الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأمازيغية كمطية لتفتيت الوحدة الوطنية

فاضل عزيز

2014 / 4 / 23
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


لألف واربعمائة سنة خلت، وقبلها بعشرات القرون ظل الامازيغ يتخذون من لغات وألْسِنَة أقوام تداولت على ارضهم أداة للتواصل مع العلم والعالم وإظهار ابداعاتهم، رغم امتلاكهم للسان خاص بهم يستعملونه في حياتهم الخاصة فيما بينهم، ولكن فيما يبدو انهم عجزوا عن تطويره ليكون حاملا ومساهما في التواصل مع الآخر في نشر ما ينتجونه من معارف وثقافة.. ولعل ذلك يعود الى أن هذا اللسان او اللغة غير قابلة للتطوير لأسباب لا أدعي الإحاطة بها، ولكن ما انا متأكد منه هو ان هذا المجتمع كان ولا زال يقدم للبشرية مبدعين وعلماء لهم اسهاماتهم التي لا تخطئها العين، ولكن بغير لغتهم التي يحاولون اليوم بعثها. وطيلة القرون التي عاصر فيها الامازيغ حركة التأريخ والتدوين ووضع اللمسات الأولى للحضارة الانسانية كانت لغات الشعوب التي تداولت عليهم من فراعنة وفنيقيين وإغريق ورومان ووندال و عرب وغيرهم هي وسيلتهم للتعامل مع الحضارة الانسانية، وظلت لغتهم حبيسة تعاملهم اليومي فيما بينهم حتى ثلاثينات القرن الماضي عندما فطن خبراء أجهزة المخابرات الفرنسية لعامل اللغة وإمكانية توظيفه في شق لحمة المقاومة الوطنية في الجزائر والمغرب ضد الاحتلال الفرنسي، فوضعوا مشروع ما يعرف بالحركيين الجزائريين متخذين من اللغة كمدخل لدق اسفين في جسم حركة التحرر الوطني وزرع بذور فتنة عرقية لإخراج الطيف الامازيغي من هذا الصراع المشتعل ضدهم، إلا أن هذا المشروع رغم تبنيه من قبل بعض المرتبطين بمصالح مادية مع الاحتلال، لم ينجح في تحقيق أهدافه في تلك الفترة وقوبل برفض قاطع من غالبية عظمى من هذا الطيف الذين لم تنطلي عليهم الأهداف الكامنة وراءه. وبقي هذا الملف حبيس الادراج لدى جهاز المخابرات الفرنسية، ولا يُقرأ بين مكونات الطيف الامازيغي إلا كقرينة إدانة بالعمالة للاحتلال لكل من ينادي به أو يتبناه، الأمر الذي ربط الدعوة لاحياء الثقافة واللغة الامازيغية في وعي السواد الأعظم منهم اليوم بالعمالة لفرنسا، وما زاد من ترسيخ هذه الفكرة تبني تيار نشط من الداعين للثقافة الامازيغية اليوم للغة مشحونة بالكراهية للعرب والعروبة التي كانت سلاح آبائهم وأجدادهم في التصدي للاستعمار وحصنهم الذي حفظهم من الفرنسة والخضوع للاستعمار.

وباندلاع ما يعرف بثورات الربيع العربي والتي استطاعت المخابرات الفرنسية التسلل الى مفاصلها وركوبها ، تم إخراج هذا المشروع المشبوه من الادراج من جديد ودفع به للساحة، لإدراك رعاته من أجهزة مخابرات ومن متعاطين معه لأسباب عاطفية او شخصية، أن هذه فرصة ذهبية لا يجب أن تُفوَّت لزرعه من جديد، خاصة وأن الارضية ممهدة لاستنباته؛ فالهوية والثقافة العربية التي ظلت عائقا قويا أمام تسلله الى القلوب وتشويه العقول بافكاره الهدامة، هي اليوم في وضع المدان بحكم ارتبطها بنظم دكتاتورية أساءت لهذه الثقافة والهوية وعملت طيلة فترة حكمها على اتخاذها مطية ووسيلة لتنويم الشعوب، وبالتالي فطرح هذا المشروع في هذا الوقت بالذات سيكون مناسبا على الاقل لاستزراع بذوره التي ستنموا برعاية وتمويل فرنسي غربي ليكون أدة طيعة يسهل توظيفها لخدمة أهداف فرنسا والغرب في المنطقة المواجهة لأوربا على الضفة الجنوبية للمتوسط . وتم بالفعل تأجيج الأجواء وارتفع صخب غير معهود حول المشروع، وفتحت آلاف الصفحات على شبكة التواصل الاجتماعي باسماء وهمية جند لها آلاف الشباب الذين نفخت وسائل الاعلام المؤدلجة في عواطفهم العرقية، وفتحت عشرات القنوات الفضائية والمسموعة وظهرت مئات المطبوعات الدعائية للمشروع بلغة مشحونة بالكراهية للآخر الشريك في الوطن، كل ذلك تم فجأة وبشكل لافت ، يبعث على التساؤل: هل بعد آلاف السنين التي مرت اكتشف الأمازيغ اليوم أن لهم لغة قادرة على ان تكون وسيلتهم للتعاطي مع المعرفة ؟ هل يعتقد الامازيغ انهم وفي غضون سنوات يمكنهم نقل لغتهم من لغة تواصل يومي تتخذ من لغات والسنة تعاطت معها على مدى قرون واستعارت منها جل مصطلحاتها، نقلها الى لغة تواصل علمي ومعرفي هكذا وفي مدة لا تكف حتى لبلورة ابجدية حقيقية خاصة بها؟ هل استغلقت عقول الامازيغ عن إيجاد وسائل عقلانية وناجعة مضمونة النجاح لبعث ثقافتهم ، فلم يجدوا إلا الكراهية والتهجم وإدانة ثقافة ولغة وهوية طالما كانت لأجدادهم قبل 14 قرنا ولهم هم حتى هذه اللحظة ولعشرات السنين القادمة وسيلة للتعامل والتعاطي مع الحضارة الانسانية؟

استقبلنا وبغبطة محاولات مبكرة لطيفنا الامازيغي في ليبيا لإعادة بعث الثقافة واللغة الامازيغية وإظهارها كلون من الوان ثقافتنا الوطنية ودافعنا عنها بصوت عال ومجاهر فيما كان قادة وناشطي طيفهم ينافق النظام ويعلن تبرؤه من هذه الدعوة، وذلك مع بداية الألفية الثالثة ضمن ما يعرف بمشروع سيف القذافي والذي اجهض في مهده، إلا ان تيارا متشددا من الامازيغ تسلم المبادرة ونحى بها منحى هداما قائما على معاداة الثقافة والهوية الحضارية العربية التي طالما شكلت للامازيغ مظلة وجسرا للتواصل مع العالم و لازالت، وهذا الخطاب او المنحى لا نشك مطلقا في أنه خطاب مُعَد في مراكز البحوث التابعة للمخابرات الفرنسية والصهيونية التي طورت مشروعها القديم بما يلائم المعطيات المستجدة والتربة الجديدة لضمان استنباته، ووجدت في هذا التيار المندفع والمحتقن بمشاعر كراهية مؤججة للعرب والعروبة تمت تعبئته بها من قبل مؤدلجين مغاربة وجزائريين بهذه الايدولوجية الهدامة. ومنذ الايام الاولى لانطلاق انتفاضة 17 فبراير 2011م لاحظنا ظهور علم الحركيين الجزائريين في بعض مناطق الجبل وزواره وقد لقيت هذه الراية الاستعمارية استهجانا ورفضا حتى من قبل الامازيغ في تلك الفترة، وفيما كان بقية الليبيون يصارعون لازاحة الدكتاتورية كان هذا التيار الانعزالي يصارع لغرس وتثبيت مشروعه عبر وسائل الاعلام المختلفة، وكنا وقتها نعتقد انه مشروعا وطنيا لا يصب في خدمة مشروع عرقي يتغذى على الكراهية والعداء للعروبة.. وبمرور الوقت ونفاذ عناصره الى مفاصل الدولة ارتفعت الاصوات المنادية بالفصل العرقي بين الامازيغ والعرب من خلال دعوة أطلقها احد المتطرفين في المؤتمر الوطني العام بتكوين دوائر انتخابية في الجبل على اسس عرقية تفصل بين ساكنة سقف واحد، فتضم الامازيغي الى دائرة لا تربطه بها لا الجغرافيا و لا المصالح وتفعل نفس الشيء بجاره العربي، لا لشيء إلا لغرس بذور الفتنة والفصل العرقي بين سكان مناطقة كانوا ولقرون يعيشون في وئام وانسجام فرضته عليهم الجغرافيا وظروف الحياة وادراكهم لمصالحهم التي لا يؤثر فيها انتماءهم العرقي. وزاد صخب العرقية بإطلاق فكرة الكوتات او الحصص في لجنة الستين المخولة بوضع دستور للبلاد، وهذه الفكرة بلا شك من إيحاء فرنسا والصهيونية، ونشط الحركيون الليبيون وبدعم من الكونغرس الامازيغي العالمي -الأداة السياسية للمخابرات الفرنسية في المنطقة- الذي استضافوه لمرتين على الارض الليبية، فبدأوا يجوبون كل مناطق ليبيا في حملة ممنهجة بين المدن والقبائل للدعوة لمشروعهم الانعزالي العرقي، فلم يتركوا قبيلة ولا مدينة إلا وقابلوا قادتها يدعونهم للانسلاخ عن العروبة والتخلي عن هذه الهوية والانضمام الى حركة الامزغة ، موحين لهم بخرافات التاريخ عن أصول أمازيغية لهم مرددين اساطير عفى عليها الزمن عن قادة امازيغ حكموا مصر مروجين لأكاذيب مصطنعة وتارخ مزور مصنوع في تل الربيع وفي باريس لنسف الحقائق وتزييف التاريخ الذي تسنده وقائع على الارض كل ذلك بهدف مسح الهوية العربية عن ليبيا، معتقدين ان هذه الهوية قائمة على العرق كما هي هويتهم التي يروجون لها اليوم، جاهلين او متجاهلين ان الهوية العربية لهذا الشعب هوية حضارية صنعها عطاء حضاري وروحي على مدى قرون اسهمت فيه كل الاعراق بما فيه الامازيغ، وان الانتماء لهذه الهوية لم يكن خيارا مفروضا بقدر ما كان اختيارا عن اقتناع بهذه الهوية المتجاوزة لكل الحساسيات العرقية والجهوية والفتوحة لكل من أراد الانتماء لها وإغنائها بعطائه الانساني.

واليوم وأمام هذا الواقع المؤسف لطيفنا الامازيغي المخطوف من قبل قلة مشحونة بالكراهية وموتورة بروح الانعزال، حري بنا ايها الليبيون ان نرفع اصواتنا لإعادة الوعي لهذا الطيف والأخذ بيد عقلائه المسكونين برعب وخوف يتهددهم من المتطرفيين، لنمكن هؤلاء العقلانيين والوطنيين من استعادة زمام المبادرة وتوجيه مشروع احياء الثقافة الامازيغية وجهة سليمة متصالحة مع الهوية الوطنية لليبيا مرتبطة بمجتمعها ومساهمة في تقوية اللحمة الوطنية ومساهمة في مواجهة المشاريع الانعزالية والتفتيتية التي تعج بها الساحة الليبية اليوم.. إن السكوت إزاء هذا التيار واتجاهل خطابه الانعزالي ولغته المشحونة بالكراهية والعداء للهوية وللثقافة العربية لليبيا يشكل عامل دعم وقوة لهذا التيار كما يشكل عامل ضغط على المعتدلين الذين لا يتجرؤون أمام صمتنا وتجاهلنا لهذا الخطاب على رفضه او حتى نقده باعتباره تيارا هداما لتلاحم نسيجنا الاجتماعي، فبادروا أيها الليبيون لانقاذ بلادكم وأطيافكم العرقية من لوثة الانعزال والتقوقع التي يدفعون لها بقوة المال ودهاء اجهزة المخابرات الصهيونية والغربية وعلى راسها فرنسا وأدواتهم من متطرفين مسكونين بروح الانعزال والكراهية لمحيطهم .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -تشاسيف يار-.. مدينة أوكرانية تدفع فاتورة سياسة الأرض المحرو


.. ناشط كويتي يوثق آثار تدمير الاحتلال الإسرائيلي مستشفى ناصر ب




.. مرسل الجزيرة: فشل المفاوضات بين إدارة معهد ماساتشوستس للتقني


.. الرئيس الكولومبي يعلن قطع بلاده العلاقات الدبلوماسية مع إسرا




.. فيديو: صور جوية تظهر مدى الدمار المرعب في تشاسيف يار بأوكران