الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سأصليه سقر... لواحة للبشر – جزء 12(أ):

بشاراه أحمد

2014 / 4 / 10
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


نواصل تعقب ودحض كل الإفتراءات التي يدعيها ويلفقها سامي الذيب ظاناً وواهماً بأنَّه قد إكتشف، المئات من الأخطاء اللغوية والإنشائية، فكانت حصيلته خيبة وحسرة وندم، بعد أن كذبته وأحبطته نفس الآيات التي إفترى عليها، ثم غير إتجاهه ليصل إلى غايته الخبيثة، فصال وجال وفكر وقدر ثم خرج على الناس، نافياً فن التقديم والتأخير في الأدب العربي واصفاً إياه بعبارة "خربطة"، التي نراه لا يعرف معناها حقيقةً، لأنه في الواقع يتعاطاها، ويأتي بتأخير وتقديم منتهكاً أبسط قواعد النحو مما يدل على أنه لا يعرف ما يقول عنه، ولا يشعر بشطحاته الغريبة وتناقضه مع نفسه ومع ما يقول ويكتب. فحاصرناه بإقامة الدليل على جهله بالبلاغة وعلم البيان والبديع، ووضعنا أمام القراء ما يثبت أن اللغة لا يمكن أن يستقيم بيانها بدون فن التقديم والتأخير الذي هو في كثير من الحالات يعتبر ضرورة لغوية قبل أن يكون ضرورة بيانية، ولكنه ومن معه، وضعوا أصابعهم في آذانهم، واستغشوا ثيابهم، وأصراوا واستكبروا إستكبارا. ولعلهم قالوا "ألهم إن كان هذا هو الحق ... الخ.

عندما نقرأ قصص الأمم الهالكة ولجاجتهم ومناهضتهم ومخالفتهم على الرسل وتكذيب الآيات البينات التي أمامهم وإنكارهم للحق عياناً بياناً، نجد أنفسنا أمام صورة بشعة يصعب تصورها تحدث من عقلاء أو أصحاء،، ولكن عندما نواجه أمثال هؤلاء بيننا نعرف أن كل شيء ممكن ومفهوم عند غيبة الإيمان والضمير والإنسانية. ولحسن الحظ مواقفهم هذه من جهة تفضحهم وتصغرهم وتحقرهم في نظر الناس، ومن جهة أخرى تكشف الهوة السحيقة التي تردى فيها هؤلاء فأصبحوا مطية للشيطان يعبث بهم ويوردهم المخازي دون إدراك منهم.

فالتاجر عندما يفلس لا يسعه إلَّا أن "يراجع دفاتره القديمة"، ويوهم نفسه بأن ديونه المشكوك في تحصيلها، قابلة للتحصيل، ثم يتسع وهمه أكثر بأنه قادر على إحياء ديونه الهالكة. فصاحبنا يوهم نفسه بأنه أعطى القراء حتى الآن 100 خطأٍ لغويٍّ وإنشائيِّ. منها ستون خطأ في التقديم والتأخير، وأنه أسماه "خربطة النص القرآني"، وقد تجاهل تماماً المأساة والواقع الجديد الذي أوقع نفسه فيه، والذي لن يستطيع أن يتفاداه أو يتجاهله بأي حال من الأحوال. وهو تلك المواجهة الصريحة الواضحة التي حاصرناه بها، وقضينا حقيقةً على كل أوهامه،،، إلى الأبد، إن لم يستطع تكذيب أو التشكيك فيها بمعايير علمية سليمة. ونحن نعلم أنه لن يستطيع لذلك سبيلاً.

لقد شعرت حقيقة بالشفقة على هذا الفارس المغوار وهو يصول ويجول ويقاتل الغول والعنقاء والتنين، بالعرض والطول،، ثم يتضح في النهاية أنه لم يخرج من دائرة ومنهجية وحصيلة ووهم محارب طواحين الهواء the Ingenious Gentleman Don Quixote of La Mancha، فأقول له ناصحاً،، لم يعد الأمر كما كان في السابق، مجرد خيال وأوهام وإستعراضات مكشوفة، "لياً بألسنتكم وطعناً في الدين"، لا يا عزيزي ... الأمر بات أكبر من ذلك بكثير،،، لقد تعرضنا لكل تلك الأخطاء المفتراة منك على القرآن الكريم، فأكدنا زيفها وأثبتنا بأنها في واقعها أخطاء مطمورة فيك انت ونابعة من دواخلك،، والتي ظننت أنك أنجزت أكثر مما كلفت به وأن صيدك ثمينٌ،، ولِمَ لا!!! فقد إكتشفت مائة خطأ إملائي وإنشائي وخربطي، في أعظم وأصح نص عرفه الكون كله،، وبالطبع حلمت بأنك تستحق جائزة نوبل "للهراء والهزاء", ولكنك الآن في مواجهة مباشرة مع "مائة خطأ" منسوب إليك مباشرة، ومؤكد بحقائق علمية وأدلة وبراهين، يكفي واحد منها ليقضي على مصداقيتك وأمانتك العلمية وقدراتك الفكرية والعقلية. فإن تجاهلتها ولم تتصدى لها وتفندها بكاملها وتقيم الدليل على عدم صحتها، سيحكم عليك جمهور القراء (الصديق قبل العدو)، بأنك كذاب مفترٍ. أما إن قررت بأن تكمل المشوار فإما أن تُسَلِّم بالهزيمة النكراء التي أنت الآن تجر أزيالها، ونعدك بأننا سنقبلها منك، أو أن تتصدى لتكملة محاربة طواحين الهواء لعلك تعثر على العنقاء فتصرعها، أو أن تحاول أن تضع وزرك الذي ترزح تحته بعد أن ورطت نفسك به طويلاً.

الآن،، دعك عن الأوهام والتخاريف،، إذ لم تعد حجة الأخطاء اللغوية والإنشائية هذه تنطلي على أحد، فقد أزهقها الله تعالى لأنها باطل،، كما أن حجة التقديم والتأخير الأخرى أصبحت إشكالية إضافية تثقل كاهلك، والجميع الآن يعلم كنهها، فلست أنت وحدك في هذا الكون، ولا تستهين بالقراء فهم أمم من الأدباء والعلماء والمفكرين والكتاب،،، الخ، فلن تستطيع أن تسوق عندهم بضاعتك الكاسدة الفاسدة وتبيع الماء في حارة السقائين، ولن توهم بها سوى نفسك وتلك الشرزمة من أتباعك النفعيين والمتحاملين والمبطلين الذين لا يجيدون سوى السب والعدوان والرغي الفارغ من المحتوى والمضمون. دعك الآن من القرآن الكريم، فأنت أصبحت حالياً في مواجهة مباشرة مع رواد اللغة وصناع الأدب وعشاق فن التقديم والتأخير،، وقد لمست لديهم وتراً حساساً،، عليك أن تبرر لهم موقفك "علمياً" وبالأدلة والبراهين التي تراها وتقبلها وتركن إليها أياً كان مصدرها، ولا يكفي قولك (في رأيي !! أو في إعتقادي...)، فقد باتت هذه العبارة الجوفاء مستهجنة، لأن رأيك ليس معياراً يقاس عليه ويحتج به وبالتالي لن يقنع أحداً عاقلاً قط.

لقد عاد صاحبنا مرة أخرى إلى مواضيعه القديمة، كبداية للرجوع إلى المربع الأول،، فقال عن التقديم والتأخير ما كان قد قاله من قبل، فقد عرضه في مقالة "أخطاء القرآن اللغوية والإنشائية 6"، حيث إفترض خمسة أنواع من التقديم والتأخير. وقال إنه يرى من واجبه تقديم شرحا اوسع لما يسمى التقديم والتأخير والذي يُعَلَّم ضمن الدراسات القرآنية في الجامعات العربية والإسلامية دون أي نقد يوجه للنص القرآني.
فقال ما نصه: (( ويلاحظ هنا أني استعمل في ترقيم الآيات الترتيب الزمني للنزول يتبعه الترتيب العادي )). وهذه أيضا محاولة يائسة، قد جربها قبله النجمان العبقريان زكريا بطرس وتلميذه النجيب رشيد المغربي،، فقلب الطاولة عليهم، لأنه لم يجد لهم نفعاً وسنؤكد ذلك لاحقاً.

ثم قال أيضاً: ((-- يؤدي التقديم والتأخير "أدواراً بلاغية في بعض الأحيان" ولكنه قد يكون معيباً بلاغياً إذا لم يخدم الغاية المرجوة منه وهي توصيل الفكرة للمستمع والقارئ بصورة مفهومة ودون تكلف. ويمكن ان نقسم المقدم والمؤخر في القرآن الى عدة أنواع نذكر أربعة منها --)).

أولاً: قال،، "مكرراً ما كان قد قاله عدة مرات من قبل": (( إن النوع الأول من التقديم والتأخير، وهو الأخطر. ويعني بالعربي الفصيح "خربطة النص"، ويتعلق بآيات أشكل معناها فأقترح المفسرون مخرجاً لهذا الإشكال من خلال اعادة ترتيب كلماتها، مع حذف أو زيادة في بعض الأوقات، بحيث يتم الوصول الى معنى مقبول)).

نقول له في هذه الفرية والمماحكة:
1. إذا كنت لا تعترف بالقرآن الكريم نفسه،،، فما تبريرك للأخذ بإقتراحات المفسرين، كأمر مسلم به، بل ومرجعية معتمدة لديك، لدرجة المجادلة بها، مع ان إقتراحاتهم التي تدعيها هي لهذا القرآن الذي في رأيك أوصال مقطعة وكشكول؟؟؟
2. من هم هؤلاء المفسرين الذين تكرر ذكرهم للتمويه، أليست لهم اسماء يعرفون بها أو تراجم؟ أم أنك تظن "لي اللسان" يعتبر فلسفة عند كل الناس؟ من هم هؤلاء المفسرين، وما هي مقترحاتهم، هل نعتبر عدم الإفصاح عنهم "مراوغة" أو هو "إحتيال ودجل"؟؟؟
3. تقول إنك بصدد تقديم المزيد من التفسير للنوع الأول من التقديم والتأخير، الذي وصفته بأنه هو الأخطر، وقد صنفته قلت، قد يؤدي أدواراً بلاغية في بعض الأحيان ولكنه قد يكون معيباً بلاغياً إذا لم يخدم الغاية المرجوة منه،، حسناً فلنسلم جدلاً أن هذا الهراء صحيحاً، ما هي المعايير والضوابط والملاحظ التي عبرها نستطيع التمييز ما بين البليغ منها والمعيب؟؟؟
كلامك هذا (مرسل أجوف)، عليك أن تقدم ما يمكن أن يعقله القراء ويتعامل معه ويعايره بوضوح.

ثم عاود الإشارة إلى موضوعه بعنوان (أخطاء القرآن اللغوية والإنشائية 6)، وكرر بعض ما ورد فيه من قبل، قال: فعلى سبيل المثال تقول الآية من سورة مريم: (يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَٰ-;-نِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا 45)، فإدعى أنه لفهم هذه الآية، يرى المفسرون أن فيها تقديم وتأخير ويقترحون ترتيبها كما يلي: "يا ابت اني اخاف أن تكون وليا للشيطان فيمسك عذاب من الرحمن".
سبق أن رددنا على هذه الفرية وأحبطناها في موضوعنا: (سأصليه سقر... لواحة للبشر – جزء6)، تحت عنوان (أخطاء القرآن / الخطأ 53) ثم ما لبث أن كرر أيضا أخطاء أخرى هي (أخطاء القرآن / الخطأ 50) و (أخطاء القرآن / الخطأ 57)، علماً بأن هذه كلها عالجناها على نفس الرابط أعلاه.
بالرابط (http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=406810)
ثم كرر (أخطاء القرآن / الخطأ 97)، والذي عالجناه وأثبتنا تدليسه في موضوعنا (سأصليه سقر... لواحة للبشر – جزء11)، رقم الخطأ (أخطاء القرآن / الخطأ 97)، وتحت الرابط (http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=409084).

********************************************************

ثم قال عن النوع الثاني من التقديم والتأخير الذي يدعيه،، إنه يتعلق بآيات تتكرر كلياً أو جزئيا مع اختلاف في تقديم وتأخير بعض كلماتها. فضرب مثالاً على هذا الإدعاء بأن عمل مقارنة ما بين عبارة (... وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ ...)، من الآية (وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَٰ-;-ذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا «« وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ »» نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ 58)، من سورة البقرة، مع عبارة (... وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا ...)، من الآية (وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هَٰ-;-ذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ «« وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا »» نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ 161)، من سورة الأعراف. فظن أن الإختلاف بين العبارتين – مع إحتوائهما على نفس المفردات – أن هذا الإختلاف في "التركيب" بينهما يعتبر تقديم وتأخير مخل وخطأ معيب. لأنه كما إتضح لنا في كثير من ملاحظاته أنه ليس لديه خبرة في علم البيان والبديع، وهو ينظر إلى الشكل دون المضمون الذي في الغالب الأعم يكون غائباً عن مداركه رغم وضوحه حتى للعامة.
وقد ناقشنا هذه الإشكالية لديه بإسهاب، في موضوعنا (سأصليه سقر... لواحة للبشر – جزء6)، الموجود بالربط (http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=406810

********************************************************

النوع الثالث:
القسط والإقساط:

كثير من الجهلا المدعين العلم والمعرفة، بالإضافة إلى العوام يجهلون معطيان الكثير من المفردات اللغوية الهامة، فلا يستطيعون التفريق مثلاً ما بين (الكسب، و الإكتساب)، ولا ما بين (الجدل، والجدال والمجادلة)، ولا ما بين (العدل والإنصاف والقسط، والإقساط)، وبالطبع لا يفرقون ما بين (البصر والإبصار والبصيرة)، ولا يعرفون إن كان العقل هو في الرأس أم في القلب... الخ. فهذه هي حقيقة السواد الأعظم من حملة الشهادات العليا، والذين لا تقتصر نواقصهم تلك على أنفسهم أو بطانتهم أو مجتمعهم المحدود،، وإنما يطلون بهذه المعايير المزورة الخربة على العالم من خلال الوسائل التي أصبحت متاحة للكل دون إستثناء ولا تمييز فيعملون على إتلاف وتخريب وتدمير الثقافة الإنسانية العامة، ويشيعون الفتنة،، يبغونها عوجاً تحت حماية أصحاب المكاييل المتعددة من القاسطين تحت مسميات زائفة هم أنفسهم غير مقتنعين بها.

مثلاً،، نظر صاحبناً الجهبذ إلى عبارة (... كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ ...)، من سورة النساء، عند قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا « كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ » وَلَوْ عَلَىٰ-;- أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَىٰ-;- بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَىٰ-;- أَن تَعْدِلُوا وَإِن تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا 135) ،، ثم قارنها – بمفهومه الخاص والمتحيز - مع عبارة (... كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ...) من سورة المائدة عند قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا «« كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ »» وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ-;- أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ-;- وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ 8)،،،

فإدعى صاحبنا بأن العبارة الأخيرة («« كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ »» من سورة المائدة) مغلوطة وبرر ذلك الإدعاء الساذج بقوله (لأن القرآن يستعمل فعل قام مع القسط ولم يستعمل أبدا فعل شهد مع القسط). إذاً،، إن كان صادقاً فيما يقول فمن أين أتى بهذه العبارة التي يغلطها؟؟؟

يدل هذا على أنه لا يعرف مدلولات مفردة "القسط"، كمصدر له إشتقاقات كثيرة تفضي إلى معلوبات متباينة تماماً. كما أنها تعطي مدلولات أوسع عند إدخالها في التراكيب اللغوية والبلاغية والبيانية،، حيث أنها تعتبر ومكيالاً ميزاناً يفترض أن تستوي كفتاه ليكون عندها عدلاً،، فما أن مالت أو رجحت كفة على الآخرى إلَّا وأفرزت (تطفيفاً وجوراً)، ومن ثم،، يلزم الحَكَمُ العَدْلُ أن يكون ملماً بأبعاد ومعطيات هذه المفردة التي قام عليها الكون كله بصفة عامة، وكل كيان فيها "كَبُرَ أم صَغُرَ أم تضاءل)، خُلِقَ بالقسط والميزان.

إذاً،،، القِسط، هو العدل، فهو مصدر يُوصَفُ به العدل، حيث يأتي منه الماضي "أقْسَطَ/تْ" والمضارع "يَـ/تَقْسِطُ" و "يَـ/تَقْسُطُ", ويأتي منه "الإقْسَاطُ": وهو الحصة والنصيب، والمكيال الذي يسع نصف صاع، وهو أيضاً الحصة من الشيء، والمقدار، والميزان، قال تعالى: (إن الله يحب المقسطين) لأن "المُقْسِطَ" هو مَنْ « عدل إلى الحق »،

أمَّا القَاسِطُ، فهو الجائر، الذي « عدل عن الحق ». قال تعالى في سورة الجن: (وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا « الْقَاسِطُونَ » فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَٰ-;-ئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا 14)، لأنه لم يعط الله حقه من الإيمان والعبادة ولم يخف مقام ربه ويُنهِ النفس عن الهوى، فجار فيهم: (وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا 15).

فواضح أن صاحبناً ليس فقط مشكلته لغوية وإنشائية،، بل هو متخصص في "الخربطة"، برتبة مشير،، وهو أيضاً لا يعرف معاني ومعطيات وإستخدامات المفردات،، وبالتالي تجده يغوص في بحر متلاطم الأمواج من المجاهل، مع كِبْرٍ ما هو ببالغه، وإصرار مع إنحياز كامل لجانب الباطل لأن غايته عكس ما يدعيه، فهو ليس معنياً ولا مهموماً بصحة وبلاغة القرآن الكريم،، وإنما – على ما يبدوا - قد أوكل إليه العمل على تجريح القرآن لقتله أولاً في نفوس المسلمين والتشكيك في قدسيته، لأن هذا هو الطريق الوحيد أمام أعداء الله الذي يمكنهم الدخول منه ليقضوا على أي أثر لدين الله وعبادته وتوحيده لأنه "من الناحية العملية" لم يبق هناك دين مؤثر وفعال حقيقةً ومتفاعل مع كل ما يجد من أحداث وأبحاث سوى الإسلام، مهما أنكر المنكرون وكذب هذه الحقيقة المبطلون، خاصة وأنهم يعلمون جيداً أنَّ أساس منبعه وقوته هو القرآن الكريم، لأنه يتضمن كل المعايير standards الضابطة لكل شيء بدءاً بالإنسان وصيانته ومستقبله في الدارين والبرزخ بينهما، ثم باقي المخلوقات كلها وصيانة البيئة التي أتلفها الإنسان بصلفه وتلفه وغبائه وترفه، قال تعالى في سورة الروم: (ظَهَرَ الْفَسَادُ - «« فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ »» - لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ 41). مثلاً،، إفساد قيعان المحيطات والبحار بأسلحة الدمار الشامل وغيرها من المفاسد، وذوبات الجليد والتغيرات المناخية المهددة للحياة على الأرض، ثم ثقب الأوزون وتلوث الجو والمياه العذبة وكثرة الأمراض الفتاكة كالسرطانات وأمراض الدم والجلد،،، الخ. فهم يريدون أن يقضوا على آخر أمل للبشرية في الصلاح والإستقامة والنجاة.

فكلمة "قسط" تعمل حقيقةً كمحور للوجود كله، وكل ما تعانيه البشرية اليوم وما تعانيه البيئة وباقي المخلوقات الشريكة فيه إنما هو بسبب غياب "القِسْطَ" وضعف وإضعاف أهله "المقسطون"، أو تصدعهم وعجزهم وتعجيزهم "قهراً"، وظهور "القَسْط" وتسلط وتجبر وتكبر أهله الكفرة الفجرة "القاسطون"، الذين حولوا حياة الناس إلى جحيم مقيم،، فسالت الدماء وأزهقت الأرواح، فقط لرفع نسبة مبيعات السلاح، كما فسد الشباب والشابات، فقط لرفع نسبة الإدمان وبيع العقاقير التي تشجع على فساد الأعراض والدعارة المقننة، وإخضاع الأنظمة والشعوب بتصدير المشاكل السياسية والإجتماعية والملاحقات القانونية ذات المعايير المزدوجة، فتسلط السفلة من المجرمين والساقطين على الناس المستقيمين المقومين.

قبل أن ندخل في مناقشة إشكالية صاحبنا الذي كثرت إشكالاته وتشعبت وتعقدت وتجددت، فلننظر إلى بعض مدلولات هذه المفردة "المحورية" في القرآن لنعرف درجة خطورتها وأهمية معرفتها، ثم التفريق بين مدلوليها المتضادين قسطاً وإقساطا،، فيما يلي:

1. قال تعالى في سورة الأنبياء: (وَنَضَعُ « الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ » لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ 47), فكل فرد ستوزن عليه أعماله "قسطاً" فهذا يعني أنه سيأخذ حصته كاملة حسب معطيات الميزان ولا يُظْلَمُون شيئاً، « فأما من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضة، وأما من خفت موازينه فأمه هاوية، وما أدراك ما هي؟، هار حامية ». فإن إتَّزنت أعماله وتعادلت واستوت، كان من أهل الأعراف "لا أعماله تدخل الجنة، ولا تكفي لإدخاله النار" فيبقى في إنتظار رحمة الله "في الغالب" أو غضبه "إن شاء"،

2. قال تعالى في سورة آل عمران: (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَٰ-;-هَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ « قَائِمًا بِالْقِسْطِ » 18), هنا نجد أن المشركين كانوا مع الله "قاسطين"، لأنهم لم يعطوا الله حقه عليهم وهو نبذ الشرك بالتوحيد المطلق، وتخلفوا عن الشهادة له علماً بأن الله ذاته، والملائكة، وأولو العلم شهدوا له بالقسط فكانوا "مقسطين"، وكفى بالله شهيداً.

3. كما قال أيضاً: (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ « وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ » - وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ 19)، (فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ « أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ » - وَقُل لِّلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ - « أَأَسْلَمْتُمْ ؟؟؟» ..... « فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوا » وَّ « إِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ » - وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ 20)، ليس فقط قاسطون في حق الله، بل، (وَيَقْتُلُونَ « الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ » - فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ 21), إذاً،، "القاسطون" من أهل الكتاب لا يرضون عن "المقسطين" منهم، أولئك الذين "يأمرونهم بالقسط"، ليوقفوا جورهم على الضعفاء وظلمهم وبخس أشياءهم وأكل حقوقهم "كيلاً ووزناً"، ويلاحقونهم بل ويقتلونهم،

4. وفي سورة النساء قال تعالى: (وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ « وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَىٰ-;- بِالْقِسْطِ » 127), فهذه واضحة لا تحتاج إلى شرح، وهي إعطاء اليتامى أنصبتهم كاملة. ولكن هناك حقوق أخرى أيضاً يلزمها مراعاة الوزن القسط، في العلاقات الزوجية المتأزمة، قال تعالى: (وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ « وَأُحْضِرَتِ الْأَنفُسُ الشُّحَّ » وَإِن تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا 128)، فقد ترى المرأة أن حياتها الزوجية في خطر، وأن ذلك ليس في مصلحتها، لذا قد تجد أنها يمكن أن تعمل بعض الخطوات الإيجابية التي قد تفضي إلى إصلاح ذات البين مع ذوجها، وأنها يمكن أن تحل الإشكالية التي بينها وبين زوجها "مادياً"، فلا شيء في ذلك من ناحيتها "شرعاً"، ولكن من ناحيته هو، مع أنه لو أخذ ما أعطته له الزوجة لإنهاء النشوز والإعراض فلا جناح عليه في ذلك "شرعاً"، ولكن الله تعالى يغريه بما هو أفضل له من الماديات، فيحفزه في "التقوى"، و "الإحسان"، لأنه خير له على المدى البعيد. إذاً،، "قسطاً" يأخذه، ولكن "إحساناً" يتركه لوجه الله تعالى.

5. قال تعالى: (وَلَن تَسْتَطِيعُوا أَن تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ ...), لأن هناك أهم شيء تحرص عليه النساء في الغالب، هو "الوجدان والحب الخالص" لها دون سواها، ولكن هذا الذي تتمناه ليس في يدها أو في يد الزوج أو غيره لأنه وجدان ومشاعر الشخص ليس مؤاخذاً عليها لأنها خارج سيطرته وتحكمه،، فمثلاً،، إن كَرِهْتَ أحداً بسبب أو بدون سبب، لم تُسْقِطْ - بهذا الشعور الداخلي - له حق معلوم، ما لم يترتب على هذا الكره نتائج سالبة تلحق به ضرراً مادياً كان أو معنوياً، كأن تظهر له الكراهية أو تعلمه بها أو تُحَدِّثَ بها الآخرين فينقلوها له أو تُحَرِّضم على كراهيته وعدائه ولو بالتلميح أو الهمز واللمز. كذلك الحال مع الحب والإستلطاف. فإذا أدخلت المرأة في حساباتها هذه القيم فإنها لن تحصل على العدل لأنها أدخلت فيه قيم خارج نطاق "القسط"، لذا نرى دقة القرآن في تحديد وضبط المعايير حتى الوجدانية منها، لذا، قال بإستحالة العدل بهذا المفهوم الإفتراضي،، ولكن قد يميل القلب إلى إحدى الزوجات أكثر من غيرها، فيظهر ذلك الميل من خلال تصرفاته وتلميحاته أمام باقي الزوجات أو في دائرة مداركهن، دون أن يقصد ذلك، فتعتبر الباقيات هذا منه ميلاً مجحفاً في حقهن ومشاعرهن فيترك أثراً ضاراً بهن، لذا لفت الله النظر إلى هذه النقطة الحساسة في التعامل بين الزوجات،، فقال: (... فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ « فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ » - « وَإِن تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا » فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا 129).

إذاً القسط هنا مطلوب، ولكنه لن يرقى إلى درجة العدل بأي حال، ولكن يجب تفادي الأثر السالب لهذه الحقيقة الطبيعية التي ليس لأحد سلطان عليها، ومع ذلك يجب مراعاتها « بالوعي والتقوى والإصلاح »، فلا يكون الضحك والفرفشة والأنس في ليلة إحداهن، ثم الصمت والإنشغال بالأعمال أو غيرها في ليلة الآخرى فتجد نفسها زوجة مع إيقاف التنفيذ. على أية حال، إذا إتسعت الشقة بين الزوجين فلم يجدا علاج سوى الطلاق، فليست هذه نهاية المطاف ونفاد الفرص والبدائل بين الطرفين، فالأزواج كثيرون غيره، والزوجات كثيرات غيرها، فقط يجب أن تراعى الحقوق الشرعية عند الفراق الذي يفرض عليه أن يفارقها فيه بالمعروف، إن لم يستطع أم يمسكها بالإحسان، لذا قال: (وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِّن سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا 130).

إلى هنا،، كان القسط كله بين الناس وبعضهم بعضاً، وهو النوع الأول الذي أشكل على صاحبنا ولم يستطع التفريق بينه وبين النوع الثاني من "القسط" وهو المتعلق بذات الله تعالى،، والذي بينه في نفس السورة، في الآيات البينات التالية:

قال تعالى: (وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ...), لذا على الناس كلهم الإعتراف له بهذا الحق،، وقال: (... وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ « أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ » وَ «« إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ »» - وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا 131)، فكثير من أهل الكتاب قبلكم ومنكم لم يراعوا هذا الحق فكانوا من "القاسطين"، ولكن كل هذا لن يضر الله شيئاً لسبب بسيط هو أن الله مستغنِ عن الخلق كله: (وَ « لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ » - وَكَفَىٰ-;- بِاللَّهِ وَكِيلًا 132)، فالمقسطون لن يزيدوا ملك الله شيئاً، فهو عمل صالح يحسب لهم، كما أن "القاسطون"، لن يضروا الله شيئاً، فهو عمل طالح سيحسب عليهم وسيكونون لجهنم حطباً. فما دام أنه تعالى مستغنِ عن الخلق كله بصفة عامة وعن البشر بصفة خاصة، فإنه قادر على أن يبدل الخلق غير الخلق والسموات،،، لذا قال: (إِن يَشَأْ « يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ » وَ « يَأْتِ بِآخَرِينَ » - وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ-;- ذَٰ-;-لِكَ قَدِيرًا 133) ألم ينسخ الله الجبال بالبراكين فيخفيها ويأت بغيرها فوقها؟ ... ألم يقل الله تعالى في سورة الإسراء: (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ « فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ » وَ « جَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً » - لِّتَبْتَغُوا فَضْلًا مِّن رَّبِّكُمْ – وَ « لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ » - وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا 12)؟؟؟

على اية حال، قال تعالى: (مَّن كَانَ يُرِيدُ « ثَوَابَ الدُّنْيَا » - فَعِندَ اللَّهِ «« ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ »» - وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا 134)، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا «« كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ »» ...), إذاً المهضوم والمعتدى عليه هنا هو حق الله تعالى على العباد،، فبين أن حقه لا يجوز فيه أدنى من "القسط"، مهما كان الطرف الثاني في المعادلة، لذا بدأ بالنفس وأقرب الأقربين،،، قال: (... وَلَوْ عَلَىٰ-;- أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَىٰ-;- بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَىٰ-;- « أَن تَعْدِلُوا » وَ « إِن تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا » فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا 135)،

وفي سورة النساء قال تعالى: (وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ « وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَىٰ-;- بِالْقِسْطِ » 127),
المطلوب هنا أن يقوم الناس بالحكم فيما بينهم "بالقسط"، على أن تكون شهادتهم بهذا القسط لوجه الله تعالى وتنفيذاً لحكمه وأمره، لذا كان التعبير الدقيق: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا « قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ - شُهَدَاءَ لِلَّهِ » 135).

وكذلك الحال في سورة المائدة، قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا « قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ » - « فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ » وَ « إِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا » وَ « إِن كُنتُم مَّرْضَىٰ-;- أَوْ عَلَىٰ-;- سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا » - فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ ..... « مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ » وَ « لَٰ-;-كِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ » وَ « لِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ » 6)، فهذا ضمن حقوق الله تعالى على عباده، من قصر فيها كان "قاسطاً"، فذكرهم ببعض نعمه الظاهرة عليهم، فقال: (وَاذْكُرُوا - « نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ » وَ « مِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُم بِهِ » - إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا – وَ « اتَّقُوا اللَّهَ » ..... إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ 7)،

بعد هذا التذكير بالنعم والميثاق الذي قلتم فيه "سمعنا وأطعنا"، فكيف تخونون هذا الميثاق بعد ذلك؟ ..... إذاً،،، هذه المرة القوامة على "حق الله" بينهم وليس حق بعضهم على بعض،، لذا قال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ...):
1. لتكون قوامتكم هذه المرة على حق الله تعالى عندكم،،، فتشهدوا لله بما يستحقه منكم، من توحيد وطاعة وتقوى: (... كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ ...),
2. ولتكن هذه القوامة شهادة منكم لله بحقوقه عليكم كاملة "بالقسط"، فمن لمن يشهد لله تعالى بها وعلى أصولها كان "قاسطاً"،،، قال تعالى: (... شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ).
3. ثم وجه ولفت أنظار المؤمنين إلى مشاعر وجدانية سالبة وهي "الشنآن"، الذي يقع بين الناس كثيراً، فقال لهم إن حدث أن هناك كراهية منكم لقومٍ، فلا تتركوا هذا الشنآن يحيدكم عن "القسط" إليهم وإعطاءهم حقوقهم كاملة حتى مع عدوانهم وكراهيتكم لكم، بغض النظر عن الأسباب، لذا قال: (... « وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ-;- أَلَّا تَعْدِلُوا » ..... اعْدِلُوا « هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ-;- » - وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ 8).

إذاً مشكلة صاحبنا هي سوء فهم وتبصرة، وقد ساعده على هذه الفرية المجحفة عدة عوامل معيبة أهمها "الشنآن" ضد كل ما هو "عقدي" وموحى من الله تعالى، وثانيها الجهل والغفلة والختم، وقد وصف الله أمثال هذه القلوب الفاسدة المختومة بقوله في سورة النور: (أَوْ « كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ » - « يَغْشَاهُ مَوْجٌ » - « مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ » - « مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ » - « ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ » - « إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا » ..... وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ).

فهناك نماذج كثيرة تُفَصِّلُ معطيات هذه المفردة المحورية، كما بالآيات التالية:
سورة المائدة: (وَإِنْ حَكَمْتَ « فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ » إِنَّ اللَّهَ « يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ» 42)،
سورة الأنعام: (وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَ « الْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ » 152).
سورة الأعراف: (قُلْ أَمَرَ رَبِّي « بِالْقِسْطِ » 29).
سورة يونس: (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ « بِالْقِسْطِ » 4)، (فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ « بِالْقِسْطِ » وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ 47). (وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ « بِالْقِسْطِ » وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ 54). (وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ « بِالْقِسْطِ » 85). (وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ « بِالْقِسْطِ » وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ 9). (وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ « بِالْقِسْطِ » 25).

إذاً،، الفرق بين العبارتين كبير للغاية،، للآتي:
1. عبارة (كُونُوا « قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ » شُهَدَاءَ لِلَّهِ)، من سورة النساء تتحدث عن قوامة البشر بالقسط فيما بينهم "كبشر"، لذا أمرهم بأن يكونوا في قوامتهم للناس بالشهادة (شهداء لله)، وإبتغاء وجهه،
2. أما عبارة («« كُونُوا « قَوَّامِينَ لِلَّهِ » شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ »» 8) من سورة الأعراف، هي (أن تكون قوامتهم بالشهادة « لله نفسه » وإظهار حقه على العباد بعد التوحيد المطلق،
ولكن هذه الفروق في المعاني – على الرغم من أنها واضحة وظاهرة – إلَّا أنها تحتاج إلى أساسيات مفقودة لدى الكثيرين، أمثال صاحبنا وزمرته، أهمها:
1. الإيمان المطلق بأن هذه الآيات كلام الله تعالى، وأن الخطأ يستحيل في حقه،
2. العلم الكافي باللغة والبلاغة وفي البديع،، مدعوماً بشيء من الحكمة وفصل الخطاب،
3. خلو القلب من الشك والشرك الظاهر أو الخفي، وعمارته بالخشية والتقوى،
4. قراءة القرآن بالتدبر، وأخذ الآية في "سورها"، وبداخل بيئتها التي أوجدت بها... الخ

قال تعالى في سورة الحجرات: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ-;- مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ 6)، (وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَٰ-;-كِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَٰ-;-ئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ 7)، (فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ 8).

(وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا « فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا » - فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ-;- « فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ-;- تَفِيءَ إِلَىٰ-;- أَمْرِ اللَّهِ » ..... فَإِن فَاءَتْ « فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ » وَ «« أَقْسِطُوا »» - إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ 9)، (إِنَّمَا « الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ » - فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ 10). صدق الله العظيم.

تحية طيبة للقراء الكرام

بشاراه أحمد








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - أنتم كذلك أمة هالكة!!
حميد كركوكي {صيادي} ( 2014 / 4 / 10 - 06:42 )
القرآن و خرافات الإسلام هالكة لا محالة أمريكا والغرب والشرق وپترول الخليج الفارسي لا ينجوكم من المهلكة القادمة من كثرة المعلومات وأخبار جيفة الوهابية وإحتقارهم لأنسانية المرأة خاصة والبشرية عامة!


2 - كركوكي
بشاراه أحمد ( 2014 / 4 / 10 - 07:54 )
ما هذه الخطرفة ايها الكركوكي؟؟؟
1. القرآن
2. و خرافات الإسلام
3. هالكة لا محالة
4. أمريكا والغرب والشرق (والشمال والجنوب، والجيوب والحبوب ...)
5. وپترول الخليج الفارسي (وجليد القطب المتجمد، وشمس الأصيل... الخ)
6. لا ينجوكم من المهلكة القادمة من كثرة المعلومات
7. وأخبار جيفة الوهابية (والخلافة العثمانية، والآثار الفرعونية ... الخ)
8. وإحتقارهم لأنسانية المرأة خاصة والبشرية عامة! (وبول الإبل، والعين الحمئة ... الخ)
ثم ماذا بعد؟؟؟ ما الذي تريد أن تقوله حتى نصيغه لك كي يفهمه الناس؟ يا أخي نحن نطرح موضوع علمي بحت، إن كان لك رأي فيه فمرحباً بك أما الخزعبلات فلا مكان لها عندنا.
على أية حال .... شكراً على مشاركتك الكريمة التي ليس لها أدنى علاقة بالموضوع الذي جاءت فيه.


3 - المشرق
بشاراه أحمد ( 2014 / 4 / 10 - 18:45 )

من حسن الحظ أنك دائماً متواجد وتسجل حضوراً

أنا أعرف أنك ملم بعلم الأولين والآخرين،، ولكنني قصدت بالشرح العوام مثلي،، فعفواً نعتذر عن هذا الخطأ غير المقصود

فقط أعذرني إن قلت لك والله لم أفهم ما تريد أن تقوله فهذا عيب أعترف لك به

شكراً!!!!

ثم ماذا بعد ........؟؟؟


4 - من الآن فصاعدا نحاربكم لامجمالةمعكم
Hamid Kirkuki حميد صيادي ( 2014 / 4 / 11 - 01:00 )
بعد إعلان مملكة الظلمات السعودية الحرب علينا نحن العلمانين والملحدين بدورنا نحن:ــــ الكفار،الملحدين،الشيوعين،العلمانين،الفيزيائين،الميكانيك،والأطباء،وعلماءالفضاء وكل من له علم ومعرفة نقاطعكم المحادثة العقلانية ونحابكم بجنوننا القادم من أعماقنا لكي نوحل قرآنكم البليه ومحمدكم الشبقي المريض


5 - حميد
بشاراه أحمد ( 2014 / 4 / 11 - 06:31 )

ما علاقة مملكة الظلمات أو إمبراطورية المتاعب بما نكتبه نحن هنا؟ وما علاقتي أنا أصلاً بحربك السياسية أو الفكرية مع أي جهة وتحت أي مسمى؟

وليس الإسلام سعودياً وليس القرآن إنتاج سعودي،، ولم ندخل المعترك الفكري إلَّا من منطلق تصحيح المفاهيم الخاطئة التي إفتراها شخص ما، فرددنا عليه بالحقائق التي حاول طمسها. فإن وجدت أننا بالغنا، فما عليك سوى أن تثبت ذلك بالمعايير الصحيحة. أما إن كنت عاجزاً عن الرد فأكرم شي للإنسان السكون لإحترام نفسه على الأقل. أما السباب والشتائم والإتهامات، والتهكمات غير المبررة فهذا يقدح في أدائكموالإنفعال الذي نراه والهجوم والتهديدات فهذا -في مفهومنا- مصدره الفشل والإحباط

تقول أنك ستقاطعنا المحادثة العقلانية فأين هذه العقلانية التي تتحدث عنها أرجوك اشر إلى واحدة فقط فأكون شاكراً . أما التهديد بالمحاربة نقول لك قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا أما تهديدك بأنك ستوحل القرآن . فما الذي تفعلونه أنت الآن؟؟ على أية حال -إن إستطعت أن تنسف القرآن فأفعل- ولا تتوانى ولكن فقط أحزم أمركم جيداً لأن الهدف ليس بهذه السهولة التي تظنها. لأن الإستراتيجية الحالية قد إنهارت تماماً
.


6 - نعم خربشات محمد ماهي إلا مرض و وباء
كركوكيHamid Sayadi ( 2014 / 4 / 11 - 10:04 )
سوف تكون إنقراض حضارة الأسلام سريعا بعد الآن لأن حامي اإسلام رفع راية الحرب على العلمانية! ستكون اللعبة جدية وبدون إحترامات سياسية ودبلوماسية ! سوف نلقن درسا لحفات الأقدام درسهم الأخير ونشيع جثمان دينهم الكريه في مزبلة التأريخ


7 - كركوكي،،، إهدأ قليلاً فلا تفرط في الوهم
بشاراه أحمد ( 2014 / 4 / 11 - 14:40 )

إن بادرتمونا ببادرة سوء غدراً وعدواناً، كان الحسم عندنا،، ولن تجدنا نعاماً أمامك، فلا تظن الحلم ضعفاً

لو كان الإسلام ينقرض بيد زيد من الناس لما بقي حتى الآن

، فلا تحول الموضوع إلى عقد وحسابات وأضغان نحن لسنا طرف فيها

فإن كتب الله علينا قدراً مقدوراً قابلناه بصدور عارية فإن أنت لقنتنا درساً كان باطن الأرض أولى بنا من ظاهرها

اخر الافلام

.. مشروع علم وتاريخ الحضارات للدكتور خزعل الماجدي : حوار معه كم


.. مبارك شعبى مصر.. بطريرك الأقباط الكاثوليك يترأس قداس عيد دخو




.. 70-Ali-Imran


.. 71-Ali-Imran




.. 72-Ali-Imran