الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العدالة والتنمية المغربي يضيق الخناق على الجمعيات

عبد الله بادو
(Abdollah Badou)

2014 / 4 / 17
المجتمع المدني


في ظل غياب رؤية حكومية للنهوض بآليات الديمقراطية التشاركية ودعم مؤسسات المجتمع المدني للقيام بأدواره كما جاء في دستور فاتح يوليوز 2011 وتعزيز الحريات العامة...الخ، أبى رئيس الحكومة إلا أن يجهز على ما قد يتبقى من فرص النقاش والحوار الرصين والمتعدد مع مختلف مكونات النسيج الجمعوي، وأن يستمر في تكريس مسلسل الإقصاء واستبعاد الفاعلين، الذي دشنه من قبله وزيره المكلف بالعلاقة مع البرلمان والمجتمع المدني، حين أنزل بشكل منفرد منشورا يقضي بتفعيل بسط يد قضاة المجلس الأعلى للحسابات على مؤسسات المجتمع المدني. أكيد أن الجميع مع إرساء آليات المساءلة والشفافية في التدبير، ولكن ماذا قدمت الحكومة في المجالات المرتبطة بتفعيل المقتضيات الدستورية المتعلقة بتفعيل أدوار المجتمع المدني وتعزيزها خاصة في مجال المشاركة في وضع وتتبع وتقييم السياسات العمومية؟ إلى أي حد تعكس خلاصات الحوار مع المجتمع المدني انتظارات وتطلعات فعاليات المجتمع المدني نحو تطوير آدائه؟ ألن يكون المنشور سيفا يستهدف رقاب جمعيات بعينها؟ ألن تخرج جمعيات العفاريت والتماسيح بدورها عن دائرة المساءلة؟
بالنظر إلى السياق الحالي، لا يمكن تفسير أو فهم هذه الإجراء، أو الالتفاتة البنكيرانية نحو الجمعيات إلا باعتبارها محاولة دونكيشوتية مكشوفة للهروب إلى الإمام وتحوير النقاش العمومي، وجهة قضايا تبقى ثانوية رغم أهميتها في ظل التحولات التي يعيشها السياق المغربي، بالنظر إلى حجم الانتظارات وحجم الفساد والاختلالات التي تعيشها قطاعات عريضة من المؤسسات العمومية، ربما للتكفير عن بعض سيئاته في مجال التدبير الحكومي خاصة بعد مقولته الشهيرة "عفا الله عما سلف"، والتي عرت وأرخت بشكل صريح لفشل ذريع في مجال محاربة الفساد، وجعلته شأنا بيد عفاريت وتماسيح مارقة لا حول ولا قوة للسيد رئيس الحكومة لمواجهتها ومساءلتها. أضف الى ذلك فشل وزارة الشوباني في تدبير ملف الحوار المدني حول الحياة الجمعوية، حيث ساهم في توتر العلاقات مع فعاليات المجتمع المدني التي رفضت الرضوخ لمنطق التحكم والتوجيه الأيديولوجي والحزبي ضدا على كل مبادئ الحكامة والديمقراطية التشاركية، الشيء الذي دفع قسط مهم من الجمعيات إلى إعلان العصيان دفاعا عن استقلاليتها عن كل مؤسسات الدولة وحفاظا على المكتسبات.
كما لا يفوتنا أن نقف بتمعن عند لغة الأرقام التي تم توظيفها في هذه الحرب، إذ أن كل المؤشرات الكمية والنوعية الخاصة بحجم التمويلات العمومية التي تدبرها الجمعيات ولا عدد الجمعيات التي تستفيد من منح من المال العمومي، تبقى أرقاما غير ذات أهمية كبيرة بالمقارنة مع حجم الأموال التي تروج في مؤسسات وقطاعات حكومية تبقى خارج نطاق المحاسبة والمساءلة، بل أن بعضها كانت موضوع تقارير للمجلس الأعلى للحسابات، والذي بالمناسبة وقف على اختلالات مهمة إلا أن مآلها يبقى مجهولا، نظرا لبطء المساطر وعدم وضوح موقف الحكومة اتجاهها والتي توقفت عند مستوى التوعد بتحريك مسطرة المتابعة ضد كل من تورط في ملفات الفساد واختلاس المال العام، كما جاء على لسان وزير العدل والحريات والذي قام بالمناسبة بإحداث خلية على مستوى الوزارة لتتبع ودراسة قضايا الفساد الواردة في تقارير مجلس جطو؛ أسند إليها مهمة تهييء قاعدة بيانات مركزية وتحليلها واستخلاص قواعد الاجتهاد القضائي منها، إلا أن السؤال المطروح اليوم هو ما مصير هذه الخلية وما هي المعطيات التي تم تجميعها؟ و ما هي مقترحاتها وموقفها من الاختلالات الكبيرة التي أوردها تقرير المجلس الأعلى للحسابات ومنها ملف صفقة اللقاحات التي كانت في عهد الوزيرة الاستقلالية السابقة، وملف المعهد العالي للإدارة وملفات التدبير المفوض وملف تدبير التخييم وملف المندوبية السامية للتخطيط وعدد من الاختلالات التي عرفتها بعض البلديات...الخ.
إن الانصراف عن قضايا الفساد الكبرى نحو قضايا تأتي في مرتبة ثانية؛ يدعو إلى التساؤل عن جدية الحكومة في تعاطيها مع محاربة الفساد، وهل يشكل بالفعل أولوية حكومية في سياستها لترشيد تدبير المال العمومي، مما يؤكد أن حكومة العدالة والتنمية، لأن باقي مكونات التحالف الحكومي لم يعد لها وجود أو أثر في إرساء السياسات والتوجهات العامة للحكومة، صارت تبحث عن معارك ثانوية وهامشية تعوض بها جزءا من خساراتها المدوية في مجال محاربة الفساد وإرساء إصلاح بات في عداد سابع المستحيلات وضمن خانات الأمور التي يؤجل النظر فيها إلى وقت لاحق وأجل غير مسمى، والدعوة إلى افتحاص مالية الجمعيات ومساءلتها على كيفيات تدبير الأموال العمومية يدخل في هذه الخانة، كما جاء في منشور رئيس الحكومة رقم 2.2014 بتاريخ 5 مارس 2014 بخصوص موضوع مراقبة المجلس الأعلى للحسابات لاستخدام الأموال العمومية من لدن الجمعيات، وزراء حكومته إلى تقديم مبالغ الإعانات الممنوحة لهذه الجمعيات، وكذا الاتفاقيات المبرمة في هذا الشأن معه بتذكير هذه الأخيرة بوجوب إدلائها للمجلس بالحسابات المتعلقة باستخدام الأموال والمساعدات العمومية التي تستفيد منها.
إن ظرفية إصدار هذا المنشور يطرح العديد من التساؤلات، حول التوقيت الغاية والأهداف من إصداره. تساؤلات ستظل مشروعة إلى حين جلاء الخلفية والأهداف الحقيقية التي تكمن وراء إصداره، خاصة أنه جاء مباشرة بعد الزوبعة التي أثارها انسحاب واستقالة أحد أعضاء لجنة الحوار الوطني ومطالبته بضرورة إخضاع ميزانية الحوار والوزارة المشرفة عليه للافتحاص والتدقيق في إصداره نظرا لوجود اختلالات فيها حسب ما صرح به المعني لإحدى اليوميات الوطنية.
بالرغم من أن الأهداف المعلنة والتبريرات الموجبة لإصدار المرسوم لا يمكن أن تكون موضوع نقاش لأن المجتمع المدني من بين أهم المدافعين على أعمال مبدأ لمساءلة وعدم الإفلات من العقاب ليس فقط في الجرائم السياسية ولكن كذلك في الجرائم الاقتصادية، إلا أن أثره سيبقى من دون أهمية كبيرة في مجال الحد من هدر المال العمومي، نظرا لكون حجم الأموال التي تتوصل بها الجمعيات لا يمثل إلا نسبة جد ضئيلة من الميزانية العامة للدولة، كما أن الصعوبات المسطرية التي يطرحها تنفيذ توصيات المجلس الأعلى للحسابات بخصوص التقارير التي يعدها على باقي مؤسسات الدولة تطرح إشكالية جدوى إعداد التقارير في غياب المتابعة والإحالة على القضاء في حالات تبث فيها وجود اختلالات وتلاعبات في تدبير المال العمومي.
والمرسوم الأخير لن يكون إضافة نوعية أو ورقة لتحسين صورة الحكومة، بل سيعمق أزمة الثقة التي تعانيها الحكومة الحالية بسبب ضعف الحصيلة الحكومية على كافة المستويات، ولن يكون كافيا للتغطية على تعثر الأوراش الكبرى في التشريع وتفعيل الدستور الجديد، ويؤكد بالملموس أن الرؤية الأحادية والرغبة في التحكم التي ميزت الأداء الحكومي لم تعد مقبولة في تدبير الشأن العام ووضع السياسات العمومية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصادر إسرائيلية: نتنياهو خائف جدا من احتمال صدور مذكرة اعتقا


.. لحظة اعتقال الشرطة الأمريكية طلابا مؤيدين للفلسطينيين في جام




.. مراسل الجزيرة يرصد معاناة النازحين مع ارتفاع درجات الحرارة ف


.. اعتقال مرشحة رئاسية في أميركا لمشاركتها في تظاهرة مؤيدة لغزة




.. بالحبر الجديد | نتنياهو يخشى مذكرة اعتقال بحقه من المحكمة ال