الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هكذا نحن..هكذا هم

الطيب طهوري

2014 / 4 / 27
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


1-عام 2009 استضافني الصديق الأديب الشاعر والروائي عبد الرزاق بوكبة لفضاء الشعر في ضيافة المسرح في إطار المهرجان الوطني للمسرح المحترف..كانت إقامتي والضيوف الذين تمت دعوتهم معي في فندق السفير ..حللنا بالفندق مساء.. بعد حجز غرفنا توجهت والزميل الذي حجز معي في نفس الغرفة إلى مقهى الفندق ..جلسنا..طلبنا من النادل بعض المشروبات ورحنا نتامل ما حولنا..أشار زميلي إلى فتاة من ضمن مجموعة فتيات كن يجلسن بالقرب منا..جاءت الفتاة باشة مسرعة..كانت جميلة فوق التصور..احتضننا وجهها بياضه الناصع ..ورحل بنا بعيدا بعيدا سواد شعرها اللامع ..سألها زميلي: بكم الرقدة معك؟..6000دج ،أجابت بالفرنسية..لم يسألها إن كانت الـ 6000 دج للرة قدةالواحدة ام لليلة الواحدة..رأينا أيضا بعض الذين تبدو عليهم النعمة يدخلون..ياخذ كل واحد منهم من راقت له منهن و.. نزلنا إلى بهو الاستقبال..كانت الساعة قد تجاوزت الرابعة..جلسنا نتامل أيضا..كان الجزائريون يدخلون فرادى او مثنى أوثلاث أو أكثر.. يجلسون..يحكون..القيل والقال..و..يتصايحون..دخلت إلى البهو أيضا مجموعة من الجنس الأصفر..كانوا جميعا يحملون حواسيب..كل واحد اخذ له مكانا في البهو..فتح كل واحد حاسوبه..البعض كما يبدو كانوا يدرسون مشاريعهم..يعيدون النظر في بعض تفاصيلها او يضيفون او ينقصون..البعض الاخر كان يسبح في عالم النات..والبعض الثالث كان يطالع كتبا ما..لم نسمع منهم صياحا..لم نسمعهم يندمجون في عالم القيل والقال..لم..لم..كانوا عالما ..وكنا نحن الجزاءريين عالما آخر..كانوا يقراون ..يفكرون..يدرسون..وكنا نثرثر..كان الوقت عندهم ثمينا..وكنا نضيعه..كانو جديين..وكنا لا مبالين..كانوا ...وكنا....ما اتعسنا..
هكذا هم..هكذا نحن
2-صديق لي زار فرنسا منذ سنوات ، حكى لي:
نهضت صباحا ..خرجت من الفندق، كانت الساعة تشير إلى الرابعة صباحا..الطرق شبه خالية من السيارات..الشوارع شبه خالية من المارة أيضا..في مفترق الطرق رأيت عجوزا تقف متوكئة بعصاها..لم تضأ إشارة مرور الراجلين..لم تكن هناك سيارات بالمرة.. تحركت لأعبر الطريق..فاجأتني العصا تلامس صدري..التفت إلى العجوز..كانت تشير بأصبعها إلى الإشارة...
خجلت من نفسي او من العجوز..لا ادري ، قال..و..توقفت..وحين أضاءت إشارة مرور العابرين عبرت..
هكذا هم..وهكذا نحن..
3-صديق آخر يحضِّر الدكتوراه في روسيا، حكى لي ، قال:
كنت وصديقي الروسي في سيارته..توقف بسيارته في مفترق الطرق حيث كانت إشارة قف..لم تكن هناك سيارات بالمرة..لم تكن هناك شرطة..ألححت عليه بالتحرك مادامت الطرق كلها تخلو من السيارات..تحرك ولم تضئ إشارة مرور السيارات بعد.. بعد دقائق من سيرنا عاد إلى نفس المكان..أوقف سيارته..كنت متعجبا ومغتاظا قال صديقي..لم يتحرك بسيارته حتى اضاءت إشارة مرور السيارات...
هكذا هم...هكذا نحن..
4-قريب لي يقيم في فرنسا، حكى لي :
بنيت منزلا في فرنسا ، نسي البناء جزءا صغيرا من حديده ( البِناء ) لم يغطه بالإسمنت..مرت في إحدى المرات دورية تقنية تتفقد ظاهر البناءات فرأت ذلك الجزء غير المغطى..
قال: استدعتني الفرقة وطلبت مني رقم هاتف البناء..بعد قليل من الوقت كان البناء يغطي ذلك الجزء..
قريبي هذا بنى منزلا آخر هنا في الجزائر..في الحي الذي أقيم فيه..جعل قاعدة شرفة المنزل بين خيوط كهرباء أعمدة إنارة الشارع العمومية ..أدخل الخيوط في أنابيب بلاستيكية وأبعدها قليلا عن الشرفة بألواح خشبية..اشتكى المواطنون للبلدية ولشركة الكهرباء والغاز ( سونلغاز) حالة الخطر التي هم معرضون لها ، دون جدوى..
لم تتحرك البلدية..لم تفعل سونلغاز شيئا..كانت الرشوة كافية لإسكات الإثنتين..
لا أنسى.. يستحوذ قريبي على أكثر من 1500متر مربع..ويستأجر منزله لخمس عائلات ومرئبين لإثنين من مصلحي السيارات..
قريبي حج وأدى عمرة..ويفكر في الثانية..
هكذا هم..هكذا نحن
5- مفكر مصري زار اليابان ، قال:
شاهدت عامل تنظيف عمارات..كان وحده..لا احد يراقبه..تأملته جيدا..كان يعمل بكل همة ونشاط..ذهبت وعدت فوجدته على نفس الحال..
عدت إلى مصر، قال: دخلت حديقة عمومية..كان عامل النظافة فيها يتظاهر بجده في العمل حين يرى مسؤوله أمامه..ما إن يختفي المسؤول حتى يتوقف عن العمل..تاملته طويلا..كان يعمل قليلا ..و..يتوقف..يأتي المسؤول فيعمل بكل جدية..يذهب المسؤول فـ..يتراخى..وقد يجلس تحت ظل شجرة ما..وقد ينام إن تأكد أن المسؤول لن يعود..
هكذا نحن..هكذا هم
6-
مسلم اليوم، وربما مسلم الأمس أيضا ،يتميز بتبني فكرة يسميها بعض المفكرين بفكرة (الخلاص الذاتي)..
في علاقته بدنياه ،يعمل كل شيء من أجل النأي بنفسه عن الفقر او الخروج منه إن كان فقيرا، يسرق ، يرتشي، يتعامل مع منصبه كغنيمة ليخدم به مصالحه ، يزوِّر، يغش، يستعمل الواسطة .. إلخ.. إلخ..ويصوم يوم عاشوراء ليغفر له الله ذنوب السنة السابقة..
في علاقته بآخرته ، يمارس التدين بشكل مفرط، يصلي كثيرا ، يصوم كثيرا، يعمل المستحيل ليعتمر او يحج، يقرأ القرآن كثيرا، يسبح كثيرا..إلخ..إلخ..ليدخل الجنة..
لا يخطر في باله أن الحسنات ، وربما الحقيقية، يمكن أن يحصل عليها بعمله الصالح، بتنظيف ساحة منزله مثلا..بدعوته جيرانه إلى القيام بحملة نظافة لحيهم..بقراءة كتاب ما..بدعوة الآخرين إلى قراءته..بتعويد نفسه على عدم رمي أشيائه او بقايا أكله او كيس بلاستيكي لم يعد يحتاج إليه، أو زجاجة ماء أو عصير أنهى شرب ما فيها حيث صادف وجوده، لا في سلة المهملات ،و يحترم ممر الراجلين عند عبور طريق ما..إلخ..إلخ.. الآخرون في العالم الآخر ( لا أقصد الآخرة) يفعلون ما لا يخطر من كل ذلك في بال الواحد منا..
هكذا هم..هكذا نحن
7- ومع ذلك ندعي أن الغرب مادي..وأننا نحن من يمثل الجانب الروحي في الحياة..رغم أن الواقع يقول بأننا نحن مسلمي اليوم من نفتقد الجانب الروحي في حياتنا..انظر إلى ممارساتنا اليومية..انظر إلى محيطنا..انظر إلى علاقتنا بالنظام والقانون..إننا نعيش الفوضى في كل شيء..يعمنا اليأس ويدفع بنا إلى التدين الشكلاني المفرط الذي يعكس عمق عجزنا في هذا الحاضر..عمق يأسنا من إمكانية ان نكون فاعلين فيه..علاقتنا بأعمالنا تتحكم فيها اللامبالاة..الغش في كل شيء ديدننا..الرشوة والواسطات سبيلنا في الحياة..نعتمد في كل حاجاتنا على ما ينتجه هذا الغرب الذي ننتقده صباحا مساء ويدعو عليه أئمتنا ودعاتنا بالشر في كل حين..إبداعنا في الحضيض..فكرنا أشد حضيضية..لا نهتم بالكِتاب..نحارب المفكرين منا..نكفرهم ونحرض عليهم العامة فندفع بهم إلى الصمت أو اختيار المنفى..لا مسارح عندنا..حدائقنا موروثة في معظمها من مرحلة الاستعمار الغربي في بلادنا ، ولا نهتم حتى بها..
أين هي الروح يا ترى ؟..لا شيء ..لا شيء..وحده الكسل يتحكم فينا..واليأس يحاصرنا.. والأمل صار بعيدا .. بعيدا عنا...
ما أتعسنا..ما أتعسنا..
8- أخير، وليس آخرا...لماذا هم كذلك؟..لماذا نحن هكذا؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - السبب الوحيد
نور الحرية ( 2014 / 4 / 28 - 11:33 )
الاجابة وبكل بساطة انهم تخلوا عمليا ونظريا عن اقوى عفيون ومخدر شهدته البشرية في تاريخها الا وهو الدين ولكنهم جعلوا الدين مؤنسا لهم فقط اي كرنفاليا ان صح التعبير وباشروا حياتهم بما يمليه عليهم العقل والعلم. اخيرا كلي اعجاب لما تكتبه استاذ طهوري لصدق ما تكتبه وما لا تكتبه اي بين السطور


2 - هو ما قلته يانور
الطيب طهوري ( 2014 / 4 / 28 - 18:10 )
شكرا جزيلا لكِ او لكَ نور الحرية..
كلما ازداد تدين المجتمع كلما ازداد تخلفه وانحطاطه..في سبعينيات القرن الماضي كانت الحانات مفتوحة في الجزائر..المطاعم في مختلف المدن مفتوحة في رمضان..الكثير من الناس لا يصلون ولا يصومون..وكان التدين عموما بسيطا..لا احد يسألك لماذا لا تصلي أو لا تصوم..الناس كانوا يؤدون أعمالهم على اكمل وجه..الصدق في العلاقات بين الناس..الاحترام متبادل..المحبة ..الشعور بالمسؤولية تجاه المجتمع..إلخ..إلخ..في ثمانينيات ذلك القرن فتح النظام الجزائري المجال للقوى الأصولية كيما تنتشر في المجتمع أكثر..استقدم الكثير من رجال الدين المشارقة كالبوطي والغزالي والقرضاوي..وبدات موجة التدين تنتشر في المجتمع انتشار النار في الهشيم..وكلما انتشرت أكثر كانت القيم الإيجابية تختفي تدريجيا لتحل محلها مجموعة القيم السلبية التي يتميز بها مجتمعنا اليوم.....تحياتي

اخر الافلام

.. مشروع علم وتاريخ الحضارات للدكتور خزعل الماجدي : حوار معه كم


.. مبارك شعبى مصر.. بطريرك الأقباط الكاثوليك يترأس قداس عيد دخو




.. 70-Ali-Imran


.. 71-Ali-Imran




.. 72-Ali-Imran