الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التدين الزائف في المجتمع العراقي

عبد عطشان هاشم

2014 / 4 / 2
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لاضير في ان يكون الانسان متدينا فهذا شأنه الشخصي ، اما ان يستخدم هذا الاختيار لفرض قيمه ونمط تفكيره على الاخرين و ويحتمي بقناع التقوى الزائف لتمرير مطامحه الشخصية ولايكتفي بذلك بل يتعامل مع الاخرين بصورة فوقية ومتشددة ويسدي النصائح هنا وهناك بصيغة الاوامر التي لاتحتمل النقاش ويلجأ للعنف واستعمال سلطته لفرض ذلك على الناس فيما يمارس عكس ذلك تماما حين يخلو الى نفسه . فهذا هو التدين الزائف وهو احد المظاهر النمطية الشائعة للازدواجية السلوكية التي يعيشها المسلم مضطرا او مختارا على مستوى الذات والمجتمع في الوقت الراهن.
التدين الزائف لمن لايعرفه عبارة عن التمسك الظاهري بقيم وممارسات دينية وطقوس عبادة لاغراض نفعية وانتهازية ، وهو يختلف عن التدين الحقيقي بأنه موجه للخارج ، اما التدين الحقيقي ( النادر في المجتمعات الاسلامية) فموجه للذات لتعزيز العلاقة بين العابد والمعبود .
وهذه الظاهرة بالطبع لاتقتصر على المجتمع العراقي وحده وانما تنسحب على بقية المجتمعات الاسلامية بصورة عامة بالاضافة الى انها موجودة في جميع الاديان منذ نشأتها المبكرة بدرجة او اخرى وذلك حين احترفت فئة خاصة من المجتمع التدين كمهنة تتيح لها السيطرة على مقادير المجتمع . ولكن الامر يختلف عندما يكون نظام الدولة السياسي علمانيا ويغدو التدين شأنا شخصيا فالظاهرة حينئذ ستكون فردية وغير مؤثرة ، اما في الدول الاسلامية المستباحة من قبل احزاب الاسلام السياسي فقد اصبحت اشبه بالهستيريا الجماعية التي تغتال القيم الانسانية الجميلة للمجتمعات المعنية وتحل محلها قيم زائفة ومشوهة مستوردة من اشد العصور ظلاما ووحشية في التاريخ الانساني.
ويمكننا الان تمييز نمطين شائعين من التدين الزائف في المجتمع العراقي :
النوع الاول وهو الرياء الديني الذي يبتز الناس تحت مسمى التدين الزائف والناتج عن ركوب موجة الاسلام السياسي الاصولي وهناك التدين الشكلي الاضطراري وهو اقل وطأة من الاول ،فهو ورم حميد اذا استخدمنا التعبير الطبي لان هدفه الاساسي هو اتقاء اذى المتأسلمين و ارضاء المجتمع كلبس الحجاب من قبل النساء اتقاء لضغوط المجتمع واحكامه القاسية ضد السافرات.
ومن بعض مظاهر الشائعة الشخصية هذا التدين :
اطلاق اللحية القصيرة المشذبة بعناية ( الجانب الشيعي) والكثة المنسدلة (الجانب السني)
وسم السجود المصطنع على الجبهة
الخواتم المفضضة في اليد اليمنى
استعمال المسبحة والمسواك
الدشداشة القصيرة ( للسلفيين حصريا )
التحدث بالتقوى ولين القول معك ، لكن جرب ان تدخل معه في علاقة شخصية ( عمل او صداقة او جيرة ) فسترى الوحش الحقيقي خلف القناع.
منشغل دوما بالحديث عن نقائص الاخرين وسلبياتهم الافتراضية من منظوره الديني المتزمت ولااجد بدا من قول الشاعر العربي أبو الأسود الدؤلي للتعبير عن هذا السلوك :
يا أيها الرجل المعلم غيره هلا لنفسك كان ذا التعليم تصف الدواء لذى السقام وذى الظنا كيما يصح به وأنت سقيم
ومن مظاهر التدين الزائف الاخرى ، استغلال المناسبات الدينية ومااكثرها للتهرب اياما عديدة عن الوظيفة والعمل او الدراسة ( اذا كان طالبا ) وتعطيل مصالح الناس بهذه الحجة واحتياجات البلد الاقتصادية والعلمية ، ولايقتصر الامر على ذلك بل ان المتدين الزائف يستغل المال العام والخاص الذي يقوم باختلاسه بشتى الوسائل الدنيئة في الصرف الباذخ على الولائم والمناسبات الدينية واقامة الشعائر الدينية والمغالاة فيها ، ولو صرفت نصف تلك المبالغ على الفقراء وذوي الحاجة لما بقي ذي حاجة ويحتل السياسيون المرتبة الاولى على هذا الصعيد وبخاصة على ابواب الانتخابات حيث ترتفع مقاييس التدين ويتبارى السياسيون في سباق محموم لاظهار التقوى والعفة والاحسان وغير ذلك من المظاهر الدعائية البائسة.
لاادري لم المتدينين بصفة خاصة هم من اشد الناس تكالبا على الحياة الدنيا وملذاتها ، رغم انهم يدعوننا دون كلل او ملل الى التخلي عن متاع الدنيا الفانية وتكريس اهتمامنا بالحياة الاخرة ، هل يريدون الاستئثار بهذه الدنيا الزائلة ! وحدهم ياترى ؟ ام انهم غير واثقين كما يبدو من وجود الاخرة ؟
بالرغم من ان جميع المسؤولين في الدوائر الحكومية في العراق تقريبا من فئة متدين خمسة نجوم ذاتها ،والحريص على ابداء مظاهر تدينه للناس و استعمال جميع علامات التدين الشائعة ، حتى انه يحرص على وضع سجادة الصلاة في غرفته بمكان بارز ويقضي وقتا طويلا في الصلاة والتسبيح والذكر في الدائرة الحكومية على حساب مصالح الناس ووقت العمل ويتحدث بالتقوى والصلاح وكأنه احد الاولياء المتأخرين لكن الفساد في دوائر الحكومة واروقتها وخصوصا الحلقات العليا فيها من فئة سبعة نجوم فيما يتعلق بالمال العام والخاص
وقد دخلت النساء وهن الطرف الاضعف في المعادلة هذا السباق، فتغير الزي الاسلامي من الحجاب الى النقاب في لعبة من الاكثر تدينا ، وكأنها تعلن للملأ بانها الاكثر تدينا وتقوى من سائر الاخريات . وهو نوع من تسويق الذات لغرض القبول الاجتماعي والزواج وكما قال المفكر الايراني الراحل علي شريعتي اشفق على الفتاة حين تسوء سمعتها فهي لا تستطيع تربية لحيتها لتمحو تلك الصورة .
من المفارقات انه رغم التزايد المضطرد في اعداد المتدينين والمتدينات في المجتمع العراقي ، لكننا نلاحظ تسارع الانحطاط الاخلاقي والسياسي والاجتماعي وبلوغه مستويات قياسية ، فالرشوة والغش والكذب والنفاق والتدليس وعدم الاخلاص في العمل والفساد الاداري وتعاطي المخدرات والكبسلة والرذيلة المستترة بالاضافة لتدني المستوى العلمي وانهيار التنمية غدت من المعالم البارزة التي تسم المجتمع العراقي في الوقت الحاضر ، وليس ذلك فحسب فقد تراجعت القيم العراقية النبيلة التي كانت تتوارثها الاجيال كالنخوة والشهامة والمروءة ورقابة الضمير وحماية المظلوم واحترام الجيرة ، هذه القيم التي نبعت من مجتمع متسامح دينيا ومذهبيا ، مجتمع متعدد الاطياف والرؤى ، منفتح ومتقبل للاخر المختلف ، وسادت بدلاعن ذلك قيم غريبة المنبت والانتماء اقل مايقال عنها انها قيم وممارسات طالبانية متشددة تقتل الحياة والامل في نفوس الناس وترهن المستقبل في كهوف الماضي المظلمة .
ان تيار الاسلام السياسي هو السبب الاول في نشوء هذه الظاهرة وشيوعها ، فهذا التيار يسعى الى اسلمة المجتمعات الاسلامية بالقوة والعنف لصالح مشروعه السياسي الاسلامي المتخلف وهكذا يضطر الناس للتدين الشكلي لمجاراة الوضع الراهن وخوفا من التهديد او للحصول على مكاسب محفوظة للموالين للتيارات الاسلامية المتسيسة ( كفرص العمل والمركز الوظيفي والاجتماعي) .
ان خطورة هذه الظاهرة تكمن في نشأة جيل يقتدي بهذه الممارسات السقيمة مما يساعد على نشوء تربة خصبة للتشدد والتطرف ، فكل جماعة دينية لها سمات مظهرية تميزها عن غيرها ويتم تقسيم الناس الى فئات عليا ودنيا وفقا لمقاييس كاذبة لايؤمن بها حتى الذين اخترعوها و الاستقواء بهذه المظاهرلاحقا لاستبعاد الناس الكفوئين والمخلصين للبلد بحجة عدم التدين والكفر اضافة الى اهدار موارد البلد وطاقاته الاقتصادية وتعطيل مصالح الناس الحيوية في طقوس دينية مظهرية هدفها استدرار اهتمام الاخرين وتقديرهم .وهكذا يجد الانسان العراقي نفسه مضطرا لأن يعيش بازدواجية وله حياته السرية الخاصة مما يفقده التوازن النفسي والاحساس بالانتماء الصادق والحقيقي لمجتمعه وبلده ، والاحساس بالغربة والانفصال عن مجتمع (مزدوج الهوية ) يولد الشعور العميق بالاحباط واللامبالاة والمرارة في النفوس وهكذا نجد انفسنا امام مجموعة من الافراد تعمل كجزر متباعدة وليس نسيج اجتماعي قائم ومتين على الولاء للبلد والمحبة المتبادلة ، واصبحت العبارة العراقية الشهيرة ( واني شعليه) اي لست معنيا بأي شئ خير تعبير عن عمق الازمة النفسية الاجتماعية والوجدانية التي يعيشها الفرد العراقي في مجتمع مقطع الاوصال ومتصالب الولاءات بفعل الاسلام السياسي بنسخه المختلفة ،لقد بلغت نسبة المصابين بامراض نفسية من العراقيين حوالي 6 ملايين شخص حسب احصائيات منظمة الصحة العالمية الاخيرة ، وهو رقم اقل بكثير من الواقع الفعلي اذا اخذنا في الاعتبار ثقافة العيب السائدة والتي تمنع الكثيرين من البوح بما يعانونه من اضطرابات نفسية .
وماطرح قانون الاحوال الشخصية الجعفري سوى تتويج لعقد كامل من المحاولات الحثيثة لاسلمة المجتمع العراقي ورهنه لرؤية ظلامية متخلفة لاتفكر سوى في اغتصاب القاصرات تحت غطاء الشريعة والتعامل مع المرأة كجارية وتعميق الانقسام القائم وتسويقه على مستوى الحياة الشخصية .










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - التدين الزائف لمن لايعرفه.
أحمد حسن البغدادي ( 2014 / 4 / 2 - 11:22 )
إن فرض التدين بالعنف شريعة إسلامية.

لقد جاء في الحديث الصحيح لمحمد، نبي الإسلام مايلي؛

(عن أبي سعيد الخدري قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان) ... رواه مسلم والبخاري.

لنقرأ شرح الحديث في إسلام ويب.

فيجب إنكار المنكر باليد على كل من تمكّن من ذلك ،
فإذا عجز عن التغيير باليد ، فإنه ينتقل إلى الإنكار باللسان ،
وإن عجز القائم بالإنكار عن إبداء نكيره فعلا وقولا ، فلا أقل من إنكار المنكر بالقلب.

http://articles.islamweb.net/media/index.php?id=76925&lang=A&page=article

وماهو المنكر في الإسلام؟
إن المنكر في الإسلام هو كل من لايلبس أكياس القمامة الإسلامية، الحجاب أو موانع النكاح، الجلابيب الأفغانية واللحى المقملة الشعثة مع الوجه القبيح ويهرول خمس مرات باليوم للجوامع لصلاة التهجم واللعن على غيرالمسلمين.

تحياتي...


2 - المسلمون الجدد يبنون بيوتهم وكهوفهم !
ماجد جمال الدين ( 2014 / 4 / 2 - 18:07 )
ألأستاذ عبد عطشان المحترم !
نسيت شيئا هاما في تفصيلاتك لأنواع النفاق الشعاراتي الإسلامي الجديد ..
في بغداد ومنذ رجوعي للعراق بعد التحرير ، لاحظت ظاهرة غريبة وهي أنه حين يبنون بيتا جديدا يضعون على واجهته نقشا حجريا ، نصا قرآنيا ما يسمى آية الكرسي مثلا أو حديثا محمديا أو لعلي بن عبد مناف ألخ ، وأحيانا كثيرة عبارة : ( هذا من فضل ربي ) .. رغم أنه من الواضح للرائي أنه ليس هنالك من رب يعطي لمثل هؤلاء ألسرّاق قصرا كهذا ..
والمشكلة أن هذه الشعارات الترويجية السخيفة والسفيهة لا يمكن قريبا إزالتها لأنها تتعلق ببيوت خاصة وليست مجرد كتل كونكريتية في كل شوارع بغداد أو صور لمراجع يلتهون بمن لحيته أطول ..
تحياتي

اخر الافلام

.. مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي: عدد اليهود في العالم اليوم


.. أسامة بن لادن.. 13 عاما على مقتله




.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط


.. 102-Al-Baqarah




.. 103-Al-Baqarah