الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صورة أخرى للإنتحاريين المسلمين

عبد الستار نورعلي
شاعر وكاتب وناقد ومترجم

(Abdulsattar Noorali)

2005 / 7 / 16
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


بدأت الصورة السابقة المرسومة للإنتحاريين المسلمين تتغير في الغرب بعد الدراسات الكثيرة التي أخذت تبحث في الجذور والأصول التي جاؤوا منها والبيئة التي ترعرعوا فيها والشخصية الذاتية التي امتازوا بها وذلك في محاولة لفهم جذور الارهاب وأرضيته المولدة والاسباب الكامنة وراءه ووراء القنابل البشرية . أخذت الصورة الآن منحى آخر مخالفةً تماماً لما كانت عليه حيث تبين للباحثين الغربيين بأن الصورة السابقة عن هؤلاء بأنهم مجانين متعصبون متعطشون للإنتقام وذئاب مسعورة وانعزاليون وغير متعلمين لا تتفق مع الذي برز من خلال شخصياتهم الحقيقية في الواقع . فقد ظهر أنهم أناس عاديون اجتماعيون ذوو تعليم عال لهم أصدقاء وعلاقات عائلية مستقرة . ففي دراسة أخيرة نشرها الاستاذ المساعد سكوت آترن من جامعة ميشيغان في الولايات المتحدة الأمريكية تقول :

- تظهر الدراسات بأن الانتحاريين ليسوا بضعفاء غير قادرين ولا فقراء معدمين وليسوا بمجانين أو جبناء أو انعزاليين غير اجتماعيين .

الحقيقة أن هذه الصورة الجديدة التي برزت في دراسات الباحثين الغربيين عن الانتحاريين والارهابيين ليست بجديدة الا عليهم وعلى الصورة العامة التي في مخيلتهم التاريخية عن العرب والمسلمين عامة. وهي صورة مشوهة تعود الى تاريخ من الصراعات الماضية والاستعمار والاحساس بالتفوق العرقي والحضاري بالمقارنة مع التخلف السائد في العالمين العربي والاسلامي الذي يرتبط أساساً بتاريخ الغزوات الاجنبية والحملات الاستعمارية وآراء المستشرقين في تلك الفترات ، حيث كان يعم التخلف والجهل والتعصب هذين العالمين بفعل تلك الغزوات والحملات التي كان لها السبق الأول في نشر كل تلك الأمراض الحضارية والاجتماعية والسياسية . ثم استخدموها حجة في حملاتهم الاستعمارية اللاحقة وتوجيه الضربات العسكرية والتقليل من شأن هذه الأمم دون أن تمد لها يد الانتشال والمساعدة في التخلص من الحالة التي هي فيها ، بل بالعكس عملت على ترسيخها واستغلالها لتبرير حملاتها واحتلالاتها ، وبالأخص في تأكيد نظريتها في الصراع بين الحضارات والعمل ضمن هذه الرؤية . وكل ذلك خدمة غير معلنة لاستراتيجياتها البعيدة المدى من أجل مصالحها الرأسمالية في التوسع وتحويل هذه المجتمعات الى مجتمعات استهلاكية غير منتجة وأسواق لتسويق بضائعها ومنتجاتها وامتصاص ثرواتها وخيراتها ثم الوقوف في وجه تطلعاتها في التقدم الحضاري والعلمي والبشري .

إن الصورة الجديدة في دراساتهم ستدفعهم بالتأكيد الى تغيير الكثير من توجهاتهم وقناعاتهم ومخططاتهم والتفكير والعمل بصورة اخرى غير التي خططوا لها ويخططون من اجل مكافحة هذه الظاهرة التي تهدد دولهم ومجتمعاتهم من الداخل. وبالضرورة ستجعلهم يحاولون اعادة النظر في الكثير من القوانين الداخلية ، مثلما فعلت امريكا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر والتي حدت من حرية الفرد وحقوقه الانسانية بحيث أدت الى المس بالكثير من القوانين السائدة في دولهم الديمقراطية التي كانوا يفاخرون بها فحافظوا عليها طوال تاريخهم ودافعوا عنها وعملوا على نشرها في الدول غير الديمقراطية والديكتاتورية. وكان كل تلك التحولات موجهة بالدرجة الأولى الى مواطنيهم من العرب والمسلمين . و يحاولون اليوم في مختلف الدول الأوربية فعله بل تجاوزه الى اكثر من ذلك مثلما يحدث في ايطاليا ، وكأن أحداث السابع من تموز في لندن جاءت حجة في الانحراف عن القوانين وتحجيم الحريات والضغط على الأفراد. لقد كانت القوى اليمينية قبل الحاكمة في بعض هذه الدول تعمل جاهدة في هذا الاتجاه قبلاً وجاءت اللحظة التي تشجعهم على رفع أصواتهم عالياً في معاداة العرب والمسلمين ووصفهم بالإرهاب وكأن لسان حالهم يقول انظروا الم نقل لكم من قبل ونحذركم ؟!

إن الخوف الآساس في التغيرات القادمة غير المس بالحريات هو تحول في النظرة تجاه المتعلمين من العرب والمسلمين واعادة النظر في حق التعليم ومستوياته العالية والعمل في الوظائف العليا والمراكز والأعمال المهمة ومحاولة تحجيمها وحجبها واغلاق أبوابها في وجه مواطنيهم من العرب والمسلمين ، والنظر بالشبهة الى جميعهم دون استثناء متعلمهم قبل غير المتعلم طالما أن الأحداث أبرزت أن الانتحاريين في غالبيتهم العظمى هم من الشباب ذوي التعليم العالي والحياة الطبيعية اجتماعياً ووظيفياً . وهو ما يعيدنا الى ما عانيناه في بلداننا من التمييز والتفريق وتقسيم الناس الى درجات بحسب انتمائهم العرقي والمذهبي والديني في التعليم العالي والوظائف العليا ، وهي أمراض أخشى ما نخشاه أن تنتقل الى البلدان الديمقراطية بفعل العدوي التي نشرها أولئك الانتحاريون والارهابيون ومن يكمن وراءهم ويخطط لهم وذلك بأعمالهم وتصرفاتهم وقتلهم للمدنيين والأبرياء . وهذه الأعمال لن تمس غير أبناء جلدتهم ودينهم.

الخميس 2005.07.14








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إبراهيم عبد المجيد: لهذا السبب شكر بن غوريون تنظيم الإخوان ف


.. #جوردان_بارديلا يعلن عزمه حظر الإخوان المسلمين في حال وصوله




.. رأس السنة الهجرية.. دار الإفتاء تستطلع هلال المحرم لعام 1446


.. 162-An-Nisa




.. موجز أخبار الواحدة ظهرًا - رئيس الوزراء يهنئ الرئيس السيسي و