الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النظافة وعباءة الوردي

جواد كاظم الدايني

2014 / 4 / 1
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


النظافة وعباءة الوردي
جواد كاظم الدايني
قد يكون السيسولوجي العراقي الفذ (علي الوردي ) أول من أدرك فهماً وتفهماً لاشكالية " النظافة " عندنا, ورغم ان تفسيره لهذه العيب مرتبط حسب رأيه بالمضمر من البداوة في اخلاقياتنا, الا ان هذا التفسير يغيب سريعا عن بالنا, عندما نرى طغيان الشكل الحضاري والمدني الذي نعيشه, لذلك ننسى دائما ذاك الفهم والتفهم ونبقى مستغربين وغير مستوعبين لسلوك ذاك الاب الذي يساعد ابنه الصغير في التخلص من كيس الحلويات الفارغ الذي بين يديه فيرميه في الشارع حيث يقف, او مشاهدة قنينة فارغة لمشروب غازي تطير من نافذة سيارة مسرعة. الحقيقة كنت افترض ان مئة عام ستكون كافية لاستبدال الثقافة البدوية بثقافة مدنية, من ضمنها بالتأكيد خمسون عاما تفصلنا عن الوردي الذي سرعت مؤلفاته في ادراك دوافع سلوكنا الاجتماعي وتحديد منابع الخلل في قيمنا الاجتماعية, ثم دفع الوعي الى منطقة النقد والتجديد, كمحاولة للخروج عباءة الوردي السيسولوجية, وهي عباءة لا يخفي الكثيرون تململهم منها, اما لأنهم يرغبون برؤية أو قراءة سيسولوجية جديدة تأخذ بنظر الاعتبار التطور الملحوظ (رغم محدوديته) في بناء الشخصية العراقية, او انه ينال من أعتزاز الكثيرين بالمجتمع وبقيمه, فالطريقة التي يتهكم فيها المجتمع تطغى على منهجيته, وسخريته ما زالت تنكأ الجرح النرجسي للعراق اكثر من اسلوبه العلمي, ربما لم يحن وقت تلك الرؤية الان لانها غير متبلورة, وهذا يعود لنا كمجتمع عراقي لم نخرج "نحن" بعد من تلك عباءة فمقاسها مازال مناسبا جدا لنا, كما لم ينجح احد في تقديم رؤية تظهر وسامتنا المدنية والحضارية !
ان وتيرة وسرعة التغييرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية خلال القرون الخمسة الماضية, يمكن ان تكون كفيلة بلجم الانتقال المطلق للعقل الجمعي في التاريخ الانساني الذي تحدث عنه المفكرين, وبالتالي قدرتها على احداث قطيعة معرفية و سلوكية مع الماضي, اما حصتنا نحن من تلك القرون فكان قرنا عشرينيا,شهدنا فيه انضغاطا لمجمل التغييرات التي ذكرناها, والتي نجحت في تغيير شكلنا الحضاري كثيرا, في حين كانت ردة الفعل الثقافية سلبية وأنغلاقية بسبب طبيعة وقسوة الصراع السياسي والاجتماعي والطائفي التي تسببت فيه مجمل تلك التغييرات. ان ردة الفعل تلك ظهرت بشكل واضح في العودة الى الموروث البدوي والديني والذي ما زال يغذي المضمر في عصبيتنا, ويعود اللاشعور يطغى كلما كان ذلك ممكنا, وهذا قد يفسر الكثير من اللامعقول في سلوكياتنا. لذا يمكن القول ان فشلنا كان طبيعيا في الاستجابة لتلك التغييرات بسبب قدراتنا العقلية والظروف التي تتحكم في تطور وعينا.
يتكلم الوردي عن البدوي الذي لا يهتم لنظافة للبيئة التي يتواجد فيها, لان اسلوب حياة الترحال تجعله لا يلتفت لاهمية نظافة المكان, فكل ما لا يحتاج اليه او ليس بذي فائدة يطرحه من يده حيث يكون, ولان الناس لا تتخلى عن عاداتها بسهولة فقد احتفظ الكثيرون بهذه الصفة وتناقلوها جينا ثقافيا عبر اجيال متعاقبة من المد البدوي الذي زحف على المدن بسبب الظروف البيئية او القسرية. اكيد ان قسوة الطبيعة الصحراوية وشحة المياه واسلوب الترحال لم يسمح لمشكلة النظافة ان تكون ذا قيمة محورية في حياة وثقافة البدو وهذا يتجذر في اللاشعور في الامثلة التي ذكرتها. هناك جانب او مستوى اخر لهذا اللاشعور, وهو يتعلق بمسألة الانتماء والاحساس بالوطنية التي لم تتبلور لدى البدو بسبب اسلوب حياتهم وارتباط مصالحهم بالمتغييرات البيئية والقسرية التي تلجأهم الى الترحال او الاحتراب, ومن مفارقة التاريخ ان المدنية التي حلو فيها لم تقدم لهم حل لهذه المشكلة لانها تعاني منها اصلا بسبب عوامل تاريخية تتعلق بصراع الاقوام والامبراطوريات على فيئ الرافدين, وعوامل انية تتعلق بالسلوك السياسي للطبقات الحاكمة. هذه قد تكون احد اسباب تفشي ظاهرة عدم الاهتمام بنظافة البيئة بسبب عدم الاحساس بالمسؤولية حين يطغى احساس الغربة واللامبالاة وينعدم شعور الارتباط بالمكان .
أتساءل دائما متى يمكن ان نتخلص من هذه الظاهرة ؟ والى متى نحمل طغيان اللاشعور مسؤولية ذلك ؟ إن اهم وجه للحضارة هي النظافة, التي يمكن مشاهدتها وملاحظتها كأهم معلم من معالم الدول المتحضرة, ففي العصور المتأخرة مثلا لم تستطع لندن العاصمة البريطانية ان تقفز الى بدايات التحضر الحقيقي الا عندما وجدت حلا لمشكلة تصريف مياه الصرف الصحي ومشكلة النفايات, كما لا يمكن ان يبقى منطقنا تبريريا للتخلص من نقد الذات في هذه المشكلة وفي غيرها, لان هناك تعليما ممنهجا وارشادا دينيا وتثقيفا مدنيا وتلفزة وصحف وانترنيت واسلوب المقارنة مع الاخرين, كل ذلك يجب ان يكون كفيلا بتسريع لحاقنا بالركب الحضاري, ومع ذلك فانا على يقين ورغم كل التبريرات اقول... ان الامتناع عن رمي النفايات في الشارع على " الطريقة العراقية " لا يحتاج الى انبياء ولا مصلحين ولا تثقيف بل يكفي ان ندرك ( ولعلنا ندرك ) الفرق بين مكان نظيف واخر وسخ !!.
بأفتقار المجتمع للقيم الجمالية الاخلاقية قد يكون اللجوء الى تفعيل القوانين الصارمة وأن تأخذ الدولة على عاتقها توفير وسائل الحفاظ على نظافة البيئة وتعميق الاحساس بالمواطنة والانتماء للوطن واشراك الناس في تحمل مسؤولية الحفاظ على صورة جميلة لبلدنا يمكن ان نرى املا في التخلص من هذه الظواهر المخجلة والا يمكن ان يعيد ابناء المستقبل ما يفعله أباء اليوم !
‏الثلاثاء‏، 01‏ نيسان‏، 2014

[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بلينكن.. سباق مع الزمن لوقف إطلاق النار في غزة | #غرفة_الأخب


.. تمهيدا لهجوم رفح.. إسرائيل تخطط لمنطقة آمنة وسط القطاع | #غر




.. تنفيذ الإسقاط الجوي الـ 43 ضمن عملية -الفارس الشهم 3- لتوفير


.. غزة.. ماذا بعد؟ بايدن يعتبر التوصل لاتفاق بشأن غزة حاسما ضم




.. الشرطة تسحل أستاذا جامعيا خلال مظاهرة لدعم غزة بجامعة واشنطن