية الخاصة بالعلوم الاجتماعية والانسانية ولكن الحقيقة هي ان كل بحث مقبول ولكن بشرط التدليل على الفكرة وهنا يتضح ان صراع مع التأليف والبحث هو صراع أدلة فقط، وبالتالي تعود اهمية البحث الاكاديمي الى طريقة ومنهجية اقناع القارئ بوجهة نظر الكاتب والعكس فحتى لو كان الكاتب يحمل نفس فكرتك فربما تستبعده من دائرة البحث الاكاديمي ببساطة لانه عجز عن اقناع القارئ وهنا أنوه أن البحث الذي لا يتدخل فيه صاحبة ليس الا مجرد كلمات تجدها في غيره اكثر مما تجدها فيه.
أتمنى بذل جهد كبير من طرف الاخوة العرب والمسلمين في سبيل اقناع الآخر بأحقية الافكار التي يحملها المجتمع العربي والمسلم ولكن أكثر ما نتمناه هو أن يكون الصواب حليفنا وان لا يدعونا التكبر على الاعتراف بالخطأ.

من كتاب: "الذاتية والنقد في البحث عن الحقيقة" للسيد دحمور منصور








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. #الكويت .. سرق أحذية المصلين من مسجد بعد قياسها ليختار الأقر


.. الأوروبيون يختارون ممثليهم في البرلمان الأوروبي




.. لماذا لجأت إسرائيل للواتساب للبحث عن متطوعين للقتال في غزة؟


.. إعلام تابع لجماعة أنصار الله: عدوان أمريكي بريطاني على الحدي




.. للمرة الأخير.. شاب يمسك يد زوجته بعد استشهادها في مجزرة النص