الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حياة الرومان:الجنائز و مراسيم الدفن(2)

شوكت جميل

2014 / 4 / 16
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


تحدثنا المقالة الفائتة عن الزواج و الإنجاب،و اليوم عن الجنائز و مراسيم الدفن لدى الرومان.
فكان إذا قضى رومانيٌ نحبَه،اجتمع قومه لتأدية طائفةٍ من الشعائر تتصلُ اتصالاً وثيقاً باعتقادهم فيما سيحدث بعد الوفاة،و لمّا كان الرومان يظنون أن روح المتوفى تهيمُ مجدّفةً على ظهر قارب ٍ يقوده ربانٌ أسطوري يسمونه شارون"Charon"،عبرَ نهرٍ سرائري"the Styx" في طريقها إلى العالم السفلي(*)"Hades"لتلقى هنالك حسابها، فتذهب إما إلى السماء"Elysium"،و إما إلى الهاوية"Tartarus".لذا اتخذوا من الجنائز سبيلاً لإعداد و تجهيز المتوفى لرحلته الشاقة الأخيرة تلك.و كان من دأبهم وضع عملة معدنية تحت لسانه كرسمٍ للعبورِ إلى العالم السفلي،و بطبيعة الحال،لم تكن الجنائز سواءً،إنما يتمايز المواطنون في موتهم كما تمايزوا في حياتهم.

فكان إذا بلغَ أحد النبلاء أجله، يُغسّل جثمانه و يضمخ بالزيوت،فإن كان من ذوي السلطان و المراتب السياسية،أُلبس زيه الرسمي الذي كان يرتديه في حياته،و إلا ألبسوه الزي الروماني المعتاد"التوجا"،و من ثم وضعوه في بهو منزله،تتحلقُ حوله القناديل و الشموع.و تُنْثر على جثمانه الورود و أكاليل الغار حتى تكاد تغطيه،و يلبث على تلك الحالة بضعةَ أيامٍ،يتقاطر فيها الناس مبدين التوقير و التبجيل،أما الإمبراطور المتوفى فكان يقيم على تلك الحالة أسبوعاً كاملاً!

و في يوم الجنازة يوضع الجثمان على مهادٍ محمولٍ أو محفةٍ"The litter"،يحملها ثمانية رجالٍ،في موكبٍ شبيهٍ بالزفة،إلى ساحة المنتدى،و في ذيلهم حَمَلة القناديل و الضاربون على آلات الموسيقى،و الضاربون على حناجرهم من الندابين المحترفين"Praeficae"،و الذين يتخذون من الندب مهنةً يتكسبون منها.فإذا انتهى الموكب إلى المنتدى ألقيت الخطب في تأبين و تقريظ مناقب و محاسن الفقيد..و بطبيعة الحال،فقد تغير كثيرٌ من العاداتِ بتغير الزمن؛ففي العصر الجمهوري كان أهل المتوفى يتقدمون الموكب وقد ارتدوا ثياب الحداد،و أقنعة جُعِلت للموت خاصةً،و قد زعم البعض أنهم كانوا يتبعون تلك السيرة،كي يتخفوا عن ملائكة الموت التي تبحث عن أقارب الفقيد لتستكمل مهمّتها!،و كيفما كانت الحقيقة،فقد بطلت هذه العادة على العهد الإمبراطوري.

فإذا أتموا المراسم،حملوا الجسد إلى ناووس الدفن خارج المدينة؛إذْ أن الرومان كانوا يحظرون المقابر داخل مدنهم،إنما يقيمونها على جانبي الطريق الرئيسي المفضي إلى مدينتهم،كصفوف الأشجار التي نراها الآن في مداخل بعض المدن،و الحق لقد كانت هذه التوابيت غاية الجمال،مصنوعة من الحجر أو الرخام"sarcophagus"،و كان ينقش عليها مشاهد من الحياة اليومية و مطاردات الصيد و المعارك الحربية،و حسبك أن تعرف أن واحداً من هذه النصب المتبقية في "إيغل"بالمانيا يرتفع في السماء ثلاثة و عشرين متراً.

إلا أنه ما بين الحين و الحين،كان الرومان يحرقون الجثامين عوضاً عن الدفن،و في طقسٍ بسيطٍ يحفرون جفرةً بالأرض و يملئونها بالأخشاب و ركام من الحطب و الجذوع و من ثم يحرقون الجسد،فإن خمد اللهب،أهالوا على الرماد التراب.
و في بعض الطقوس الأكثر تعقيداً،كان يجري رمد الجسد مع شعيرة خاصة يسمونها شعيرة المحرقة"Pyre"، يلقي فيها الأقارب بالثياب و الطعام إلى ألسنة اللهب تحسباً و احترازاً،فلربما احتاج إليها المتوفى لاحقاً،و بعد أن تنطفئ النار،تُغمر بالنبيذ،و يجمع الرماد في جرة صغيرة"an uran"، وكانوا يحفظون هذه الجرار في قبو سفلي"columbarium"للتبرك و الذكرى.
.................................
Hades:هادس كان بالأصل إله الموتى عند الإغريق،و لاحقاً بات بعهد الرومان هو العالم السفلي الذي تقصده الروح بعد الموت.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جامعة برشلونة تقطع علاقتها مع المؤسسات الإسرائيلية


.. البنتاغون: لا يوجد قرار نهائي بشأن شحنة الأسلحة الأمريكية ال




.. مستوطنون يهتفون فرحا بحريق محيط مبنى الأنروا بالقدس المحتلة


.. بايدن وإسرائيل.. خلاف ينعكس على الداخل الأميركي| #أميركا_الي




.. قصف إسرائيلي عنيف شرقي رفح واستمرار توغل الاحتلال في حي الزي