الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا لم تدون شعوب العالم القديم معجزات الأنبياء؟

تامر عمر

2014 / 4 / 13
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لماذا لم تدون شعوب العالم القديم معجزات الأنبياء؟

قبل أن تمتدحنى أو تذمنى .. قبل أن تشتمنى أو تحتفى بى، أرجوك .. أرجوك .. تجرد قليلاً من مشاعرك وحكِّم عقلك فقط. لا أريد منك سوى التفكير بالعقل والمنطق.
تعال على نفسك وفكر ...
* * *
بطول كتب التاريخ التى درستها، هل قرأت عن شعب من الشعوب القديمة سجل فى آثاره المكتوبة على المعابد أو الجدران أو النقوش أو ورق البردى أو أية مادة أخرى، عن معجزة أجراها الله على يد نبى من هذا الشعب أو ذاك؟ فى المدارس وفى الجامعات، تدخل ألف حصة تاريخ، وتقرأ أطناناً من الكتب فى التاريخ، فلا تطالع أى نص يحدثك عن نبى قام بمعجزة ما، ولكن ما أن تدخل إلى المسجد أو الكنيسة أو المعبد، إلا وتنهال على أذنك مئات القصص عن الخوارق والمعجزات، وما أن تفتح القرآن أو الإنجيل أو التوراة إلا وتطالعك قصص هذه المعجزات أجراها الله على أيدى أنبيائه، حية نابضة بالحركة والألوان والظلال.
تقرأ كتب التاريخ وتفاصيلها الكثيرة، فتطالعك الدنيا التى عاشها الأقدمون تشبه تماماً الدنيا التى نعيشها: منطقية، واقعية، خاضعة للنواميس الطبيعية التى نعرفها بلا استثناء واحد. لا أحد أحيا ميتاً ولا أحد شق بحراً ولا أحد أُلقى فى النار ونجا ولا أحد ذهب إلى السماء ثم عاد مرة أخرى.
إن مفهوم المعجزة، حتى كمفهوم مجرد، غير موجود فى عقليات الأقدمين. فالمعجزة، باعتبارها أمر خارق للنواميس وقوانين الطبيعة التى يعرفها البشر الذين يعيشون على هذا الكوكب، هذا المفهوم المجرد، لا يفهمه المصريون القدماء أو البابليون القدماء أو السومريون أو الفينيقيون أو السوريون القدماء. تشهد بذلك آثار هؤلاء المنقوشة فى جدرانهم ومعابدهم، والتى أصبحت كالكتب المفتوحة أمامنا، نطالع من خلالها أدق التفاصيل عن حياة هؤلاء القدماء.
نفس الأمر يصح عن مفهوم النبى. إذ لم يعرف هؤلاء الأقدمون، ولم يدونوا، أن شخصاً جاءهم زاعماً أن مخلوقاً ملائكياً قد جاءه من السماء بتعاليم أو كتاب، أو أنه قد سمع صوت الإله يكلمه ويلقى عليه تعليمات أو قواعد.
إن ذلك يدفعنا إلى السؤال التالى: ما هى علاقة الأنبياء بالتاريخ؟ لماذا تجاهل التاريخ ذكرهم تماماً بينما عرفنا قصصهم من الكتب المقدسة فقط؟ لماذا يتغاضى التاريخ عن هؤلاء الأشخاص العظام الذين أجرى الله سبحانه على أيديهم معجزات خرقت مألوف القوانين والنواميس وأذهلت معاصريهم، بل وشقت المجتمعات إلى مصدق ومكذب؟ لماذا انهمك المؤرخون فى تدوين أحداث متباينة بين الأهمية والتفاهة، ثم عندما رأوا معجزة خارقة تقع أمام أعينهم لم يحركوا ساكناً؟ فعلى كثرتهم، لم يوجد مؤرخ واحد وحيد خرج عن هذه القاعدة وقدم لنا قصة تروى حكاية نبى ما، رأى هذا المؤرخ بأم عينيه معجزاته تذهل الرائين. لماذا؟ هل هو إتفاق خبيث غير مكتوب انعقد بين كل المؤرخين على مر العصور؟ هل هى مؤامرة إتفق فيها كافة المؤرخين بلا استثناء وبطول التاريخ، على تضليلنا وخداعنا بحجب ما رأوه من معجزات، وعلى التجاهل المتعمد لأمور أذهلت معاصريهم، وزلزلت أركان المجتمعات التى كتبوا عنها، إذ شقت صفوف الناس بين مصدق ومكذب؟ هل كان بوسع مؤرخ واحد عاصر النبى إبراهيم أن يتجاهل حادثة إلقائه فى النار وخروجه منها سليماً؟ هل كان بوسع مؤرخ واحد شاهد انشقاق البحر الأحمر، ثم انطباقه على فرعون وجيشه، ثم يعود بعدها إلى بيته ليأكل وينام ملء جفنيه، ثم لا يكتب عن هذه الحادثة حرفاً؟ تعال على نفسك وفكر ..
تشيع فى ثقافتنا ظاهرة غريبة، وهى التفكير فى الأنبياء بمعزل عن التاريخ، وكأنهم مخلوقات لا علاقة لها بالزمان والمكان .. كائنات أثيرية غامضة، عاشت فى الدنيا والسلام. عند استحضار سيرتهم وقصصهم، ينصب تفكيرنا فقط على العبر والدروس التى ينبغى أن نتعلمها منها، وهذا واجب. لكننا نتجاهل التفاصيل المادية والتاريخية المتعلقة بهؤلاء الأنبياء. لا يكلف أحدنا نفسه ليتساءل: فى عهد مَن الملوك عاش النبى فلان، أو فى ظل أى إمبراطورية شب النبى عِلاّن. فباستثناء محمد (صلعم)، والذى نعلم أنه ولد فى القرن السادس الميلادى، ويسوع عليه السلام، والذى نعلم أنه ولد فى القرن الأول، باستثناء هذين النبيين، لا يوجد نبى واحد نتساءل عن الزمن الذى عاش فيه عندما نتحدث عنه وعن قصة حياته، هذا على الرغم من أننا متأكدون من أننا نتحدث عن شخص حقيقى، عاش على تلك الأرض التى نعيش عليها، ولم يكن مخلوقاً غيبياً غامضاً كالملائكة، الذين من العبث أن نفكر أين هم وكيف يعيشون. لقد عاش الأنبياء على نفس هذه الأرض التى نعيش عليها، وفى نفس الدول والإمبراطوريات والممالك المعلومة لدينا والتى ندرسها فى التاريخ، ولكن، وبرغم ذلك، هم لا يظهرون أبداً فى كتب التاريخ، ولم يتناول قصصهم مؤرخ واحد.
قد يظن البعض أن الأنبياء قد عاشوا فى عصور أقدم من التاريخ المدوَّن، ولذلك لا نجد لهم أثراً فى التاريخ الذى كتبه الإنسان. ولهؤلاء أقول أنكم سوف تصعقكم المفاجأة التالية: فالنبى موسى عليه السلام، والذى يفترض أنه عاش بمصر حوالى 1300 قبل الميلاد، هذا النبى كانت مصر تكتب تاريخها بالتفصيل قبل مولده بألفى سنة كاملة، إذ بدأ التاريخ المصرى المكتوب حوالى 3200 سنة قبل الميلاد، مع توحيد القطرين على يد الفرعون (نعرمر) الشهير بمينا. فإذا علمنا أن تاريخ مصر الأقدم (أى الأحداث ما قبل 3200 ق. م)، قد عرفناه أيضاً، ولمدة تقارب الألف عام، لاستنتجنا أننا نعلم تاريخ مصر منذ حوالى 4200 سنة قبل الميلاد، وهو بالفعل تاريخ سحيق. وخلال هذا التاريخ السحيق الطويل، لم تذكر مصر مرة واحدة (خد بالك) .. مرة واحدة، فى نصوصها أى ذكر لنبى أو معجزة، هذا على الرغم من أن أربعة أنبياء على الأقل قد عاشوا على أرضها أو قاموا بزيارتها، هم: إبراهيم، يعقوب، يوسف، موسى.
ما بين عصر موسى وعصر يسوع (عيسى)، ما يزيد عن الألف سنة، بعث خلالها ما يزيد عن الخمسين نبياً، ذكروا بالإسم فى الكتب المقدسة. أنبياء مثل: داوود، سليمان، عزرا، نحميا، أيوب، أشعياء، إرميا، حزقيال، دانيال، هوشع، يوئيل، عاموس، عوبديا، يونان (يونس)، ميخا، ناحوم، حبقوق، صفنيا، حجى، زكريا، ملاخى، يوحنا (يحيى) .. كلهم عاشوا فى عصور قريبة، دوّن فيها المصريون والعراقيون والسوريون والفلسطينيون القدماء تاريخهم، وبكل تأكيد، فقد رأى هؤلاء بعض معجزات هؤلاء الأنبياء، لكن الغريب العجيب، أن مؤرخاً واحداً لم يذكر معجزة واحدة شاهدها لهؤلاء. ما معنى ذلك؟ تعال على نفسك وفكر .. أنا لا أستطيع أن أتصور مؤرخاً عاصر النبى إبراهيم، وشاهده بأم عينيه وهو يلقى فى النار التى يقال أن ألسنتها كانت تشوى الطير فى السماء، ويخرج إبراهيم أمام عينيه حياً، ثم بعد ذلك يعود إلى بيته آمناً مطمئناً، وكأنه لم ير شيئاً خارقاً، (ولا أى إندهاش). الغريب أنك شخصياً، عندما لا تقرأ أخبار معجزات الأنبياء فى كتب التاريخ التى درستها، فلا يظهر عليك أنت أيضاً أى إندهاش!
ما معنى كل ما سبق؟ هل نحن نعيش بعقلين؟ واحد يتعامل مع التاريخ وأحداثه بمنطق، والآخر يتعامل مع النصوص المقدسة بمنطق مغاير؟ وإذا كان ذلك صحيحاً، فما معناه؟ تعال على نفسك وفكر ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - من كتب التاريخ ؟
حيدرمحمود ( 2014 / 4 / 13 - 18:51 )
السلام عليكم
اود ان ادلي بمداخلة متواضعه لو امكن ؛ ياترى من هم كتبة التاريخ ؟ ولكي نسلط الضوء على جزء من الحقيقه ، يكفي اننا نعاصر احداثا وقعت بين ظهرانينا ، ولا اقول قبل سنين او اشهر ، ولكن لتحدث مشاجره امام باب بيتك وتسمع الصراخ والفوضى، وحين تذهب لتستطلع الامر ، ستسمع من ابنك روايه ، تشبه قليلا رواية جارك ، وتستمر الروايات في التنوع ، حتى تكون في ورطة التصديق باي منها !! هذا بافتراض الحياديه في النقل ، والان لنأت الى موضوعة التأريخ السياسي والحضاري والاجتماعي وووو ،، الخ ، ونتسائل ، من يمتلك حقيقة اسباب نكسة حزيران ؟ كامب ديفيد ؟ مقتل السادات ؟ انقلابات الاحزاب والعساكر في بدايات السبعينات ؟ حرب قادسية صدام ؟ غزو الكويت ....... ماذا اعدد بعد ؟ انا اتحدى بكل ثقه من يدعي وصول الحقيقه التاريخيه -ولو بنسبة لابأس بها - الينا موثوقة وصادقه !؟
سيدي الكاتب المحترم .. نحن ازاء تاريخ لامم خلت ، ولكن ، هل هو الا قصص فتوحات حكامهم ؟ تماثيلهم ؟ حتى قبورهم خلدها التاريخ !! فكيف نتوقع ان يكتب المؤرخ عن الانبياء وهم يمثلون الثوره والتغيير بوجه هؤلاء الجبابره ؟ وهل يعجز التاريخ ان يهمش من يشاء ..


2 - ولكننا لم تصلنا حتى الأخبار المشوهة وغير الدقيقة
تامر عمر ( 2014 / 4 / 13 - 22:12 )
عزيزى حيدر
أتفق معك فى أن الحقائق التاريخية تزيف وتشوه. ولكن القضية التى يثيرها المقال هى أننا لم يصلنا عبر التاريخ أى أخبار ولو مزيفة أو مشوهة عن أخبار المعجزات. كل ما نعرفه عن المعجزات عرفناه ليس عن طريق التاريخ وعلم الحفريات، ولكن عن طريق الكتب المقدسة فقط. ما معنى ذلك؟ تعال على نفسك وفكر
تقبل تحياتى
تامر عمر


3 - شعوب ناكرة لانعم الله
ملحد ( 2014 / 4 / 13 - 22:23 )
كل الشعوب التي اتيت على ذكرها انفا هي شعوب ملحدة وكافرة فحسدا من عند انفسهم قرروا في اجتماع لهم عقد في جزيرة اطلانطس في قعر الاطلسي ان لا يؤرخوا لاحد من هؤلاء الانبياء الخرافيين


4 - و ما أدراك ما مملكة سليمان
خالد ( 2014 / 4 / 14 - 07:34 )
المؤرخون المتآمريون لم يكتبوا لنا و لا حرف عن مملكة سليمان ... كما ذكر (ملحد) أنهم اجتمعوا في قعر الاطلسي و تآمروا ، مؤرخي بلاد ما بين النهرين و مصر القديمة و اليمن ... حتى بلقيس يا مؤرخين يا ملاعين لا تكتبوا شيئا عن قصتها ... و الغريبة أن علماء مثل اسرائيل فلنكشتاين و صاحبه سلبيرمان قالوا لنا أنهم بعد حفريات و دراسات استمرت عشرة أعوام لم تكن هناك مدينة ضخمة اسمها أورشليم إنما قرية صغيرة متواضعة أقل من حارة بائسة في عواصم الإمبراطوريات التي عاصرتها زمن الملك غير الموجود و المسمى سليمان ... هل هناك مؤامرة أكبر من هذه ؟ حسدا من عند أنفسهم ! الله أكبر و صلى الله على أنبيائه غير الموجودين في التاريخ ... بعد أن فكرت و قدرت قررت أن أؤمن بأنبياء غير موجودين في التاريخ لكن يكفي أن شيخنا شخلول الكسار يكلمنا عن معجزاتهم لذا فأنا أشهد ألا إله إلا الله و أن الأنبياء رسل الله صلوات الله عليهم و سلم ... اللهم احشرنا في زمرتهم يوم القيامة التي لن تقوم


5 - ما دامت هنالك كتب مكدسة
حميد كركوكي {صيادي} ( 2014 / 4 / 14 - 10:08 )
ليست مقدسة وانما مكدسة، ما دام هنالك الخرفان يؤمنون بصدق هذه الكتب المخترعة من قبل مشعوذي الشرق الأوسخ وخاصة اليهود، لا ولم يكون سلام بين بني البشر، ولا يكف أمريكا بأستغلال الخرفان لنشر هذه السموم بين هذه الشعوب الأمية الجاهلة المخدوعة ! شكرا لكاتب المقالة الأستاذ تامر عمر الجريئ❊-;-


6 - ألم تلاحظوا
قاسم ( 2014 / 4 / 14 - 15:52 )
ربما لاحظتم أن في أمثال هذه المواضيع تختفي الضباع الإسلاموية من خلف خلف الله خلفان خليفة إلى أكونان إلى بقية الشلة ... ربما لأن الشيوخ لم يعطوهم المعلومات الكافية لجهل الشيوخ بعلوم مثل هذه ... يفلح الشيوخ في علوم النكاح و الحيض و الفساء و علوم العنعنة و قطع الرؤوس و الرجم و ليشهد عذابهما طائفة من المغيبين ... سلام يا تامر عمر يا لمّاح