الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فيلم هندي

مختار سعد شحاته

2014 / 4 / 22
المجتمع المدني


كبسة ذِّر:
كانت مجرد كبسة ذرّ، وإذا بي أعود في تاريخي الشخصي بشكل غير متوقع هناك، في تلك المنطقة التي اختارها المخطط في عهد مصر الناصرية، باعتبار ظنّ أنه عبقري، إذ لم يراع حجم التطور الذي يمكن أن يحدث جراء ما خطط له. كانت عودتي التاريخية هناك إلى منطقة سكنية أو مدينة سكنية ملحقة بواحدة من شركات الغزل والنسيج في منطقة كفر الدوار، وللدقة في منطقة "مساكن شركة الحرير الصناعي"، في الطريق ما بين مدينة كفر الدوار ومدينة الإسكندرية وعلى ضفاف المحمودية. كبسة ذر واحدة أعادتني إلى هناك في النصف الأول من ثمانيات القرن الماضي بعد وفاة والدي بأيام، أصرت عمتي –الوحيدة- على اصطحابي، يومها كانت سنواتي لا تزيد عن عدد أصابع يداي، ووصلت إلى المدينة السكنية، كانت وقتها شديدة التنسيق والجمال، هذه مساكن العمال والمهنيين والفنيين، تلك فيلات المهندسين، وتلك فيلات رؤساء الأقسام ومجلس الإدارة، النادي الاجتماعي، حدائق جولف، وحارات للدراجات وملاعب لمختلف الرياضات، كانت لطفل القرية تمثل ابهارًا، وصورة مثالية للمدينة، وكانت بداية معرفتي بهذا النوع من الأفلام، وهنا أعترف أنها المرة الأولى التي أتعرف فيها على أميتاب بتشان وأمجد خان وزينات أمان وغيرهم من نجوم بوليود التي كانت تصعد بسرعة الصاروخ يومها. اللافت لي يومها ما يمكن اعتباره الآن حين أتذكر الحدث بأنه اجماعًا من نوع ما حول مشاهدة هذا الكم من الكم من الأفلام الهندية في يوم واحد.. في الحقيقة طوال إقامتي الصيفية هناك أملا من عمتي أن أسلو وفاة أبي، شغلتني فكرة الفيلم الهندي، وتعلمت حب الألوان وحب الطبيعة وحب السينما بوجه عام، وانقضت أيام سلواي وعدت إلى بلدتي البعيدة في حضن بحيرة البرلس، وبدأت في رحلة الفيلم الهندي والتي أظن مر بها من المجاليين كثير وكثير.
كانت كبسة ذر هي الأخرى التي عرفتني بالسينما الأمريكية، وكيف استخدمها المخطط الأمريكي كنوع من الدعاية لثقافته وقيمه التي يروج لها في دولة الأحلام تلك، حتى وإن كانت بجعلك تتعاطف كلما نزف المحتل الأبيض أمام مقاومة الهندي الأحمر –الوطني المدافع عن أرضه وإرثه الحضاري- وما بين هذا وذاك ينتهي بك بالراحة بأن القدر رحيمًا بهذا الأبيض وانتقم من هذا الهمجي الوحشي، والذي خجلت منه كثيرا حين نضجت وعرفت كيف كنت ساذجًا حين كدت أبكي وأنا أتعاطف مع رجل يبيد حضارة وإنسانية كاملة من على وجه الأرض وللأبد، إلا أن حبي للسينما والصورة تزايد وتراكب وصار أكثر نضجًا وفهمًا، ويقينًا بأن الفن والصورة سلاح جبار لمن يفهم قدره ويقدر كيف يستخدمه لصالح وجوده وثقافته.

في مدينة الحرير الصناعي بكفر الدوار:
كانت مجرد كبسة ذر، نعم، تلك التي عرفتني كيف أتبدل من انبهاري الصبياني بشخص الراحل عبد الناصر، انبهارًا لا يقل يومها وفي نفس المرحلة العمرية عن انبهاري بالسينما الهندية وأميتاب بتشان، حتى أني لا أعرف ما الرابط بين الشخصيتين في ذهني إذا ما ذُكر أحدهما تستدعي دواخلي الشخص الآخر، فصار عبد الناصر بالنسبة لي هو أميتاب تشان، وصار أميتاب هو ناصر. ربما كانت زيارتي الطفولية لمساكن شركة الحرير الصناعي هي الرابط الأول بين الشخصين، أو لعله تشابهًا ما في واقع درامي ملحوظ في حياة عبد الناصر تتشابه في سيرتها مع كثير من سلسلات أفلام أميتاب بتشان. وللحقيقة كان مجرد اللإفصاح عن هذا التشابه هو ما يجر على خناقات "لرب السما" من هؤلاء أمثالي الذين انبهروا وتوقفوا عند انبهارهم ورفضوا أن يصدقوا غيره، تماما كما حدث حين سألت سؤالي الساذج بعفوية للأطفال هناك عن فيلم كيفين كوستنر وفيلمه "يرقص مع الذئاب" وهو ما دعاهم للسخرية مني والتندر بروعة أميتاب في "شايال"، حتى أن أحدهم غني لي – بما أفهموني أنه هندية- مقطعًا أذكر منه "أشاهد مكة.. أشاهد مدينااااااااا".. وهي ما تتطورت بعد ذلك إلى "هما يهبواا بعض".. لم يقبل هؤلاء بغير أميتاب بتشان زعيمًا لشاشات التلفاز ببيوتهم وبلوكاتهم السكنية وناديهم الاجتماعي.

محاولة لفهم الفيلم الهندي:
أقف الآن في محاولة لفهم ثقافة الفيلم الهندي، ربما جعلتني أتماهي في أفكاري المجنونة فأطلق بين المقربين لي نظرية عن الفيلم الهندي تنتصر له باعتباره أعظم الأفلام وأبدع أنواع السينما العالمية، وتتلخص نظريتي في جملة "ارتااااااااح.. ريلاكس... كل اللي أنت عايزه هنعمله لحضرتك.. بس استرخي.. واستمتع"، ونظريتي بسيطة للغاية، فالفيلم الهندي يقوم على الخيال بشكل مبالغ فيه، إذ يمكن مرة أن تُقطع الأحبال الصوتية للبطل، فيقابله عجوز في جبل بعد حادثة ويقطب جروحه ثم يخبره بأنه وجد أحباله الصوتية مقطوعة فربطها ببعضها البعض، هكذا ستكون الحياة في بساطتها، فأنت حين تدخل السنما الهندية أنت حتما تسعى لتمضية أجازة سعيدة بعيدة عن كل ضغوط أسبوعك، وهنا فصانع الفيلم الهندي يعرف كل ما تعانيه كواحد من هؤلاء الملايين الكادحين طوال أسبوعهم ويحتاجون إلى راحة وتصفية عقولهم، لذا لا داع للتفكير في أحاجي فكرية أو رمزيات وفلسفات، فلا فلسفة غير إمتاعك بعالم يتحقق فيه كل الأحلام، وينتصر الخير ويتزوج أميتاب بتشان البطلة الثرية في النهاية بعد أن يلقي بالشرير إلى بركة مملوءة بالتماسيح، فقط شعار الفيلم الهندي "استرخ.. تمتع بثمن تذكرتك، وابتهج بالغناء والألوان، واحلم كثيرًا لا ضير من الحلم لثلاث ساعات". هكذا صارت السينما الهندية وما زالت تقدم تلك الثقافة حتى مع نجومها الجدد.

الزعيم والفنان:
رأيت بكثير من التدقيق نظرية جديدة عززت لي الارتباط بين شخصية عبد الناصر وأميتاب بتشان، وزادت من الهجوم علي كلما قرأت حول حقائق تلك الفترة الناصرية وكيف لم تكن سوى فترة من صناعة الفيلم الهندي ضخم الإنتاج، ربما نظريتي الجديدة ترتكن إلى كون المخطط للمجتمعات تلك من أشبه مساكن الحرير الصناعي بكفر الدوار يعرف أن العمال لا حاجة لهم إلى رؤية أفلام يوسف شاهين أو روايات نجيب محفوظ او حتى أشعار عبد الصبور أو دنقل، فقط اغراق هذه المجتمعات العمالية بثقافة الفيلم الهندي، معتمدين على نظريتي السابقة حيث العمال المتعبين طوال أسبوع كامل، لا حاجة لهم في نهاية أسبوعهم سوى لثقافة الفيلم الهندي "تمتع بأجازتك.. ولا تفكر.. أميتاب تشان سينتصر في النهاية".. وهو ما أراه كان تربة خصبة لنمو واستفحال التيارات الوهابية والمتشددة في مثل هذا القطيع العريض، والذي ازدهر بعد فترة الناصرية مستغلا تشوية السادات لها وضربها من تحت الحزام بثعلبة سياسية ارتدت عليه وافترسته، وما زلنا ندفع برمتنا ثمنها.
نعم الفيلم الهندي كان الأنسب لهؤلاء العمال ولهذه المرحلة، والحقيقة أنني في فترات لاحقة حين زرت المكان بعد سنوات كان انقسامه واضحا ما بين أفلام أميتابتشان وبين شرائط وجدي غنيم الإخواني السكندري أو الشيخ فلان السلفي الكاره لوجدي غنيم حد اتهامه بالخروج عن الملة، وظلت تقاوم فئة بسيطة من السكان لأجل أميتاب تشان لكنها انزوت في نهاية الألفية المنصرمة وقنعت بأفلام المقاولات، والتي تزامنت مع انهيار المنظومة الخدمية للمكان، فصارت أشبه بعشوائية رديئة كل خدماتها تئن وتنز بالنفايات الأخلاقية والعنصرية.

مليون عمل وموهبة:
أعود الآن وأسأل نفسي كيف لم ننتبه للفيلم الهندي بوعي حقيقي، وكيف صار عندنا مثارًا للسخرية والتهكم فقط، ولا تخفي جملة "أنت هتعملي فيلم هندي؟!"، وكيف انتشرت عبارة أخرى "أنت فاكرني هندي؟!"، وكأن الفيلم الهندي سُبة وعار، وكونك هنديًا فأنت من نفايات الجنس البشري؟!! الحقيقة ذلك دفعني بعض الشيء لعمل بحث سريع للغاية ومقتضب حول ذلك، فوجد ت السينما الهندية في مطلع السينما العالمية في عدد الأفلام المنتجة إذ يقارب إنتاجها السنوي (8000) فيلم، وبحسبة بسيطة وبحساب المتوسط للاأغاني في الفيلم الواحد فإن الرقم المتوسط هو (6 أغنيات) للفيلم الواحد، أي أنك بحساب بسيط للغاية لديك الأرقام الىتية في السينما الهندية:
- 8000 آلاف سيناريو
- 8000 فيلم حاصل ضربها في 6 أغنيات = 48000 ألف أغنية في السنة
- أي 48000 لحن في السنة
- أي 48000 استعراض راقص
إذن فحاصل ضرب إبداع السينما الهندية في عشرين سنة يساوي تقريبا 48000 حاصل ضرب 20 سنة = 960000 وبالتقريب حوالي 1000000 (مليون) أغنية ولحن وتوزيع موسيقي واستعراض غنائي.. ولك ان تتخيل كم الجهد والإبداع وراء هذا الكم الهائل والذي يزيد عن مجموع التراث الغنائي للوطن العربي كله في نفس الفترة.

اتصل بــ 0900:
عرفت الهند بأفلامها المباشرة وأبطالها الخياليين عرفت كيف تبدع عالمها الخاص الذي يحارب مشاكلها وعنصرية بعض مناطقها ويؤسس لثقافتها ولسياحتها وحضارتها، لتحتل العالم في انتاج الفيلم وتحتل مركزا متقدما للسياحة العالمية، حتى ولو كانت من خلال أفلام أبطالها من عينة أميتاب بتشان وجيله أو الاجيال الجديدة التالية له، وكيف أتاحت الحكومة مناخًا خصبًا لكل هذا الإبداع لتفجر فقط مليون عمل فني في عشرين عام وفقط قضيناها نحن في أفلام المقاولات والأفلام المنسوخة والألحان المسروقة، ولا واحد منها روج لثقافتنا أو حضارتها بقدر ما شوه من قيمنا وحط من أخلاقيات مجتمعنا، بعدما اعتمد المجتمع قيمة جديدة أهدرت العمل بثقافة رخيصة هي ثقافة "اتصل لتكسب....".. وكم من الحالمين اتصل.
لعل اللافت أن الهند رغم كل هذا الكم مازالت واحدة من الدول التي تعاني من الفقر والبطالة والعنصرية، رغم كونها الاولى في جراحات القلب المفتوح عالميا وجراحة اليوم الواحد، والنانو تكنولوجي، وواحدة من القوى النووية العالمية، وذلك بدون ثورة واحدة فاعلة بعد الاستقلال ومعاركها مع المحتل الإنجليزي، بينما نحن في مصر التي عاصرت في أقل من 100 سنة أكثر من 6 ثورات وانتفاضات جماهيرية، إلا أنها مازالت تمنع الفيلم بدعوى الحفاظ على قيم المجتمع، دون أن يعنيها أن كل قيمة صارت محصورة في كسب جنيه دهب، أو اتصال تليفوني بــ0900 أو أن تمر سيارة مسحوق الغسيل ببيتهم، أو .. أو .. أو..... وحدث ما شئت، فكل شيء في بلدنا الآن تم استبداله، كما تم استبدال أميتاب بتشان بأبطال جدد تحاول تقليده بشكل أو بآخر.

بين السيسي وحمدين:
تأمل الواقع المصري الآن ستجد مرشحي الرئاسة كلاهما – السيسي وحمدين- يدعي بأنه عبد الناصر الجديد، وهو من وجهة نظري ما أراه محاولة مستمية منهما لإسناد دور البطولة إلى أميتاب بتشان من جديد، وربما نسوا أن السينما الهندية اعتمدت أبطالا جُدد أكثر ملائمة وتطورا من شخص أميتاب، وهو ما لا يُعد عيبًا في أميتاب بقدر ما هو ملائمة لمقتضى الحال الذي ما عليه سوى أن يستعد لحقبة جديدة من الأفلام أبطالها يشبهون شاروخان ومحمد رمضان "عبده موته"، وأوكا واورتيجا"، و ألحان واغنيات تشبه تسلم الأيادي ومصطفى كامل وسعد الصغير، وشيوخا من أمثال حسان والقرضاوي وغنيم وامهات مثالية من أمثال فيفي عبده وغادة عبد الرازق، وإسلاميين من أمثال داعش والقاعدة، ورؤساء جمهوريات من أمثال بشار والمالكي والبشير.. هو مشهد يحاول أن يعيد أميتاب تشان للشاشة البيضاء من خلال مرشحي انتخابات رئاسية من أمثال عبد الفتاح السيسي وحمدين صباحي، وهو ما ينذر بالكارثة التي ستجعل كل همومنا الفنية والثقافية والأدبية تنحصر في قصيدة مسروقة لهشام الجخ أو مشاهد ساخنة للسبكي.
نهاية الكلام، أحب السنما الهندية وأميتاب باتشان وعبد الناصر مثلما أعرف أن موهبة أميتاب تشان الفنية غير صارخة مثلما أعرف أن التجربة الناصرية لم تكن الملائكية وفيها من المخزيات والسقطات الكثير، بقدر ما أخاف من مرشحي الرئاسة وإصرارهم على استعادة تصدير اسم أميتاب بتشان عفوًا عبد الناصر، وكأن المرشحين لا رؤية لهما غير الرؤية من خلال الفيلم الهندي، وياليتهما يقدمان لنا فيلما هنديًا يستحق الإعجاب كما قدمها أميتاب بتشان.

مختار سعد شحاته
Bo mima
روائي
مصر/ الإسكندرية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مع أنديرا
هانى شاكر ( 2014 / 4 / 22 - 11:47 )

مع أنديرا غاندى
_________

فى لقاء عبد ألناصر مع أنديرا غاندى ، و أيام محور عدم ألأنحياز ، و ألكلام ألمجعلص ، و عندما كان تعداد ألمصريين يادوب 20 مليون بنى آدم لهم أكل و شرب و بعض من ألكرامة ... دار ألحديث ألتالى بين ألقطبين :

جمال : بلادنا و بلادكم ، سيدتى ، يتمتعان بتاريخ عظيم و شراكه فى مقاومة ألأستعمار ...

أنديرا : صدقت يا سيادة ألرئيس .. علاوة على ألطبيعة ألجميلة فى كلتا ألبلدين ...

جمال : أقترح ، سيدتى ، وحدة فورية بين بلدينا و شعبينا ، لنكون معاً أمة ثورية واحدة

أنديرا : تصدق بألله يا سيادة ألرئيس ... فكرة جنان ! ... ( صمت قصير ) .. وبما أن تعداد بلدنا 500 مليون ( ساعتها ) .. و أنتو - حيالله - 20 مليون .. أكون أنا رئيسة ألأمة ألثورية ألواحدة ... ؟

جمال : ( فى غضب ثورى ) : جرى إيه يا وليه ؟ أنت فاكرانى هندى ؟!

...

اخر الافلام

.. اللاجئون السوريون -يواجهون- أردوغان! | #التاسعة


.. الاعتداءات على اللاجئين السوريين في قيصري بتركيا .. لماذا ال




.. الاعتداءات على اللاجئين السوريين في قيصري بتركيا .. لماذا ال


.. الحكم بالإعدام على الناشطة الإيرانية شريفة محمدي بتهمة الخيا




.. طفل يخترق الحكومة التركية ويسرب وثائق وجوازات سفر ملايين الس