الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قبل الإختلاف على حكمها .. ما هو معنى -الردّة-؟

تامر عمر

2014 / 4 / 12
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


قبل الإختلاف على حكمها .. ما هو معنى "الردة"؟

قبل أن تمتدحنى أو تذمنى .. قبل أن تشتمنى أو تحتفى بى، أرجوك .. أرجوك .. تجرد قليلاً من مشاعرك وحكِّم عقلك فقط. لا أريد منك سوى التفكير بالعقل والمنطق.
تعال على نفسك وفكر ...
* * *
المعلوم أن الخلاف على حد الردة هو خلاف فقهى بين رأيين: رأى يقول بوجود ما يسمى بالردة ووجوب إقامة الحد على المرتد، ورأى يقول بعدم وجود ما يسمى بالردة لوجود أصل أعلى يتمثل فى حرية الإعتقاد، وبالتالى، فليس هناك محل لمناقشة ما يسمى بحد الردة.
والخلاف، كما ترى، فقهى بين رأيين. يستند كل رأى إلى آيات من القرآن أو أحاديث نبوية، أو ممارسات تاريخية مارسها الصحابة. وباختصار شديد، وبدو الخوض فى مجادلات أو مساجلات فقهية، يمكن القول بأن أصحاب الرأى القائل بوجوب إقامة حد الردة يستندون إلى حديث نبوى يقول: (من بدَّل دينه فاقتلوه)، ويستندون أيضاً إلى الممارسة المتمثلة فى حروب الردة التى خاضها الخليفة أبو بكر الصديق ضد المرتدين بعد وفاة النبى. أما أصحاب الرأى القائل بعدم وجوب حد الردة، فيستندون إلى الآية: {لا إكراه فى الدين قد تبين الرشد من الغى} (سورة البقرة، الآية 265). وكذلك الآية: {وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر} (سورة الكهف، الآية 29).
هذا المقال لن يخوض فى مدى صحة أو عدم صحة هذا الرأى أو ذاك، ومدى صحة هذا الحديث وقوة إسناده، أو سبب تنزيل هذه الآية والسياق التاريخى لها، إلى آخر الحجج التى يحتج بها الفقهاء فى تأييد أو دحض الأحكام. لكننا سنركز فى هذا المقال أساساً على معنى ومفهوم الردة وتعريف المرتد، بدون الدخول فى حلبة المساجلات الفقهية، لعلنا، بتحليلنا لمعنى ومفهوم الردة، وبتحديدنا لتعريف المرتد، نكون قد أسهمنا ولو بجهد بسيط فى حل الإشكالية.
تعال على نفسك وفكر .. ما معنى الردة؟ من أين تأتى الكلمة أصلاً ومم تُشتق؟ يُشتق الإسم (رِدَّة) من الفعل (إرتدَّ). والإرتداد فى اللغة لا يكون إلا بعد حركة أولية فى اتجاه ما، ليكون الإرتداد أو (الردة)، حركة تالية، فى الإتجاه المعاكس. فمثلاً، لو ركل شخص الكرة فى الحائط فإنها (ترتد) إليه، أو لو أطلق أحدهم رصاصة فى جسم صلب ولم تخترقه فإنها (ترتد) عن هذا الجسم. أما إذا أمسكت بالكرة وأسندتها برفق على الحائط ثم تركتها، فإنها (تسقط) على الأرض ولا ترتد. لماذا لا ترتد؟ لأنها لم تكتسب الحركة الأولية، وهى التوجه بقوة نحو الحائط.
إذن فالإرتداد لغةً يعنى حركة ثانوية متولدة ضداً وفى اتجاه معاكس بعد حدوث حركة أولية فى إتجاه أصلى. هل عرفت الآن ما أريد أن أقوله؟ إفترض أن إنساناً ولد فى أسرة مسلمة، وفى طفولته، إصطحبه أبوه إلى المسجد وعلمه الصلاة واعتاد الصيام، ومارس كافة الشعائر الإسلامية. هل تعتبر - حقاً - هذا الشخص مسلماً؟ هل تراه (دخل) فى الإسلام؟ لقد ولد هذا الشخص فوجد نفسه (فيه) و (داخله)، لم يأته من خارجه ولم يتخذ قراراً واعياً (بالتحرك) من الخارج إلى الداخل. لم تعرض عليه الديانات كلها ليحكم فيها عقله ويختار بإرادته، ثم هو قد غرست فى نفسه شعائر لم يعلمها هو لنفسه، وإنما غرسها فيه أهله ممن سبقوه على هذا الدين وتعصبوا له. أين كانت إرادة هذا الشخص عندما وصفه المجتمع بــ "المسلم"؟ هل كانت إرادته حاضرة تعى وتفند وتمحص وتقارن، ثم فى النهاية تختار؟ هذا الشخص لم يعتنق الإسلام، لأنه ببساطة ولد مسلماً، هذا "مسلم بالوراثة" لا أكثر، لم يلعب عقله دوراً يذكر فى إسلامه، ولد فوجد نفسه مسلماً لا لسبب إلا أن أباه وأمه مسلمان. إن خروج مثل هذا الشخص من الإسلام ليس ردة أو ارتداداً. هو ببساطة (خروج) من داخل شىء وجد نفسه فيه بالفعل، ومن ثم لا يصح أن نسمى ذلك ردة.
ليس هذا هو الحال عندما أسلم الناس على عهد النبى فى مكة أو المدينة. إذ أن الناس تحركوا (لاحظ) من دين قديم نحو دين جديد. لم يولدوا مسلمين، وإنما ولدوا يعبدون آلهة أخرى. وبعد تفكير ومقارنة وتمحيص وإعمال عقل وتشغيل فكر، إختاروا (ترك) دياناتهم القديمة، (ليتحركوا) صوب دين جديد، و(ليدخلوا) فيه. هل لاحظت قدر الحركة فى العبارة السابقة؟ فإذا قام هؤلاء بحركة (عكسية)، أى تحركوا مجدداً من الإسلام إلى خارجه، فإنهم فى هذه الحالة (فقط)، يكونوا قد ارتدوا، تماماً كالكرة، التى كانت أولاً عند قدمك، فركلتها، فتتحرك صوب الحائط، ثم من الحائط ترتد مرة أخرى نحو قدمك مجدداً.
إذن، لا ارتداد من شىء إلا بعد حركة أولية إلى هذا الشىء. لا ارتداد لكرة من الحائط إلا بعد ركلها فى اتجاه هذا الحائط. لا ارتداد لرصاصة من سطح صلب إلا بعد إطلاقها أولاً تجاه هذا السطح الصلب. لا ارتداد (ردة) عن الإسلام إلا بعد الدخول أولاً فى الإسلام من خارجه.
بالتحديد السابق لمفهوم الإرتداد أو الردة، تعال على نفسك وفكر: تصور الآن شخصاً ناضجاً ولد فى أسرة مسلمة بلا إرادة منه فى اعتناق هذا الدين، قرر أن يعتنق ديناً آخر، هل يمكنك اعتبار هذا الشخص مرتداً؟ تعال على نفسك مرة أخرى وفكر: إفترض أن شخصاً ولد مسلماً لم يعد الآن مقتنعاً بالإسلام ويريد الخروج منه، ولكنه يخشى من حد الردة، فهل هذا فى صالح الإسلام؟ هل يريد هذا الدين الإبقاء على الناس فى حظيرته خوفاً وهلعاً من حد الردة، أم حباً واقتناعاً؟
فى معرض دفاعه عن حد الردة، قال الشيخ القرضاوى ذات مرة: لولا حد الردة لما بقى الإسلام. تعال على نفسك وفكر: أين دور الإقتناع والترغيب فى الدعوة؟ أين دور التفكر وإعمال العقل؟ أين احترام الله عز وجل لإرادة الناس؟ هل يريد الله عباداً أم عبيداً؟ لماذا يصر الإسلامجية على بقاء الناس على دينهم بدافع الخوف من القتل؟ ألهذه الدرجة يظن هؤلاء أن هذا الدين ضعيف؟ لماذا يثور المتأسلمون ويرغون ويزبدون عندما يسمعون عن الردة والمرتدين، ولا يلبثون أن يصرخوا متشنجين، مطالبين بتطبيق حد الردة؟
المتأسلمون والإسلامجية يقولون أن الإسلام رابطة أقوى من الدولة ومن الأحزاب، وأن المسلم أخو المسلم. طيب. لو أن مسلماً بالوراثة يريد الخروج من الإسلام ولكنه يخشى على نفسه من القتل، فصمت مقهوراً كالعبيد، فهل هذا يسعدك يا أخى الإسلامجى؟
تعال على نفسك يا إسلامجى وفكر: هل هذا نموذج تسعد به وتدعوه بـــ (أخى)؟ يا خى جتك خَوْتة!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. احتفال الكاتدرائية المرقسية بعيد القيامة المجيد | السبت 4


.. قداس عيد القيامة المجيد بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية برئا




.. نبض أوروبا: تساؤلات في ألمانيا بعد مظاهرة للمطالبة بالشريعة


.. البابا تواضروس الثاني : المسيح طلب المغفرة لمن آذوه




.. عظة قداسة البابا تواضروس الثاني في قداس عيد القيامة المجيد ب