الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دخول العرب مصر .. فتح أم غزو؟

تامر عمر

2014 / 4 / 10
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


قبل أن تمتدحنى أو تذمنى .. قبل أن تشتمنى أو تحتفى بى، أرجوك .. أرجوك .. تجرد قليلاً من مشاعرك وحكِّم عقلك فقط. لا أريد منك سوى التفكير بالعقل والمنطق.
تعال على نفسك وفكر ...
* * *
درجنا على تسمية دخول العرب مصر فتحاً، فنقول (الفتح العربى)، ولا نقول (الغزو العربى)، ذلك لأن الغزو عمل ذميم بغيض، ونحن كمصريين نحب أن نربأ بمن حملوا إلينا رسالة الإسلام أن نتصور أنهم يمارسون الغزو، مثلهم مثل أمم كثيرة مارسته فى عصور الهمجية والتوحش، فنقيم تمييزاً وتمايزاً بين هذا الفعل القبيح (الغزو)، وبين الفعل الآخر الذى هو ليس قبيحاً (الفتح).
على امتداد تاريخها الطويل السحيق، تعرضت مصر للغزو المتتابع. غزا مصر الهكسوس والفرس واليونان والرومان والعرب والأتراك والفرنسيون والبريطانيون والإسرائيليون. ومن بين كل تلك الغزوات التى يبغضها المصريون، يقف الغزو العربى وحده، ليس باعتباره غزواً، وإنما باعتباره فتحاً، ذلك لأنه حمل رسالة الإسلام إلى مصر.
والواقع، أنه بجانب إدخال العرب الإسلام إلى مصر، فإنهم مارسوا، بالضبط وبالدقة، كل ما مارسه الغزاة من قبلهم ومن بعدهم. وقبل أن تصرخ فى وجهى محتجاً، دعنا نحدد بموضوعية وهدوء ما هى الممارسات السيئة التى يمارسها الغزاة، ونرى: هل مارسها العرب فى مصر أم لا، ثم بعد ذلك، نحتكم إلى كتب التراث الإسلامى ذاته لنتحقق: هل وقعت تلك الممارسات السيئة أم لا؟ موافق؟ هيا بنا.
دعنا أولاً نحدد ما هى الممارسات السيئة التى يمارسها الغزاة بحق الأمم التى يغزونها. (1) هم يعمدون إلى (شفط) ثروات وخيرات هذه الأمة وتحويل خيراتها إلى بلادهم. (2) هم يعمدون إلى تسخير السكان الأصليين فى العمل، ليس لخير بلادهم وأرضهم، بل لخير الأمة الغازية وشعبها. (3) هم يعاملون أبناء الشعب المحكوم كمواطنين من الدرجة الثانية لا تتساوى حقوقهم مع حقوق الحكام الغزاة. (4) هم يقمعون الإحتجاجات على تلك الممارسات بالقوة والسلاح. فهل تحققت تلك الممارسات؟ دعنا نر. أولاً، وفيما يخص شفط الثروات والخيرات، خد عندك: (1) كتب الخليفة الأموى سليمان بن عبد الملك إلى مسئول الخراج بمصر أسامة بن زيد التنوخى، عن جمع الجزية والخراج ما نصه أن (إحلب الدر حتى ينقطع، وإحلب الدم حتى ينصرم). (أرأيت إلى أى درجة كان الإستغلال؟ إلى درجة مصّ الدم!!) (2) لم يكتفِ الخليفة عمر بن عبد العزيز بالجزية عن الأحياء، فأمر بأن تكون جزية موتى الأقباط (!!) على أحيائهم. (3) عندما فطن الحكام العرب إلى أن بعض الأقباط يتهربون من دفع الجزية بالإنخراط فى الرهبنة، عمدوا إلى منع الأقباط من الرهبنة بأن وضعوا حلقة من الحديد فى اليد اليسرى لكل راهب، لضمان عدم هروب المزيد من الأقباط إلى الأديرة.
وليس أدل على نظرة العرب الغزاة إلى مصر باعتبارها بقرة يحلبون خيرها من مقولة عمرو بن العاص للخليفة عثمان بن عفان، عندما عرض عثمان على عمرو أن يتولى حكم مصر ولكن بدون التحكم فى الأموال والجزية والخراج. قال عمرو: (أنا إذن كماسك البقرة بقرنيها وآخر يحلبها)، ورفض عرض عثمان وترك ولاية مصر. لماذا لم يفكر عمرو فى دوره المفترض فى نشر الإسلام والدعوة إليه فى مصر؟ ما معنى هذا الكلام إلا أن يكون ولاة مصر من العرب لا يرون فيها إلا لقمة طرية سائغة؟ تعال على نفسك وفكر ..
ثانياً: فيما يخص تسخير السكان الأصليين فى العمل:كان الأقباط يهربون من السخرة فى الحقول حتى اشتدت حركة هروبهم فى ولاية قرة بن شريك، فكانت أسرات بأكملها تنتقل من مكان إلى آخر فراراً من الضرائب والسخرة فى الحقول، الأمر الذى اضطر بن شريك إلى عمل إحصاء للناس لحصر الجزية الواجبة عليهم.
ثالثاً: فيما يخص معاملة المصريين كمواطنين من الدرجة الثانية: (1) كتب الخليفة عمر بن الخطاب إلى واليه بمصر عمرو بن العاص بألا يتشبه أهل الذمة (يقصد الأقباط المصريين) بالمسلمين فى مظهرهم ولباسهم، ولا يبقى من الكنائس إلا ما كان قبل الإسلام. (2) وأن يرتدى الأقباط زياً ذا لون مخالف للون ملابس المسلمين، وألا تعلو أبنيتهم فوق أبنية المسلمين، وألا تعلو أصوات نواقيسهم وتلاوة كتبهم، وألا يتجاهروا بشرب الخمر وإظهار صلبانهم، وأن يخفوا دفن موتاهم ولا يتجاهروا بندب عليهم ولا نياحة، وأن يمتنعوا عن ركوب البغال والحمير. (3) أمر الخليفة يزيد بن عبد الملك بكسر الصلبان فى كل مكان بمصر، ومحو الصور والتماثيل التى هى رمز الكنائس. (يا من تنكر إضطهاد الأقباط فى مصر: إن لم يكن هذا هو الإضطهاد، فما عسى الإضطهاد يا ترى أن يكون؟! تعال على نفسك وفكر ...)
رابعاً: فيما يخص قمع الإحتجاجات بالقوة والسلاح: (1) عام 725 م، ثار الأقباط على الغزو العربى فى الوجه البحرى، فوجه الوالى العربى الحر بن يوسف إليهم جيشاً فقتل منهم نفراً كثيراً. (2) عام 750 م، ثار الأقباط فى سمنود، فأمر الخليفة عبد الملك بن مروان والى مصر موسى بن نصير بأن يجرد جيشاً لقتالهم، فقتل بن نصير الكثير من الأقباط. (3) فى نفس العام، ثار الأقباط برشيد، فبعث إليهم الخليفة الأموى مروان بن محمد جيشاً لقتالهم، وذلك عند دخوله مصر فاراً من ثورة العباسيين، فهزم الأقباط وقضى على ثورتهم. (4) فى عام 767 م، ثار أقباط سخا، فى ولاية الوالى العربى يزيد بن حاتم بن قبيصة، وانضم إليها أهل البشرود وبعض جهات الوجه البحرى، ونجحوا فى إنزال الهزيمة بالعرب.
ما الفرق بين ما فعله العرب بمصر وبين ما فعله أى غازٍ آخر؟ لقد تحققت شروط الغزو وممارساته القبيحة كلها، ومن مصادر التراث الإسلامى نفسه، فما هو الشىء الجيد الذى قدمه العرب للمصريين مقابل كل تلك البهدلة؟ هدايتهم إلى الإسلام؟ حسناً. إن لنا مع ذلك مقالاً آخر، ولكن حتى ذلك الحين، إقرأ هذا المقال مرة أخرى، وتعال على نفسك وفكر ....








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الاخ الكاتب
اّيار ( 2014 / 4 / 10 - 22:04 )
ما ذكرته صحيح ولكن قل لي ما هو الفرق بين المحتل والغازي والفاتح ؟! .. انها ثلاثة مسميات لفعل واحد وهل ( الفتح ) مفخرة لكي تمّيز بها عن الغزو ؟!..