الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-العدم-.. تلك الفكرة الغبيَّة!

جواد البشيتي

2014 / 4 / 12
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع



"العدم" Nothingness، وما أدراك ما "العدم"؛ فهو مصطلح، أو مفهوم، شائع في الأديان، وفي كثيرٍ من المدارِس والاتِّجاهات الفلسفية، وفي نظريات وآراء ووجهات نظر كوزمولوجية؛ ومع ذلك، لا معنى له مُتَواضَع عليه.
منطقياً، احتاج الدِّين إلى "العدم"، أيْ إلى فكرته؛ فـ "الخَلْق" مُثَلَّث، أضلاعه الثلاثة هي: "الخالِق"، "المخلوق"، و"العدم". وفي المنطق، نقول: الخَلْق لا يكون إلاَّ بخالِقٍ يَخْلِق المخلوقات (والأشياء) من "لاشيء"، أو من "العدم"؛ فالله كان، ولم يكن من وجودٍ لأيِّ شيء؛ ثمَّ (ولسببٍ مُتاهَفِت منطقياً) خَلَق "كل شيء" من "لاشيء".
وفي "الخَلْق القرآني" لـ "الكون"، والذي يُعَرَّف قرآنياً على أنَّه "السماوات والأرض وما بينهما"، لا نرى "خَلْقاً من العدم"؛ فـ "السماوت والأرض" كانتا موجودتين منذ الأزل؛ لكنَّهما كانتا "رَتْقاً"، أيْ ملتصقتان، فـ "فَتَقَهما"، أيْ فصلهما، الله. وهذا إنَّما يعني أنَّ "الخَلْق الإلهي (بأيَّامه الستَّة)" لم يتعدَّ "فِعْل الفَتْق". قَبْل خَلْق "السماوات والأرض وما بينهما (في سِتَّة أيَّام، حار المؤوِّلون في تأويلها، ولم يُحْسِنوا تأويلها حتى الآن)"، كانت "السماوات والأرض" موجودتين على هيئة شيئين ملتصقين، وكان الله، و"كان عرشه على الماء"؛ فمع الله كان "عرشه"، وكان "ماء"، عليه "عرش الخالق".
حتى "الأمر (الإلهي) كُنْ" يؤكِّد، ولا ينفي، "اللاعدم"؛ فـ "الأمر"، منطقياً، لا يكون إلاَّ بوجود "آمِرٍ" و"مأمور"؛ فإذا كان "الآمِر" هو الله، فَمَنْ يكون "المأمور"؟!
تَخَيَّل أنَّكَ تريد أنْ تَخْلِق "شمساً"، أو "الشمس"، بالأَمْر "كُنْ"؛ فتَأمُر "شيئاً ما"، قائلاً له: "كُنْ شمساً"، فيكون.
لقد استعصى على الدِّين أنْ يكون مؤسِّساً لفكرة "الخَلْق من العدم"؛ لأنَّ تَصَوُّر "العدم" لم يكن في متناوَل "الذِّهْن الدِّيني".
هيجل، رَأْسُ الفلسفة "المثالية الموضوعية"، تخطَّى "عَقَبَة العدم" في الدِّين؛ فتَصَوَّر "الخالِق" على أنَّه "فكرة، لا يخالطها، في جنسها ومعدنها، شيء من المادة؛ لكنَّها متَّحِدة اتِّحاداً لا انفصام فيه مع مبادئ وقوانين الدياليكتيك"، ناظِراً إلى الطبيعة (أو المادة)" على أنَّها رداء لهذه الفكرة، ومُفسِّراً تطوُّر "الطبيعة"، من ثمَّ، على أنَّه انعكاس لتطوُّر "الفكرة (المُطْلَقَة) نفسها"؛ ولقد رأى في "الإنسان"، أو في هذا "الحيوان العاقِل"، الفكرة نفسها وقد وَعَت (وأدركت) نفسها بنفسها.
"إله هيجل" لا يحتاج إلى فكرة "الخَلْق (خَلْق الطبيعة) من العدم"؛ كما أنَّه "إله دياليكتيكي"، يتطوَّر؛ ونحن البشر لا نرى تطوُّره (الدياليكتيكي) لكنَّنا نرى انعكاس هذا التطوُّر في الطبيعة.
ثمَّ تطوَّرت نظريات كوزمولوجية في اتِّجاه "ديني ــ مثالي"؛ فالأفكار الدينية والمثالية تَهَافَت منطقها بفضل تطوُّر عِلْم الكون في القرنين التاسع عشر والعشرين، واستبدَّ بالقائلين بها شعور بالعجز عن إجابة الأسئلة والتساؤلات الكوزمولوجية الجديدة بما يَرْفَع منسوب ثِقَة الناس بالفكر الدِّيني والمثالي؛ ولقد اشتملت نظرية "الانفجار الكبير" Big Bang على كثير من العناصر والمفاهيم والأفكار الصالحة للفكر الدِّيني والمثالي، والمتصالحة معه، فَزُوِّد هذا الفكر أسلحة وذخائر جديدة في حربه الدائمة على "المادية".
أُنْظروا الآن كيف أَسَّست نظرية "الانفجار الكبير" لـ "المفهوم الفيزيائي" لـ "العدم".
وحتى يَسْهُل علينا فَهْم وتَمَثُّل فَهْم هذا "المفهوم"، و"طريقة التفكير" التي قادت إليه، دَعُونا نتخيَّل أنْ الكون قد شَرَع ينهار على نفسه.
هذا الانهيار يَبْلُغ "منتهاه" بـ "شيء"، يُسمُّونه "النقطة (الكونية) لانهائية الكثافة". في هذه "النقطة" دُفِنَت، أو اخْتَفَت، "المادة كلها"، أو "كل مادة الكون". وفي هذه "النقطة"، وبها، "أُعْدِم" الحجم؛ وبـ "إعدامه"، جُعِلَت، أو جَعَلوا، "النقطة" لانهائية (مُطْلَقَة) الكثافة.
وتمادوا في "إعدام"، أو مَسْخ، "المادة"؛ ففي هذه "النقطة" انعدم "الزمان" و"المكان"؛ فلا تغيير من أيِّ نوع يعتري هذه "النقطة"، التي انعدم الفضاء فيها، وفي خارجها، على افتراض أنَّ لها "خارِجاً".
لا تتصوَّروا هذه "النقطة (اللانهائية الكثافة)" على أنَّها "شيء" أصغر حجماً من الإلكترون بملايين، أو بلايين، المرَّات؛ فلا حجم لها.
فيزيائياً، لا سبب يدعو إلى هذه "النهاية (أيْ النقطة)" لانهيار الكون على نفسه؛ فليس في الفيزياء ما يُسوِّغ (أو يُعلِّل) وصول الكون، في انهياره (الافتراضي) على نفسه، إلى هذه "النقطة"؛ ومع ذلك، قالوا بها، وقَدَّموها إلينا على أنَّها "مُسلَّمة"، لا يرتاب في صدقيتها الفيزيائية إلاَّ كلُّ ذي عَقْلٍ فيزيائي قاصِر.
ولو سَأَلْتُهم "هل هذه النقطة مادة؟"، لأجابوكَ على البديهة قائلين: "كيف لها أنْ تكون مادة؟! وهل من مادة ينعدم فيها الزمان والمكان والفضاء والقوى..؟!".
لقد "أَعْدموا"، في النقطة، كل ما يمتُّ إلى المادة بصلة؛ ثمَّ قالوا لك: هذه "النقطة (اللانهائية الكثافة، واللامادية في ماهيتها وخواصها)" هي "العدم نفسه"؛ لكن بمفهومه الفيزيائي (الرَّصين)!
ولسببٍ، لا نَعْلًمه، ولا هُمْ يَعْلَمونه، يَقَع "انفجار"، ليس كمثله انفجار؛ وهذا "الانفجار الكبير (غير المُعلَّل)" Big Bang هو في منزلة "الإله"، الذي من هذه "النقطة"، أيْ من هذا "العدم (الفيزيائي، لا الدِّيني)"، يَخْلِق "كل شيء"؛ يَخْلِق الزمان والمكان والفضاء والقوى والطاقة والجسيمات الأوَّلية..؛ وقد يظل يَخْلِق، ويُعيد الخَلْق؛ فلقد امَّحت كل الفروق الجوهرية والنوعية بين هذه النَّظرية وبين قصة الخلق التوراتية؛ وهكذا انتقلنا من "المسيح" الذي فيه "تَهَوَّد" الرَّبُّ نفسه، إلى نظرية "الانفجار الكبير"، التي فيها، وبها، "تَهَوَّدت" الفيزياء (الكونية) نفسها!
قَبْل أنْ يُؤسِّسوا لـ "العدم" نظرية فيزيائية، كان ينبغي لهم أنْ يُنْجِزوا مهمَّة تعريف "المادة"؛ فأنتَ (وفي المنطق) لا يُمْكِنكَ، ولا يحقُّ لكَ، أنْ تقول إنَّ A قد جاءت من B، إذا لم تكن قد انتهيت من تعريف A. وأنتَ (في المنطق الفيزيائي) لا يُمْكِنكَ، ولا يحقُّ لكَ، أنْ تقول إنَّ "المادة" قد جاءت من "العدم"، إذا لم تكن قد انتهيت من تعريف "المادة".
إنَّهم، وبدلاً من ذلك، مسخوا "المادة"، وتمادوا في مسخها، مُحَوِّلينها إلى "مادة لامادية"؛ ثمَّ قالوا لكَ: هذه ليست مادة؛ فهل ما زلت مُصِرَّاً على أنَّ المادة لا تُخْلَق من العدم؟!
لقد أَلْبَسوا "رَجُل الدِّين" ثياب "عالِم الفيزياء" حتى يَسْهُل عليه تهريب الأفكار الدينية إلى رأسكَ بصفة كونها "أفكار فيزيائية رصينة وعبقرية"!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - --------
عادل العراقي ( 2014 / 4 / 13 - 02:51 )
المدعو عبدالله خلف يعلق احيانا باسم ابو بدر الراوي مُستَخدم مرتزق مدفوع الاجر مهمته الاساسيه هي التشويش على اية ماده وفكره نيره تنشر على صفحات الحوار المتمدن. فهو غوغائي ناقص الفكرة والرأي وجل ماتتفتق قريحته في الرد هو الاسترشاد بموضوع رخيص منشور على الانترنيت. حضوره اليومي على الحوار المتمدن وجاهزيته للرد سلباً على كل ما هو علمي ونافع تؤكد على انه مدفوع الاجر.


2 - نحن لا نؤمن بالعدم
مسجد الرحمة ( 2014 / 4 / 14 - 00:49 )
نحن لا نؤمن بالعدم
نحن نؤمن بالغيب
نحن أتينا من الغيب
ونذهب إلى الغيب
فهل عندك مشكلة مع الغيب

اخر الافلام

.. تزايد القلق بشأن صحة الرئيس الأمريكي بايدن والبيت الأبيض يحا


.. الخلافات في الداخل الإسرائيلي.. تشابكات تعقد المشهد بسبب حرب




.. تركيا تغلق الحدود مع سوريا عقب اندلاع أعمال عنف في البلدين


.. حصانة الرئيس.. بايدن يعلق على قرار المحكمة العليا بشأن ترامب




.. كلمات صمود لطفلة من غزة تتشح بعلم فلسطين