الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رسالة نادرة من جبران إلى الدين السياسي

شوكت جميل

2014 / 4 / 5
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لطالما أظهر"جبران خليل جبران"بغضته الشديدة لكل سلطة دينية تقهر شعوبها،أياً كانت هذه السلطة وكيفما كانت مرجعيتها،و من ثم، لم يخفِ جبران عداوته للخلافة العثمانية،كحكمٍ للناس تحت راية الدين..الخلافة العثمانية التي كان يزرح تحتها أنذاك موطنه لبنان و سائر أقطار منطقتنا المنكوبة،و معلوم ما كانت تكابده هذه الأقطار من ويلات،و معلوم ما كان يتجرعه مواطنوها من اضطهادٍ ديني تارة و قومي تارة أخرى،و معلوم ما خلفه العثمانيون من تخلفٍ و ظلام،فإذن كانت دعوة جبران لإسقاط خلافة آل عثمان،مردها إلى إنحيازه الوطني و القومي،و قبل هذا و ذاك انحيازه للإنسان و حقه في الحرية و الحياة.... إلا أنه و كما لقومٍ عادة،لم يتوانَ المتنطعون في تخليط الإمور،و اتهامه بأن دعوته إنما هي كراهية للإسلام كدين_خاصة و أن جبران مسيحيّ الديانة_و هم يعرِّضون بإقامته في أمريكا،و يطعنون في ولائه_و كأنهم لا يعلمون ماذاقه هؤلاء المهاجرون في أوطانهم فهجروها _و لا عجب فهذا ديدنهم من تصوير الحرب على التخلف كحربٍ على الدين،و جر القضية إلى أرض النزاع الطائفي..... فلم يجد جبران بداً من كتابة رسالة لأولئك المتنطعين،مفصحاً فيها عن دوافعه،مبيناً أنه ربما كان أكثر حرصاً و إشفاقاً منهم على دينهم ،لو أدركوا و تدبروا أمرهم...

و دونك رسالته و هي بعنوان:(إلى المسلمين من شاعر مسيحي)_جبران حياً و ميتاً ص 37..ص38_:
((أنا لبنانيّ و لي فخرٌ بذلك،و لست بعثمانيّ و لي فخرٌ بذلك أيضاً لي وطنٌ أعتز بمحاسنه،و لي أمَّة أتباهى بمآتيها،و ليس لي دولة أنتمى إليها و أحتمى بها.
أنا مسيحيّ و لي فخر بذلك و لكنني أهوى النبيّ العربي و أكبر اسمه و أحب مجد الإسلام أخشى زواله.أنا شرقي و لي فخرٌ بذلك و مهما أقصتني الأيام عن بلادي أظلُّ شرقيَّ الأخلاق،سوري الأميال،لبنانيّ العواطف.أنا شرقي و للشرق مدنية قديمة العهد ذات هيبة سحرية و نكهة طيبة عطرية و مهما أُعجب برقيّ الغربيين و معارفهم يبق الشرق موطناً لأحلامي و مسرحاً لأماني و آمالي.

في تلك البلاد الممتدة من قلب الهند إلى جزائر العرب،المنبسطة من الخليج الفارسي إلى جبال القوقاس،في تلك البلاد أنبتت الملوك و الأنبياء و الأبطال و الشعراء،في تلك البلاد المقدسة تتراكض روحي شرقاً و غرباً و تتسارع قبلة و شمالاً مردده أغاني المجد القديم،محدقة إلى الأفق لترى طلائع المجد الجديد.

بينكم أيها الناس من يلفظ اسمي مشفوعاً بقوله:(هو فتى جحود يكره الدولة العثمانية و يرجو اضمحلالها).

إي و الله لقد صدقوا!،فأنا أكره الدولة العثمانية لأني أحب العثمانيين،أنا أكره الدولة العثمانية لأني أحترق غيرةً على الأمم الهاجعة في ظل العَلَم العثماني.
أنا أكره الدولة العثمانية لآنني أحب الإسلام و عظمة الإسلام و لي رجاء برجوع مجد الإسلام.
أنا لا أحب العلة،و لكنني أحب الجسد المعتل،أنا أكره الشلل و لكني أحب الأعضاء المصابة به.....
أنا أجل القرآن و لكنني أزدري من يتخذ القرآن و سيلة لإحباط مساعي المسلمين كما انني أمتهن الذين يتخذون الإنجيل وسيلة للحكم برقاب المسيحيين.
وأي منكم أيها الناس لا يكره الأيدي التي تهدم،حباً للسواعد التي تبنيٍ؟
أي منكم بشري يرى العزم نائماً و لا يطلب إيقاظه؟أي فتى يرى العظمة متراجعة إلى الوراء و لا يخشى انحجابها؟
إذاً،ماذا يغركم أيها المسلمون بالدولة العثمانية و هي اليد التي هدمت أمجادكم بل هي الموت الذي يراود وجودكم؟
أو لم تنته المدنية الإسلامية بيد الفتوحات العثمانية؟
أو لم يتقهقر أمراء العرب بظهور سلاطين المغول؟
أو لم ينحجب العلم الأخضر وراء من الضباب بظهور العلم الأحمر فوق رابية من الجماجم؟
خذوها يا مسلمون،كلمة من مسيحي أسكن"يسوع"في شطر من حشاشته و "محمد"في الشطر الآخر!
إن لم يتغلب الإسلام على الدولة العثمانية،فسوف تتغلب أمم الأفرنج على الإسلام...
إن لم يقم فيكم من ينصر الإسلام على عدوه الداخلي فلا ينقضي هذا الجيل إلا و الشرق في قبضة ذوي الوجوه البائخة و العيون الزرقاء).
انتهى.
و لئن رأى البعض نزعة عروبية صارخة بعض الشيء في الرسالة،وجوراً بعض الشيء على التاريخ،أندفع فيه جبراننا تحت تأثير عاطفته الجياشة و الوقف الدفاعي الذي حوصر فيه،فلا يغيير هذا شيئاً من صدقها في وصف ما يفعله الدين السياسي بالشعوب...
..و نقول لقد انقضى يا "جبران" جيل ثم جيل...و ما برح الشرق في قبضة ذوي الوجوه البائخة و العيون الزرقاء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تذكير
رائد الحواري ( 2014 / 4 / 5 - 16:34 )
العودة الى الينايع شيء جميل

اخر الافلام

.. مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية من قوات الاحتلال


.. لايوجد دين بلا أساطير




.. تفاصيل أكثر حول أعمال العنف التي اتسمت بالطائفية في قرية الف


.. سوناك يطالب بحماية الطلاب اليهود من الاحتجاجات المؤيدة للفلس




.. مستوطنون يقتحمون بلدة كفل حارس شمال سلفيت بالضفة الغربية