الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لا مغفرة بدون سفك دم

شريف عشري

2014 / 4 / 19
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


قاعدة عامة قد حكمت العهد القديم متمثلة فى أنه لا مغفرة بدون سفك دم أي انه لا مغفرة بدون ذبح أضحية أو لا مغفرة بدون فداء ... وقد نزل الناموس على موسي بتشريعاته المختلفة حتى أن لكل ذنب نوع خاص من الأضحية أو الفداء ينبغي أن يقوم به صاحب الذنب حتى يتم تبريره من الذنب أو المعصية ... فالسرقة لها تكفير وفداء محدد وكذلك الزنى والقتل ... الخ وهكذا كل خطية لها حد تكفير وفداء في الناموس توجب على صاحبة القيام بشعيرة الأضحية ولكل معصية أضحية معينة . والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو : لماذا الفداء؟ ولماذا يكون - فقط -بسفك الدم ؟ أليس الله بقادر عل المغفرة فقط بكلمة منه و هو القادر على كل شيء ؟ فلماذا لم يغفر لآدم خطيته بمجرد تلقيه منه كلمات استتابة وعليه يمكن تنقضي المشكلة برمتها وتحل المعضلة ؟

الأصل في التفكير أن الله قدوس والقداسة تعني الاتصاف بكل كمال والتنزيه عن أي نقص ...وتعني أيضا القدرة اللانهائية في الفصل بين الحق والباطل او بين الخير والشر . واتصاف الله بالقداسة يستلزم انه لا يصدر حكما ثم ينسخ حكمه أو يرجع فيه أو يعطله ...فالحكم عند الله نهائي لا رجعة فيه ! فلا استئناف ولا طعن ولا إرجاء ...بل حكم بين واضح مطلق النفاذ صالح لكل مكان وزمان وفى أي ظرف . ... والحق يقال أن خطة الفداء بدأت من هناك من الجنة حيث خلق آدم ( آدم من أديم الأرض ) أولا ثم خلقت حواء ( حواء من أصل كل حي ) من آدم لكل تؤنسه ...وقد كان الله يتردد عليهما ويقابلهما من آن للآخر وقد خلقهما على صورته ومثاله من حيث الطهارة والقداسة والنقاء ...وقد حذرهما بألا يأكلا من الشجرة المحرمة ( شجرة التفرقة بين الخير والشر ) وإلا إن فعلا فموتا يموتا ...والموت هنا بمعنى الموت الجسدي والانفصال عن الله ...ومع محاولات إبليس - الحاقد عليهما والحاسد لهما - في تضليل حياتهما رضخت حواء لكلامه بينما رفضت كلام الله فوقعت في الخطية وأشركت آدم معها فكان وجوب نفاذ عقاب الله وهو جزاء الخطية العظمى وعدم الامتثال لأمر الله بعدم الأكل من الشجرة ومن هنا كان الموت و الهلاك الذي كتب على بني الإنسان ...

فإن كان الله حقا قد تاب على آدم بمجرد سماعه كلمات استتابه منه فالسؤال هنا : لماذا طرد الله آدم من الجنة وكتب عليه وعلينا جميعا من بعده الموت ؟

والملاحظ أن الله حذر ورتب جزاء على عدم الامتثال للأمر ومن المنطقي عندما يدخل كل من آدم وحواء منطقة الجزاء أو أن يقعا تحت طائل ومظلة القانون الإلهي فلابد وحتما أن يعاقبا بالموت ولا يجوز أبدا أن يرجع الله في حكمه وإلا كان إله متردد يرجع في كلامه أو ينسخه وهو غير ذلك – حاشى – وإلا لو كان كذلك ما كان قدوس وما كنا لنعبده !

بعد اقتراف آدم وحواء الخطية انكشفت عورتهما وخجلا أن يقابلا الله عريانان فبعد الوقوع فى الخطية ما كان لهما ان يدركا انهما عريانان وما كان لهما ان ينفتح عقلهما على الشر وما كان لهما أن يخجلا حتى من مقابلة الرب عندما كان يتردد عليهما ... وعليه حاول آدم وحواء ستر عورتهما بأوراق الشجر ( أى بعمل بشرى منهما ) ...أى حاولا أن يسترا عورة الخطية وخجلهما منها بعمل (من أيديهما ) إلا أن الله لم يتقبل مثل هذا العمل البشري بل أتى بشاة وذبحها( سفك دمها ) وسترهما بجلدها ...وهذا إن دل إنما يدل على ان عمل الإنسان لن يضيف له شيئا في تبريره وخلاصه فلابد إذن من عمل إلهي وهذا العمل بالضرورة مرتبط بالفداء وإراقة أو سفك الدم ...فدور الشاة هنا محدد بالفداء وبستر عورة آدم ومن ثم يمكن ستر الخطية والعورة التي دفعت بآدم وحواء بعيدا عن نظر الله القدوس .

إذن لم تكن عملية الخلاص والغفران مرتبطة بموافقة من الرب الإله على الغفران لمجرد سماعه من آدم كلمات استتابة ...بل أن عملية الفداء بالضرورة تطلبت عمل ( ليس من الإنسان ) بل عمل من الله نفسه وهذا العمل ارتبط بسفك دم شاة حتى يمكن استخدام جلدها في ستر عورة آدم وحواء ...تلك العورة التي انكشفت لهما بمجرد ارتكابهما للخطية ..فان كانا قبل الخطية كالأطفال لا يدركا معنى العورة إلا أنهما بعد الخطية قد انفتحت أعينهما فأدركا العورة وأدركا مدى الجرم الذي فعلاه بعدم الامتثال لأمر الله .

لكن الله هو هو فكما أنه عادل وعدله قد تطلب توقيع العقوبة بالموت إلا أن في نفس الوقت رحيم ورحمته تطلبت عملا منه لجذب آدم لحضرته مرة أخرى وتبرير فعلته وتخليصه من الهلاك ومن هنا كان التوفيق بين( العدل والرحمة)..وبهذا العمل الإلهي الذي بدأ بسفك دم شاة كمقدمة وكرمز لعمل آخر سيأتي في مليء الزمان منه هو شخصيا لكن الدم آنذاك لا يعادل فقط ستر خطية آدم وحواء بل يعادل في قيمته ستر خطية البشرية جمعاء ..

والملاحظ أن فكرة الفداء أخذت بعد ذلك منحى آخر ففي قصة قايين ( أو قابيل ) وهابيل مثال ثاني على التأكيد على أن فكرة الخلاص مرتبطة بسفك الدم ... فالاثنان أرادا أن يتقربا من الله وكل واحد منهما قدم قربانا لله فقايين قدم ثمرة عمله من زروع وخلافه بينما هابيل قدم أضحية فتقبل القربان من هابيل ولم يتقبل من قايين ولعل في ذلك تأكيد على أن الغفران لا يعتمد بصورة أو بأخرى على العمل والجهد الإنساني بقدر ما يعتمد على عمل الله نفسه .. ولثاني مرة يتقبل الله سفك دم شاة مقابل الخلاص والتقرب منه ...

ثم أخذت فكرة الفداء منحي ثالث مع أبينا إبراهيم حيث أراه الله فى المنام انه يذبح إبنه البكر..فامتثل ابراهيم للرؤية ولما هم بالذبح أبدل الله الابن بذبح عظيم ( على حد قول القرآن ) ذبح اتصف بالعظمة ولم يتصف بالسمنة أو الكبر ...فكان من الممكن ان يصف القرآن الذبح بأنه كبير أو سمين ولكن القرآن - الذي يتسم بالدقة في اللفظ - وصفه بالعظيم حيث قال : " وفديناه بذبح عظيم !" ..إشارة منه إلى أن هذا الذبح يضاهى في عظمته خلاص البشرية جمعاء وكرمز لحمل الله و الغادي الأعظم الذي سياتى فى مليء الزمان ...واستمر قانون " لا مغفرة بدون سفك دم" مع امتداد العهد القديم كله فالناموس الذي نزل على موسي لم يخلو من عملية الفداء كشرط أساسي للتكفير عن الذنوب وكرمز يذكر الإنسان دائما بالمخلص القادم ...فكل جرم وكل معصية لها أضحية معينة ولكن في النهاية كل الخطايا يتم التكفير عنها بموجب فداء... والفداء يعتمد على سفك الدم .وكل هذا بالطبع كان يرمز للفداء والأضحية العظمى التي بذلت في شخص المسيح والتي جاءت في سبيل الإنسانية جمعاء ولم تختص فقط بصاحب الخطية بل للناس جميعا ... لمن يقبلها ويصدقها ويؤمن بها ...خلاص من الهلاك ( مجاني ) ...خلاص أتى بعمل من الله ولم يعتمد أبدا على عمل الإنسان مهما كان هذا العمل صالحا ! ...

والرسول محمد نفسه أقر بتلك الحقيقة فقد ورد عنه أنه قال : "لَنْ يَدْخُلَ أَحَدٌ الجَنَّةَ بِعَمَلِهِ قَالُوا: وَلاَ أَنْتَ يَارَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ: وَلاَ أَنَا إِلاَّ أَنْ يَتَغَمَّدِنِيَ اللهُ بِرَحْمَتِهِ"

وجملة القول : أن صلاح أعمال الإنسان شرط ضرورى بيد انه غير كافي بمعني : أنه فى حد ذاته لم ولن يخلص الإنسان من مصيره المهلك بل أن الشرط الكافي يتمثل فى أن ثمة عمل من الله هو الذي يخلصه .. لأنه ليس لأحد بغير الله يمكن أن ينجو أو يخلص .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - شكرا للكاتب
صباح ابراهيم ( 2014 / 4 / 19 - 15:17 )
مقال رائع اشكرك عليه
لن ينال الخلاص الا من آمن بالفداء وبالفادي العظيم

اخر الافلام

.. شاهد ما حدث لناطحات سحاب عندما ضربت عاصفة قوية ولاية تكساس


.. المسيرات الإسرائيلية تقصف فلسطينيين يحاولون العودة إلى منازل




.. ساري عرابي: الجيش الإسرائيلي فشل في تفكيك قدرات حماس


.. مصادر لـ-هيئة البث الإسرائيلية-: مفاوضات إطلاق سراح المحتجزي




.. حماس ترد على الرئيس عباس: جلب الدمار للفلسطينيين على مدى 30