الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل حسم الإسلام مسألة مصير السيد المسيح حقاً؟

تامر عمر

2014 / 4 / 24
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


هل حسم الإسلام مسألة مصير السيد المسيح حقاً؟

قبل أن تمتدحنى أو تذمنى .. قبل أن تشتمنى أو تحتفى بى، أرجوك .. أرجوك .. تجرد قليلاً من مشاعرك وحكِّم عقلك فقط. لا أريد منك سوى التفكير بالعقل والمنطق.
تعال على نفسك وفكر ...
* * *
من بين كافة الشخصيات الدينية، يقف السيد المسيح حالةً متفردة. ذلك الرجل الحكيم الوديع الذى يعتقد المسيحيون بألوهيته، بينما يعتقد المسلمون بنبوته، وميلاده المعجز من عذراء بتول. هو شخص مهم وعظيم فى تاريخ الديانات الإبراهيمية بلا شك، ولكن الخلاف على طبيعته ومصيره يشكل جوهر الخلاف بين الإسلام والمسيحية.
يعتقد المسيحيون أن السيد المسيح هو الله متجسداً فى صورة بشرية، تجسد فى الزمان ليخلص الإنسانية من خطيئة أبدية قديمة إقترفها آدم أبو البشر، وانسحبت خطيئته على ذريته كافة، فقرر الله أن يفدى البشر من خطيئة أبيهم بالتضحية بنفسه، فقرر التجسد فى صورة رجل هو السيد المسيح، ليموت فى النهاية على الصليب بدون أى ذنب اقترفه. أما المسلمون، فيعتقدون أن السيد المسيح هو نبى كريم من أنبياء الله، ويصنفونه باعتباره النبى التالى فى الأهمية والمرتبة والمكانة بعد النبى محمد صلى الله عليه وسلم.
تقتضى ألوهية المسيح وموته على الصليب انتهاء عهد الرسل، إذ أن الله نفسه هو الذى تجسد فى الزمان بعد أن أرسل الكثير من رسله، وبالتالى فلا معنى لإرسال رسل جدد بعد أن جاء رب الرسل ذاته. وبناء على ذلك، لا يؤمن المسيحيون برسالة النبى محمد، فحضور الله بنفسه إلى عالمنا معناه انتهاء عصر الرسالات، وهى فكرة منطقية فى ضوء العقيدة المسيحية. لكن، وفى المقابل، بدون ألوهية المسيح، تصبح المسيحية على خطأ، ويجب على المسيحيين فى هذه الحالة الإيمان بنبوة محمد، إذ يكون السيد المسيح فى هذه الحالة هو نبى آخر من أنبياء الله، ويكون محمد هو النبى التالى له، يجدد الله على يديه الدين والشريعة، فيصبح محمد واجب الإتباع والتصديق بنبوته. وبالتالى، فإن من وجهة نظر الإسلام، أن هذا الدين - أى الإسلام - لا تستقيم دعوته إلا بالإعتقاد ببشرية السيد المسيح وعدم موته على الصليب، وهو الأمر الذى يهدم العقيدة المسيحية من أساسها، ويسوغ محمداً كنبى شرعى غير مطعون فى رسالته.
هذه هى الإشكالية العقيدية الكبرى بين الديانتين على ما بينهما من ود وتقارب، وقد واجه الإسلام فى بداية دعوته هذا السؤال المهم: إذا كان الله نفسه قد تجسد فى النهاية بعد سلسلة طويلة من الرسل، فمن هو محمد، وهل هو نبى حقاً؟ وتصدى الإسلام للإجابة عن السؤال بما يسوغ صدق وشرعية محمد، ولكنها إجابة تهدم العقيدة المسيحية من أساسها، إذ أوضح أن يسوع هو بشر نبى (والإسلام يختلف مع العقيدة المسيحية فى تلك النقطة)، وأن هذا الشخص ولد ميلاداً معجزاً من عذراء (وفى ذلك، يتفق الإسلام مع المسيحية)، لكن هذا الشخص لم يمت على الصليب (وتلك هى نقطة الخلاف الصارخة بين الديانتين).
تقوم العقيدة المسيحية، جوهرها ومضمونها ومعناها، على (وجوب) موت المسيح على الصليب، بينما (يؤكد) الإسلام أن الرجل لم يمت، بل، ولم يصلب من الأساس، وذلك فى آيات واضحة قاطعة لا تحتمل اللبس، وإنما تحتمل التفسير والتأويل.
هى لا تحتمل اللبس لأن ما يُفهم من الآيات ببساطة هو أن المسيح لم يمت. لكنها، مع ذلك، تحتمل التأويل، إذ مع التسليم الإسلامى بأن الرجل لم يمت، اختلف المفسرون فى النقطة التالية: إذا كان المسيح لم يقتل، فمن هو الرجل الذى وُضِع على الصليب، ورآه الناس يلفظ أنفاسه عليه؟ هو سؤال مشروع، ولو لم يجب الإسلام عليه إجابة مقنعة، فستوضع ألف علامة استفهام على هذا الدين وعلى شرعية وصدق نبيه.
يفسر بعض المفسرين الآية بأن المقصود بــ (شُبه لهم)، هو أن الله قد ألقى شكل المسيح على تلميذه الخائن يهوذا، فاعتقله الرومان بدلاً من المسيح وصلبوه، بينما يؤولها البعض الآخر بأنه قد يكون المسيح هو من أُلقى القبض عليه حقاً، ولكنه لم يمت على الصليب، ولكن (شُبه) للحاضرين بأنه قد مات، ولكنه فى الحقيقة لم يمت. فى الحالة الأولى، يكون رجل آخر هو من وضع على الصليب بدلاً من يسوع، وهو يهوذا. كان يهوذا تلميذاً للمسيح يعيش وسط الناس فى أورشليم. كان رجلاً معروفاً ولم يكن شبحاً. الآن تعال على نفسك وفكر: إذا ألقى الله شبه المسيح على يهوذا ورفع المسيح الحقيقى إليه، ألا يحق للناس فى هذه الحالة أن يتساءلوا: أين اختفى يهوذا؟ تخبرنا الأناجيل أن يهوذا شوهد كثيراً من بعد صلب المسيح وأنه لم يختف. إذن فما معنى هذا التفسير؟ تعال على نفسك وفكر ..
الإحتمال الثانى، وهو أن المسيح هو من وُضع فعلاً على الصليب ولكنه لم يمت، ولكن (ظن) من رأوه أنه مات. هذا معناه أن أهل يسوع قد استطاعوا خداع الرومان واليهود بأن أنزلوا رجلاً (حياً) من على الصليب قبل موته، واصطحبوه إلى حيث ادعوا أنهم دفنوه، وهذا يقتضى خطة معقدة لإخفائه عن أعين أعدائه المتربصين حتى يقضى الله أمراً كان مفعولاً. الأمر المفعول هنا، والحل المنتظر هو (الرفع). لكن هذا الإحتمال ينفيه القرآن بإقراره أنهم: {وما صلبوه}، أى أن الرجل، حتى لو لم يكن قد مات، فإنه لم يوضع على الصليب من الأساس لأنهم (لم يصلبوه). وأيضاً فى هذه الحالة، ما معنى هذا التفسير؟ تعال على نفسك وفكر ..
نأتى إلى النقطة الأخيرة، وهى مصير يسوع. تقول العقيدة المسيحية بأن يسوع قد (صَعَدَ) إلى السماء بعد قيامته من الموت على الصليب، بينما تقول العقيدة الإسلامية بأن المسيح قد (رُفِعَ) بقدرة الله. هناك فارق كبير بين الصعود والرفع، إذ بينما تتم الأولى بالقدرة الذاتية، تتم الثانية بقدرة خارجية. بكلام آخر، إذا صعد المسيح فهو إله، وإذا رفع المسيح فهو نبى.
وفى كل الأحوال، وسواء صعد المسيح إلى السماء أو رفع، فإن ارتفاعه إلى السماء كان لابد أن يكون حدثاً مدوياً يراه أهل أورشليم أجمعين، لكن التاريخ الإنسانى المكتوب لم يشر إلى هذه الحادثة من قريب أو بعيد!
وفى النهاية، وبمناسبة التاريخ الإنسانى، قد يكون من المفيد أن نطرح السؤال التالى: ما الذى كتبه مؤرخو الإمبراطورية الرومانية عن يسوع؟ هل تجاهله التاريخ كما تجاهل أنبياء كثُر من قبله؟ الإجابة: لا، لقد ذُكر يسوع فى تاريخ الإمبراطورية الرومانية باعتباره متمرداً يهودياً حاول إثارة القلاقل ضد الرومان فى أورشليم المحتلة، وقد إتبعه بعضٌ من قومه، بينما رفض اتــِّــباعَه البعضُ الآخر، وهذا البعض الآخر عمل على الإيقاع به فى براثن السلطة الرومانية الحاكمة التى تولت إعدامه طبقاً للطقوس العقائدية اليهودية بطريقة الصلب.
بعد كل تلك الأسئلة، تعال على نفسك وفكر: هل حسم الإسلام مسألة مصير السيد المسيح حقاً؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تحياتى الكاتب المحترم
شاهر الشرقاوى ( 2014 / 4 / 24 - 19:30 )
اسمح لى بداية استاذ تامر ان احييك على اسلوبك الراقى والجميل فى طرح القضية بسلاسة ونظام واقتدار

ليس الخلاف بين المسيحية والاسلام خلاف جوهرى استاذ تامر ...فالاثنان من الله ومعهم اليهودية او التوراة
لكن الاختلاف فى القراءة و قراء الرسالة ذاتها وفحواها ومن مبتداها ومنتهاها والغرض منها

ولا ادرى حقيقة لماذا اسقاط الالوهية والصلب عن السيد المسيح عليه السلام ينهى المسيحية ...
فالدارس للقران يجده يامر الاخوة المسيحين باتباع الانجيل ويامر الاخوة اليهود بالتباع التوراة ويثنى على الكتابين ..ويعنبرهما كلام الله مثلهما مثل القران بغض النظر عما وقع فيهما من بعض التحريف ربما فى المعنى اكثر من قبل رجال دين خافو على مصالحهم ومن انتشار الاسلام وصدق نبوة محمد

القضية فى نظرنا هى ان الحواريون كان يجب ان يتقدم احد منهم لفداء السيد المسيح وليس العكس ...
نحن لا ننكر الصلب ولكن ننكر المصلوب ..الصلب حدث بالفعل ..ولكن لمن وكيف وهل الصلب تم بالاتفاق بين المصلوب والسيد المسيح كما تقول بعض الروايات ؟
هذا هو جوهر الخلاف
اما من حيث الاخلاقيات والحقائق وبعض التشريعات والشعائر واحكام العبادات فهى متقاربة


2 - المزيد من التوضيح يا عزيزى شاهر
تامر عمر ( 2014 / 4 / 24 - 22:02 )
عزيزى شاهر
. أشكرك على التعليق المحترم، واسمح لى أن أوضح الغرض من المقال
أولاً يجب أن تعلم أن ظهور الإسلام قد مثل صدمة كبرى للعالم المسيحى، فقد آمن هذا العالم بأن عصر الأنبياء قد انتهى لأن الله بذاته قد تجسد فى العالم الذى نعيشه
ثانياً ما يريد المقال أن يؤكد عليه هو أن الإسلام لم يقدم حلاً واضحاً لموضوع الصلب. فهناك شخص صلب ولا شك، لكن من هو؟ إختلف المفسرون فى ذلك، ومادام المفسرون قد إختلفوا، فمعنى ذلك أن النص المقدس، وهو القرآن، غير واضح. أظن أن هذا واضح؟
ثالثاً كان على الإسلام أن يوضح تماماً من هو المصلوب، فمن شأن الغموض فى تلك المسألة أن تضعف الشرعية العقائدية لهذا الدين الجديد الذى يزاحم المسيحية، وهى ديانة قوية فى العصور الوسطى، بينما كان من شأن توضيح هذه النقطة الحساسة بناء شرعية قوية للإسلام، لأن الله فى هذه الحالة هو من يوضح ماذا حدث وكيف حدث، وبذلك تتضح المسألة لأتباع الديانتين، وعلى الأقل، يجد المسيحيون جواباً واضحاً من الإسلام عن مصير السيد المسيح، وهو ما لم يحدث، ولم يحسم الإسلام مصير السيد المسيح على الإطلاق
أتمنى أن أكون قد أوضحت وجهة نظرى وتقبل تحياتى


3 - تعليق
عبد الله خلف ( 2014 / 4 / 24 - 23:12 )
1- أنجيل يهوذا يرد :
https://www.youtube.com/watch?v=EfPN_gJ9G_U
2- المسيحي لا يستطيع أن يوثق أو يتأكد من صحة دينه و عقيدته , راجع :
الأناجيل في الميزان :
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=410699


4 - غموض مفصود حتى لا ننشغل باصل الحكاية
شاهر الشرقاوى ( 2014 / 4 / 25 - 01:21 )
واين يكون دورك انت با انسان يا عاقل يا متدبر وقدرتك على الوصول للحق والحقيقة واستطاعتك استنباط الحكمة بذاتك من دون ان يؤكد لك احد ما تستطيع ان تصل اليه بنفسك؟؟؟
هذا الغموض مقصود فى حد ذاته لعدة اسباب اهمها هو اننا يجب الا نفكر كثيرا والا نثق الا فى ما تصل اليه بعقلنا ومنطقنا او بتصديقنا لمن اخبرنا بذاته عن شئ ما ويقيننا بصدقه من خلال معرفتنا به او منطقة حياته وسيرته ورسالته

لو تناول الاخوة المسيحين الموضوع ببساطة شديدة لعلمو انهم ما كان عليهم ان يجزعو كل هذا الجزع ...ولادركو ان الاسلام ومحمد لم يطالبهم سوى بتصحيح العقيدة فى السيد المسيح واعادة قراءة رسالته على وجهها الصحيح لا لشئ الا لتحريرهم من استغلال الكثير من رجال الدين والكهنوت وقتها وحتى اخر الزمان وتحريرا للعقل والمنطق والانشغال بالحياة وتعميرها بالعقل والعلم والعمل بدلا من الدخول فى صراعات وايديولوجيات لا يستفيد منها احد
وحتى فى حالة اصرارهم على التمسك برؤيتهم وقراءتهم للمسيحية ورفضهم التحرر من سيطرة الكهنة ...فلهم دينهم ولنا ديننا ...ولهم كل الحرية والاحترام لذواتهم طالما لم يمنعونا ديننا ولم يحقرو من نبينا
تحيات


5 - مداخلة - 1
شاكر شكور ( 2014 / 4 / 25 - 02:39 )
تحياتي للأخ تامر ، ان موضوع صلب السيد المسيح يعتبر النقطة الحاسمة بين المسيحية والأسلام ، فعلا ان عدم اعتراف القرآن بأن السيد المسيح قد صلب شخصيا يعني ذلك بطلان الإيمان المسيحي لأن رجاء المسيحيين بأن يكونوا احياء في الآخرة يعتمد كليا على قيامة السيد المسيح من بين الأموات ، لا اريد ان أثبت من خلال الأنجيل بأن عملية صلب ناسوت السيد المسيح قد تمت فعلا بل دعونا نبحث عن كتب تاريخية عن هذا الحدث ، مؤرخي اليهود ومن بينهم المؤرخ الكبير (يوسيفوس (الذي كتب تراث اليهود 37 – 100 م اعترف بقوله (كان هناك رجل حكيم يدعى يسوع كان صانعا لأعمال عظيمة جذب اليه كثيرين ... حكم عليه بيلاطس بالموت صلبا (تراث اليهود 18 : 33 ص 63 – 64 ). وكذلك سجّلت حادثة الصلب على الأقل من قبل اربعة مؤرخين رومان كبار ، الحقيقة القرآن ايضا سجّل حقيقة الصلب من خلال اقوال اليهود (وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم) وهذا يعني ان مجموعة كبيرة من اليهود شهدت قتل المسيح لأنهم شاهدوا الحادثة بنفسهم …… يتبع رجاء


6 - 2 - مداخلة
شاكر شكور ( 2014 / 4 / 25 - 02:44 )
بعد مضي حوالي ستة قرون من حادثة الصلب تذكر الله بأن المسيح لم يصلب فأوحى لرسول الأسلام ليعلم الناس بأن المسيح لم يصلب ، وهنا تظهر عدم عدالة الله لأن انتظار الله اكثر من ستة قرون دون ان يعلن شيئ عن الحادثة يعتبر ظلم للذين ماتوا على رجاء قيامة السيد المسيح من بين الأموات ؟ ثم اين عدالة الله ان يقوم بصلب رجل آخر بريئ لينقذ حياة احد انبيائه من الموت ؟ اليس بأمكان الله ان يحيي نبيه بعد الصلب ويرفعه اليه بدل ان يخدع الناس بتمثيلية ساذجة تسيئ الى عدل الله ؟ إذن ما الذي اراده رسول الأسلام من هذه التمثيلية ؟ هدفه طبعا كان واضح وهو محاولة عدم غلق باب مجيئ انبياء آخرين بعد المسيح ، وهذا ما شجع أحمد ميرزا غلام ان يدعي النبوة ايضا وآخرين غيره ، ان عبارة (ما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم) رغم ان الصلب يأتي قبل القتل لكن الآية لا تقول شبه به (اي شبه رجل آخر) فهي تقول ( شبه لهم ) وهذا يفسر بأن اليهود اعتقدوا بأنهم تخلصوا من المسيح بقتله ولكن خيبتهم جاءت حين قام المسيح من بين الأموات وبهذا لم يقتلوه يقينا لأنه حي ، اكرر تحياتي ومودتي

اخر الافلام

.. شاهد: المسيحيون الأرثوذوكس يحتفلون بـ-سبت النور- في روسيا


.. احتفال الكاتدرائية المرقسية بعيد القيامة المجيد | السبت 4




.. قداس عيد القيامة المجيد بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية برئا


.. نبض أوروبا: تساؤلات في ألمانيا بعد مظاهرة للمطالبة بالشريعة




.. البابا تواضروس الثاني : المسيح طلب المغفرة لمن آذوه