الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النقد الديني و البيدوفيليا الفكرية

شوكت جميل

2014 / 3 / 29
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


بادٍ أن النقدَ الديني لم يطرحْ ثمرته الناضجة المأمولة في الأرض العربية،و بادٍ أن الأعمال"الأصيلة الأمينة"فيهِ كالبقعة البيضاء في الثور الأسود،و لا يعزى ذلك إلى الفساد الجذري لمفهومهِ لدى الكثير ممّن يتصدّون له و يتوهمون المقدرة عليه و حسب،بل و إلى الإرادة السياسية لأنظمة الحكم التي تتوسد عروش هذه البلاد.

و لأن الشيء بالشيء يذكر،حري بنا أن نلتفت إلى الغرب و قد ضرب قصبة السباق في هذا المضمار،و حري بنا أن نلتفت ،كيف فهم الغرب "النقد الديني"و كيف وضعه موضعه،فأثمر له ثماره الحلوة التي نراها؛فنغبطه عليها حيناً،و نحسده حيناً،و نتمناها دائماً،بينما نتحسر و أشجاره لا تثمر لدينا إلا بعد طول إنتظار؛فإن هي أثمرتْ ظفرنا بقليلٍ من الدوم و كثيرٍ من العلقم.

و حسبك ثلاثةً نعرضها،لنعرف الآفة:

اولاً:و ما النقد الديني؟
ثانياً:فضاء النقد الديني.
ثالثاً:الإرادة السياسية:التبني و الدعم.

اولاً:و ما النقد الديني؟:
ليس أعم من تعريف النقد الديني بأنه إحلال الرؤية الغيبية بالرؤية العلمية،أو الفكر الخرافي بالفكر الموضوعي،و دفع و حض الناس أن يتخذوا من هذا منهجاً لتفكيرهم،و سبيلاً لحياتهم؛فيلقوا من على كواهلهم ما تراكم من خرافات كانت تكبلهم أو كان يكبلهم بها غيرهم،و من ثم يخفّون بحرية و دونما قيد، في حلبة الحياة إلى الأمام فيما ينفعهم و يحقق لهم إنسانيتهم،و من شأن النقد الديني أيضاً،أن ينقر ما شاء له التنقير في تاريخ الأديان،فيعلم الناس أن الأديان جميعاً لم تأتِ من فضاء مُنْبَتّ الصلة بالتاريخ الإنساني،بل هي حلقة من حلقات هذا التاريخ،و ما من دين إلّا و أنتصب على أكتاف ما سبقه من حضاراتٍ إنسانية،و ثنية كانت أو غير وثنية،فإذا علموا ذلك، ذاب ما انعقدت عليه عقولهم من تفوقٍ موهوم..و حينئذٍ يغدو الناس أكثر تسامحاً،و تغدو صدورهم أكثر رحابة،و تذوب الكراهية الدينية من القلوب،و التي كان أكثرها لجهلٍ بأديانهم و إصولها،و لجهلٍ بما أخذت من الإنسانية و ما أعطت،فنظفر حينها بالمجتمع "المتسامح"أو السلام المجتمعي....و إيجاز ما تقدم في عبارة"تحرير الإنسان و قبول الآخر"...هذا كان أمر الغرب فكيف أمرنا؟

طرفٌ كبير من "النقد الديني"الدائر هنا هو إستبدال رؤية غيبية برؤية غيبية،و خرافة بخرافة،أو بالأوضح دين بدين،و كأني أرى هؤلاء "النقاد"كفرق الهجّائين التي كان يؤجرها الخلفاء و السلاطين الفرقاء،لينتصر بها كل فريقٍ على غريمه، فتكثر الألفاظ الرثة من قاموس هجائيات الفرذق و جرير "كأفحمه..ألقاه ارضاً..قضى على دينه بلكمه واحدة...و ما شاكل)،فما علاقة هذا "بتحرير" الإنسان من الفكر الخرافي الذي هو اللباب و الميزة الأولى"للنقد الديني"؟..إنما هو يثير العصبية و الكرهية الدينية و يستنفرها و يؤججها،فنكون بذلك خسرنا الميزة الثانية"أي قبول الآخر"،و الحق أن هذا الصنف"الرخيص"من النقد الديني الخير كل الخير في عدمه....و يا ليت كان نقدهم هذا أصيلاً من إنتاجهم،إنما منقول عن الغرب((عجزهم عن إنتاج نقد ديني أصيل لأسباب موضوعية سيأتي ذكره في البند الثالث))..فيستهلك فقط أمثال هؤلاء النقاد ما أنتجه الغرب ،و يتقاذفون به،بالضبط كما نستورد الأسلحة التي لا نصنعها و يصنعها الغرب لنقاتل بها بعضنا البعض!.أهذا هو النقد الديني؟.و الحق لا أسميه نقداً، أما مَن يأبون إلا أن يسموه"نقداً دينياً"،فنقول لهم :لقد ركبتم مركباً و عراً لم يخلق لكم،و لم تخلقوا لهُ..فانتهوا يرحمكم مَن شئتم.
..
ثانياً:فضاء النقد الديني:
قدمنا أن النقد الديني قصد تحرير الإنسان من خرافاته، و من البدهي أن يعنى أول ما يعنى بالدين السائد على أرضه و الذي يتعاطى معه مجتمعه و قومه،و الذي يبغي تحريرهم منه،و آية ذلك، أن النقد الديني الأوربي لم يبدأ بنقد أو تسفيه البوذية أو الهندوسية مثلاً..و حقيقة الأمر لم يلتفت الغرب إلى نقد الأديان الأخرى قبل أن يقتل بحثاً و ربما تمزيقاً ديانته؛لأنه من أولوياته_ بالبداهة أيضاً_ تحرير مجتمعه و تقدمه قبل أي مجتمعٍ آخر..فماذا عن أمرنا؟
من البلاهة التي ليست بعدها بلاهة،و الحماقة التي ليس بعدها حماقة، أن ينتبه الواحد من هؤلاء إلى البعوضة التي تربض على بعد فرسخٍ منه في حقل جاره،و يصف لنا خيشومها،و أسنانها،و ما تفعل من مضار في حقل جاره،بينما لا يرى الناقة التي "تبرطع"محطمةً كل شيءٍ في حقله هو،و تلحس بلسانها أم رأسه_بالمعنيين _اللهم إلا إذا كان هو صاحب الناقة!..و الحق صدق من قال:(التعصب يعمي أكثر الناس بصيرة)...فما بالك بالذي لا يكاد يرى بالأصل..أهذا هو النقد الديني الذي نرجوه؟..حكمتهم المأثورة:أنقد ما شاء لك النقد بعيداً عن أرضك و مجتمعك الذي هو في أمس الحاجة لنقدك!...ألا ترى معي أن مثل هذا النقد انحراف فكري للناقد في غير موضعه المثمر و المخصب ، فيميل إلى الصغائر في علاقه عقيمة،تضر به و بوطنه...ألا يحق لنا أن نسميها بيدوفيليا فكرية؟
...
ثالثاً:الإرادة السياسية:التبني و الدعم

النقد الديني ازدهر في أوربا في حالة من الزخم الثوري و السياسي،و أبان مد هائل من العلمانية،فكانت الحكومات تتبنى هذه الإتجاهات النقدية،إذْ أن النقد الديني شيء لا يحق لنا أن نأخذه بخفة،و ليس لنا أن نفترض قدرة آحاد الناس على القيام به،لأن النقد الديني يشمل واجبات لا تقوم بها إلا مؤسسة، أو قل مؤسسات تتضافر فيما بينها،إذْ يلزم النقد الديني علماء و مختصين بالتاريخ و الآثار،وعلماء الأحافير و التنقيب،و علماء المخطوطات و الوثائق،و علماء في اللغة..ماذا أقول؟..لا يكاد علمٌ إلا و له سهماً في هذا المجال ،و لا تحسبن أن النقد الديني في الغرب توفر له ذلك إلا بدعم و منافحة من الإرادة السياسية و الحكومات،حسبك أن تعلم كم الفرق البحثية التي أرسلت إلى فلسطين" مهد الديانة"،و كم التنقيب،و كم المخطوطات التي تم دراستها من الفاتيكان و من غير الفاتيكان من الدول الأوربية، و ما تكلفته من أموال لشراء و دراسته مخطوطات وجدت في بلدان خارج أوربا....هذا كله أنتج نقداً أصيلاً، يقتات على بعضه كثيرٌ من أدعيائنا...فما أمرنا؟
تمنع بعض الممالك العربية،التنقيب في مناطق" مهد الدين"،و تضع العواقب،و تحرم أحياناً هذا التنقيب!..و في غير مرة يتم تحطيم و حرق تماثيل تم العثور عليها،و مكتبات بالكامل لطمس هذا التاريخ...ناهيك أن تشجع أو تتبنى نقداً،ناهيك عن العقوبات التي تصل إلى الإعدام،لتشكيك أحدهم بأمر من أمور الدين...و حقيقة الأمر أن الأنظمة لا تريد تحرير شعوبها من الخرافات،و لا تريد سلام مجتمعي،و علة ذلك أن في بقاء كل هذه العاهات بقاءها.

ثم يسألونك بعدها عن النقد الديني؟..قُلْ هو مِنْ عِنْدَ الغَرب..و مَا أوتِيتُمْ من النْقدِ إلا قَلِيلاً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الاسلام سرطان حقيريتفاقم سريعا ويتدخل حتى بالسياسة
صافي الجوابري ( 2014 / 3 / 29 - 05:26 )
الإسلام والمسلمين حالة خاصة..
بسبب شرعنة الكذب وانتشار الجهل بين اتباعه وفرض تعاليمه الكثيرة حتى منذ بداية حياتهم
الكذب يدعم العقيدة بشكل كبيرعن طريق الافتراءات الوهمية (اعجاز علمي - معجزات الفوتوشوب - القصص الخياليّة...) والتي تجعل الجاهل المغيّب عقائدياً ينساق لتصديقها من دون ادنى تفكير او بحث او تمحيص بها

ولولا الكذب باعتقادي لانهار الإسلام

ففرض الدين منذ الصغر وفروضه ونهاياه الكثيرة على عقل المسلّم به تغسل دماغه تماماً وتحوّل عقله الى قطعة معدن صدئة يستحال ان تعمل
وهذا الشيخ بالرابط هو خير مثال للمسلمين:
http://islamqa.info/ar/178975
يهاجم بعض معتقدات المختلفين معه بالعقيدة وبنفس الوقت يفتخر بنفس الشيمة التي كان ينتقدها وهي الكذب فتشعر وكأنه من دون عقل او انه معطوب الفكر تماماً لا امل من النقاش معه او اقناعه!
فتراهم ينتقدون شيئا بدين غيرهم نفسه موجود بدينهم بل موجود بشكل أسوأ

الحل أمام المسلمين:
لا حل سوى بتعليم النقد الديني في المدارس للأطفال (من تناقضات واخطاء علمية ولغوية... والسماح بانتقاد الدين بالتلفاز والصحف والمجلّات كما يحدث بالغرب وعند جميع اتباع الاديان الأخرى


2 - إلى الأستاذ شوكت جميل
نضال الربضي ( 2014 / 3 / 29 - 08:12 )
تحية طيبة أستاذي الكريم،

يقولون أن لكل من اسمه نصيب و هي مجرد مقولة لكنها اليوم تتجلى في مقالك، فكلامك يا سيدي جميل و شائك.

في الحقيقة إن ما تفضلت بتقديمه هو من أجمل ما قرأت في توصيف الحالة و الإشارة إلى الأسباب.

و حتى لا أطيل أقول أن الكتابة لا ينبغي أن تكون مقصودة ً لذاتها بقدر ما يجب أن تكون أداة ً لتشخيص الواقع و معالجته مُرتبطة ً بمشاكل المجتمع و عوامل الفعل و التأثير فيه، مُنفصلة ً عن السقوط في فخ -تخليص الثأر- الفكري.

سيدي الكريم مجتمعنا بحاجة لأشخاص في مستوى فكرك، في مستوى قدرتك الفذة على إبلاغ ما تريد بمنتهى اليسر و السهولة و التركيب الإنشائي الساحر.

سرني جدا ً مقالك اليوم و دم بود دوما ً.


3 - الأستاذ/نضال الريضي
شوكت جميل ( 2014 / 3 / 29 - 17:05 )
تحية معطرة
ممتن لمرورك الكريم قبل إطرائك الذي لا أستحق أقله،و متابع(لنضالك)البناء على الموقع.
دمتم بخير


4 - الأستاذ/صافي الجوابري
شوكت جميل ( 2014 / 3 / 29 - 17:52 )
تحية معطرة
ممتن لمرورك و مداخلتك
دمتم بخير


5 - تعليق
عبد الله خلف ( 2014 / 3 / 29 - 23:44 )
من المفروض أن يوجه النقد إلى الديانه المسيحيه , لبعض الأسباب , مثل :
- كيف يكون يسوع الناصري هو الخالق؟... الخالق خارج الزمكان , و يسوع الناصري خاضع لقوانين الماده! .
- من كان يدير الكون أثناء ولادة يسوع , و أثناء صلبه؟ .
- إن كان يسوع هو الإله , فمن هو ذلك الإله الذي ناداه يسوع و هو يصرخ على خشبة الصليب؟ .
أما مشكلة البيدوفيليا ؛ فالمسيحيه مربوطه بها حتى الأخير , فعدد الكهنه الذين تم ضبطهم (400 في سنتين فقط!) .