الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التحديثيون الدينيون (1)

عبدالله خليفة

2014 / 4 / 7
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


كانت التحديات المختلفة التي تحيط بالإمبراطورية العثمانية قد دفعت الخلافة إلى اختيار الاتجاه الإصلاحي بين التيارات الدينية السائدة ، فقد كان هناك الاتجاه الصوفي والاتجاه الوهابي.
لقد كانت الاتجاهات الصوفية هي السائدة طوال حقبة الانحطاط، وهي تماثل الاتجاهات العبادية الشكلية التي كانت تجاورها، حيث عبرتا معاً عن الركود الاجتماعي وإعطاء تميز ديني ما للمسلمين.
كانت هذه الاتجاهات الصوفية في كل مكان مجسدة في (الطـُرق) المختلفة تقوم بالمقاومة الوطنية والثورات في وجه الغزاة. وفي عاصمة الخلافة العثمانية كانت هذه الطرق تحظى بمكانة هامة.
فقد عمل السلطان عبدالحميد على تشجيع اتجاه الوحدة السياسية بين الولايات العثمانية، حيث غدت المركزية هي الأداة السياسية المطلوبة لتجميع أجزاء الإمبراطورية المفتتة والمُهدّدة من قبل الدول الغربية الصاعدة على المسرح العالمي.
(وعلى هذا اعتمدت الدعوة (إلى الوحدة الإسلامية) اللغة العربية واستعانت، لتحقيق فكرتها، برعايا من أصل عربي. فكان أحمد فارس الشدياق أول من استخدموا لهذه الغاية، وذلك في عهد عبدالعزيز. ثم جمع عبدالحميد عدداً من نظراء الشدياق، وعدداً من المشايخ العرب، معظمهم من اتباع الطرق الصوفية ، تنافسوا في تمجيد دعوته).
إن الطابع الصوفي الطرائقي بأشكاله المعرفية والاجتماعية يعبر عن التفتت السياسي، وعن الجمع بين الأشكال العبادية وأنواع الخرافة والعمليات السحرية، وهو ما كان متطابقاً مع الوعي الجماهيري السائد لما قبل النهضة.
ومن هنا كانت حنبلية العصر السابق والتي تنامت عبر ابن تيمية تهجر المدنَ الخاضعة للسلطة العثمانية وللطرق الصوفية متجهة نحو الصحارى العربية، وقد وجدت في الوهابية شكلاً مناطقياً أخذت تنمو من خلاله، لرفض هذه الطرقَ الصوفية المهيمنة وطرق العبادات الإسلامية المتوحدة بعبادة القبور والأولياء، ومن أجل أهداف شيوخ القبائل والدينيين التي تطابقت أهدافهم السياسية التوحيدية التوسعية في الجزيرة العربية وطموح رجال الدين هؤلاء الذين يسعون لهيمنة خطابهم التوحيدي.
وكانت فارس تقدم نموذجاً إسلامياً مغايراً، حيث تمكنت الإثنا عشرية من تشكيل وحدة قومية فارسية عبر هذا المذهب التعددي غير المركزي وبتحويل الطرائق الصوفية الشيعية إلى تيار جماهيري وطني محرر لإيران من هيمنة المغول والأتراك.
وفي توظيف السلطنة العثمانية للصوفية فقد كانت تتوجه للسائد وهو أمر كان يضاد توجهاتها السياسية الجديدة المستهدفة للتحديث والمركزية السياسية. ومن هنا فقد كانت بحاجة إلى شكل ديني مختلف يجمعُ بين المذاهب السنية التي تم تحنيطها عبر الإقطاع المركزي السابق، وبين أشكالٍ من التحديث تقوي الهيكل السياسي العثماني المسيطر.
وكان الصدام غير المباشر والمباشر الذي أخذ يتصاعدُ بين العالم الإسلامي وأوروبا قد ولّد المشاعرَ والأفكار بالتصدي لهذا التفاوت الحضاري الكبير بين المسلمين والأوروبيين، فظهر أكثر من داعيةٍ للتغيير الداخلي في الدول الإسلامية ، وقد تعددت الرؤى.
كان من أبرز هؤلاء الدعاة جمال الدين الأفغاني وهو الذي تبلورت فيه هذه اللحظة التجديدية المقاومة فهو قد عبر عن:
«(فكرة الوحدة الإسلامية) الثورية هذه. وذلك الخليط من الشعور الديني والوطني والراديكالية الأوروبية».
لقد كان الإقطاع الديني المهيمن خلال القرون السابقة، قد استند إلى شبكاته المذهبية في كل بلدٍ ومنطقة، فكان الإقطاع المذهبي المتحالف مع شتى السلطات السياسية في هذه البلدان والمناطق، يرتكزُ على تلك القشور من العبادات المنسلخة من صيرورة الإسلام كحركةِ تغييرٍ نهضوية سابقة، فقام رجال الدين بالتحالف مع الحكام والسلاطين والشيوخ في بقع العالم الإسلامي بتجميد التطور.
ولهذا كان صعود جمال الدين الأفغاني ثم محمد عبده معه، يتشكلُ من خارج هذه الشبكات السياسية – المذهبية، ومن هنا حين كانت مذهبية جمال الدين الأفغاني متواريةً ومغيّبة، فإذا قيل إنه كان شيعياً فإنه لم يظهر بذلك، وراح يطرح (الإسلام العام)، أي هذا الإسلام اللامذهبي. فغدا ذا أصل شيعي وفكر سني.
هنا تعبيرٌ غامضٌ وحالةٌ فردية استثنائية للصعود فوق شبكات المذاهب السياسية، وتكوين رؤية إصلاحية نهضوية خارجها وترتكز على عمومياتها ، لأن بؤرة هذا الخطاب هو (التوحيد).
كما تقوم على رؤية فردية تخترق الموضوعي على صعيد تكون المذاهب، وعلى صعيد الفعل السياسي، ولهذا تتسم أفعالها بالمغامرة على الصعيدين. ومن هنا لن يكون لها نبتٌ محدد في أي بنية إقطاعية – مذهبية. في حين أن التلامذة سيبدؤون من الشعارات العامة فقط، لتتكشف الإشكالية التاريخية لها.
إن العودة إلى فترة الإسلام الأولى تعتمدُ على الخطاب العام ، وهذا الدمج بين عمومية الإسلام والإصلاح السياسي والاجتماعي هو ما كان تريدهُ الإمبراطورية العثمانية والباب العالي، ولم يكن جمال الدين كفردٍ مفتقدٍ لأي جماعة دينية وسياسية قادراً على العمل المناطقي الطويل، نظراً لاصطدامه الدائم مع السلطات الشمولية المتخلفة .
وبهذا فإن الاثنين جمال الدين والباب العالي وجدا إن ثمة مصلحة من تعاونهما، جمال الدين يقوم باستثمار حاجة الإمبراطورية للإصلاح عبر خلق أشكال تحديثية مختلفة، تحدُ من هيمنة الخلافة الشمولية وتتيحُ للمسلمين في شتى بقاعهم ظروفاً جديدة تطور من حياتهم وتقاوم الغزاة.
والباب العالي وجد في جمال الدين أداةً لاستقطاب رجال الدين والمصلحين والمثقفين إلى قيادته وتوظيفها لمزيدٍ من الهيمنة على الأقطار شبه المفككة.
ولهذا فإن الجانبين كانا لا يتفقان إلا وقتاً قليلاً، فالباب العالي يخضعُ بشكلٍ دائم للغزو الغربي المتصاعد ولشروطه ولتغلغل تجاره وشركاته، في حين كان جمال الدين يدعو لمقاومة ذلك ، ولنشر المجالس المنتخبة والمدارس والمصانع والعلوم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حتة من الجنة شلالات ونوافير وورد اجمل كادرات تصوير في معرض


.. 180-Al-Baqarah




.. 183-Al-Baqarah


.. 184-Al-Baqarah




.. 186-Al-Baqarah