الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أسبوع الألاَم خصوصية مصرية

رمسيس حنا

2014 / 4 / 14
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


أسبوع الألاَم خصوصية مصرية
(رمسيس حنا)

لا يوجد كنيسة فى العالم المسيحى بكل طوائفه تفوق الكنيسة المصرية الأورثوذوكسية فى طقوسها لتقديم و معايشة حياة السيد المسيح من أول النبؤات بمجيئه و ميلاده و خدمته على الأرض و الاَمه و صلبه و قيامته و صعوده الى السموات ثم الكرازة بالمسيحية على يد تلاميذه و رسله و تاريخ البطاركة و الأباء و القديسين حتى أحدث شخصية أو حدث يكون لهما مساهمة أو تأثير فى مسار الكنيسة المصرية الأورثوذوكسية. و من يحضر أو يشاهد أو يسمع طقوس الكنيسة المصرية لا يعايش او يستحضر حباة الأنبياء و السيد المسيح وتلاميذه و رسله فقط بل يستحضر و يعايش حالة مصرية خاصة لا يستطيع أى مؤرخ أو كاتب او مصور ان ينقلها بأبعادها الثلاثية كأنك تعايش و تعيش اللحظة بكل مؤثراتها سواء أكنت مؤمناً و متعاطفاً و متحمساً لإيمانك المصرى المسيحى الأورثوذوكسي أو كنت محايدأً أو غير مؤمن أو ملحداً.

و طقوس أسبوع الألاَم التى تبدأ مباشرة بعد صلاة قداس يوم أحد الشعانين "أحد السعف" وتنتهى يوم سبت النور أو سبت الفرح "الفرح بقيامة السيد المسيح" تُدخل من يشارك فيها بفاعلية فى تجرية من حالة النشوى الخاصة و ذات الخصوصية جداً يستحضر من يختبرها كل ألاَم السيد المسيح بشكل مادى محسوس و ملموس رغم طول الألحان الجنائزية التى تقال فى هذا الأسبوع و رغم أن كثير من هذه الألحان يقال باللغة القبطية التى لا يعرفها حتى من يقولها إلا الأباء الكهنة و عدد قليل جداً يحصى على أصابع اليد من الشمامسة و الشعب. و لكن الغريب فى الموقف هنا أنه برغم عدم المعرفة باللغة القبطية فأن الجميع يفهم ما يتم فى هذا الموقف فهماً و احداً و هى حالة توحد قد يصعب تفسيرها إلا على أنها حالة من حالات التلباسى (Telepathy) و هى حالة من حالات التواصل العقلى أو الفكرى لها تفسيرها فى علم النفس فيمل يسمى (Parapsychology) بالباراسيكولوجى او ما يسمى ب"التخاطر فى علم النفس". و كلمة التخاطر هنا تعنى توارد الأفكار و لا علاقة لها باالشعور بالخطر.

إن التخاطر أو التخاطب الفكرى الذى يتم فى حالة النشوى هذه الخاصة جداً ليس تخاطب صلاة لإله ذات كينونة مستقلة منفصلة عنك بل هى حالة إتصال مع كينونة فيك و أنت فيها تذوب فيها و تذوب فيك تأخذ منها وتعطيها ما أخذت مع إحتفاظك بذلك الذى أخذت و الذى أعطيت. و أنت تشعر أنك جزء من كل و أنت ايضاً كل و الأخرون جزء منك. و رغم هذا يظل التخاطب ذاتى داخلى مع مسيح خاص و شخصى جداً. لا أحد يعلم نوع العلاقة الذى تربطك به أو تربطه بك غيرك أنت فقط. فأنت تفكر فيه و تحس و تشعر أنه يفكر فيك و لا أنت تريد أن تعلم أو تخبر احداً ولا تريد أحداً أن يعلم بهذه العلاقة التى تربطكما لخصوصية هذه العلاقة. فهذا المسيح الذى تتخاطب و تتواصل معه و الذى هو بداخلك و الذى أنت بداخله تعيش معه لحظة خاصة جداً و هو شخصية خاصة جداً. قد تود أن تشكو إليه بعض الاَمك و لكنك ترجى شكواك لعدم مناسبة الموقف أو تنسى ألاَمك فى الاًمه.

قد ترى فى الاَم السيد المسيح أحداً عزىزاً عليك جداً يتألم الاَن أو تألم و رحل عن هذا العالم و تستحضر هذا الشخص العزيز لديك بلحمه و شحمه و دمه و عظامه و رفاته و اكثر من ذلك قد تستحضر اَبائك و جدودك القدامى الذين لم تراهم. فأنت تضرب جذورك فى أعماق التاريخ و أعماق هذه الأرض لتنقب عن اصولك و أصالتك و تراها فى كل ذرة تراب وكل قطعة طين و كل حبة رمل فتشم عبق عرقهم و تتحسس نعومة أخلاقهم فى ملامسة الطين و تحضرهم فى ضمة التراب و صلابنهم و شظف عيشهم و ثرائهم فى حبة الرمل و صفرة الصحراء. فترى مينا و زوسر و سنفرو و خوفو و خفرع و منكاورع و سونسرت و أمنمحات و و أحمس و أمنحوتب و تحتمس و أخناتون و رمسيس و سيتى و نفرتارى و نفرتيتى و حتشبسوت و بطليموس و كليوباترا. ترى كل واحد و واحدة منهم على حدا و ترى عمليات تحنيطهم فى تحنيط المسيح وترى كل منهم مسجى فى تابوته شامخاً فى موته كما كان شامخاً فى حياته و ترى فيامة كل منهم فى قيامة المسيح.

ترى كل أصولك المصرية فى دخول الملك الأول الى مدينتك أو قريتك راكباً على أتان و جحش أبن أتان و الجموع تستفبله بسعف النخيل و أغصان الزيتون متراصة على جانبى الطريق فى موكب بهيج تتسفه فيه كل مواكب الأرض لملاقاة الملك و هو و اقفاً فى أحدث سيارة ليموزين مكشوفة. فهو لم يأت فاتحاً أو غازياً بل يأتى ليقول لك و يخبرك و يعلمك شخصياً أنك ابنه و فى مملكته فلا تخش شيئاً. و فى وسط هذه الفرحة و فجأةً يعتريك الحزن من شعر رأسك حتى أخمص قدميك و يملأ الألم داخلك و يعتصر قلبك الندم و الحسرة و يحجبك الشعور بالذنب العظيم عن كل مواكب الفرحة فتنسحب الى داخلك و أنت تتذكر و تفكر فى مؤامرة الأغتيال التى تتم على هذا الشخص الملك الوديع المسالم الذى حرر حتى المتاَمرين عليه من ربق عبودية كل سلطة. و لأنك لم تبلغ عن الجانى يعتريك إحساس غامض بأنك شريك و فاعل أصلى فى المؤامرة. بل يعتريك إحساس أنك أنت الذى قمت بإغتيال كل أرضك و وطنك فتشعر بالدونية و إحتقار الذات و الضياع و كأنك يهوذا متجهاً للإنتحار لولا شعور من التعاطف مع يهوذا يجعلك تهرب من الفكرة.

إن قراءات اسبوع الألام لا تقتصر فقط على العهد الجيد "الأناجيل و الرساائل وسفر الرؤية" بل تتم القراءات من "العهد القديم" أى جميع أسفار الكتاب المقدس. فالعهد القديم يضم كمية كبيرة "إن لم يكن معظمه" من النبوات التى تدور كلها حول مجئ السيد المسيح من يوم ولادته مروراً بخدمته و الاَمه و صلبه و موته و دفنه فى القبر و بقائه فيه لمدة ثلاثة أيام حتى قيامته و صعوده الى السموات – حسب إيمان جميع المسيحيين بكل طوائفهم – لدرجة أنك لا تستطيع أن تفرق بين ما إذا كانت هذه الكتابات "فى العهد القديم" سابقة على مجئ المسيح أو إن كانت تخبر عن وقائع و أحداث فعلية تمت فى وقت كتابتها. إن المسيح كشخصية تاريخية بكل محاكمته و الحكم عليه بالصلب لها توثيقها – بعيداً عن أسفار العهد الجديد – فى كتب التاريخ سوا كان هذا التوثيق التأريخى من خلال كتابة التاريخ نفسه أو وثائق لمعاملات ثقافية أو إجتماعية أو تجارية أو إجتماعية أو حتى شخصية مما لايسع المجال لذكره هنا فأن طقس الكنيسة المصرية الأورثوذوكسية لا تستحضر هذا التاريخ فقط بل تجعلك تعيش اللحظات نفسها ببعديها الزمانى و المكانى.

و رغم أن اللحن الواحد قد يمتد الى نصف الساعة تسمع فيها نغمة واحدة بطيئة عميقة لدرجة أنك تحس ببطء دقات القلب و هدؤ التنفس لتصل الى حالة من النشوى كأنها الوسن الخفيف الذى تجد فيه نفسك متيقظاً ز مدركاً تماماُ لما حولك عند تغير اللحن و بداية لحن جديد بإيقاع مختلف لتدخل فى حالة أو مرحلة جديدة من الشجن و النشوى فى اللحظة التاريخية لتجد نفسك قد وصلت الى درجة من الشفافية لم تعهدها من قبل و كأنك محمولاً على كفوف الراحة أو أن أجنحة تحمل نفسك الى أعلى السموات أو سابحاً فى فضاء لا متناهى و انت تبصر العالم كله مكشوفاً أمامك أو تحتك فلا تجذبك متعة اليه بل المتعة كل المتعة هى اللحظة التى تعيشها بما تسمع وترى و تحس و تشم و تتلمس نحو شخصية المسيح وجو الأحداث خطوة بخطوة.
إنها العبقرية المصرية التى تخلق حالة من الوجدان التى إما أن تأخذك هذه الحالة الى أعماق التاريخ و الأرض و تشعرك بتوحد المكان و الزمان و إما أن تحمل اليك المكان و الزمان الى أعماقك فتجعلك تحتوى العالم و بالذات مصر التى تكون فيه هى كل العالم و بدلاً من أن يحتويك العالم تحتويه أنت. فأنت الخارج من العالم و العالم هو الذى تواجد فيك و توٌجٌد بك و توحد معك. أو قد تجد نفسك خارج العالم منفصلاً عنه تماماً و تراه صغيراً جداً و لكن يجتاحك حب جم لهذا العالم الصغير و لا يمكن قياس هذا الحب أو إدراكه إلا بمشاعر بسيطة عندما تمد ذراعك و تبسط راحة يدك ليحط عليها عصفور على كفك ليلتقط بعص حبات الحب التى تحملها على كفك.إن كل شيئ معنوى و مجرد يتحول الى مادى محسوس و كل مادى محسوس يتحول الى معنوى مجرد ليتفاعل مع نفسك و روحك فلا تستطيع أن تفرق بين ما إذا كانت مصر جزء منك أو انت جزء منها.

هذا التوحد بينك و بين مصريتك لا تجده فى أى طقوس لأى ديانة أو مذهب أو طائفة أو أى عقيدة غير "المصرية الأورثوذوكسية" و قد لا تجد نظرية نفسية تفسر لك ذلك. فربما تندرج تحت مسمى الباراسيكولوجى (Parapsychology) أو ما يسمى باللغة العربية بالتخاطر النفسى بما فى ذلك حالة التلباسى (Telepathy) و هى حالة إتصال عقلى تتم عن بعد ، أو حالة (Precognition) و هى حالة إستبصار أو بعد نظر أو معرفة مسبقة ، و قد تكون حالة (Clairvoyance) إدراك حاد ، أو حالة (Psychokinesis) حراك أو تحرك نفسى المنشأ ، أو حالة (Reincarnation) تقمص أو تجسيد جديدة ، أو حالة (Apparational experience) ظهور شبحى ، او حتى حالة (Near-death experience) الأقتراب من الموت ، سمها كما شئت ففى جميع الحالات هى (Supernatural State) حالة خارقة فوق الطبيعة و لكن فى نفس الوقت فأن عقلك فى حالته الطبيعية من الأدراك و الوعى. هذا التوحد يفسر لنا مقولة أكبر رأس فى الكنيسة المصرية الأورثوذوكسية المتنيح البابا شنودة الثالث بأن "مصر و طن يعيش فينا" و يفسر كيف و بماذا يشعر الأنسان المصرى فى وطن الغربة و فى غربة الوطن.

أما كيف يتم الربط بين أسبوع الألاَم بكل طقوسه و بكل قراءاته و بكل الحانه و بكل مسيحه و بكل مسيحيته بأرض مصر و طينها و ترابها و رملها و رميم اهلها وملوكها وقبورهم و مقابرهم و تماثيلهم و معابدهم و فنونهم و موسيقاهم و الحانهم يظل شيئ مبهم و لغز محير قد يجد حلاً فى معرفتنا بأن كل الحان إسبوع الألام هى الحان فرعونية أصيلة كانت تقال أثناء عملية تحنيط الموتى التى كانت تستغرق مدة أربعين يوماً و أربعين و أربعين ليلةً. هم و فنونهم و موسيقاهم و الحانهم يظل شيئ مبهم و لغز محير قد يجد حلاً فى معرفتنا بأن كل الحان إسبوع الألام هى الحان فرعونية أصيلة كانت تقال أثناء عملية تحنيط الموتى التى كانت تستغرق مدة أربعين يوماً و أربعين و أربعين ليلةً.
دمتم بخير و سلام
(رمسيس حنا)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السودان: أين الضغط من أجل وقف الحرب ؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. مؤثرة موضة تعرض الجانب الغريب لأكبر حدث للأزياء في دبي




.. علي بن تميم يوضح لشبكتنا الدور الذي يمكن للذكاء الاصطناعي أن


.. بوتين يعزز أسطوله النووي.. أم الغواصات وطوربيد_القيامة في ال




.. حمّى الاحتجاجات الطلابية هل أنزلت أميركا عن عرش الحريات والد