الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا لم تحرم الشريعة الإسلامية الرق؟

تامر عمر

2014 / 4 / 14
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لماذا لم تحرم الشريعة الإسلامية الرق؟

قبل أن تمتدحنى أو تذمنى .. قبل أن تشتمنى أو تحتفى بى، أرجوك .. أرجوك .. تجرد قليلاً من مشاعرك وحكِّم عقلك فقط. لا أريد منك سوى التفكير بالعقل والمنطق.
تعال على نفسك وفكر ...
* * *
أولاً: وفى كلمة واحدة حاسمة: لم تحرم الشريعة الإسلامية الرق. إذا كنت غير متأكد من هذه المعلومة البسيطة، فإما أن تتوقف عن قراءة المقال وتعود لتذاكر الفقه الإسلامى وأحكام الشريعة، وإما أن تتغاضى عن جهلك بتلك الشريعة لتكتفى بسبى ولعنى كما تشاء وكما يحلو لك. ولكن فى الحالتين، توقف فوراً عن استكمال القراءة، حيث لا فائدة من التشنج والصراخ. أما إذا كنت ممن يعلمون هذه المعلومة البسيطة ومتأكد منها، فتفضل باستكمال القراءة.
ثانياً: دعنا نسأل: هل الرق والإسترقاق شىء طيب أم مذموم؟ بالطبع، فى كل العصور والحضارات والمجتمعات الإنسانية، وقياساً على الفطرة الإنسانية البحتة فى كل زمان ومكان، فالرق والإسترقاق شىء ذميم. أن تسلب شخصاً آدميته قبل حريته، وتبيعه أو تشتريه كأى سلعة أخرى، هو أمر يحط من كرامة الإنسان التى هى عند الله فى مكانة كبيرة. ومهما قيل فى الإحسان إلى العبيد والإماء والجوارى، فإن ذلك كله حواشٍ وهوامش تحاول أن تكون أخلاقية حول موضوع هو غير أخلاقى بالأساس.
ثالثاً: ما هو موقف الإسلام وشريعته من الرق؟ بداية، وقبل أن يسارع الحنجوريون إلى الصراخ بأن الإسلام لا يشجع على الرق، وإنما هو يشجع على العكس، دعنا نعترف بذلك حتى تهدأ حناجر الحنجوريين المتحمسين. لكن إعترافنا هذا لن يهدىء خواطرهم، إذ أنه، ببساطة، نعم شجع الإسلام على العتق لكنه لم يحرم الرق بآيات واضحة حاسمة، أو حتى بآيات غير واضحة وغير حاسمة. والموقف باختصار أن الإسلام قد وقف بوضوح وحسم فى قضايا ضارة بالمجتمع وحرمها فى آيات واضحات لا لبس فيها، مثل تحريم الخمر والميسر، لكنه وقف عند قضية الإسترقاق موقفاً غير حاسم فى تحريمها، أو، ولنكن أكثر تحديداً، تركها كما هى: حلالاً واضحاً وضوح الشمس.
رابعاً: أعلم، ويعلم القاصى والدانى، أن الرأى الفقهى السائد فى تحرير المسألة ينحو إلى التفسير الآتى: أن عملية التحريم تقوم بها الشريعة الإسلامية على درجات، وأنه إذا كانت الممارسة محل التحريم هى ممارسة إجتماعية ضاربة بجذورها فى المجتمع وفى نفوس الناس، أو يترتب على تحريمها المفاجىء خلل لا يتحمله المجتمع، فإن الشريعة كانت تعالج التحريم على درجات، والمثال الشهير لذلك هو تحريم الخمر. أما فى قضية الرق والإسترقاق، فإن منظومة القيم التى عكسها الإسلام كان من الواضح فيها أن مسألة الرق غير مرحب بها، بدليل أن الإسلام حض بشدة على العتق، كما أمر بحسن معاملة الرقيق. كل ذلك طيب وجميل، لكن تظل الحقيقة المرعبة قائمة: بُعث وقُبض خاتم الأنبياء، وأنزل الله آخر رسالاته، وأكمل الله شرائعه بآخر شريعة دون تحريم واضح حاسم بات للإسترقاق.
خامساً: أعلم أيضاً أن الضمير الإنسانى فى هذا العصر لا يبتلع فكرة الإستعباد والإسترقاق، وأنها ممارسة مجرمة عالمياً وبقوة القانون الدولى نفسه، وأنه مجرم فى كافة بقاع العالم تقريباً. لكننى أعلم أيضاً أننا كمسلمين لا نمتلك نصاً واضحاً من القرآن أو السنة أو سيرة الصحابة، يحرم المسألة تحريماً باتاً. ما المشكلة فى ذلك؟
المشكلة فى ذلك أولاً، أنه إذا كان الإسترقاق ممارسة غير مجرمة فى أى دين أو شريعة سابقة على الإسلام، فالمعضلة الصعبة التى نواجهها هنا أن الشريعة الإسلامية هى خاتمة الشرائع، وإن كانت تلك الشريعة قد تنزلت فى زمن ومجتمع كان يمارس الإسترقاق بكثافة، وكان التحريم الباتر يترتب عليه أزمات اجتماعية جمة، فإن تلك الشريعة الخاتمة تركت المسألة مفتوحة على التحليل. وبرغم أن الإسلام حض بشدة على العتق، فبوسع أى مسلم طبقاً لأحكام الشريعة أن يدعى أن الإسترقاق حلال حلال حلال، ذلك ببساطة، لأنه لا يجد فى الشريعة الخاتمة ما يحرم ذلك. وإذا قال قائل أن الإسترقاق كان يترتب على ممارسة لم تعد قائمة وهى السبى بعد الغزو، وبما أن الغزو والسبى لم يعد قائماً، فيترتب على ذلك أن تنهدم ممارسة الإسترقاق بالضرورة، أقول لهذا القائل: لا تحاول أن تستنصح، فتحليل الإسترقاق قائم ولو نظرياً فى الفقه الإسلامى، وهو ما يجرح الضمير الإنسانى المعاصر بشدة، إذ أن عملية الإجازة والتجريم فى القانون الوضعى تستند إلى أساس أخلاقى وقيمى، وهو ما يفتقده المسلم فى هذه القضية، حيث لا تجد الشريعة الإسلامية فى منظومتها الأخلاقية والقيمية، وعلى المستوى النظرى، ما يجرم الممارسة عملياً. وإذا لم يعد هناك عملياً غزو ولا سبى، فمجرد وجود الحكم الفقهى الشرعى بالتحليل استناداً على عدم وجود نص يحرِم، هو فى حد ذاته، الإشكال الذى نواجهه. والخلاصة فى تلك النقطة، أن آخر الشرائع، التى ليس من بعدها شرائع، لا تحرم الرق والإسترقاق بنص واضح. أظن هذا واضح؟!
ثم المشكلة فى ذلك ثانياً، أن البناء الفقهى المستند إلى تحليل الممارسة، قد عارض تجريم تجارة الرقيق فى القانون الدولى وميثاق حقوق الإنسان، إذ انبرى من شيوخ الإسلام الأفاضل من هاجم هذا القانون الدولى ووثيقة حقوق الإنسان من منطلق (خد بالك) تعارضها مع الشريعة الإسلامية التى (خد بالك برضه) لا تحرم الإستعباد وملك اليمين!!
ثم المشكلة فى ذلك ثالثاً، أن من أثرياء المسلمين من يشترى فعلاً الرقيق المودرن من النساء المجلوبات من جمهوريات الإتحاد السوفيتى السابق ومن غيرها، وذلك بمخالفة القانون الدولى وقانون الدولة التى يعيشون فيها. ولكنهم لا يجدون غضاضة فى كسر وانتهاك هذا القانون لأنهم يملكون حكماً شرعياً يحلل ولا يحرم!
ثم المشكلة فى ذلك رابعاً، أن من فقراء المسلمين وجهلتهم من المطحونين قهراً، المغيبين فكراً، المهزومين حضارياً والمتقزمين أمام الغرب "الكافر" نفسياً، منهم من يطبب نفسه المهزومة أمام الغرب "الصليبى الكافر" بأمنية غالية، ويعيش على لحظة انتقام آتية. عارف إيه هى؟ هزيمة الغرب الكافر الصليبى الملحد فى معركة الملحمة الكبرى، حيث يكسر المسلمون أعداءهم (!!) ويسبون نساءهم وذراريهم، فى مشهد يتخيله هؤلاء المرضى نفسياً مطابقاً لمشهد فتح مكة. ومن يطالع أدبيات هؤلاء المرضى يكتشف أنهم يتصورون المشهد بحذافيره تماماً، حيث ستكون المعركة بالسيوف والرماح كأيام صدر الإسلام وحروب العصور الوسطى (!!)، ثم تكون مكافأة "المؤمنين" التنعم بأحضان سبايا الصليبيين من اللحم الأبيض الناعم والعيون الزرقاء والشعور الذهبية الشقراء!!
هل المسألة تافهة؟ لا أظن. المسألة غاية فى الخطورة، فبرغم تجريم القانون الوضعى للممارسة وحصارها دولياً ومحلياً، إلا أن السؤال الأهم يظل معلقاً فوق الرؤوس: كيف لم تحرم الشريعة الإسلامية - وهى آخر الشرائع - الرق والإسترقاق، ولأى شريعة لاحقة تركت المسألة وليس من بعدها شرائع لاحقة؟ وإذا كان الله سبحانه قد ترك للإنسان تحريم تلك الممارسة بنفسه، فما معنى الشريعة الإلهية إذن وما دورها ومضمونها؟ وقياساً على تلك القضية، ولمصلحة الإنسانية، فإلى أى درجة يمكن للإنسان أن يتدخل بتحريم محلَل أو تحليل محرَم فى قضايا أخرى؟
تعال على نفسك وفكر ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ألجانب ألمضئ فى ألقضية
هانى شاكر ( 2014 / 4 / 14 - 03:49 )


ألجانب ألمضئ فى ألقضية
_____________


أهملت أستاذنا ألجانب ألأيجابى فى ألقضية

فبحسب أحاديث و دروس ألشيخ ألحوينى - كَسَرَ ألله أسنانه - أنه قال :

لأنقاذ مصر من أزمتها ألأقتصادية ألطاحنة ..نغزوا كام بلد كده وناخد منهم نسوان وعيال نبيعهم و نفك أزمتنا ...

....


2 - اولا العرش قبل النقش والسؤال هو...؟؟؟
فهد لعنزي ـ السعودية ( 2014 / 4 / 14 - 05:04 )
هل الاديان عامة ودين الاسلام خاصة هى وحي من عند الله ام صناعة بشرية بامتياز؟؟.الدين الاسلامي لم يات بشيء جديد الا ببعض التعديلات التي لا تضر مصالح الاستقراطيين كـ نبذ الاوثان وواد البنات التي كانت تمارسه بعض القبائل العربية.اما ما ينفع المجتمع القرشي كـ العبودية وكـ مناسك الحج التجارية فقد ابقاها الاسلام ببعض التعديلات في المظهر وليس في الجوهر وهو التلفظ باسم الله وحده بدلا من اشراكه بـ الاصنام.اليس الحج وطقوسه هي عادات جاهلية؟؟. لماذا ابقاها الاسلام؟؟. ابقاها لان مردودها تجاري يعود نفعه على تجار قريش في الازمنة الغابرة وفي وقتنا الحالي يعود نفعه على آل سعود وحاشيتهم الذين يملكون الفنادق والوسائل الاخرى كما يعود نفعه على البدو الذين يربون الماشية.ماذا يستفيد الله من الاضاحي او ضرب حجر بحجر؟؟.فاذا كان ضرب الشيطان هو رمز لطرد الشرور من النفس وتحقيق العدالة الانسانية فان الاولى للمسلمين نقل الجمار الى الرياض وضرب الشيطان هناك اي الشيطان المتمثل في آل سعود عملاء الامبرالية والصهيونية.جاء الاسلام بدعوى الدفاع عن المنضطهدين واصبح اداة بيد المتنفذين لاضطهاد المستضعفبن بمباركة رجال الدين.


3 - العتق لا يلغي الرق
خالد ( 2014 / 4 / 14 - 07:15 )
لو نظرت لعدد الرقيق الذين تركهم العشرة المبشرين بالجنة بعد موتهم لعرفت كذب مقولة إن العتق يساهم في تحرير الأرقاء .. كم كان عدد الرقيق قبل الإسلام و كم أصبحت أعدادهم بعد الإسلام ؟ تضاعفت أعداد الرقيق ربما أكثر من عشرين ضعفا قياسا على ما أورده المؤرخون منذ بيع سبايا بني قرظة و أسواق الرقيق في نجد و مكة و فيما بعد في البصرة و كل حواضر ما صار يعرف ببلاد المسلمين ... اتركوا كذبة إن الإسلام جاء لتحرير البشرية ، بل جاء لنشر الرق و السبي و الإذلال ... يكفي أن محمد مات عن ملكات إيمان : مارية القبطية و ريحانة و نفيسة و غلمان أرقاء


4 - تعليق
عبد الله خلف ( 2014 / 4 / 14 - 10:11 )
تم التعليق في خانة الفيس بوك , تحت مُعرّف (أبو بدر الراوي) , و السبب : سعة مساحة الكتابة .


5 - لا يفكرون
علي احمد ( 2014 / 4 / 15 - 08:51 )
عندما يدافع المسلم عن الرق كونه تشريع انساني اجتماعي اقر به الاسلام فانه يثير الدهشة! !فلماذا لا يقر ان تشريعات قطع اليد ،الصلب،الرحم، الجلد هي تشريعات انسانيه تعود لذلك العصر..فكتب التاريخ تتحدث عن هذه التشريعات قبل محمد والقران. اليس حريا ان يفكر المسلم قليلا ويرفع العبء عن كاهله .كي يتبني تشريعات انسانيه بديلة ملائمة لهذا العصر. بل حتي تشريعات تخص المراة والارث من هذا النوع السائد في ذلك العصر. لكنه يقبل الرق فقط ويستخدم انسانية التشريع قبل الاسلام كدفاع. الاديان سيتبقي لا تحتاج من يدافع عنها بل تختاج من يقوم بعملية انسنة تعاليمها لتصبح موكبة لانسان في هذا العصر وهنا ستكون عملية تخديث لما هو انساني اصلا وليس الهي.