الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ساحرات ماكبث و وعود الطمأنة في مصر

شوكت جميل

2014 / 4 / 27
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


كانت ساحرات ماكبث_في رائعة وليم شكسبير الشهيرة_يدفعن بالملك ماكبث،نحو حافة هاويته،و نهايته المشئومة،و هو مأخوذٌ و مصدقٌ لأحاديثهن،التي يحمل باطنها غير ما يكشف ظاهرها،إذْ كن يؤكدن له كل التأكيد،و يعدنه كل الوعد،فيما نسميه بلغة اليوم السياسية"رسائل طمأنة":أن لا سبيلاً لأن تطوله هزيمةٌ إلا إذا رأى غابة"بريم"تزحف نحو قلعته،و أنه ليس لمولودٍ من امرأة أن يلحق به أذى أو يحدث به جرحاً.

إذن فهزيمته باتت أمراً مستحيلاً أو كادت أن تكون؛فمضى الرجل هانئ البال،قرير العينين،سعيداً غاية السعادة بما سمع،سادراً في غفلته،و ما هي إلا أيام معدودات،فإذا غابتهن تلك،لم تكن أكثر من الأغصان بأيدي الجنود،تخفي الجيش الزاحف إليه،حاملاً موته،و لم يكن هذا الذي ليس بمولود امرأةٍ إلا رجلاً مثلنا،انتزعه مشرط الجراح من رحم أمه و هي تقضى.

و تدحرجت رأس ماكبث على الأرض ثمناً لغفلته،و تصديقه الوعود بلا فحص أو روية،أو قل،إن شئت الدقة، ثمناً لاختلاف المفاهيم بينه و بينهن،و هن يدسسنها إليه،و يقصدنها قصداً، و كان الأجدر به أن يزن الأمور بعقله بعيداً عن الوعود،و أن يدرك واقعه الموضوعي،فإن أمعن قليلاً في آثار الركب لعلم منتهى سيرته...

و رب قائلٍ:ما لنا و حديث الساحرات الآن؟...في الحقيقة،أظن كل الظن،أن ما يحدث الآن في مصر،لهو الآمر بعينه!..و نحن إزاء مرشحين للرئاسة_حتى تاريخه_، لم تزد أحاديثهما و وعودهما على ألفاظٍ عن الدولة المدنية،و الحرية الدينية،و حرية الرأي،و الانحياز للطبقة الكادحة،و العدالة الاجتماعية..إلى آخره من المفاهيم التي اجترتها الألسن،و أسرفت فيها إسرافاً كبيراً،حتى ملتها أسماعنا أشد ما يكون الملل، بيد أننا ننظر إلى حالهما،فنرى الأمر نقيض ما يزعمان.

أما أولهما فصاحب مشروع قومي عروبي،و لما كان هذا المشروع قد فقد بريقه ورواجه، و لم يعد الظرف التاريخي،و لا القطبية العالمية تسمح به كما كانت،هذا مع بقاء الأعداء الطبيعيين لهذا المشروع على عداوتهم،من أنظمة عربية رجعية،جمهورية كانت أم ملكية،فألحد ذلك بصاحب هذا المشروع لأن يستجدي اليمين الديني كداعمٍ له،فطفق يمدح الفاشية الدينية حيناً،و يتمسح بالمنظمة الإرهابية التي أزاحتها ثورة 30 يونيو حيناً،و يتخبط أكثر الوقت،ثم يأمل من "الشعب الماكبثي" أن يصدقه حديثه عن الدولة المدنية!

أما ثانيهما،فلئن كان له الباع الأطول في 30 يونيو،فلم يعلن لنا صراحة رفضه للمشروع الديني جذرياً،و لمّا رماه البعض بأنه لا يمانع حكم الإخوان الديني من حيث هو ديني،إنما كان خلافه على تطبيقه الذي أوشك أن يفضي بالبلاد إلى كارثة محققة،لزم الصمت و حار جواباً،و الصمت في مصر يؤخذ كعلامة"على الرضا"!،كما أرى علاماتٍ لا تخطئها عين و ميلاً إلى البديل السلفي و احتفاءً به،أ لعله بديلاً عن سلفه الإخواني؟!

و لا أملك أن أشكر كليهما على رسائل الطمأنة،و تلك الوعود،و نقول: حسناً ما فعلتما،و لكن هذا لا يكفي،فأمور الدول لا تقوم على الكلمات و الوعود،و لست أسيء الظن بأحد،و لكننا كشعب لن نركن إلى هيوليات الساحرات و الوعود و الأقسام،و إن كنت أتكلم عن نفسي،فأحسب أنني أيضاً أمثل طائفة كبيرة من غمار المصريين،و إليكما ما يجب فعله:

أولا:إعلان رسمي مكتوب من المرشحين،لا لبس فيه و لا غموض،يتعهد فيه أمام الشعب،بنبذ الدين السياسي بكل طوائفه و أطيافه،وفي صورة وثيقة مكتوبة،تفقده الشرعية في حال ثبوت وجود تفاهمات مع تيارات اليمين الديني،و ليس ثمة بدعة في هذه الوثيقة،إذ أنها تتمشى مع الدستور الذي يحظر التعاطي السياسي أو الحزبي على أساس ديني.

ثانيا:أن يتقدم كلا المرشحين،برؤيته و مشروعه لترميم ملامح الشخصية المصرية،التي تآكلت و جرفت على مدي عقود،عن الطريق الرجعية الدينية،المجلوبة من دول النفط،و وضع الخطوط العريضة لعودة مصر الحضارة و الحرية،فمواد الدستور المكتوبة لا تكفي،و حان الوقت لوضعها في خطط تنفيذية،هذا إذا رغبنا ألا تصحو مصر ذات صباح مفزوعة من مرآتها و هي تكاد لا تستبين ملامحها و تنكرها.

ثالثا:تقديم رؤية تفصيلية،لتحقيق العدالة الاجتماعية،و توضيح السياسة الاقتصادية التي سيتبعها المرشح.

إذا لم يقم المرشحان،أو أحدهما بتقديم ما سبق،فسأقاطع _كمواطن مصري_الانتخابات، و أدعوا المصريين،و ضميري غير متحرج،إلى المقاطعة،فلسنا شعباً من المكابثة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - استخارة لأجل مصر
عدلي جندي ( 2014 / 4 / 27 - 10:58 )
أستاذ شوكت لقد استخار كلاهما فهل تشك في نواياهم من ناحية وجهة نظرهم خلط الدين بالسياسة
ثانيا العزوف عن المشاركة لن يغير في مسار القطيع لانه محسوم لصالح امرشح بذاته
ثالثا العيب ليس فيمن يستخير بالله ولكن في القطيع الذي يمنح ثقته لمن يحل مشاكل الوطن بطريق صلوات استخارة
اعتقد ان مقاطعة الانتخاب يصب في مصلحة جماعة الريس العبيط
ولكن لا يمنع ان كل وطني شريف عليه فضح ومعارضة أسلوب المرشح الذي يحل مشاكل الوطن باللعب علي عاطفة البشر
تحية لك


2 - الأستاذ/عدلي جندي
شوكت جميل ( 2014 / 4 / 27 - 18:53 )
تحية طيبة
نعم..الإستخارة و مرحى بها من إستخارة!،و قد قرأت مقالتك عنها و لربما كانت الدافع لكتابة هذه السطور.
لم يتعظوا بعد،و يتبعون سيرة مبارك،إما نحن -بلا ضمانات و مكتسبات-و إما الأخوان،و يرجفون الشعب و كأنهم لا يعلمون أين مبارك الآن.
برغم كل عيوبنا،أظن أنه ليس من الفطنة الإستهانة بالشعب المصري،و إذا تحرك حركته الثالثة،فسوف يكون الثمن باهضا جدا على الجميع،و الوزر لن يكون على الشعب،بل على أولئك الذين لم ينتبهوا أن الشعب المصري تغيير،و تغيير كثيرا
ممنون لمرورك الكريم،تحياتي


3 - ساحرات ماكبث!
نضال الربضي ( 2014 / 4 / 28 - 08:06 )
لك أسلوب ٌ ساحر يا أستاذ شوكت، و مقاربتك بين الحدثين الخيالي الماضي و القادم الحقيقي من باب -اختلاف المفاهيم- بين الداعي و المتلقي هو ذكاء ٌ يعبر عن فهم صحيح للواقع.

نعم ما زال المصري للأسف لم يفهم اللعبة َ بعد و ربما أن ما جُبل عليه من بساطة لا تتنافى مع ذكائه الحاد تجعله يصدق الوعود التي تُخبر عما يتوق إليه من عدالة و حياة كريمة.

لكني أعجز ُ عن فهم ِ نقطة ٍ جوهرية و هي غياب المفكرين العظماء و رجال الفكر و الاقتصاد عن الترشح للرئاسة، و إني في أشد الإستغراب ألا تترشح إمرأة، أو قبطي، حتى لو كانت النتيجة ُ هي الفشل الذريع، فليس المهم هو الفوز بقدر ما هو إظهار انتفاضة الحياة التي أقامت الأمل في القلوب لبناء نهضة حقيقة و التي سيعكسها ترشح أطياف المجتمع كاملة ً.

أتمنى كل الخير لمصر و لكل أبنائها، فهي و هم يستحقون الأفضل.

دمت بود.


4 - أستاذ شوكت
ضرغام ( 2014 / 4 / 28 - 22:48 )
أستاذ شوكت
أوافقك تماما في كل النقاط الجوهريه التي لمستها في مقالك....اغلبيه الشعب المصري بيأكل سطل دينيه أو حشيش ديني (وما ادراك ماهو الحشيش الديني أنه ينزل بمستوي عقل من يأكله ألي مادون عقول أكلي الحشيش الأخضر...وبالاماره السيد عمرو جاموسه نجح في تمرير الدستور الجديد ب***حكونتهة مدنيه***) أو أفيون ديني ماركه أفغانستان

وبعدين تخطيط أيه وبرنامج انتخابي أيه اللي الدول المحترمه ماشيه عليه...التخطيط الوحيد اللي احنا بنفهم فيه هو تخطيط الحمير حتي تصبح حمير وحشيه ترفس كل من لا يعتنق عقيده الاسفاف (أستخرجها الرئيس الموئمن من عقيده الأسلام) أقصد السادات طبعا

http://www.youtube.com/watch?v=Bk_hmX_eoCc


5 - الساده اداره الحوار: تعليقي 4 أعلاه غير مخالف
ضرغام ( 2014 / 4 / 28 - 23:32 )
الساده اداره الحوار: تعليقي 4 أعلاه غير مخالف بالمره
الساده اداره الحوار: أرجو التعفف عن حجب تعليقاتي الغير مخالفه للقواعد
واقصد تعليقي رقم 4 أعلاه تحديدا. وشكرا


6 - أستاذ شوكت
ضرغام ( 2014 / 4 / 28 - 23:33 )
أستاذ شوكت
أوافقك تماما في كل النقاط الجوهريه التي لمستها في مقالك....اغلبيه الشعب المصري بيأكل سطل دينيه أو حشيش ديني (وما ادراك ماهو الحشيش الديني أنه ينزل بمستوي عقل من يأكله ألي مادون عقول أكلي الحشيش الأخضر...وبالاماره السيد عمرو جاموسه نجح في تمرير الدستور الجديد ب***حكونتهة مدنيه***) أو أفيون ديني ماركه أفغانستان
وبعدين تخطيط أيه وبرنامج انتخابي أيه اللي الدول المحترمه ماشيه عليه...التخطيط الوحيد اللي احنا بنفهم فيه هو تخطيط الحمير حتي تصبح حمير وحشيه ترفس كل من لا يعتنق عقيده الاسفاف (أستخرجها الرئيس الموئمن من عقيده الأسلام) أقصد السادات طبعا
http://www.youtube.com/watch?v=Bk_hmX_eoCc


7 - الأستاذ/نضال الربضي
شوكت جميل ( 2014 / 4 / 29 - 18:25 )
ممنون لمرورك الكريم
أما غياب المفكرين و رجال الفكر عن الترشح،فربما مرده لكون الفكر شيئا،و السياسة و دهاليزها و القدرة على مناوراتها شيئا آخر،و قلما تجد من جمع بينهما.
أما غياب رجال الإقتصاد و الحنكة السياسية فلأن الشعب ما زال يستهويه فكرة المخلص الزعيم الفوقي،كلي القدرة كلي الفهم،ثم هم شاهدوا بأعينهم تساقط أمثال هذه الرموز
أما ترشح إمرأة،فقد علمت أن هناك إعلامية تنتوي هذا،و ليتها تفعل.
أما ترشح مصري مسيحي،فهذا هو الأمر الطبيعي،و لو كان فشله مؤكدا كما تفضلت،و لكن سياسة -التجفيف من المنبع-لم تجعل من أحدهم شخصا مبرزا سياسيا،و أحسب أنه الخوف من السخرية،و عدم أخذه بجدية حتى من أقباط مصر أنفسهم!

أرق تحياتي


8 - الأستاذ/ضرغام
شوكت جميل ( 2014 / 4 / 29 - 18:34 )
ممنون لمرورك الكريم
ها قد أعادوا تعليقك مرتين!،قد رجعت للرابط ،سيادتكم،و أضحكني ضحك السنين،يبدو أن السحر قد أرتد إلى الساحر،و على العموم لا نملك سوى التعاطف معه،فقد لبس ما زرع،و أكل ما صنع،غاية العدل،أ ليس كذلك؟
أرق تحياتي


9 - الأستاذ/أفنان القاسم
شوكت جميل ( 2014 / 5 / 1 - 23:54 )
تحية طيبة
معذرة،أكاد لا أنتبه إلى تعليقات الفبسبوك،فلست من الكلفين يه،و منون لمرورك الكريم و مداخلتك،و على الاقل فقد انتبهت الى تعليقك،حنى و لو كان متاخرا.مرحبا بك دائما
تحياتي،

اخر الافلام

.. مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية من قوات الاحتلال


.. لايوجد دين بلا أساطير




.. تفاصيل أكثر حول أعمال العنف التي اتسمت بالطائفية في قرية الف


.. سوناك يطالب بحماية الطلاب اليهود من الاحتجاجات المؤيدة للفلس




.. مستوطنون يقتحمون بلدة كفل حارس شمال سلفيت بالضفة الغربية