الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تجديد الخطاب الدينى ( 3 )

عبدالحليم محمد عبدالحليم

2014 / 4 / 8
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لا شك أن دعوات تجديد الخطاب الدينى لم تأت من فراغ ، وإنما جاءت نتيجة طبيعية لما يمر به الخطاب الدينى من قصور وضعف جعل منه – الخطاب الدينى – عبئا ثقيلا بدلا من كونه سبيل هداية واستنارة للعالمين بصفة عامة والمسلمين على وجه الخصوص .

والخلل الواضح فى الخطاب الدينى أفرز عدة سلبيات ، وقد تراكمت السلبيات حتى فاق الأمر الحدود ، ومن مظاهر هذه السلبيات :-

( 1 ) عدم التجديد فى الموضوعات المطروحة :
وهذه السلبية أكثر انتشارا لاسيما فى أذهان العوام ، فعلماء الدين بنظرهم – أى بنظر الجمهور - بينهم وبين التجديد بعد المشرقين وبعد المغربين ، وعندهم بعض الحق لاشك ، خاصة وأن الخطاب الدينى على الفضائيات وفى المساجد يكاد يكون محفوظا ، فما أسهل أن يستغل الشيخ ما يسميه نظام السلسة كسلسلة السيرة النبوية ، يظل من خلالها يسرد أحداثا صحيحة وضعيفة وموضوعة ، كى تغنيه عن التجهيز والتحضير والإعداد والاطلاع لمدة طويلة جدا ، هنا يستسهل الأمر وخاصة عندما يترسخ فى ذهنه أن هذا الأمر على هوى الجمهور الذى طالما أحب القصص والسرد التاريخى ، فإذا ما انتهت السيرة انتقل لسلسلة أخرى كالحديث عن الدار الآخرة ، يظل يتكلم من خلالها مدة طويلة عن الإنسان ما بعد الموت ، وينتهى منها لسلسلة أخرى وقس على ذلك ، وينتهى من السلسلة فينتقل لقناة أخرى أو مسجد آخر فيكرر ما سبق ذكره ، كل هذا يحدث عن الجمهور ملل ، ليس الملل بسبب الحديث عن النبى مثلا – حاشاه صلى الله عليه وآله وسلم – وإنما الملل سببه التكرار وعدم التجديد ، فالدنيا فى واد والدعاة فى واد آخر ، وهذه سلبية جلية فى الخطاب الدينى المعاصر .

( 2 ) التكلف والسجع :
من أبرز السلبيات التى اشتهر بها الخطاب الدينى المعاصر أمر التكلف والسجع ، رغم أن الله تعالى ينبذ هذا " وما أنا من المتكلفين " ، فتجد الداعية يهتم أول ما يهتم بالأساليب البلاغية من أجل جذب الانتباه ، والمشكلة تكمن فى أن التكلف والسجع يستحوذ على اهتمام الداعية ، فلا يهتم بالموضوح المطروح وكيفية معالجته دعويا ، ومن الممكن أن يأتى بموضوع قتل بحثا واندثر واقعا من أجل أن يتوافق مع أسلوب السجع ، بل أحيانا نجد الجمل متناقضة لا تعطى معنى ، فقط من أجل الحفاظ على القافية ، وبهذا انحدر الهدف الأسمى للخطاب الدينى ، وصار التكلف والسجع سلبية بارزة فى الخطاب الدينى المعاصر .

( 3 ) الإسهاب فى الحديث عن الأمور الغيبية :
ما أكثر هؤلاء الدعاة الذين جعلوا من الغيب مادة مستساغة عندهم وعند الجمهور ، تراهم يتكلمون بإسهاب عن المسيح الدجال والمهدى المنتظر ، والدار الآخرة وأحوالها ، والموت وما بعده ، والثعبان الأقرع ، وعذاب القبر ، وقس على ذلك ، قد نتجاوز بعض المسائل المختلف فيها بين أهل السنة وغيرهم من المذاهب الكلامية وننظر المشكلة الأكبر التى أثمرها مثل هذا الخطاب ، وهى أن هذه الموضوعات قد أفرزت لنا مجتمعا سلبيا يعادى الحضارة ويهاجم الإبداع ، فيتم اتهام الإمام الذى يتكلم عن العلم والعمل والتنمية بأنه مشغول بالدنيا وأمورها ، فى حين يمدح الإمام الذى يستغل عقول الناس بهذه الموضوعات المألوفة ، وما هذا إلا لأن النفس البشرية تثتثقل التكليفات وتحب ضياع الوقت فى القصص والخيال !!!

( 4 ) مغايرة الخطاب للواقع المعاصر :
وما أكثر هؤلاء !!! ، أعنى بهؤلاء – الذين لا يحترمون عقول الناس - ، فتجدهم يتكلمون مثلا عن كفر تارك الصلاة فى وقت ينتشر فيه التخريب والتدمير وقتل الأبرياء ومهاجمة المنشآت من قبل المعتدين ، كيف نتوقع أن هذا الذى سقط فى بيته دم أو دمر له بيت أو محل عمل سيكون محترما لخطاب دينى كهذا الذى يترك الشأن العام ليثير موضوعا كالحكم بكفر تارك الصلاة ، لكل مقام مقال ، ففى محافل الزواج ينبغى أن يكون الحديث عن فضائل الزواج وبيان حقوق كل من الزوجين على الآخر ، وفى محافل العزاء يكون التذكير بلقاء الله ، وأن ذلك يحتاج إلى العمل الصالح والتزود بالتقوى ، وفى محاضرات المواطنة والتعايش الإنسانى ينبغى التذكير على حقوق الآخر فى الإسلام ، وقس على ذلك من وجوب مطابقة الكلام لمقتضى الحال ، هنا يكون الخطاب الدينى مطابقا للواقع الحياتى المعاشى ، وهذا لا شك أدعى لوقعه فى النفس موقع القبول

( 5 ) إثارة الخلافات الفقهية والمذهبية :
وهذه السلبية هى الأكثر انتشارا فى وسائل الإعلام الدينية وعلى المنابر الدعوية ، فالمتحدث لابد وأن يحترم اختلاف أهل العلم ، لا أن يجعل من الاختلاف ساحة ومدعاة للعداء والشقاق ، أتعجب كثيرا من هذا الذى يعد محاضرة أو خطبة تحت عنوان : حرمة حلق اللحية ، أو تحذير الأحباب ممن حرم النقاب ، أو الشيعة والروافض كافرون لا محالة ، فمثل هذه الموضوعات تجعل الخطاب سلبيا لا محالة ، وذلك ليس ادعاءا بل لعدة أمور منها : أنه – هذا الخطاب الدينى – يكرس للتعصب والطائفية ، وأنه أدعى للنزاع والشقاق داخل المسجد وخارجه ، وهنا يتحول المسجد من كونه مكانا يجمع الجميع إلى محل للتعصب والنزال ، وبالتالى لا ننتظر أن يقوم المسجد بدوره ومهمته الإرشادية الدعوية .

( 6 ) ثقافة الاطلاع سماعية لا بحثية :
فأكثر الدعاة المعاصرين يعتمدون على السماع القديم دون البحث عن أساسه ومصادره ، ما أقل دعاتنا – للأسف - الذين يبحثون ويتعلمون ، ما أقل هؤلاء الذين يطورون من أنفسهم حتى يستحقوا ثقة الناس وينالوا منهم كل تقدير واحترام ، وحتى من يدعون الاطلاع فهم غير متخصصين ، أبرزتهم الفضائيات والأموال ، وهنا أتعجب من الإمام الذى حاز الإجازة العالية من كلية الشريعة أو أصول الدين وتعلم كيف يكون البحث والاطلاع ثم تجده يتلقى علما من أحد هؤلاء الذين دخلوا الساحة واستولوا عليها على حين غفلة من الأزهر الشريف ، هل هذا هو طريقك الأمثل يا فضيلة الإمام !!!!!!!! .
إن الداعية الربانى هو من يقوم بأمرين : الأول هو تفعيل قول الله تعالى " اقرأ " ، أى اقرأ كل شئ دينى أو كونى ، فالعلم لا ساحل له ، والثانى هو أن يحترم جميع الاتجاهات ويعمل جاهدا على الوصول للصواب دون معاداة أو تكفير .

( 7 ) استدعاء الخلاف السياسى وإدخاله دور العبادة :
فأصبح المسجد يعج بالنزاعات ، وتحولت المساجد من كونها محلا للراحة – مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم :أرحنا بها يابلال – تحولت إلى معتركات للتشابك بالأيدى والألفاظ ، فما بين الحديث عن الشرعية من ناحية والمسار الثورى من ناحية أخرى كان المسجد فريسة لهؤلاء وهؤلاء ، لقد سار بعض الدعاة مع بعض التيارات السياسية فما أفرز هذا إلا الشقاق ،ورأينا فى الآونة الأخيرة ولأول مرة يتم الاعتداء باليد على إمام ونزع عمامته ، وثان يعتدى عليه بالألفاظ النابية أثناء الخطبة ، وثالث يتم إغلاق المسجد عليه ، ويؤسفنى أن أقولها – والله وحده يعلم ما يضمره المرء – أن هذا الذى حدث مع الدعاة من تهور مرفوض طبعا ما هو إلا رد فعل ، نعم هو رد فعل تجاه خطاب سياسى بحت ، وإذا أردنا وأد ذلك فعلينا بالفاعل أولا ومن تسبب بالمشكلة قبل النظر لمن قام برد الفعل الخاطئ .

( 8 ) قلب هرم الأولويات :
فأصبح الخطاب الدينى أجوفا خاليا غير ملب لحاجات المجتمع وتطلعاته ، ففى الوقت الذى تتقدم فيه الدنيا من حولنا ويبلغ العلم ما بلغ ، نجد من الدعاة من يحدثنا عن تقصير الثياب أو حلق اللحية أو حرمة الفنون أو ..... إلخ ، أهذه هى قضية الإسلام !!!! ، هل الإسلام ثياب ولحية ولبس الساعة باليد اليمنى !!!!!!!! .
أين الدعاة من قضية الإسلام الكبرى – بل كل الاديان – وهى الإنسان ، فلأجله سخر الله الكون ، فهو خليفة الله على وجه الأرض ، طلب منه عمارتها ، ولكن علمائا انتهجوا نهجا غريبا قلبوا به هرم الأولويات ، فنتج عن ذلك تخلفا ملحوظا وتراجعا وتأخرا ، وماذا ننتظر من ثقافة عمادها القشور والهوامش وترك الأصول والثوابت .

( 9 ) العنصرية والإقصاء :
وهذه سلبية جلية ، عمادها هذا الإمام الذى يعادى هؤلاء لأنهم لا يتبعون فكره ، ويعادى هؤلاء لأنهم لا يلتزمون منهجه ، فيكون إماما لبعض الناس دون بعض ، يحابى من يوافقه ويقصى من يختلف معه ، وهذه من سلبيات الخطاب الدينى العاصر ، لأن الإمام يخالف بذلك قوله تعالى " واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا " .

( 10 ) تشويه صورة الدين :
وهذه السلبية نتيجة طبيعية لكل ما سبق ذكره من سلبيات الخطاب الدينى المعاصر ، فما ذكر آنفا ينتهى بنا لنتيجة حتمية مؤسفة وهى تشويه صورة الدين ، لأن الدعاة هم من يبرزون الدين وينقلونه للعالمين ، وإذا كانوا بهذه السلبيات فحتما تكون النتيجة تعتيم الوجه الحقيقى والحضارى للدين الحنيف الخاتم ، وللحديث بقية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - خطاب ديني ام برنامج سياسي مفبرك؟
الحسن لشهاب ( 2014 / 4 / 8 - 21:09 )
في راي ما الفائدة من الخطاب الديني عندما يكون بلسان الثقافة العربية ؟ تلك الاسنة التي تنتظر اجرتها الشهرية وتحفيزها المادي و المعنوي من الديكتاتورات العربية المهيمنة كليا عن مصادر القرارات ،من السياسة الدينية الى الاديلوجية المفبركة خصيصا لخدمة واستدامة بل واراثة مصالحهم؟وما الفائدة من الخطاب الديني الغير الجريئ و الغير الصادق والغير المستقل اقتصاديا و فكريا؟وما الفائدة من الخطاب الديني عندما يخضع رجل الدين الى تعاليم و خطب اسبوعية من صنع الحاكمية المتسلطة،التي تجعل من رجال الدين ببغاءات تخطب بلسان ديني وبقلوب متسيسة؟وما الفائدة من الخطاب الديني ان لم يكن يتوجه بالاساس الى المتحكمين في المنظومة التعليمية والعدالة والصحة والاقتصاد؟ هده القطاعات الجد الحساسة التي تعتبر الركيزة الاساسية لبناء المجتمع السليم، وما الفائدة من الخطاب الديني ان لم يدافع عن مبدئ التسامح بين الديانات ،وعن العلم و العلماء ،وعن حقوق العباد و البيئة والاوطان؟وان كان كما يقال القانون الوضعي يعلى ولا يعلى عليه ،فالخطاب الديني يجب ان يكون اسمى من هدا القانون، وهل العرب تحترم القانون ؟فبالاحرى تحترم الخطاب الديني.

اخر الافلام

.. خدمة جناز السيد المسيح من القدس الى لبنان


.. اليهود في ألمانيا ناصروا غزة والإسلاميون أساؤوا لها | #حديث_




.. تستهدف زراعة مليون فدان قمح تعرف على مبادرة أزرع للهيئة ال


.. فوق السلطة 387 – نجوى كرم تدّعي أن المسيح زارها وصوفيون يتوس




.. الميدانية | المقاومة الإسلامية في البحرين تنضمّ إلى جبهات ال