الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ليس لأمي مكان في الجنة

نوال السعداوي
(Nawal El Saadawi)

2014 / 3 / 24
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات


أميل إلى «التفاؤل» فى عيد الأم، فالأمل يشحن جسمى وعقلى بقوة أربعين حصان، وهى نصف طاقتى الموروثة (بالجينات والميمات) عن جدتى وأمى وأبى، لم أرث «جينة» واحدة عن جدى، لحسن حظى، الذى مات قبل أن أولد، وكان «زير نساء» كما سمعت من جدتى، ينتقل من فراش امرأة إلى غيرها دون غسل، تقول عنه جدتى «كان يدخل ويخرج ولباسه على كتفه»، أصبح هذا الرجل يطبع اسمه (السعداوى) على جميع كتبى ومؤلفاتى دون موافقتى.

إنه الظلم الكونى لى ولأمى، المرأة العظيمة، التى عاشت وماتت من أجلى دون أن أحمل اسمها، كنت أكتبه فى طفولتى على كراستى فيشطبه المدرس، ويضع اسم جدى بدلا منه، فأمسحه بالأستيكة، ليأتى المدرس فيضربنى بحافة المسطرة على أصابعى، ويشطب اسم أمى ويضع اسم الرجل الغريب. لكنى استطعت أن أفرض إرادتى على العالم، وأرد الجميل لأمى، بعد أن ماتت منذ خمسين عاما، وبعد أن جاوزت الثمانين من عمرى، شطبت اسم جدى من الدفتر الرسمى المزيف، وكتبت الاسم الثلاثى الذى يضمنى مع اسم أمى وأبى كالآتى:

نوال زينب السيد:
لم تجد ابنتى فى العيد هدية تشتريها لأمها من السوق، فالهدايا فى نظرها لا يمكن شراؤها، وفكرت فى هدية لها معنى عميق، فأهدتها إحدى قصائدها، وقعتها باسمها واسم أمها وأبيها، وحذفت اسم الجد الذى مات قبل أن تولد. كانت الهدية شديدة الجمال والبساطة، لم تكلفها مالا أو الذهاب إلى السوق، لكنها كادت تكلفها حياتها، فقد اتهموها بالكفر، وساقوها إلى المحكمة فى قضية حسبة، وذهبت معها. رأيتها واقفة طويلة القامة شامخة الرأس كالشجرة، ترد على المحققين بصوت واضح قوى، قالت لهم:

من حقى أن أحمل اسم أمى وأبى، وليس من حقكم أن تحذفوا اسم أمى وتفرضوا على اسم رجل غريب عنى؟

وهز القاضى رأسه مقتنعا وأطلق سراحها.

فى عيد الأم تزعق الأبواق والإذاعات بأغانى الحب المشبوب، يشتد الزعيق باشتداد الزيف والخداع، يكتب أحد الأدباء عن أمه، يتغنى بتضحياتها وتفانيها فى خدمة الأسرة الكبيرة، هو وإخوته السبعة وأبوه وجده.

تفرغت أمه لخدمة عشرة من الرجال، نجحوا كلهم فى حياتهم وأصبحوا دكاترة ومهندسين، كانت تعمل من الفجر حتى المغرب، لا تطلب شيئا لنفسها، لا يعاونها فى عملها إلا خادمة صغيرة من الريف، ويوجه الأديب الكبير الشكر لأمه فى عيد الأم، أعطاها لقب الأم المثالية، يقول إنها لم تتذمر أبدا، وتحملت نزوات أبيه، لم تعترض حين تزوج امرأة أخرى، كانت مؤمنة صالحة تعرف أن الله منح هذا الحق لزوجها، فكيف تعترض على أمر الله؟

تخيلت هذه الأم المسكينة كيف عاشت وكيف ماتت واندثرت لا يذكر اسمها أحد، تخيلت أيضا الخادمة الطفلة من الريف التى حرمت من أمها وأبيها وإخوتها، لتعيش الحزن والشقاء والهوان وسط عائلة غريبة عنها من عشرة رجال، تغسل صحونهم وثيابهم وتدعك مرحاضهم وتأكل فضلاتهم، وتنام على حصيرة أو دكة فى المطبخ، وتأخذ علقة من الأم أو الأب إن كسرت شيئا. كان يمكن لهذه الخادمة الصغيرة أن تصبح أديبة كبيرة مثله، لو أنها تعلمت مثلما تعلم هو، لكن الفقر جعلها تغسل ملابسه وتنظف غرفته، بينما هو يتلقى العلم أو الأدب والفن، وكانت أمه أيضا تخدم أباه، تغسل جواربه وتطبخ طعامه بينما كان أبوه يتقدم فى العلم أو الأدب أو الفن.

ويقولون إنه الدور الذى خلقت المرأة كى تؤديه، دور الخادمة لزوجها وأسرتها دون أجر، وأجرها عند الله فى الجنة، وبحثت عن أمى فى الجنة فوجدتها وحيدة حزينة كما كانت فى الدنيا، وأبى يمرح سعيدا بالحوريات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مصدومة
سامح مريم عبدالله ( 2014 / 3 / 24 - 08:59 )
هي مش حزينة او وحيدة، هي بس مصدومة من بشاعة المنظر، وبتفكر ازاي تهرب!!


2 - جنة رضوان المقرفة
عاد بن ثمود ( 2014 / 3 / 25 - 02:00 )
لقد قدر لي أن أدخل هذه الجنة... و رأيت ما فيها من نزوات و شذوذ و عربدة
لم أطق مثل هذه العيشة التافهة، فناديت على رضوان بأن يبادر بإخراجي من هذا الماخور الرباني إلى مكان قصي لا أرى فيه عباد الله المخلصين.


3 - كُفيت
هانى شاكر ( 2014 / 3 / 25 - 02:28 )


أمى فى الجنة ... وحيدة حزينة
وأبى يمرح سعيدا بالحوريات
يلهط كُفيت ، وفخد خروف سمينة
و مبرطع .. يعوض إللى فات

و عجبى

...


4 - كلمة إلى نوال السعداوي
غـسـان صــابــور ( 2014 / 3 / 25 - 08:13 )
آه وألف آه.. كم أنت رائعة حقيقية صائبة... وكم أرى من واجبي الاعتذار مما جلبته عاداتنا وتقاليدنا ودياناتنا وآلهتها من غبن لأخواتك ولك.. عبر عصور طويلة وما زالت.. وما زالت مستمرة.. مباركة.. مقبولة.. سارية.. حتى توازت الماتشية العربية الشرقية مع الأديان.. غبنا وظلما تجاه المرأة.. الزوجة والأم والأخت والابنة...
لهذا أنحني أمامك واعتذر..
يا سيدتي.. يا سيدة نوال.. أنت أصدق من أرفع رجالنا وحكامنا وشيوخنا.. ألف مرة.
تابعي رجــاء... قد نفهم يوما صرخاتك........
ولك كل مودتي واحترامي... وأصدق تحية طيبة مهذبة.
غـسـان صــابــور ـــ لـيـون فــرنــســا


5 - ليس
ناس حدهوم أحمد ( 2014 / 7 / 9 - 23:22 )
مقال رائع
طافح بالمنطق والحب والصواب
والجمال
لم أقرأ في حياتي لسيدة تتحدث بمثل هذا العنفوان
وهذا المنطق المتين الذي لا يقبل الإختلاف
المرأة أجمل كائن موجود على وجه البسيطة
المرأة فوق كل شيء لوحة بهية تسعد الرجل الحقيقي
بجمالها وقوامها
وإذا كانت فاضلة هناك يكمن الكمال

اخر الافلام

.. كوباني تحتضن مهرجان زيلان الثالث


.. -الشهيدة زيلان رمز للمرأة الكردية المناضلة-




.. لمناهضة قتل النساء منظمة سارا تطلق حملة توعوية


.. مسرحية غربة




.. دعاء عبد الرحمن طالبة بكلية الصيدلة بجامعة أم درمان