الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن المجتمع الروحي والمجتمع المادي

سليم سوزه

2014 / 3 / 23
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


صراع الروحي مع المادي لا ينتهي، فهو سرمدي ما دام تتنافر قيمهما باستمرار
واحدة من حلبات ذلك الصراع هو المجتمع، ذلك ان الروحي والمادي يجهدان في التنافس للسيطرة على ادارة المجتمعات، كلٌ حسب قيمه التي يراها "حقيقة" مطلقة، كفيلة بايصال المجتمع الى الكمال والمثالية. في الواقع، الاثنان لم يقدما انموذجاً صالحاً مثالياً يجسّد بالفعل ما يؤمنا به على الورق. قد يراها بعضنا فجوة بين النظرية والتطبيق لكنه فشل يعود الى كنه الانسان ونفسيته وسلوكه.

ترفع المجتمعات الروحية كل شيء للسماء وتبرّر الافعال بقوة الغيب. سُنَّت قوانينها واعرافها بعيداً عن طبيعتنا البشرية. لسنا سوى حاضنات لارادة سبقت وجودنا. ارادة وضع حرّاسها تعاليمهم في الحرام والحلال والعيب والممنوع. كل شيء مُقنّن ومُنظّم حسب ما جاء به "الكتاب" وما علينا سوى طاعته لنرى بأعيننا الخير والعدل والرفاه والازدهار. مجتمعات ترتقي للنجوم باخلاقها، اذ لا فساد ولا سرقة ولا قتل ولا جرائم فيها. لا خوف ولا ظلم. لا فقر مدقع ولا غنى فاحش، طبقة واحدة مؤمنة مُسبّحة بحمد ربّها. أيوجد هكذا مجتمع روحي برأيكم!

لنذهب الى مجتمعات المادة. هاهوذا المجتمع الاشتراكي كيف استبدل ظلم البرجوازية بدكتاتورية البروليتاريا الاشنع. ابقت الاشتراكية السياسة في يمين السلطة وزادت عليه بالاقتصاد في يسارها وقالت قدنا الى حيث المنتهى والكمال، قدنا حيث لا حاجة لاحد بالمال. كلنا نملك من حيث اننا لا نملك. اين ذلك المجتمع؟ اين ازدهاره ورفاهيته؟ بل كانت في الاشتراكية اعلى معدلات الفقر والعوز والحرمان منها الى مجتمعات الرأسمال والحظوة المالية.
اما في المجتمعات الرأسمالية حيث ينغمز الفرد في اسواق المال وقوانينه، المال هو الحاكم. لا وجود للاخلاق والضمير فيها. كل شيء صالح ما دام يأتيني بالمال. لعله من المناسب ذكر ان مجتمعاً مزدهراً كالولايات المتحدة الامريكية تنمو فيه مستويات فقر رهيبة خصوصاً في مناطق السود والاقليات العرقية. زادت الرأسمالية من تلك الفجوة الحاصلة بين الفقراء والاغنياء، بل وخلقت طبقية قوية نافذة بقوانينها علينا شئنا ام ابينا. استطيع ان اقول ان المجتمع الرأسمالي كالبناء البهي، خارجه ملون وزاهي وجذاب يبعث على الاستقرار والرفاهية بينما داخله مبعثر غير مستقر يعاني من شقوق قد تطيح به وبشكله الجميل عند اول هزة اجتماعية. هو بالفعل ما حصل قبل اربع سنوات تقريباً ومازال الامريكيون يعانون آثاره حتى اليوم.

اين الخلل يا ترى؟

لا يستطيع مبدأ العقاب والثواب والجنة والنار خلق مجتمعات كاملة ومتكاملة، ذلك لاننا بشر ندرك المحسوس فقط ولا نتفاعل مع الغيب الا حين نراه. كُلّفنا بشرائع اكبر منا. اكبر من طبيعتنا البشرية. اكبر من ابداننا. اكبر حتى من ان نعي حكمتها واسبابها. لهذا كانت غير فاعلة في قيادتنا واصلاحنا. غير فاعلة لانها تجاهلت قدراتنا وطبيعتنا البشرية وتعاملت معنا كملائكة لا شهوة لديها ولا غريزة.
فشل المجتمع الروحي وصار ضرب من الخيال ان يعتقد احدنا بكمالنا وتكاملنا تحت قوانين الغيب. فشل مثلما فشل ايضاً المجتمع المادي الذي صار هو الآخر سبباً في معاناة الناس لا حلاً لمشكلاتهم. فشلت قوانين السماء والارض في ان تنتج مجتمعاً سليماً مزدهراً معافى.

ما السبب في هذا؟ لست هنا اعطي جواباً ولا ادري ما السبب بصراحة، لكنه الانسان بالنهاية. الانسان الذي قُذِف به في الكون فجأة فشل ان يخلف الارض. فشل لكنه عنيد لا يعترف بفشله. مازال يراهن على قيمه الروحية او المادية انها الحل حتى بعد ان شهد خرابهما وفشلهما الصارخ.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 102-Al-Baqarah


.. 103-Al-Baqarah




.. 104-Al-Baqarah


.. وحدة 8200 الإسرائيلية تجند العملاء وتزرع الفتنة الطائفية في




.. رفع علم حركة -حباد- اليهودية أثناء الهجوم على المعتصمين في ج