الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا إختار الله أن يعذب العصاة عذاباً جسدياً؟

تامر عمر

2014 / 4 / 12
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لماذا إختار الله أن يعذب العصاة عذاباً جسدياً؟

قبل أن تمتدحنى أو تذمنى .. قبل أن تشتمنى أو تحتفى بى، أرجوك .. أرجوك .. تجرد قليلاً من مشاعرك وحكِّم عقلك فقط. لا أريد منك سوى التفكير بالعقل والمنطق.
تعال على نفسك وفكر ...
* * *
ماذا تفعل عندما يأتيك إبنك أو إبنتك مضروباً بوحشية من أستاذه فى المدرسة؟ دعنى أجيب أنا عنك. ستثور وتفور وتمور وتتوعد المدرس بالويل والثبور وعظائم الأمور، ثم لا يهنأ لك نوم وتظل تتقلب على فراشك تغلى طول الليل حتى يطلع الصبح، فتصطحب الولد إلى مدرسته وتدخل لمقابلة المدير.
فى مكتب المدير، سينفجر غلك كله فى المدرس. إن لم تضربه وترد له الصاع صاعين، فسوف تتوعده بشكواه فى النيابة ورفع قضية اعتداء على قاصر، وحتماً سوف توجه إلى المدير السؤال التالى: (إنتم ما جالكوش خبر إن العقاب بالضرب إتمنع، وإن الوسيلة دى فى التربية بقت موجودة بس فى المجتمعات المتخلفة؟).
أنت، فى ثورتك هذه، وبالأخص، فى جملتك الأخيرة، محق تماماً. فكلما ارتقى الإنسان فى معارج الإنسانية وتقدمت حضارته، كلما استفظع ضميره فكرة العقاب البدنى واستبعدها من ممارساته، سواء القانونية منها أو الإجتماعية. فكلما نضج الفكر البشرى ورهف ضمير الإنسانية، كلما نظر إلى العقاب والعقوبة نظرة تقترب أكثر فأكثر من مفهوم التهذيب والإصلاح، وابتعد أكثر وأكثر من مفهوم الثأر والإنتقام، ومن هنا نفهم الشعار المرفوع فى السجون: (السجن تأديب وتهذيب وإصلاح). وقد كان من الممكن أن يكون شعار السجن هو: (السجن تنكيل وتعذيب وانتقام!!)، لكن الضمير الإنسانى الذى توصل أخيراً إلى فلسفة العقاب والحكمة منه، قرر أن السجن هو تهذيب وليس انتقاماً.
فى ظل التقدم الحضارى، حتى عندما يحاول المجتمع أن ينتقم من المجرم، فإنه ينتقم منه بشكل معنوى بأن يسلبه حريته فيحمله على الندم على فقدانه هذه الحرية. وهذه العملية العقابية، كما ترى، بعيدة تماماً عن الأذى الجسدى، واقرأ كما تشاء عن أحوال السجون فى الدول الإسكندنافية مثلاً، لتدرك أن مفهوم السجن فى تلك الدول يختلف تماماً عنه فى بلادنا على سبيل المثال. فالسجون هناك أشبه بالمنتجعات والمصايف، والفارق الوحيد بينها وبين المنتجع الحقيقى، هو أن "النزيل" فيها لا يستطيع مغادرتها إلا بعد انقضاء مدة "مصيفه"، ببساطة لأنه محبوس.
كثير من بلدان العالم قد ألغت عقوبة الإعدام، ليس فقط لاحتمال ظهور براءة المتهم فيما بعد، ولكن أيضاً لاستهوال فكرة سلب الحياة من الإنسان. ترى علوم العقاب فى عالم اليوم أن العقوبات السالبة للحرية كالسجن والإعتقال تحقق هدفين مهمين: الأول هو منع المجرم المدان من استمرار أذاه بحجبه عن المجتمع خلف الأسوار، والثانى هو إيقاع الألم النفسى بهذا المجرم، وذلك بحرمانه من حريته، حيث أن الإنسان كائن اجتماعى يضيق بالوحدة والصمت، كما يضيق بمحدودية الإتصال مع الناس والعالم، وبذلك يوقع عليه السجن آلاماً نفسية قد لا تؤلم الحيوان أو النبات، ولكنها بالتأكيد تؤلم الإنسان لكونه مخلوق إجتماعى.
نأتى الآن إلى مفهوم العقاب الأخروى فى جهنم كما يصوره القرآن والأحاديث النبوية. يؤكد التراث الإسلامى، بالقطع، على أن العصاة فى جهنم يتألمون ألماً نفسياً، إذ يندمون على ما فعلوا، ويتحسرون على فوات نعيم الجنة، بل ويحسدون أهلها على هذا النعيم، وبهذا فإن الألم النفسى لا شك فى وقوعه. لكن هذا التراث نفسه يؤكد لنا أن إيذاءً بدنياً مروعاً سوف يقع أيضاً على هؤلاء العصاة، يتمثل فى الحرق بالنار فى جهنم، وكلنا نعلم أن آلام الحرق بالنار من أشد الآلام التى يمكن للإنسان أن يعانيها. ليس هذا فقط، بل إن هذا الحرق بالنار لا يحدث مرة واحدة فقط يموت الإنسان على إثرها بآلامه وتنتهى معاناته، بل هى عملية شىّ متجددة، إذ كلما احترق جلد المعذب بالنار فى جهنم (نضج بتعبير القرآن)، إستُبدِل جلده المحترق بجلد جديد إمعاناً فى التعذيب، وتجديداً للآلام. وتظل هذه العملية مستمرة إلى الأبد طوال فترة بقاء أهل جهنم فيها.
السؤال الآن: لماذا لا يكتفى الله سبحانه، بإيقاع الألم النفسى فقط على العصاة؟ لماذا هذا الإصرار الإلهى على الإيذاء البدنى وقد كان يمكن الإمعان فى الألم النفسى وتعميقه إلى أقصى مدى وذلك ليس على الله بعسير؟
الآن، تأمل السؤال الأهم التالى: هل خطر السؤال السابق على مخيلة أحد من الناس فى العصور الوسطى؟ أنا شخصياً لا أظن، فأهل العصور الوسطى إعتادوا على العقاب البدنى ولم يستفظعوه. كانت العقوبات فى العصور الوسطى تتمثل فى الصلب والرجم وتقطيع الأيدى والأرجل وسمل الجفون وفقء العيون وقطع الألسنة والآذان!! برغم كل تلك الفظاعات التى تقشعر منها أبداننا، نحن أبناء القرن الحادى والعشرين، كان الناس فى العصور الوسطى يرون أن هذه العقوبات هى أمر عادى، وكانوا يتجمعون فى الميادين والأسواق للفرجة (!!) على توقيع تلك العقوبات على المذنبين. لكنك، وفى عصرنا هذا، بالقطع لا تحتمل رؤية نعجة - ولا أقول إنساناً - يتم قتلها ضرباً بالحصى فى رأسها حتى ينفجر مخها وتموت. أليس كذلك؟
الآن دعنا نعيد السؤال مرة أخرى لكن بطريقة أخرى: ما معنى أن يستفظع أهل عصرنا الحالى العقاب الجسدى الوحشى، بينما لا يستفظعه أهل العصور الوسطى؟ لماذا شاءت إرادة الله ألا يقصر عقابه على الألم النفسى والمعنوى، وقد كان باستطاعته، وهو كلىّ القدرة، على إيصال هذا الألم النفسى إلى منتهاه، بدون أن يوقع هذا الألم الجسدى الخرافى على عبده الضعيف؟ لماذا يشرع أقسى وأشد العقوبات البدنية إيلاماً وهولاً، وهو الحرق بالنار، على عباده الكافرين والعصاة، بينما يتجه الفكر القانونى وعلوم العقاب التى تنتجها عقول عباده، فى كل أرجاء الدنيا، فى هذا العصر، إلى شطب وإلغاء العقوبات البدنية فكراً وممارسة؟
ثم يترتب على كل ما سبق السؤال الأهم على الإطلاق: لماذا اختص الله تعالى أهل العصور الوسطى بنعمة أن يتسق عقابه مع ما اعتادوا هم عليه وبما لا يصدم ضمائرهم، بينما لم ينعم علينا نحن أبناء الحضارة الإنسانية والقلوب الرهيفة كمثل ما أنعم عليهم؟ هل العيب فينا نحن؟ هل يجب أن نتجاهل مشاعرنا الآخذة فى التهذيب والرهافة، وننقلب غلاظاً متوحشين متعطشين للدم، حتى لا تصدمنا فكرة العقاب البدنى الإلهى والحرق فى جهنم؟!
تعال على نفسك وفكر ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شاهد: المسيحيون الأرثوذوكس يحتفلون بـ-سبت النور- في روسيا


.. احتفال الكاتدرائية المرقسية بعيد القيامة المجيد | السبت 4




.. قداس عيد القيامة المجيد بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية برئا


.. نبض أوروبا: تساؤلات في ألمانيا بعد مظاهرة للمطالبة بالشريعة




.. البابا تواضروس الثاني : المسيح طلب المغفرة لمن آذوه