الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


کيف نفهم الشيطان؟

أحمد القبانجي

2014 / 3 / 26
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


قالوا وقلنا:...........

يقول القرآن: (ان الشيطان كان للرحمن عصيا)-مريم 44-
ويقول ايضا؛(فسجدوا الا ابليس كان من الجن ففسق عن امر ربه..)-الكهف 50-

اقول: مسألة الشيطان طالما شغلت بال المفكرين والمفسرين وأثارت العديد من التساؤلات حول حقيقته وكيفية اغوائه للناس وكيف سمح له الله بذلك وغير ذلك, وبالنسبة للمفهوم القراني عن الشيطان-كما ورد في الكثير من الايات- انه مصدر جميع الشرور التي تصيب الانسان من مرض واغواء ومنكر وكفر وشرك وسلوكيات لا أخلاقية وحتى النسيان وحب المال والثروة وامثال ذلك,وان اصله كان من الجن الصالحين وقد صار من الملائكة لكثرة عبادته,فلما خلق الله ادم وأمر الملائكة بالسجود امتنع من السجود فطرد من ساحة الرحمة الالهية فحقد على آدم وذريته وانشغل باغواء الناس واضلالهم... الخ.
ونود هنا طرح بعض الملاحظات:

1-نرى أن القران,بهذا المفهوم الذي طرحه عن الشيطان وبهذه الصلاحيات الواسعة في مجال الشر,اراد تقديم جواب عن سؤال مهم طالما تردد في اذهان البشر عن مصدر الشر في العالم,وبما ان الشر موجود في العالم,اذآ لابد له من صانع ,ولكن لا يمكن ان يكون الله هو الصانع للشر لانه اله خير ورحيم ويحب عباده, فلابد له من مصدر اخر.. اتباع مذهب تعدد الالهة في اليونان والروم القديمة وكذلك في الهند ذهبوا الى وجود مصادر اوآلهة متعددة للخير والشر,اما الثنوية كالمجوس والزرادشتيين فذهبوا الى وجود الهين اثنين:اله خير واله شر للتخلص من المشكلة, اما القران,الذي نادى بالتوحيد ونبذ الشرك بكل اشكاله وان الله الواحد الاحد بيده كل شئ وخالق كل شئ في هذا العالم,فقد وجد نفسه امام هذه المشكلة,فان قال ان الشر من الله فربما يخل ذلك بصورته عند المؤمنين وبصفات الرحمة واللطف والمحبة الالهية لعباده,وان قال بوجود مصدر اخر له غير الله فذلك يخل بمبدأ التوحيد,فكان الحل الامثل هو اختراع كائن اخر مخلوق لله ولكنه صار فيما بعد عاصيا لله ومصدر الشرور في حياة البشر حتى يمكن تعليق مظاهر الشر على شماعته وتنزيه الله عنها.وهذه الفكرة كانت موجودة عند العرب في الجاهلية وفي المسيحية وجرى التأكيد عليها في القران.

2-رغم ان هذه الرؤية للشيطان يسهل فهمها وقبولها عند عامة الناس ممن لا يتعمقون في المسائل الدينية,الا انها تواجه الكثير من الاشكالات,منها: لماذا أذن الله للشيطان باغواء البشر؟ ولماذا أطال عمره الى يوم القيامة واعطاه القوة وسلطه على الانسان؟ الا يعتبر الله شريكا له في الغواية,لان الثابت في علم الجريمة ان من يعين شخصا ولو بصورة غير مباشرة على ارتكاب جريمة فهو شريك له ؟ولماذا لم يعاقبه الله على معصيته بل تركه يسرح ويمرح ويتلاعب بمصائر البشر؟ ثم الا تكفي مغريات الدنيا والنفس الامارة والجهل والمصالح الشخصية باضلال الانسان حتى يضيف الله لها الشيطان ليغوي العباد؟ وهل العقل الذي يتولد في مراحل متأخرة قادر على صد كل هؤلاء الاعداء الذين استوطنوا في نفس الانسان بحيث يصعب التخلص منهم وبخاصة اذا اضيف لهم ضغط العرف والمجتمع والتربية والمزاج والغرائز؟ واذا كان كيد الشيطان ضعيفا كما يقول القران (ان كيد الشيطان كان ضعيفا) فلماذا نجد اكثر الناس يعرضون عن دعوة الانبياء ويتبعون الشيطان كما يصرح القران بذلك في اكثر من اية؟ ثم ان الامر بالسجود كان موجها للملائكة(واذ قلنا للملائكة اسجدوا لادم)والشيطان كان من الجن باعتراف القران,اي ان الامر بالسجود لا يشمله,فكيف يستحق المؤاخذة والعقاب؟ وكيف دخل الجنة ووسوس لآدم وقد اخرجه الله منها بعد عصيانه؟ اضف الى كل ذلك ان الكثير من الامور التي ينسبها القران للشيطان ثبت أنها من سبب آخر كالمرض الناتج عن فيروسات او بكتيريا والقران يقول انه من الشيطان كقول ايوب(رب اني مسني الشيطان بنصب وعذاب),او انها من الامور الطبيعية والمفيدة للانسان غالبا كالنسيان والقران يقول(وماانسانيه الا الشيطان),او انها بدافع الغريزة والكبت كالانحرافات الجنسية وو..الخ.

3-العرفاء يرون ان كل ماورد في القران من قصة آدم وحواء والشجرة الممنوعة وسجود الملائكة لادم وعصيان ابليس ليس سوى مسرحية وتمثيل يراد منه تصوير المعقول بالمحسوس لتقريب الصورة لاذهان العرب البسطاء كما أقر بذلك السيد الطباطبائي في تفسير الميزان ج1 ذيل الايات(واذ قال ربك للملائكة...),والحقيقة ان الشيطان من صنع الانسان والمجتمع وهو الانا في كل واحد منا في مقابل الذات الحقيقية في الانسان وهي الوجدان والذي يعبر عنه القرآن بآدم في هذه المسرحية, وهذه الانا او النفس القشرية تتشكل في اواخر السنة الاولى من عمر الطفل كما يقول علماء النفس وذلك من خلال وضع اسم له من قبل الوالدين وتلقينهم له بانك انت فلان وهذه ماما وهذا بابا فيدرك الطفل تدريجيا بأن له وجودا مستقلا عن محيطه بهذا الاسم,وتتوالى اسماء الاشياء في ذهنه لتشكل مايعرف فيما بعد بالانا عند الطفل,كما هو الحال في قشرة البيضة التي تتكون في عنق الرحم بعد تكون النطفة والصفار في رحم الدجاجة وذلك للحفاظ على هذه النطفة من التلف بعد خروجها,ولكن في الانسان يتم صناعة القشرة او هذه الانا بعد الولادة, فالنفس البشرية تتشكل من لب وقشرة, فاللب يتمثل في البدن وغرائزة وحاجاته وهو من صنع الله,والقشرة هي هذه الانا الذهنية الاعتبارية ,اي ليس لها وجود حقيقي في الواقع المادي والخارجي كما في الوجودات الاعتبارية والذهنية الاخرى كاللغة والقوانين والحكومة والدين وامثال ذلك من الموجودات الذهنية التي يخلقها البشر لتمشية امورهم في هذه الحياة, فالله يخلق الوجود المادي الخارجي وهو العالم الحقيقي,والانسان يصنع الوجود الذهني له او بعبارة اخرى ان الله يصنع الوجود والانسان يصنع الماهيات كما تقول الوجودية, فالحكومة مثلا لها وجود في ذهن الانسان فقط اما في الخارج فيوجد اشخاص وافراد فقط.كما ان الغابة موجودة في الذهن فقط اما في الخارج فهي اشجار متقاربة ,ولهذا يعيش كل فرد عالمه الخاص به من علاقات ولغة ودين وعرف وماالى ذلك وان كان جميع افراد البشر يشتركون في العالم المادي الخارجي..
وعلى هذا الاساس فالانا من خلق المجتمع الذي غرسها في ذهن الطفل كما غرس المعارف الاعتبارية الاخرى وليست من خلق الله,ولهذا تطيع المجتمع والعرف ودين المجتمع ولا تطيع الله,كما يقول العارف الكبير الميرداماد(استاذ صدر المتألهين) بأن الشيطان لو كان من خلق الله لما استطاع عصيانه,فهذه القشرة الذهنية تنفع الطفل في كسب الاستقلال من محيطه ولكن بعد سنوات وبعد ان ينضج العقل والوجدان في الانسان ويريد الخلاص من هذه القشرة الانانية يبدا الصراع بين هذه الانا وبين الذات الحقيقية للانسان وهي مانطلق عليه بالوجدان او الروح الالهية حسب القرآن(ونفخت فيه من روحي),فهذه الانا القشرية وللحفاظ على وجودها تطلب من الانسان دائما ان يسير وفق مصالحة الشخصية ومنافعه الذاتية حتى لو كانت على حساب القيم الاخلاقية والمثل الانسانية وكما اشارت اليه الاية الاولى(ان الشيطان كان للرحمن عصيا), والانسان في هذا الصراع الداخلي بالخيار بين اتباع الانا او الوجدان,فقد تتضخم الانا فيه وتشتد فيما لو امدها بالغذاء الذي هو عبارة عن الافعال والسلوكيات الذميمة فتستطيع التغلب على الوجدان,وقد يحدث العكس فيما لو سلك الانسان في حياته طريق الخير والصلاح وقام بتغذية وجدانه بالاعمال الصالحة فتكون الغلبة للوجدان على الانا ويكون الانسان حينئذ وجدانيا ومن اهل الخير.وبهذا المعنى للشيطان لا ترد جميع الاشكالات الواردة في الفقرة الثانية.
وسوف نتحدث اكثر عن خطوات الشيطان واساليبه في الحلقة القادمة لأن المجال لا يسع هذه التفاصيل في هذه الحلقة............ وشكرا لكم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تسلم
nasha ( 2014 / 3 / 26 - 08:12 )
بالتاكيد كلامك صحيح لا وجود للشيطان مادياَ. والمذكور في الكتب الدينية هو فعلا تجسيد الافكار بشخصنتها لتسهيل ايصالها الى عامة الناس. فهي اختراع او ترميز من كاتب النص. ــــــــ لا يوجد كتاب كتبه او انزله الله او الشيطان جميعها انتاج ادبي بشري و تفسيراتها في عقل مؤلفيها.
شكراً استاذ.


2 - تعليق1
عبد الله خلف ( 2014 / 3 / 26 - 08:56 )
• لماذا أذن الله للشيطان باغواء البشر؟ .
الإجابه : و هل الشيطان يستطيع أن يغوي البشر؟... لا , قال تعالى : {إن كيد الشيطان كان ضعيفا} , و قال تعالى : {إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك} .
هذه الآيات تؤكد أن الله جعل للإنسان العقل و الإراده و حرية الأختيار , فمن تبع هوى نفسه و إغواء الشيطان فسيتحمل نتائج أختياره .
• لماذا أطال عمره الى يوم القيامة واعطاه القوة وسلطه على الانسان؟ .
الإجابه : من قال أن للشيطان قوه و سلطه على الإنسان , منهجك و فهمك للإسلام خاطيء! .
• الا يعتبر الله شريكا له في الغواية,لان الثابت في علم الجريمة ان من يعين شخصا ولو بصورة غير مباشرة على ارتكاب جريمة فهو شريك له؟ .
الإجابه : لا , فالله أعطى لإبليس ماطلبه , و أعطى للبشر درع حمايه لهم , و جعل للإنسان العقل و الأختيار .
علم الـ(جريمة) ليس مقياس , و السبب : هناك جرائم تغلق دون التوصل إلى اي دليل مادي او غيره .


يتبع


3 - تعليق2
عبد الله خلف ( 2014 / 3 / 26 - 08:56 )
• لماذا لم يعاقبه الله على معصيته بل تركه يسرح ويمرح ويتلاعب بمصائر البشر؟ .
الإجابه : و هل الله قال بأنه سوف يعفي عنه ؛ لكي تطرح سؤالك هذا؟... ثم أن الدنيا دار إمتحان و فناء .
ثم راجع الفقره الأولى من تعليقنا , فلماذا تعيد السؤال بصيغه أخرى؟ .
• الا تكفي مغريات الدنيا والنفس الامارة والجهل والمصالح الشخصية باضلال الانسان حتى يضيف الله لها الشيطان ليغوي العباد؟ .
الإجابه : الله أعطاك العقل و الأختيار , و هما جديرين بالمحاسبه , فتساؤلاتك غير مجديه .
• هل العقل الذي يتولد في مراحل متأخرة قادر على صد كل هؤلاء الاعداء الذين استوطنوا في نفس الانسان بحيث يصعب التخلص منهم وبخاصة اذا اضيف لهم ضغط العرف والمجتمع والتربية والمزاج والغرائز؟ .
الإجابه : نعم , و توجد أمثله بشريه رائعه تجاوزت عقولها هؤلاء الأعداء .
• لماذا نجد اكثر الناس يعرضون عن دعوة الانبياء ويتبعون الشيطان كما يصرح القران بذلك في اكثر من اية؟ .
الإجابه : أختيار الإنسان , لذلك , سيحاسب الإنسان على أختياره , فالخبر وصل و الرساله بُلّغت , و الإنسان أختار , و الحساب على قدر الأختيار .


يتبع


4 - تعليق3
عبد الله خلف ( 2014 / 3 / 26 - 08:57 )
• والشيطان كان من الجن باعتراف القران,اي ان الامر بالسجود لا يشمله,فكيف يستحق المؤاخذة والعقاب؟ .
الإجابه : اختار ابن جرير الطبري : أنهم نوع من الملائكة خلقوا من نار السموم، وخلق غيرهم من الملائكة من نور، استدلوا على ذلك بأنه لو لم يكن من الملائكة لما كان مأمورًا بالسجود لآدم، ولا أنكر عليه عدم سجوده له، وبأن الأصل في الاستثناء الاتصال؛ بأن يكون المستثنى من جنس المستثنى منه، فاستثنى إبليس بعد الملائكة فدل على أنه منهم .
• دخل الجنة و وسوس لآدم وقد اخرجه الله منها بعد عصيانه؟ .
الإجابه : تجد الإجابه في هذا الرابط :
http://www.hurras.org/vb/showthread.php?t=38264


تحياتي


5 - غواية الشيطان و جرائم الإنسان
عاد بن ثمود ( 2014 / 3 / 26 - 21:15 )

كل ما أورده الأستاذ أحمد القبانجي يدل على هشاشة بنية و تركيبة الأسس التي بنى عليها الإسلام مفاهيمه عن ما قبل العالم الدنيوي و ما بعده (الأخروي).
لايمكن أن يخطر على الشيطان أن يقطع رؤوس الأنام و يضعها تغلي على نار في إناء معدني منصوب على أحجار يتحلق حوله من يطمعون الدخول للجنة مع المصطفى الحبيب. (صورة مقززة لا أتمنى لكم رؤيتها).
المرتكبون لهذا الجرم البسيكوباثي يعتقدون أن الشيطان ليس له عليهم سلطان، فهم مؤمنون متّبعون لما قام به سلفهم الصالح، و هم الخلف المقتدي بنور هدي السلف.
المسألة إذن لا تقف عند حد القتل عند هؤلاء، بل تتعدى ذلك لتكتسي صبغة الإختلال العقلي الذي يذهب بصاحبه مذهب التلذذ بسلوكات مَرَضية مستفحلة و متمكنة من تلابيب الفكر و الروح، تظهر أمامها غواية الشيطان اللعين مجرد لعب أطفال.
النبي وعد أتباعه بحور العين في الآخرة لكي يجعل منهم سفاحين في الدنيا الفانية.


6 - أسئلة مهمة عن الشيطان !!!
رمضان عيسى ( 2014 / 3 / 26 - 22:24 )
أسئلة مهمة : -1- هل الشيطان كائن مستقل في وجوده واحد وحيد لكل البشر ام هناك عائلة شياطين وتتناسل وتُكون امم بعدد -البشر ؟ - 2- هل الشيطان مادة ، أم لا مادة ؟ ونعرف أن الجواب الديني أنه لا مادة ، فالشيطان لا يُحس ولا يُرى وليس له لون ولا طعم ولا رائحة ، أي لا مادة من هنا نسأل : كيف تُؤثر اللا مادة على المادة ، ؟
3- حسب الدين فإن لون التأثير فقط في اتجاه واحد ، هو الشر ! السؤال : ما يُعتبر شرا عن قوم ، يُعتبر خيرأ عند آخرين ، وما يُعتبر خيرا قبل 1000 سنة ، يُعتبر شرا في هذا الزمان . فماذا يعني هذا ؟
4 هل الشيطان هو القرين - حسب الفكر الديني ؟ وهل القرين يموت بموت الانسان ، أم يذهب لشخص آخر ؟
5- هل اذا أسلم القرين ، يتوقف الانسان عن فعل الشر ؟
6- لو قتلنا الشيطان وأزلنا فكرته من وعي الناس ، هل يبقى معنى لمفهوم الشر ومسببات الشر ، هل يبقى معنى لمفهوم خير وملحقاتها ؟

اخر الافلام

.. تأييد حكم حبس راشد الغنوشي زعيم الإخوان في تونس 3 سنوات


.. محل نقاش | محطات مهمة في حياة شيخ الإسلام ابن تيمية.. تعرف ع




.. مقتل مسؤول الجماعية الإسلامية شرحبيل السيد في غارة إسرائيلية


.. دار الإفتاء الليبية يصدر فتوى -للجهاد ضد فاغنر- في ليبيا




.. 161-Al-Baqarah