الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سألني تلميذ بالأمس!

أسامة مساوي

2014 / 3 / 28
المجتمع المدني


سألني تلميذ بالأمس : لماذا أساتذة الفلسفة دائما مختلفون في وجهات نظرهم عن باقي الناس؟
نظرت إليه مليا وأنا أمسد لحيتي بيدي وقلت : لأنهم نجحوا في أن يظلوا أطفالا صغارا.

ثم قصصت عليه وعلى بقية زملائه هذه القصة :

يحكى أن طفلا صغيرا-بالكاد تعلم نسج الكلمات والمعنى- وجد ذبابة ميتة وقد التصقت بحائط مطبخهم بعد أن جمدها البرد فبدا بياض بطنها المخطط بالسواد.
اقترب منها -صائد الذباب الصغير-وخزها بيده ولم تَطِر كما عادتها وكما خَبِر. شَدَّه المشهد فركض في اتجاه بهو الدار نحو أبيه الذي كان يتلوا كتاب الله بنظارته السميكة:
-أبي أبي أبي...الذبابة ترفض أن تطير أو تهرب مني !! هل هي مريضة أم ماذا؟

ضحك الأب بعد أن ضم إليه ابنه ’’عمار’’ وقبله ثم قال : لقد ماتت ياولدي.
فكر عمار مليا في اندهاش ثم قال : كيفاش ماتت؟ ماهوالموت؟
لم يكن عمار يعرف معنى الموت بعد!!
نظر إليه الأب-ودون أن يجيبه على هذا السؤال الأنطلوجي العملاق- وقال: لقد أماتها الله يا عمار ,أخذ روحها عنده مثلما سيأخذ روح كل الناس.
-وهل يأتي الله إلى مطبخنا في الليل ليميت الذباب ثم يرحل؟
ياللورطة! سؤال محير للأب ’’المؤمن’’ المسكين.
-الله يوجد في السماء يا ولدي وهو قادر على إماتة الذبابة من السماء دون أن ينزل للمطبخ.
أومأ عمار برأسه أي نعم-ربما دون أن يقتنع- ثم ترنح من حضن أبيه ونَطَّ في اتجاه المطبخ-المَقْتَل من جديد.
ما هي إلا دقائق حتى عاد ’’عمار’’ يحمل في بطن يده ذبابة يرى عليها أثر الدم. لقد اصطاد عمار ذبابة فأرداها قتيلة بضربة ’’صندالة’’ في المطبخ.

وقف أمام الأب وقال: أبي أبي لقد قتلت الذبابة ...هل أنا الله؟!

فذهل الأب ولم يفعل سوى أنه ضرب عمار على قتله للذبابة متذرعا بأن الذباب يحمل الميكروبات...وبهذه الطريقة ظن أنه تحايل على عمار وراوغه .بكى عمار ونسي السؤال عن الموت والمصير.وفي كل مرة كان يسأل كان يُجابه بذرائع جديدة ...خَفِتَ السؤال وانطفأ في ذهن عمار,ولفرظ العقاب والويل الذي جلبه عليه السؤال بات يعتبره جريمة وخطيئة يعاقب عليها الأب والدين والقانون...

فالطيور التي تزداد في القفص يقال أنها تعتقد بأن الطيران جريمة,مثلها كمثل الإنسان الذي يُمنع من طرح السؤال في مهده.

لذلك متى نجحنا في أن نَظَلَّ أطفالا سنكون مختلفين تماما عن الذي مُنع أن يظل كذلك يا ولدي.


ولا أخفيكم يا تلاميذنا الاحباء أن مشواري المتواضع في تدريس مادة الفلسفة بالثانوي التأهيلي يُخبرني,أن المدرسة العمومية المغربية-بمناهجها الحَشوية التي لا تخاطب سوى ذاكرة الحفظ والإجترار- عَمِلت لسنوات على هدم وتخريب مَلَكات المنطق والعقلانية في أذهان تلاميذنا,في الوقت الذي كان يُفترض بهذه المؤسسة -التي يُموِّلها شعبنا- أن تُقدِّم قيمة مضافة لأبنائه وأن تنمِّي هذه الملكات وتبنيها.

لكن يسعدني كثيرا أن هناك فئة لا بأس بها تغالب التقليد وتنزع نحو عقلنة معارفها ومناقضة المستهلَك وكشف المستور واللامفكر فيه من داخل الثقافة ونمط التفكير السائدين. هناك أمل فاحملوه معنا يا قناديل الحرية.

من منكم ومنكن يحمل معنا قنديل ديوجين؟

(من داخل قسم الفلسفة)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لحظة اعتقال الشرطة الأمريكية طلابا مؤيدين للفلسطينيين في جام


.. مراسل الجزيرة يرصد معاناة النازحين مع ارتفاع درجات الحرارة ف




.. اعتقال مرشحة رئاسية في أميركا لمشاركتها في تظاهرة مؤيدة لغزة


.. بالحبر الجديد | نتنياهو يخشى مذكرة اعتقال بحقه من المحكمة ال




.. فعالية للترفيه عن الأطفال النازحين في رفح