الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ازدواجية الشخصية العراقية ودائرة الصراع النفسي

نبيل عبد الأمير الربيعي
كاتب. وباحث

(Nabeel Abd Al- Ameer Alrubaiy)

2014 / 4 / 16
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


ازدواجية الشخصية العراقية ودائرة الصراع النفسي

نبيل عبد الأمير الربيعي
لا يمكن بناء مجتمع سليم وشخصية متوازنة من دون تحقيق فكرة المواطنة وترسيخ مقولة "الدين لله والوطن للجميع", لذلك نحتاج لإعادة بناء الفرد والمجتمع والدولة على أسس علمية إلى فلسفة اجتماعية شاملة ومنفتحة على الذات والآخر والمستقبل وتهدف إلى إعادة بناء الفرد والمجتمع العراقي المنقسم على ذاته وتعميق الوعي الاجتماعي والوحدة الوطنية .
سلط الضوء على شخصية الفرد العراقي عالم الاجتماع د. علي الوردي من خلال محاضراته وأصداراته من الكتب في منتصف القرن العشرين , ومن خلال طروحاته ودراساته المنطقية , خلق الوردي مواجهة مباشرة مع العقليات الدينية الجامدة التي أصابت النص الديني بالجمود والانغلاق على طروحاتهم الدينية القديمة المتحجرة , فقد نقد الوردي بقسوة التاريخ الإسلامي والفكر الإسلامي .
كما فشل رجال الدين فشلُ ذريع في دراسة شخصية الفرد ودراسة واقعيته بسبب كثرة مواعظهم الأفلاطونية , مما عزز الازدواجية في تعزيز السلوك التناقض بين الرضوخ للحكام الطغاة وسلوكهم أتجاه مواطنيهم , مما أدى إلى سطوة التعاليم الدينية على حياة الفرد , لذلك يؤكد الوردي "أن كل مدينة يكثر فيها رجال الدين ينتشر فيها ازدواج الشخصية على درجة كبيرة , ذلك لأن الإنسان في هذا المجتمع مضطر أن يكون دينياً في ناحية ودنيوياً في ناحية اخرى . ورجل الدين عادة يحترف بث التعاليم الدينية ,فهو يبثها قولاً ويقبض على ذلك أجراً" (1) .
نستدل من خلال متابعتنا للتاريخ أن كل دين مهما كان نوعه , لا يكاد ينتشر حتى ينشق على نفسه , لذلك يعزون المؤرخون أسباب النزاعات بين الأديان بشق عصا الجماعة إلى شخصيات التاريخ, لكن التفرقة طبيعية ولازمة من طبائع العقل البشري , بسبب نزاع المصالح , لذلك نرى رجال الدين متمنطقين بآراء أرسطو المناقضة للواقع الحياتي , فهم قد وضعوا قوانين تناقض الواقع تناقضاً كبيراً , فهم مبتلين بداء ازدواج الشخصية , فهم يتكلمون بمنطق أرسطو بين طلب الجاه أمام الحكام الطغاة وما يعيشه أبناء المجتمع في الواقع المرير , لذلك نجد "أن عيب البرهان المنطقي أنه لا يستطيع أن ينمي في النفس عقيدة , فالعقيدة بنت الإيحاء والتكرار . ولهذا السبب نجد وعاظنا ومفكرينا لا ينجحون في تبديل أخلاق الناس أو تغيير عقائدهم إلا نادراً , فهم يحاولون دائماً أن يقنعوا الناس عن طريق الجدل وإقامة الدليل وما أشبه" (2) .
لقد أصبح الدين في الوقت الحالي دعوة الأفراد لحمل عبء ثقيل على كاهلهم بدل أن يصبح طريق لبث الثقة والطمأنينة في قلب الفرد لتجعله متفائلاً في حياته , كما أصبحت الطقوس الدينية تسلطية من خلال أداء الطقوس المعقدة , لكن الحقيقة إن علاقة المخلوق بخالقه هي علاقة تصحيح الإنسان من خلال وصايا الرب أتجاه المخلوق , لكن نجد الوردي في كتابه (وعاظ السلاطين) يضع هدفان أحدهما للمواجهة المباشرة مع العقليات الدينية الجامدة التي أصابت النص الديني بالجمود وجعلت مراجعة التاريخ الإسلامي من المحرمات , فكان دور رجال الدين وعظ المظلومين وترك الحكام الطغاة والتواطؤ معهم , فكان هدف الوردي من كتابه هو لبحث طبيعة الإنسان التي أثارت رجال الدين من الوعاظ , كما يؤكد الوردي أن التغيير بالكلام لا يمكن لأن الطبيعة البشرية معقدة بسبب ما يحمل بداخله من الحسد والشهوة والأنانية .
كان وما زال رجال الدين متحالفين مع رجال السلطة والطغاة , فهم ينزّلون لعنة الله على الفقير ويتركون الطغاة يباركون تصرفاتهم مع المواطنين , من هذا يتأكد لنا أن المنهج الوعظي هو سبب في الصراع النفسي , فقد زرعت في داخل الإنسان هذه البذرة التي أدت بنشوء معضلة الصراع النفسي , لذلك يرى الوردي إن الوعظ ذو ضرر بليّغ في تكوين الصراع النفسي وفي تكوين الشخصية الفردية , لأن الواعظين هم في نظر المراجع الجهات التربوية الرادعة في المجتمع , لكن الأفراد سيعانون من الصراع النفسي بين التعليمات الوعظية الشكلية والواقع الذي يعيشه , يرى فرويد "إن أغلب ظواهر الحمق والهستيريا وارتباك الأعصاب سببها التصادم الذي يحدث في داخل النفس بين مبادئ الإنسان الخلقية وما يهفو إليه فؤاده من شهوات جنسية عارمة " (3) .
لذلك يخرج الصراع النفسي برأي الوردي من دائرة التفسيرات المذهبية والدينية إلى الطابع الغيبي , مما يخلق دائرة صراع نفسي يحقق ازدواجية الشخصية لأن" شر المجتمعات هو ذلك المجتمع الذي يحترم طريقاً معيناً في الحياة , في الوقت الذي ينصح الواعظون فيه بإتباع طريق آخر معاكس له" (4) , لذلك في هذا المجتمع الذي يتأثر بما يطرح من قبل رجال الدين "ينمو الصراع النفسي لدى بعض الأفراد وقد يلجأ بعض الأفراد إلى حياة الانعزال أو الرهبنة " (5) , لذلك نرى أن من تسيطر عليه توجيهات رجال الدين يتقمص أفراد المجتمع شخصيتين هما أحدهما تصغي لما ينصح به الواعظون وأخرى تندفع لما يروق في أعين الناس من ترف و جاه و مال , لذلك نجد الفرد يمتلك وجهان أحدهم يداري رجل الدين في وعظه وآخر يداري بها الناس .
أما المجتمعات التي تتمسك بقيم البداوة وقيم الإسلام فنجد أفرادها يمتلكون شخصيات مزدوجة لأن البداوة تؤكد على التغالب والرياسة والتفاخر , في حين الإسلام يؤكد على المساواة والتقوى , لذلك" فهو يمجّد القوة والفخار والتعالي في أفعاله , بينما هو في أقواله يعظ الناس بتقوى الله وبالمساواة بين الناس " (6) , الطبيعة البدوية طبيعة غزو وسلب وحرب فمن غير الممكن ومن المستحيل أن يكون البدوي مسلماً حقيقياً إلا إذا كان المجتمع في حالة حرب مع أعدائه , فأهل العراق كانوا واقعين تحت تأثير واقعَيّن متناقضين هما واقع القيم البدوية و واقع القيم والنزعة الإسلامية من جهة أخرى, لذلك نرى أن الدين لا يردع الإنسان عن أي عمل يرغب أن يقوم به ,لو نتابع ما يحدث في العراق أثناء فترة الانتخابات لمجالس المحافظات والنواب نجد المرشحين والناخبين يعودون لأنتماءاتهم العشائرية البدوية والطائفية لتصبح الانتخابات ألعوبة بيد السياسيين خوفاً من أن تأخذ مناصبهم من قبل الآخرين المنافسين لهم , فلوا أشترك جميع المواطنين في الأنتخابات وأختاروا من هم يمثلوهم بحق ولهم دافع وطني في بناء الدولة ومؤسساتها خدمة للجميع لما وصلنا لما نحن عليه , لكن الواقع يختلف , فقد أبتعد العراقيين عن النزعة الدينية الحقيقية وتمسكوا بالطقوس والقيم الطائفية , وقد ساهموا رجال السياسة في توطيد الطائفية والعشائرية والسبب الرئيسي هو وعود قادة الأحزاب والكتل السياسية للعراقيين بالوظائف الحكومية , وهي مطمح أنظارهم , لذلك نجد النفس البشرية تهوى الإيمان بالدين من جهة ومغريات الحياة من جهة أخرى , فنجد جميع الطوائف في ثورة مستمرة لإنتزاع السلطة والسيطرة على الأمكانيات المادية من ثروات العراق .
لقد أخذوا هؤلاء السياسيون الجدد من الديمقراطية وصناديق الأقتراع وسيلة للسيطرة والطغيان , لكن الديمقراطية في الأمم الحديثة تكون نتيجة معارك ثورية طاحنة قامت بها الشعوب من أجل امتلاك حريتها وإدارة دفة الحكم .
لقد حكمت القيم التقليدية مجتمعنا قروناً طويلة, لكن من غير الممكن أن تقف هذه القيم بوجه التطور الحضاري التي ستحطم كل القيود , فقد أصبح العالم بفضل العولمة قرية صغيرة , فالحضارة والتطور في طريقها إلى المجتمعات الشرقية ومن الصعب في بلد ما أن يمتنع عنها المجتمع , وستصبح تهديداً واقعياً ضد القيم والعادات والأفكار البالية , لذلك سوف تقع المجتمعات الشرقية في مخاض لولادة المجتمع الحديث مقابل دفع الخسائر الباهظة ,مع العلم أن اغلب رجال الدين وقفوا بقسوة في طريق تيار الحداثة و بشكل معاكس , مع العلم عليها أن تقف وتوظف كل أمكانياتها مع هذا التطور العالمي والانتقال إلى الضفة الأخرى لمواكبة ما يحصل في العالم الغربي .

1- شخصية الفرد العراقي ص47-48
2- خوارق اللاشعور وأسرار الشخصية الناجحة - ص13
3- د. حسين سرمك –علي الوردي عدو السلاطين ووعاظهم - ص36
4- نفس المصدر السابق ص37
5- د. علي الوردي – وعاظ السلاطين - ص16
6- وعاظ السلاطين - ص18








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -صانع قدور- و-بائع كمون-.. هل تساءلت يوماً عن معاني أسماء لا


.. حزب الله ينسق مع حماس وإسرائيل تتأهب -للحرب-!| #التاسعة




.. السِّنوار -مُحاصَر-؟ | #التاسعة


.. لماذا تحدى الإيرانيون خامنئي؟ | #التاسعة




.. غزة.. ماذا بعد؟ | ما جديد جولة المفاوضات بين حماس وإسرائيل ف