الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التهنئة و التفاهة و الإنسان

شوكت جميل

2014 / 4 / 21
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


المقال بمناسبة أعياد القيامة و شم النسيم في مصر،و موقف اليمين الديني المتطرف المعهود من الاحتفال بها،أو تهنئة من يحتفلون و يحتفون بها من الضالين و الكفار!...

يقولون: من رحم التفاهة يولد التافهون،و حين تنشغل حياة الإنسان، بأي قدم ندخل الدار،و حين يكون قصارى الدين في شكل ثيابنا،وتشكيلات منابت الشعر فينا، ما خفي منها وما ظهر ،وحين نتحرج اشد التحرج من شرب كأس ماء سقطت فيه بعوضة،و نتساءل السؤال المصيري للإنسان:بأي جناحيها سقطت؟!،وفي هذا يصنف المصنفون وتسطر الكتب ويؤلف المؤلفون،ثم لا نرى بأسا بعدها في استحلال دماء الناس، ونجترع كئوسها اجتراعا..و حين لا نرى بأسا في قطع رقاب الناس و حرقهم أحياء بلا جناية،ثم نعف عن قتل حشرات أكرمها الله،و كأنه الذنب الذي ضاقت عنه رحمته!،وحين ينشغل الناس و يتدارسون بكل جد،هل تجوز تحية فئة غيرهم من الناس أو تهنئتهم أم لا ؟ و إن جازت فكم مرة في السنة؟،وفي أي مناسبة،ثم هل يجوز أن نهنئ على ما نؤمن و ما لا نؤمن بهِ،ثم كيف تكون التهنئة ،وهل إذا هنئنا هم وجب أن نرفق معها "شهادة مدموغة "من سبيل الاحتياط، بأنهم على كفر و ضلال فيما نهنئهم عليه.،أم لا؟،ثم نرى و نسمع ألوانا و فنونا من التحذق و التحاذق والتحذلق والحذلقة،التي لن تفضي إلا إلى زحلقة ...في بئرٍ من الفتنة، لن يخرج منها الوطن إلا بجروحٍ لا برء منها.

و الأعجب أن من يرى اليوم الأمر حراما منكرا و شيئا آدا ،كان يراه بالأمس القريب حلالا بلالا،فما أشبههم بقرص (لب التسالي)الذي يغير وجهه مع الشمس مرتين ما بين الصباح و المساء.والحق، أن الواحد من هؤلاء الناس ،صمته خير من كلامه، وكان الكفاية كل الكفاية ألا يهنئ و يلزم صمته،ويكون بذاك قد أحسن إلى نفسه كثيراً،و أحسن إلى الناس كثيرا جدا؛أحسن إلى نفسه لأنه لم يخنها و لم يخن عقيدته أو ما يحسب أنه عقيدته،و يكون قد أحسن إلينا،فرفع عنا الإحساس بالذنب،لأننا كلفناه من دينه رهقا و وهقا و مخالفة،ولكان الأمر كذا أهون ما يكون على نفسه و علينا؛ولكن الأمر تجاوز ذلك،فما أن يزف العيد،حتى يزف معه الذباب ،وما أن تهل الفرحة بقدومه،حتى يجدها هؤلاء النفر فرصة سانحة،للتعريض بعقائد الآخرين و نعتهم بالكفر،هو سبيل للإزدراء و الزراية إذن، عن عمد وعن قصد،وهي جريمة لو تعلمون،ثم هو فوق ذلك كله تحريضا،ولان الكفار في فقه هؤلاء،لا حرمة لهم ولا حقوق،و قتالهم واجب شرعي ،أو على الأقل فهو الانتقاص من حقوقهم كمواطنين كاملي المواطنة، ولا يستوي الكافر و المؤمن كما تعلمون،ثم هو قبل ذلك كله و بعده،غرسُ للكراهة و البغضة في النفوس و بين ابناء وطن و أرض وتاريخ واحد.

و الحق آلمني ذلك ..و علتني الدهشة ؛و أنا أرى أمثال هؤلاء الناس ملء الأسماع و الأبصار على الشاشات يتفرج عليهم الناس أو يتسلون بهم، لست اعلم حقا.،ثم يقوم فريق آخر يرد على الأول أقواله ويفندها،ويتساجلون تساجل الديكة؛ و الحق أننا، بهذا كله نكون قد سقطنا في سبخة التفاهة،وليس لها سوى( تشيخوف)، الذي كان طبيب للنفوس قبل ان يكون طبيب للأجسام.

أنطوان تشيخوف الكاتب الروسي العظيم والملقب عن جدارة بصديق الإنسان والانسانية،و كان يرى( أن التفاهة هي العدو الأول للإنسان)،كان يري الإيمان قبل التدين،،والروح قبل المظاهر،،والعمل الرحيم قبل العبادات الشكلية..والعمل في إسعاد الناس ورسم بسمة على وجوههم، خير من التشدق فيما نعلم وفيما لا نعلم، ولعل ما يميزه عن غيره، أن فلسفته قد تجسدت في حياته وسيرته ،..ولعل ما يميزه أيضا، انه لم يرى في نفسه شيئا ذا بال،و كان ينظر إلى نفسه كواحدٍ من غمار الناس،و الأغرب انه لم يرَ فيما أبدعه من رواياتٍ،أية عبقرية،وكان يوقع باسمٍ مستعارٍ لنصيبٍ كبيرٍ في حياته القصيرة!ذلك الكاتب الذي طبقت شهرته الآفاق ليس في روسيا وحدها..بل و العالم..وهو على ذلك كان يفضل العيش في المناطق النائية المهملة....يعالج الناس..ويساعد الفقراء..ولم يكن يعني بتقاضي أجرٍ من مرضاه رغم انه ربما أشد فقرا.وربما أكثر مرضا فقد كان السل يرعي في جسده.ولم يمنعه ذلك من مد يد العون للآخرين،كان يحس انه من جميع الناس،وان جميع الناس منه،أيا كان هؤلاء الناس.

وهو علي فراش الموت كان يحاول مساعدة ابن شماس الكنيسة في التحويل من جامعة ‏إلي أخري!،أما معاصره وصديقه الكاتب "الكسندر كوبرين" فيذكر أنه حينما ضرب بلطجي حمالاً علي ‏ظهر احدي البواخر في حضور "تشيخوف"، صرخ الحمال بأعلى صوته: من الذي تضربه؟ هل تعتقد أنك ‏تضربني؟ انظر إلي من تضربه وأشار إلي "تشيخوف" وكأنه أدرك أن آلام الآخرين إنما هي آلام" ‏تشيخوف" نفسه!

و إنه ليمضي في حياته ،يصنع ما ينفع الناس،ويرفع بعض من بؤس هذه الدنيا عليهم ويقول: (إن حياة البطالة والفراغ مشوبة بالقذارة)..ويقول منذرا أهله ومجتمعه في إحدي مسرحياته‏:((‏آن الأوان‏!.‏ إن أحداثا هائلة تقترب منا‏,‏ وهناك عاصفة قوية عنيفة تسير نحونا قدما‏,‏ وسوف تنسف هذه العاصفة مجتمعنا‏,‏ إذا ما ظل هذا المجتمع أسيرا للسأم والكسل والملل وعدم المبالاة((،و وما أوقع هذا العبارة على الحالة المصرية الآن.
و الرأي عندي أن ما قاله وفعله تشيكوف لهو الخليق بالإنسان ،و كل إنسان.

‏وقد اخترت تشيكوف لأنه ليس بنبي، لا أقواله من حديث السماء،ولا ادعى هو ذلك،ثم انه من التواضع بحيث لم يدع انه أتى بشيء غير ما هو خليق بكل الناس،واخترت تشيكوف لأنه ترك لنا شيئا كالوثيقة كتبها في شبابه،و الوثيقة ترسم لنا كيف نكون مهذبين، و أظن أننا أو البعض منا على الأقل،في حاجة إليها،و لا أكل و أمل من تكرارها،و أرى أنها بمثابة دستور شخصي،لو أتبع ما كانت ثمة حاجة لسواه من الدساتير، فدونك كلماته عن المهذبين و كيف يكون الإنسان إنساناً:_
..........................................................................................
وقد ترجمها الكاتب/نجاتي صدقي
• أنهم يحترمون الشخصية الإنسانية‏,‏ ولذلك فأنت تراهم دائما متواضعين متساهلين وفيهم مرونة‏.

• ‏ فإذا خالطوا غيرهم من الناس فإنهم لا يقولون لهم أنتم يتعذر العيش معكم‏,‏ بل علي العكس فإنهم يتحملون البرد والحر‏,‏ ويتحملون أيضا وجود الغرباء(المختلفين) عنهم‏.

• ‏يبذلون جهدهم لمساعدة هؤلاء الغرباء‏.

• إنهم لا يتألمون للفقراء والحيوانات الضعيفة فحسب‏,‏ بل إن نفوسهم لتتألم أيضا لأشياء لا تراها العين‏.‏

• وهم لا ينامون الليل إلا وهم في تفكير دائم فيمن يعجز عن دفع الأقساط المدرسية لأبنائه أو إخوته‏,‏ أو فيمن ليس لديه قدرة علي شراء ثياب أمه‏.

• ‏ إنهم لا يعيشون علي ما يملكه غيرهم‏,‏ بل يعملون وينتجون ويسددون ما عليهم من ديون‏.‏
• إنهم أنقياء القلوب ويخشون الكذب كما يخشي المرء النار‏,‏ فالكذب في نظرهم يحط من قيمة صاحبه‏,‏ وهم يتصرفون بوجه واحد‏,‏ فسلوكهم في الشارع لا يختلف قط عن سلوكهم في البيت‏.
• كما أنهم غير ثرثارين‏,‏ فلا يتحدثون عما لم يسألهم أحد عنه‏,‏ وإذا ما تكلم غيرهم أنصتوا في صمت واهتمام‏.‏
• ثم يواصل تشيكوف تحديد عدد من الصفات الأخر التي يجب أن يراها فيمن يستحق أن يحمل صفة الإنسان المهذب ومن ذلك‏:‏أن المهذبين لا يتمسكنون لإثارة الشفقة عليهم‏,‏ ولا تبهرهم الأحجار الكريمة وتفقدهم صوابهم‏,‏ ولا يسعون للتعرف إلي الأشخاص البارزين وأصحاب النفوذ‏,‏ ولا يهتزون إعجابا إذا ما تم السماح لهم بارتياد أماكن محظورة علي غيرهم‏,‏ فالقيمة الحقيقية للإنسان هي في حرصه علي أن يعمل في هدوء‏,‏ بعيدا عن الأضواء والضجة والإعلان‏.
• وقد قيل في الأمثال الروسية، إن البرميل الفارغ يحدث ضجيجا أعلي من البرميل الملآن‏.‏
• والمهذبون يقدرون أهمية الذكاء فيستخدمونه ويضحون من أجله بالراحة‏,‏ وهم لا يتصنعون تهذيب نفوسهم‏,‏ لأن نفوسهم مهذبة بطبيعتها‏,‏ وهم لا يمهلون شقوقا في الحائط‏,‏ولا يستنشقون هواءً مليئاً بالسموم‏,‏ ولا يسيرون علي أرض غير نظيفة‏,‏ ولايتناولون الطعام في إناء ملوث‏,‏ وهم يسعون دائما إلي تقييد رغباتهم والتسامي بها‏.‏ ولكي تكون مهذبا حقا‏,‏ ولكي لا تنزل عن المستوي الذي أنت فيه‏,‏ عليك أن تعمل علي صقل نفسك باستمرار‏,‏ وأن تطالع دائما‏,‏ وأن تدرس وأن تشد عزيمتك‏,‏ فكل ساعة تمر من حياتك لا تقدر بثمن‏.‏
..........................................................................
و أنا أرى الأجمل في هذا كله،ليس الكلام وحسب؛ فحياة تشيكوف كانت مثالا لكل حرف فيها.


بيت القصيد:
يقول طرفة بن العبد،من شعراء ما درج تسميته بالعصر الجاهلي(وما احسبه كذلك):-
خالط الناس بخلق واسعٍ.....لا تكن كلباً على الناس تهر








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - إلى الأستاذ شوكت جميل
نضال الربضي ( 2014 / 4 / 22 - 18:05 )
تحية طيبة أستاذ شوكت،

طالما أن العربي ما زال لا يصنع شيئا ً إلا بفتوى من شيخ أو إرشاد من كاهن فثق تماما ً أننا سنبقى في الأسفل.

سؤال المليون دولار: لماذا لا نثق بإحساسنا البشري فنطلب سادن الدين؟

الجواب: إن الدين خلق لدينا تشوها ً إدراكيا ً، نقطة على السطر.

دمت بود.


2 - ألي الكاتب المحترم: أسعدتني بمقالك الرائع
ضرغام ( 2014 / 4 / 22 - 18:23 )
ألي الكاتب المحترم: أسعدتني بمقالك الرائع
حلم حياتي **الذي لا أعتقد أنه سيصبح حقيقه**هو عوده اسلام الستينات....مع تصاعد قوه البترودولار والمتاجره بالدين، اختفت عقيده الأسلام وحلت محلها عقيده الاسفاف و........ليس للانحطاط قاع
واللي يعيش ياما يشوف والعمل جاري علي قدم وساق (من معتنقي عقيده الاسفاف) لأشعال الحرب العالميه الثالثه
ملحوظه: بالنسبه لي، ألدين معامله فقط لاغير
دمت بخير وسلام أيها الكاتب الرائع
http://www.elaph.com/Web/News/2014/4/897441.html


3 - الإستاذ/نضال الربضي
شوكت جميل ( 2014 / 4 / 22 - 19:41 )
تحية طيبة و بعد
أتفق معك تماماً في أن سدنة الدين هم أول هادميه و أكثر من يسيئون إليه.
أرى أن المشكلة ليست في الدين على إطلاقه،بل في نوع هذا الدين و كيفية تعاطينا معه،فمن يستطيع ان ينكر أن البوذية مثلا من أسمى و أوفى الإديان للإنسان؟
إذا نظرنا مثلا للمسيحية و المسيح كثورة راديكالية على الشرائع و الشعائر،و كثورة على رجال الدين،فالمسيح مثلا لم يكن قاسيا مع أشر الناس قسوته مع -سدنة الدين-الذين يعرضون العصائب،و يحب أن يناديهم الناس سيدي سيدي.
أعجبني دعوة المسيح للناس،:(فتشوا الكتب).و لم يقل اتبعوا رجال الدين،غاية التقدمية!!..
إذا نظرنا للمسيح مثلاً فكانت خلاصة دعوته-حرية الضمير و الحب-كما يسميها العقاد،لا نملك سوى الإعجاب بهذه القفزة الفكرية في القرن الأول للمسيح.
أرى أن محاربة الأديان لن تصل إلى غاية،أتذكر أن أينشتين قال :من المستحيل أن تغيير إيمان فرد بما يؤمن به،أو شيئا قريبا من ذلك_رضينا أو لم نرض_،لذا الحل في فرز الأديان،و من ثم تغيير كيفية التعاطي معها و فهمها..
لو عاد المسيح،سيجد سدنة الدين الذي كان يحاربهم،على عرشه و تحت شعاره!!
هذه هي المشكلة الحقيقية
شكرا لمرورك الكريم،و ألف شكر


4 - الأستاذ/ضرغام
شوكت جميل ( 2014 / 4 / 22 - 20:01 )
أسعد الله مساءك
تحية طيبة و بعد
شاكر لمرورك الكريم،و إطرائك الذي لا أستحق أقله،و قد عدت إلى الرابط و أطلعت على ما فيه،وحشية و إجرام تأنف عنه الضواري،و شبيه بالأضاحي البشرية التي كانت تقدم في العبادات الإبليسية الموغلة في القدم،المعضلة أن إصلاح الدين على عاتق سدنته،لتصليح فقه أربعة عشر قرنا،و هم لن يحركوا بنت عضلة،عجزاً..و خوفاً..و أحيانا إرتزاقاً...ليس من بد من إرادة سياسية،و لكن حكم شعب مغيب أسهل على الحاكم،فلماذ يجلب على نفسه المتاعب؟.هذه هي الدائرة المفرغة،رموز التنوير في مصر بالقرن الماضي لو عادوا لصلبوا الآن و خونوا،يكفيك نظرة على رموز الأمة المصرية الأن.
و لكننا لا نملك غير الأمل،و من يدري؟

دمت بسلام و خير و أمل ،أيها الضرغام الشجاع

اخر الافلام

.. مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية من قوات الاحتلال


.. لايوجد دين بلا أساطير




.. تفاصيل أكثر حول أعمال العنف التي اتسمت بالطائفية في قرية الف


.. سوناك يطالب بحماية الطلاب اليهود من الاحتجاجات المؤيدة للفلس




.. مستوطنون يقتحمون بلدة كفل حارس شمال سلفيت بالضفة الغربية