الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وجَعلناكم شُعوبا وقَبائِل لِتعارفُوا..الله عَلماني!

أسامة مساوي

2014 / 3 / 29
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



’’لمَّا كان كل فرد يظن أنه وحده يعلم كل شيء(يمتلك الحقيقة) ونظرا إلى أنه من المستحيل أن يُفكر الناس كلهم ويعبروا عن أفكارهم بطريقة واحدة,فإنهم ماكانوا ليعيشوا بسلام لو لم يتخلَّ كل فرد(وكل جماعة) عن حقه في أن يسلك كما يشاء وليس عن حقه في التفكير والتعبير كما يشاء.’’

إن السياسة هي تداول على السلطة,ومادام أن الأوطان العربية ملأها أحزاب سياسية ذات مرجعيات مختلفة : شيوعيىة ليبيرالية وإسلامية...فإن اليدمقراطية تقتضي الإيمان بأحقية كل هذه الأحزاب في ممارسة سلطتها السياسية دون إقصاء أي طرف من أي طرف,أو ممارسة الحجر عليه باسم أيديولوجيةأو مرجعية دينية أو فكرية.

لذلك سوف لن يكون من الممكن في ظل هذا الوضع الإيمان بأحقية الإسلاميين وحدهم أو الشيوعيين وحدهم... ممارسة سلطتهم-كما يريدونها- على سائر الناس,وإلا فإننا سنسقط في الديكتاتورية التي حاولنا الخروج منها والإنعتاق من ربقتها التي طوقت جيدنا مند سنين.
فالديكتاتور الذي يؤمن بوحدانيته وألوهيته قد يمارس ذلك باسم الدين كما قد يمارسه باسم الشيوعية أو حتى العَلمانية-اليدمقراطية كما كان يدعي زين الهاربين ابن علي نموذجا.

لذلك من الأفضل لنا داخل أوطاننا أن نقتنع بأن السلطة تداول وتناوب وتوافق وليست ديكتاتورية جهة واحدة بعينها أي كانت المرجعية التي تنطلق منها.فذلك لن يؤدي بنا للسلم والتعايش الذي هو غاية الدين والعقل : ’’وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعايشو...’’

وإذا لم تؤمن حركات الإسلام السياسي العربي أن ’’العَلمانية-الديمقراطية’’ هي الحل,وتعمل على إقناع أتباعها ’’الكُثر’’ بذلك,فلن يكون لها موطئ قدم للمشاركة في إدارة السلطة السياسية داخل الأوطان ’’العربية’’ ولن تجلب علينا غير الويلات والإحترابات الطائفية والعقدية مادامت عقلياتها رهينة منطق التغالب للشارع بدل منطق التوافق والتشارك.

وحين نرجع لقول ’’راشد الغنوشي’’ رئيس حركة النهضة التونسية نجده قد أدرك قبل غيره أنه لا مجال للإيمان أو حتى التفكير في إقامة دول دينية تسيطر على كافة الأركان ولاتدع المجال للآخرين ليتداولوا معها السلطة. فمن يؤمن بالديمقراطية يؤمن بكلام صناديق الإقتراع وصوت الشعوب وإرادتهم العامة,ومن يكفر بها يؤمن بذاته وألوهيته وحجره على كل الشعب إما باسم الدين أو باسم الشيوعية أو باسم العلمانية المزيفة.

فالغنوشي يقول مثلا :

إذا كان وجودنا في السلطة سيهدد الوطن فإن الواقع يقتضي أن ننسحب من السلطة.

تعالوا لنحلل هذا القول سَويا.

إذا غاب الغنوشي عن السلطة-في مرحلة ما- وهو يمثل التيار الإسلامي فهو بهذا يؤمن بافساح الطريق أمام تيار آخر داخل المجتمع أيا كان هذا التيار(يساريا ليبيراليا...) المهم أن يوافق عليه الشعب ويخدم مصلحة الأمة والوطن.
والمستفاد من هذا القول أيضا أن حركة النهضة-وفق فهمها المتنور للإسلام- آمنت بأنه لا يحق لأحد باسم الدين أن يظل على رأس السلطة طول عمر حزبه وعشيرته.

والمعروف أنه بتغير الحكومات قد تتغير القوانين والتشريعات وتطرأ عليها تعديلات,إذ لا وجود لأحكام جاهزة دائما بل التشريعات حركية تنموا بنمو الواقع كأي كائن حي آخر. وكذلك شأن الدول التي كان قد مثلها عبد الرحمن ابن خلدون في مقدمته بالكائن الحي الذي يمر من مراحل عدة حتى ينضج.إذ لا أحد يستطيع الصمود في وجه التاريخ بعنجهيته وعنتريته وجبروته.

آمنت الحركات الإسلامية المتنورة-النهضة نموذجا- بالتداول على السلطة جنبا إلى جنب مع التيارات الشيوعية واليبيرالية...لقطع الطيرق على التطرف أيا كان مصدره.وللأسف هو ديني عقدي دائما.فكتب الدستور التونسي الذي لا يتخذ من الشريعة الإسلامية مصدرا وحيدا للتشريع.

آمنت الحركات الإسلامية المتنورة بالعلمانية-الديمقراطية ونسبية المواقف وتغيرها...كأرضية للحكم وتداول السلطة. لكن شبابنا في العالم الإسلامي أمازيغ وعرب,لازالوا يتشبتون بالدولة الدينية(الحكم الأُحادي المطلق) وهم في نفس الوقت يطالبون بالديمقراطية التي لا يعلمون أنها الوجه الآخر للعلمانية مادامت تؤمن بتعدد مرجعيات التشريع والتقنين بتعدد مرجعيات الأحزاب والتيرات السياسية داخل الوطن الواحد.

إلى المغرب الآن :

في عددها 1329 ليوم الخميس 27 مارس 2014 عنونت جيريدة أخبار اليوم المغربية مقالا ب: لم تعد العلمانية تخيف الإسلاميين.

جاء في المقال ما يلي :
صدق الراحل الحسن الثاني عندما قال: ’’إن السلطة مثل الرحى,وكل من احتك بها صقلته وأخذت شيئا منه’’ هذا بالضبط ما يقع للإسلاميين المغاربة اليوم وهم في الحكومة. فالإسلاميون الذين كانوا يكرهون العلمانية أيما كره,ويرونها معادية للدين,وأنها تقصي الإسلام إلى زاوية التعبد الفردي في حين أن الإسلام دين ودولة,اليوم يقولون كلاما مغايرا تماما.

في ملتقى الأبواب الربيعية لحركة التوحيد والإصلاح في مدينية مراكش المغربية نهاية الأسبوع قال سعد الدين العثماني : ’’العلمانية لها معان عديدة,وهناك فرق كبير بين العلمانية الفرنسية الصلبة والعلمانية الإنجليزية المرنة’’.

وكان المقرئ الإدريسي أبو زيد -عضو الحركة ونائب برلماني عن حزب العدالة والتنمية- أكثر جرأة منه فقال في اللقاء ذاته:’’إن موقف حركة التوحيد والإصلاح من العلمانية الغير المتطرفة موقف إيجابي,ويمكنها أن تتحالف معاها كي لا تقوم الدولةالدينية التي تظلم باسم الدين’’.

أما أحمد الريسوني العالِم المقاصدي منظِّر حركة التوحيد والإصلاح وعضو الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين فقد قال في استجواب مع أسبوعية ’’الأيام’’: ’’نعم للعلمانية المعتدلة,ونحن نقبل التعايش مع كل علمانية غير معادية للدين على أساس اليدمقراطية,وإن الشعب إن اختار شيئا فذلك حقه ولا حجر عليه’’.

ماذا يستفاد من هذا التطور الحاصل في مستوى مراجعة الأفكار عند الحركات الإسلامية المعتدلة؟

1- أن هذه الحركات أدركت أن العلمانيين ليسوا ملة واحدة وأن التطرف قد يكون في الفكر كما هو في الدين.

2- أن واقع السياسة والسلطة يقتضي المقاربة التشاركية الوفاقية وليس الأحادية المطلقة,مايقتضي-أيضا- الدخول في تحالفات مع كافة القوى المواطِنة من أجل المصلحة العليا للوطن, وقطعا للطريق على كل القوى الدينية المتطرفة وقيام دولة دينية تظلم باسم الدين.

3- أن الشعب لا حجر عليه ويمكن أن يختار بكل حرية من سيحكمه كائنا من كان.مايعني أن الدوام في السلطة غير ممكن بل غير وارد أصلا حتى للأحزاب الإسلامية.

ولعل الإيمان بحرية الشعوب في تقرير مصيرها هو الشيء الذي ظل غائبا لسنوات طوال عن تنظيرات وفلسفة الحركات الإسلامية سياسية منها والعقدية. لكن رغم أن الربيع الديمقراطي كان أليما شيئا ما إلا أنه ساهم في تحريك الركود الحاصل على مستوى الإجتهادات: الفقهية الفكرية الأيديولوجية السياسية...وهذا شيء إيجابي قطعا.

كنا ولازلنا نؤمن بأن :’’الغاية القصوى من وجود الدولة إنما هي الحرية وليس تحويل الموجودات العاقلة إلى حيوانات وآلات صماء...ولمَّا كان كل فرد يظن أنه وحده يعلم كل شيء(يمتلك الحقيقة) ونظرا إلى أنه من المستحيل أن يُفكر الناس كلهم ويعبروا عن أفكارهم بطريقة واحدة,فإنهم ماكانوا ليعيشوا بسلام لو لم يتخلَّ كل فرد(وكل جماعة) عن حقه في أن يسلك كما يشاء وليس عن حقه في التفكير والتعبير كما يشاء.’’ كما يقول اسبينوزا في كتابه ’’رسالة في اللاهوت والسياسة’’.

وهذه هي الرسالة التي نريد لأبناء هذه الأمة أن يحملوها معنا. فمادمنا نؤمن بالحرية والإختلاف سنكون بألف خير.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف تفاعل -الداخل الإسرائيلي- في أولى لحظات تنفيذ المقاومة ا


.. يهود يتبرأون من حرب الاحتلال على غزة ويدعمون المظاهرات في أم




.. لم تصمد طويلا.. بعد 6 أيام من ولادتها -صابرين الروح- تفارق ا


.. كل سنة وأقباط مصر بخير.. انتشار سعف النخيل في الإسكندرية است




.. الـLBCI ترافقكم في قداس أحد الشعانين لدى المسيحيين الذين يتب