الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المسألة الجنسانية (5)

عبد الصمد فكري

2014 / 4 / 26
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


العمل الجنسي والقيود الاجتماعية :
إن موضوع العمل الجنسي بالمغرب، يشكل طابوا لا يحق الاستفسار فيه ومناقشته بصورة شاملة. ذلك كون الثقافة المغربية ومفهوم الجنس خارج مؤسسة الزواج يندرج ضمن قضية "الحشومة"، والذي لا يصح الحديث فيه والعمل على طرحه وتفسيره، بوصفه ظاهرة اجتماعية أساسية في تركيبة المجتمع المغربي العربي الإسلاموي.
فالمرآة المغربية عامة لافتقادها أبسط الحاجيات الضرورية تقوم بمزاولة العمل الجنسي بدافع الحاجة بشكل عام، لا على الجانب المعنوي (...) فنحن لم نتلقى دروسا جنسانية في المدرسة، وعند طرح الجنس بالمرحلة الابتدائية بمادة النشاط العلمي، يتناول المدرس الموضوع بتحفظ كبير، وفي أغلب الأحيان يلفت النظر عن الموضوع بأكمله، لأن التكتم في طرح الموضوع منذ الصغر، حتم على البيئة التنشئوية للأطفال أن تساير مسألة الجنس بوصفه من الأشياء التي يجب وضع قطيعة بينها وبين المعرفة العامية، فلا نقوم بطرح اشكالية الكيفية التي حتمت على العاملة الجنسية بالأساس إلى القيام بهذا العمل، بل نلقي بأحكام قيمية بتسميتها بالزانية؛ الباغية؛ العاهرة؛ الساقطة... التي تستحق الرجم وقطع رأسها وحرقها، لتكون عبرة أمام غيرها، لذلك تكونت صورة مقلوبة لدينا، لأننا أنصتنا للحكم ولم نتعايش مع الوضع.
كما أن المجتمع بقيمه وأعرافه، بَدل أن يقوم بمعالجة الظاهرة من مختلف زواياها المؤسساتية والحياتية، يترك الموضوع في أيدي المتخلفين والمتسلطين، الذين يحاولون معالجة الظاهرة من خلال التذكير بالروايات والنصوص المقدسة التي كانت قد عالجت الموضوع في سياق مختلف يعود إلى عهد قديم سابق، ويذكرونك بطرق التعامل مع العاملة الجنسية كالمعاقبة بالجلد، وكذا الرجم حتى الموت، كما هو موضح في رواية معنعنة بين الرسول محمد وامرأة كانت قد مارست الجنس بطريقة من الطرق، أتت لديه لكي يستغفر لها ربه، فطلب منها المغادرة حتى موعد ولادتها، وبعد الولادة عادت المرأة طلبا للمغفرة من جديد، فرد عليها بالتريث إلى حين الانتهاء من فترة الرضاعة (سنتين) ثم بعد ذلك عادت لتنال جزاءها وهو الرجم حتى الموت، لكي يكون هذا العقاب بمثابة استغفار وخروج عن الخطيئة المرتكبة، دون أن نتساءل عن العوامل التي جعلتها تقوم بهذا السلوك.
فأين مفهوم العمل الجنسي من الوقائع التاريخية الاسلامية من العصر الآني بالمغرب؟ فكل شيء تغير، وتحول المجتمع وديناميكيته تتواكب من حين لأخر عبر صيرورة زمنية مستمرة، والجنسانية أصبحت أكثر تنظيما وبمثابة قطاع خدماتي مهيكل، يخدم مختلف المصالح التدبيرية للشؤون الاقتصادية للأنظمة، وبدونه لما وصلت هذه القطاعات الكبرى لما هي عليه الآن (...).
فقد أصبح المجتمع أكثر كبتا مما كان عليه سابقا (...)، الأغلبية الساحقة من أفراده تود ممارسة الجنس. صحيح أن هذه المسألة الغير منظمة أو معقلنة في غالب الأحيان نظرا لحيوانية الإنسان ساهمت في تفشي أمراض خطيرة ومزمنة كالايدز المنتقل جنسيا. لكن كيف أمكن الحديث عن مجتمع يرغب أفراده في ممارسة الجنس وثقافة تحارب الظاهرة بشكل من الأشكال الاعتباطية وعلى الفرد أن يعفف نفسه بطريقة من الطرق (الزواج أو الصوم)، أو بالأحرى مقاومة النفس الشهوانية وكبتها إلا ما لا نهاية ودخول في حرب نفسية قهرية؟
إن الانسان ككائن بيولوجي يدخل في علاقات جنسانية مع قرينه من نفس الجنس، مثله مثل الحيوانات والطيور والأسماك والحشرات على سطح الأرض، وبوصف العلاقة الجنسية بالمسألة الطبيعية والحتمية، من أجل تفريغ الشحنات المكبوتة، لكن الانسان يعيش تحت قواعد وقوانين دينية ونظامية، تسيطر عليه وتحكمه وتقوده نحو أحكام معينة، وهذا السبب الرئيسي في تفشي ظاهرة العمل الجنسي بمختلف المجتمعات، فالدول الرأسمالية أمثال الولايات المتحدة الأمريكية، تسمح بوضع مناطق سكنية خاصة بمزاولة العمل الجنسي بشوارع معينة، تستقطب الزبائن من مختلف الشرائح الاجتماعية الراغبين في ممارسة الجنس، كمسألة عادية وقانونية لا أحد يعرقلها بوصفها حاجة اجتماعية ضرورية الاخضاع، تستدعي من المجتمع الامتثال لمتطلبات أفراده.
أما في المجتمعات التي توصف بالمتحفظة، فالعمل الجنسي يبقى مجرد صورة سطحية دخيلة على المجتمع، يستلزم الأمر التصدي له ومحاربته كصورة نقيدة لنفسها، تريك الجانب الجميل لتقتنع بخلفيتها، وصورة آخري ماكرة، أو لنقل توازي بين الصورتين عن طريق الامتثال لشريحة اجتماعية مناهضة لهذا العمل، و محاربة العلاقات الجنسية بشتى الطرق، وكذا عن طريق الشروع في وضع معايير معقلنة، تُدخل الممارسات الجنسية في جوانب معينة من أجل استقطاب الزبائن الراغبين في ممارسة الجنس، في أماكن خاصة غير مسموح للعامة بولوجها، مثل الفنادق الكبيرة والحفلات الراقية، للحفاظ على التوازن الداخلي للمجتمع (سياحة جنسية).
إن العاملة الجنسية في صريح العبارة هي ذاك الجسد الأنثوي المشرق، فجسدها يشكل عالما من المتعة الترفيهية، فهي مرغوبة من طرف الرجل، الذي لا ينظر إلا ذكائها ومستوى فكرها أو أي صورة متعلقة بشخصيتها، فهي في نظر الزبون المتعطش للجنس: أكلة جاهزة، وطاقة جنسانية مشحونة ولدها المجتمع، جعلت من الراغب في الجنس إلى خلق جو مناسب لنفسه يعبر به عن آلمه، لتصل به الدرجة إلى طرح مصطلحات تولدت من مجموعة تراكمات اجتماعية جعلت منه فردا متعصبا: نْوَعْتك؛ ناكْلك؛ نْطحنك؛ نْفرقعك... (اللهجة المغربية أصبحت مشفرة بالجنس).
انطلاقا من كل هذه الملاحظات النقدية التي استعرضتها في تحليل ظاهرة العمل الجنسي بالمغرب وخصوصا تلك الفئات المعوزة من المجتمع، التي لا تجد أمامها أي عمل بسيط بمقدوره توفير مبالغ مناسبة لظروفهم المعيشية:
يتضح جليا أن وسائل تعامل المجتمع المغربي مع "بائعات الهوى" كركيزة أساسية تساهم في الرفع من المستوى الاقتصادي للبلاد، وباعتباره قطاع غير مهيكل بشكل من الأشكال، نظرا للحفاظ على البنية الاجتماعية. كما يعتبرهن حرات في اختيارهن هذا، ومسئولات رئيسيات عن تفشي الظاهرة وتضخمها، وسياق وجودها، عندئذ أمكننا القول أن موضوع العمل الجنسي يعبر عن دولة قائمة لا تتأسس شرعيتها على اختيار أفرادها وصنع قراراتهم، بل تتأسس على الفرد دون المؤسسة.
كما أنه لا يمكن عقلانيا اتهام العاملة الجنسية بالشذوذ الجنسي، إن المجتمع هو الذي ينتج العمال الجنسيين، فمن خلال دراستي للظاهرة "العمل الجنس"، اتضح بشكل جلي أنها تقوم بعملها وهي تحت تأثير الحاجة، ليس لكونها تحب الجماع مع العديد من الرجال، وتتخذ البغاء بمفهومه القدحي قصد التشبث إلى ما يعرف بالوصول إلى درجة organisme أو الشهوة الجنسية المرتفعة، فهي لا تستطيع أن تستجيب لكل رغبات الزبائن المتعددة والمتنوعة والشاذة، بفضل ذلك تُغيِّر وعيها بتناول مخدر معين في بعض الأحيان، وتتغلب على مبادئها وتربيتها التقليدية، لتصبح قادرة على ممارسة كل شيء وتقبُّل أي شيء، من أجل أجر.. من أجل العيش.. وبعيدا عن تسلط المتخلفين.
ومن ثم، يمكن الاستنتاج أن الشذوذ لا يوجد في سلوك العاملة الجنسية بقدر ما يوجد في رغبات الزبون، كل هذا يؤكد أن العاملة الجنسية إنسانة سوية بشكل عام، وأنها لا تمارس الجنس بالنظر إلى قوة جنسانيتها، ولأن ممارستها الكثيرة للجنس مع زبائن مختلفين ومتعددين تنتج بالأساس عن حاجياتها الاقتصادية، كما تؤدي الممارسة الكثيرة للجنس دون رغبة ودون متعة إلى البرود الجنسي لديها.
إن المرأة العربية عموما والمرأة المسلمة خصوصا تحارب من أجل البقاء، كما لو أنها حيوان قريب من الانقراض، فبمجرد خروجها للشارع العام كإنسانة، يبدأ القيل والقال (...)، لأنها ليست ملكا لنفسها، فهي قوية بجسدها الذي يشكل كينونتها ورأسمالها في الوجود، به تكسب هويتها وعن طريقه يتم تقييمها، توظفه كلما استوجب الحال منها ذلك، كما لو أنها بضاعة للبيع والشراء، ليس لكونها إنسانة حرة تفعل بجسدها وتتحكم فيه كيفما تشاء كالرجل، بل هي هدف وفرصة سانحة لتفريغ الألفاظ والتحرش... فأينها من التهميش والإقصاء الإنساني ومنه الاجتماعي؟ فمنذ لحظة ولادتها وهي مهمشة تبحث عن فرض ذاتها عبر التعلم والاحتكاك مع المجتمع الباطريكي. وبعد عزوفها عن المدرسة بسبب من الأسباب، تتضاءل فرص الإحساس بالهوية الذاتية لحريتها، حيث لا منفذ لها من العمل لمساعدة أسرتها الفقيرة (كعاملة جنسية).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مظاهرة ترفع شعار -الخلافة هي الحل- تثير مخاوف عرب ومسلمين في


.. جامعة كولومبيا: عبر النوافذ والأبواب الخلفية.. شرطة نيوريورك




.. تصريحات لإرضاء المتطرفين في الحكومة للبقاء في السلطة؟.. ماذا


.. هل أصبح نتنياهو عبئا على واشنطن؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. طبيبة أردنية أشرفت على مئات عمليات الولادة في غزة خلال الحرب