الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عايز أغلط!!!

مختار سعد شحاته

2014 / 3 / 23
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


انا لستُ ملاكًا ولا أطمع:
خُلق الإنسان بفطرة محيرة، فعلها عجيب، تُدهشك كلما تحاول أن تتتبعها، تراوغك كلما حاولت رسم الخط لها لتسير عليه، كلما اجتهدنا كي نقومها؛ وجدناها تسلك بنا سبلا شديدة الوعورةـ، تدفع بنا دفعًا نحو تجارب نريح أنفسنا من مغبة الخوض فيها ونتعلل بأنها أفعال الشرير، هذا الرجيم الذي يحاول كثير الخلاص منه للأبد؛ أملاً في ملائكية ما بدرجة ما، أو توقًا لخلاص بعينه، نرانا أحوج إليه.
يا صاح لستُ ملاكًا، ولا أطمع أن أكون، فقط آخر اكتشافاتي عن نفسي بعض إنسانيتها، وكل ما يمت بها إلى دُنيا البشر، فعرفت أني أحتاج إلى الخطأ، نعم أحتاجه بشده، لا حبًا في ارتكاب المخالفة قدر ما هو بصيرة نحو حكمته، من تسمية نفسه "الرحمن الرحيم"، وهو ما يوقع في إشكال عميق، فما بين الخطأ والصواب تكمن رحمته، وما بين الحلال والحرام نتعرف إلى حدود تلك الرحمة التي قال عنها بأنها مُدخرة إلى حين حاجة.

إنسانيتي التي رتبت بشريتي وطيني:
أحتاج أن أتعرف إلى تلك الحدود ، وأن تأخذني إنسانيتي إلى أخر حدودها الفاصلة ما بين التسليم بها وبالتالي تسليم بوجوده، وبين الكفر بها الراتب عن الكفر بوجوده ذاته، أحتاج إليها حاجتي إلى تلمس تلك الإنسانية التي رتبت خلقي البشري، فعرفت أن حاجاتي البشرية سابقة على حاجاتي الإنسانية، أحتاج إلى المعصية التي احتاجها آدم الأول كي يتعرف إلى درجات توبته التي كانت بعضًا من رحمته عليه، حين علّمها له بوحي أو بمباشرة واتصال وتحقق في ذرات روحه التي سكنت آدم البشري، فتعرف على آدم الإنسان بعدها، وعرف عن الأشياء والأفعال أكثر فأكثر. أحتاجها تمامًا كحاجة أم إلى آلام المخاض كي يولد مولود جديد به طهر خالص، وفطرة سليمة.
كذب من قال بأن عنصري "الماء والتراب" –أصلي البشري- هما مادة حقيرة. أعرف أني طين هين، يتأثر بكل عناصر الكون من ماء وهواء وتراب ونار، وأؤمن بهذا الأثر، وأدرك حاجتي إلى أن ألزب في ردغة معصيتي، وإلا ما أدركت طبيعة الوضوء حين يُطهر بمائه هذا الخبال، ولا كان عقلي تفهم حاجتي إلى بعض النار ليستوي طيني، وشيء من هواء يمر على سطحي فيجف حينًا ويطرى آخر، أعرف حاجتي تلك، وأحتاجها بلا إنكار لطبيعتي الضعيفة التي تحتاج إلى الخطأ كي تتعلم عن الأشياء، وهي حاجة تختلف عن التبرير وعن تجارب التربويين حين يعلمون الطفل أو الحيوان بالمحاولة والخطا، فأنا لا أحتاج إلى تكرار الأخطاء قدر حاجتي إلى تنوعها، هذا التنوع الذي يمنح البشري الكثير من خبراته عن إنسانيته التي لن تتحول إلى ملاك، ولن يحزنها أنها خلق مغاير للملائكة، لكنها تحمل في طيات معصيتها وصوابها وخطأها سمو المنزلة التي أهّلته ليحمل بعض الروح العظمي في جسده الذي يضيق كثيرًا عن استيعابها، فيحتاج إلى أن يحررها من سجن هذا الجسد، وهو ما لا يكون إلا بهذا الخطأ وذاك الخطا.

الفعل والتبرير وبون شاسع:
أتوق إلى تعلم وإدراك فلسفة الخطأ وفقط، لا فلسفة تبرير الخطأ، فالخطأ المجرد وإدراكه درجة عليا لا يُدركها وينتبه لها إلا أصحاب الحظوة، وهو ما يحتاج إلى تذكره والتذكير به، ولو في صورة من العتاب، فمحمد الرسول عاتبه ربه حين قال "عفا الله عنك لم أذنت لهم"، وموسى الكليم ألم ينجه وهو قاتل، صاحب دم، وسليمان الملك الحكيم ألم يفتنه الخيل، وذو النون ألم يغضب؟ أوليس الغضب خطأ في عُرف السماء والنبوة؟ فما بال كثير يخلط بين الفعل وبين التبرير؟! شتان ما بينهما وبون واسع سعة ما بين الرسل وبين العامة، ففعلهم ما جلب عليهم العتاب، تعلموا منه أن العتاب لا يكون إلا عن محبة، والكفالة لا تكون إلا عن محبة، والفتنة لا تكون إلا عن محبة، والغضب لا يكون إلا عن محبة، نعم محبة ممن نحتاج أن نُدرك عنه أنه يحبنا بحق، ويقبل كل هذا الخطأ البشري، لكنه لا يقبل التبرير، وإلا لِمَ لم يقبل من المنافقين ولو أنفقوا ملء الأرض ذهبًا؟، حتى أنه تحدي تبريراتهم وإن كانت مشفوعة باستغفار الرسول محمد لهم سبعين مرة، وهو ما كان مع الأولين ممن قالوا بأنهم وجدوا آباءهم على دينهم، فما قُبِلَ تبريرُهم للكفر، وهو في ذاته فعل مخلوق ومردود كل الأفعال إلى خالقها، لكننا نكتسبها.

هل خلق الله الكُفر؟:
يصدمك قولي الأخير ربما، لكن حتى الكفر ما دام ناتج عن خطأ بشري، لا تبرير بشري لفعل الكفر ذاته، فهو ما أظنه مقبولاً كونه مخلوقًا، بل قد يكون أول خيط يربط بين الإيمان وعدمه، وخطوة واسعة نحو الجنة.. تُكفرني الآن؟ تحدثك نفسك بأني أهرطق؟ أجدف؟ وما مانع ذلك ما دام فعل إنساني غير مبرر، فقط أنت تحتاج أن تتأكد من حديثك إلى نفسك عن كفري وإيمانك، هل تحاول تبرير ما اعتقدته كفري، وتوصيفه؟ إذن أنت تبرر الخطأ وأنا – في ظنك- ارتكبته، أي بوضوح أنا لم أبرر لما أشك وأظن فيه، بينما أنت تحاول وضع التبرير للخطأ، وهو أعلى درجات الكفر في رأي خاص بي. ربما ستصر على موقفك منه، لكن دعني أُحيلك إلى أمرين: الأول محاولة الإجابة عن سؤال "لم غفر الله لرجل كفر به وعصاه حين سقى كلبًا؟! والآخر، لم طُرد إبليس الرجيم من رحمة الله؟ هل لعصيانه أمر السجود؟ لا تتسرع، فالنص المقدس لم يجرمه لامتناعه عن السجود، انتظر ولا تتسرع، فقط دقق في الحادث، فإبليس لم يصدر له الأمر، إنما لما سجدت الملائكة أخذ يبرر لامتناعه حين سأله فأجاب "أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين"، هنا كان تبرير الخطأ، حتى وإن كان الامتناع خطأ له درجة ما، وهو ما جعله يعترف بأنه سيترصد بالبشر يذبها عن الصواب لا نحو الخطأ بل إلى تعليمهم آفة التبرير، وهو ما بدأه حين "وسوس " إلى آدم، أي أنه أخذ يبرر للخطأ، لا يصفه، وهو ما يفعله طوال الوقت بما نفهمه أو ناوله بالوسوسة التي لا تزيد عن كونها تعويد البشر على التبرير، تجعلني أفهم حين تثحكى المواقف الخلافية لا يعترف الشخص بالخطا قدر ما ينشغل بتبرير الخطأ.

حين برر المعزولون في بلاد الربيع العربي:
لآخذ مثلا قريبًا من واقعنا العربي، وهو افتراض جدلي بحت، فما بالنا لو كان هؤلاء الرؤساء لدول ما عُرف بالربيع العربي اعترفوا بأخطائهم، أليس هذا أدعى للُحمة بديلاً عن الفرقة والاقتتال؟ لكنهم ظلوا يبررون لأخطائهم ونزواتهم، وهو ما فجر الوضع وزاده مأساوية، وفي مصر كُلنا يتذكر ما اصطلح المصريون على تسميته "الخطاب العاطفي لمبارك"، ففيه حاول تفادي المصير المحتوم فاعترف بأخطاء مرحلة ما، لكنه نكص على عقبيه وعاد يبرر تلك الأخطاء، وهو ما اعتبره ثوار التحرير يومها مراوغة ألهبت الوضع وكان ما كان، والأمر مثله ما يزال قائمًا في سوريا على الطرفين، لا أحد يعترف بالخطأ قدر ما يبرر لما يرتكب من مجازر يدفع ثمنها هؤلاء الذين لا يعنيهم فلسفة التبرير قدر ما يعنيهم الاعتراف بالخطأ. وفي مصر الآن ندفع ثمن تبرير الاخطاء لا ثمن الاعتراف بها، فثمن الاعتراف بالخطأ في شرع السماء المغفرة، فهي توبة بدرجة ما.

عبقرية المثل الشعبي:
لعل العربي القديم استلهم هذا الفرق حين تأول بشكل ما "عفا الله عما سلف"، أي أنه يعترف بحدوث خطأ لكنه يتصالح معه كونه طبيعة إنسانية، لكنه أبدًا لم يبرر للخطأ، هو ما جعل العقل الجمعي الشعبي يلخص تلك المعضلة بنورانية فذة في المثل الشعبي "ما يقع إلا الشاطر"، وهو اعتراف بأن "الشاطر" – وهو لفظ محمود في عامية المصريين- لابد له أن يقع في الخطأ، لكنه لا يبرره بقدر ما يعترف به، وهو ما تراه قريبًا في "لكل جواد كبوة". هو خيط رفيع يا صاح بين أن نحتاج إلى الخطأ لنتعرف أكثر وأكثر إلى إنسانيتنا وفطرتنا، وبين تبرير الخطأ، وأنا هنا لا أدعوك إلى الخطأ، إنما أدعوك أن تتعلم قبوله حين تقع فيه، وأن تشغل نفسك بالتأمل في طبيعتك الإنسانية، لا في فلسفة التبرير لفعله. لذلك في النهاية أعترف بحاجتي إلى الخطأ فلربما كان طريقي الأصعب الذي اخترته للخروج من رحلة شكي تلك إلى يقين أعرف أنه حتمًا سيأتي، وما يؤخره سوى انشغالي بالتبريرات، لا بالتدبيرات.
عزيزي القاري، أرجوك إن رأيت شطحًا أو خطأ ما في فكري؛ فتعلم أن تقبله لا تبرر لأسبابه، فأنا أتعلم التصالح مع أخطائي وحبها والتعلم منها قدر محبتي لإنسانيتي التي تنضج بهذه الأفعال التي توصف بوصف "خطأ"، كان يومًا طريق آدم نحو معرفة التوبة والتعرف إلى رحمة ربه الواسعة، فلا تحرمني نصيبي منها.

مختار سعد شحاته.
Bo Mima
روائي.
مصر/ الإسكندرية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ها ها .. انا كمان نفسى اغلط .. بس تربيتى لاتسمح لى
حكيم العارف ( 2014 / 3 / 23 - 07:15 )
يا استاذ مختار


هناك فرق بين خطاء الانسان عفويا .. و سعيه الى ان يخطى لكى يجرب الخطاء .. حيث ان هتاك اخطاء لايمكن نسيانها او تغاضى عقباتها..

مثلا .. واحد يقتل واحد ثم يذهب ليصالحه !!.

وفى هذه الحاله لاينفع معها عبقرية المثل الشعبى -عفا الله عما سلف-


دمتم بكامل الصحه و المحبه

اخر الافلام

.. الاحتلال يمنع مئات الفلسطينيين من إقامة صلاة الجمعة في المسج


.. جون مسيحة: -جماعات الإسلام السياسي شغالة حرائق في الأحياء ال




.. إبراهيم عبد المجيد: يهود الإسكندرية خرجوا مجبرين في الخمسيني


.. سياسي يميني فرنسي: الإخوان ساهموا في نشر الإسلاموفوبيا في أو




.. 163-An-Nisa