الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سايكولوجيا الحرف- 17

سامي فريدي

2014 / 4 / 13
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


سامي فريدي

سايكولوجيا الحرف- 17
دوافع الكتابة..
لا يوجد علم يدرس دوافع الكتابة ومحغزاتها.. وهل هي حاجة ام ترف، وإذا كانت حاجة، فهل هي ذاتية ام موضوعية؟..
الكتابة اليوم هي ظاهرة حياتية بشرية اصبحت في الحقبة الاخيرة مألوفة وعادية جدا، وبالتالي فهي لا تثير غرابة او تساؤلا ما. ورغم انه ما يزال ثمة قليل جدا من الناس لا يجيدون القراءة ، لكن الكتابة والكتاب لا تشفلهم في شيء، لأنها ببساطة موجودة هنا مثل اي شيء آخر، وفي أصعب الحالات لا يدخل غيابها عندهم في باب الفقدان او الافتقاد.
هل الكتابة حاجة.. هل الكتابة همّ؟.
هل هل حاجة عند البعض مثل حاجة الطعام والثياب..
هل مات أحد لأنه لم يجد كتابا امامه.. أم أنه لم يستطع الكتابة؟.. سجلات البوليس والمراقبين لم تسجل حتى الان حالة من هذا النوع.. مات كثيرون لأسباب كثيرة.. أسباب تافهة ووضيعة.. ولكن لم يمت احد لعدم الكتابة او القراءة.. ورغم انتشار جرائم سرقة الكتب وتزويرها وابتزاز اصحابها.. لكن المحاكم لم تشتهر باصدار حكم في حالة تختص بالكتابة والقراءة ما عدا احكام حظر بعض الكتب أو منع الكتاب من الكتابة، وهذه لا تدخل عندها في باب الجريمة.. وانما في خدمة الاداب العامة والصالح العام.
لبحث دوافع الكتابة صلة بطبيعة الكتابة من جهة، وبأهمية الكتابة من جهة أخرى.
وكل من هذه الثلاثة امر مستقل بذاته.
عبر الزمن السحيق الذي صرمته هذه الظاهرة، غلبت عليها الصنعة والتقليد، وشيئا فشيئا فقدت امتيازها او تكاد.
فمع انتشار الكتابة وتغير انماط الحياة وظهور المكتشفات الحديثة وفي مقدمتها الكومبيوتر والنت.. لم تعد الكتابة سؤالا او غاية او لغزا.. صارت وسيلة واداة اتصال ، هي الاخرى في طريقها للانقراض مع تواصل البحث لاستخدام الصوت والصورة واللمس الالكتروني للتواصل..
الاتصال الالكتروني يهدد اليوم كثيرا من اللغات بالانقراض او التقوقع لغلبة الرموز والاشارات والمضطلحات الانجليزية كلغة كونية وحيدة في هذا المجال.. لكن اللغة والكتابة نفسها سوف تضمحل ايضا لصالح طرق فيزيائية اكثر بساطة وجدة.
انتشار المدارس والتعليم الحديث خلال القرن العشرين وظهور الانترنت والنشر الالكتروني اسفر عن شيوع ظاهرة الكتابة ومشاعيتها .. وبعد ان ظلت لقرون طويلة كامنة محصنة وعصية على العوام، تقبع وراء شروط فنية ومعايير بلاغية ومتطلبات عالية في اللغة ومقامات المعارف.. صارت ظاهرة عامة يمارسها من يفك الحرف دون أدنى متطلبات لغوية او معرفية.. وعاد العالم الى عصر الثقافة السماعية.. بعد ان استغرق عهودا في نقل الانسان من ثقافة الاذن والعين الى القراءة الذهنية.. تلمس ذلك من خلال كتابة الكلمات بحسب مسموعها البعيد.. كالقول ضخامة الرئيس بمعنى (فخامة..) وعدم التمييز بين الضاد والظاء وتعطيل آليات القواعد والنحو وقواعد الصرف.. واستئناس الكلمات الفرنجية في الجملة العربية..
اختلف الجواب عن دوافع الكتابة باختلاف العصور والامكنة واللغات والثقافات.. كما يختلف الجواب باختلاف أنواع الكتابة والعلاقة بها.. والمهم هنا التحدد في مجال الكتابة الذاتية المتحددة في المجال الثقافي..
ترتبط الكتابة أصلا بالوعي.. وهي صنو الوجود.. فكما ان الوجود وعي.. ولا تحقق للوجود خارج الوعي.. فان الكتابة هي وعي.. وهي بالتالي مرآة الوجود أو وجهها الآخر.. والمفروض ان الكتابة لا تتحقق ولا توجد خارج الوعي..
الكتابة هنا أكثر تعقيدا من الوجود.. لأن جزء كبيرا من الطبيعة ليس له ذات.. كالكائنات غير الحيوية والحيوية الدنيا.. أما الوعي فهو قرين الذات.. وهو امتياز الكائنات العليا.. وخاصةُ الأنا هنا لا تكتفي بالوجود والتحقق من خلال الطعام والديمومة والارادة.. وانما تتعداها لما وراء الوجود.. ذهنيا وفيزيائيا.. وقد عبر ديكارت عن هذه الفاصلة بقوله: أنا أفكر إذن أنا موجود!.. العبارة التي شكلت تحديا واضحا وفاصلا معياريا بين شخص يعيش ولا يقترف التفكير.. وبين شخص يعيش ليفكر!..
عبارة ديكارت هذه.. رغم أهميتها وخطورتها ومضمونها الثوري.. ليست غير استعادة لمقولة ارسطو القديمة حول التفلسف.. ارسطو صاحب المقولة الشهيرة (اعرف نفسك!) هو نفسه الذي دعا ان تكون الفلسفة جزء من تكوين الفرد وتربيته الشخصية.. الفلسفة حياة وفكرا.. وإذا كان احد لا يتفلسف، فعليه أن يتفلسف ليبين لماذا لا يتفلسف.. الفلسفة في عهد الاغريق هي الفكر.. والفلاسفة هم الطبقة التي تشتغل بالفكر ومجالاته الحيوية.. وعالم اليوم المدين للحضارة الغربية، انما هو مدين ليس لفلسفة الاغريق، وانما للمجتمع الاثني الذي صنعته الفلسفة الاغريقية..
الاصل في الكتابة هو الفكر..
الكتابة شكل وظاهر.. والفكر جوهر وباطن.. الفكر أصل.. والكتابة صورة!..
الى أي حد يمكن تطبيق هذه المعادلة على الكتابات والكتاب؟.. أشكالية حقيقية!!..
في الزمن الماضي.. زمن الودودية الخصب والمتفرد.. كان بعض الكتاب يضطرون لتسجيل سيرهم الشخصية والأدبية باسلوب مكثف.. وعندها يقترفون سؤال الكتابة.. لهذا أكتب. ان كل قارئ معني بدراسة كتابة ما – لابد أن يهتم- ان يقف على دوافع صاحبها في الكتابة ومنها كتابة هذا الموضوع بالذات. كما ان القارئ نفسه ملزم بالاجابة عن دوافعه للقراءة وقراءة هذا الموضوع بالذات..
معادلة أخرى لا تقل إشكالية عن السابقة..
كتاب اليوم أكثر انتاجا من كتاب العهود السالفة.. واكثر عناية بالمقابلات والحوارات والظهور في الفضائيات وحتى تسجيل سيرهم الذاتية أو القصصية بشكل غير مباشر.. ولكن سؤال الكتابة يبقى غائبا حلال ذلك..
الشاعر والروائي اللبناني رشيد الضعيف يقول (أكتب لكي انتصر على خجلي!).. كاتب آخر يقول انه يكتب لأنه يخاف من الموت!.. الكاتب الحقيقي هو الذي يعرف لماذا يكتب، لأن الكتابة الحقيقية هي فعل وعي.. وموقف من الوجود والمجتمع!..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عمليات بحث وسط الضباب.. إليكم ما نعرفه حتى الآن عن تحطم مروح


.. استنفار في إيران بحثا عن رئيسي.. حياة الرئيس ووزير الخارجية




.. جهود أميركية لاتمام تطبيع السعودية وإسرائيل في إطار اتفاق اس


.. التلفزيون الإيراني: سقوط طائرة الرئيس الإيراني ناجم عن سوء ا




.. الباحث في مركز الإمارات للسياسات محمد زغول: إيران تواجه أزمة