الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا يصر العرب على البقاء في الماضي؟.. لماذا يلازمون باب السماء؟

الطيب طهوري

2014 / 4 / 29
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


ينظر العربي إلى الماضي ، ماضيه، على أنه جنته المفقودة التي يجب أن يعمل على استعادتها في حاضره، وعلى أنه أمله الذي لا يكف عن التعلق به، وهو أيضا العصا التي يتوكأ عليها لمواجهة رياح الحاضر التي تهب عليه من كل الجهات محاولة اقتلاعه من جذوره ، كما يعتقد..
والسؤال الذي يفرض نفسه من منطلق كل ذلك: لماذا هوكذلك؟..لماذا يصر على البقاء فكريا ونفسيا في ذلك الماضي ، فيما هو يستعمل منتجات الحاضر المادية إلى أقصى الحدود؟..بل ويتنافس الناس في مجتمعه على اقتنائها بكل السبل؟..
الإجابة عن هذا السؤال متعددة الأوجه..هناك إجابة عالم النفس .. هناك إجابة عالم الاجتماع..إجابة السياسي..إجابة رجل الدين..إجابة الأديب...الفيلسوف...إلخ..إلخ..
في تصوري يمكن حصر الإجابة في النقاط التالية:
1- ثقافة الخوف: يعيش الفرد العربي خوفا مزمنا من المجهول..من مستقبله على مستقبله..يفضل دائما بقاء الأوضاع على حالها ..لا يؤمن بإمكانية التغيير الإيجابي..يعيش اليأس الذي يكاد يكون مطلقا..يعبر عن ذلك بالمثل الشائع عندنا في الجزائر: ياكل القوت ويستنى ( ينتظر) الموت ..إذا أتيحت له الفرصة ليغير من يسير شؤونه العامة يختار المسير الراهن.. بل يفضل ان يختار له المسير الراهن..والمسير الراهن لا يختار إلا نفسه..وإذا بدا له أن هناك قوة ما في مجتمعه أقوى من قوة ذلك المسيِّر الراهن اختارها دون تردد ودون تفكير في ماذا ستفعله..حدث هذا في جزائر التسعينيات حين اختار الناس حزب الفيس الأصولي المتطرف..حدث أيضا في مصر حين اختار الناس حزب جماعة الإخوان المسلمين..اختيارهم ذاك تم على أساس شعورهم بقوة هذين الحزبين ،من جهة ، وعلى أساس ادعائهما ( الحزبين ) النطق باسم الدين والعمل على استعادة ماضي الأسلاف ،من جهة أخرى..
ثقافة الخوف هذه لم تأت من العدم..إنها نتاج عوامل عديدة ، أبرزها ما يمارسه رجال الدين من تخويف متواصل يتراكم باستمرار في نفوس الناس، أقصد التخويف من عذاب القبر ونار جهنم ، من جهة، والتخويف من الوقوع في الخطأ ممثلا فيما يسمونه بالضلالة ، من جهة أخرى..التخويف أيضا من حداثة الغرب التي يصورها رجال الدين على أنها هي ما يؤدي إلى تلك الضلالة ، وأنها بذلك شر مطلق يجب تجنبه..وهي ممارسة تدفع بالناس أكثر إلى التكثيف من تدينهم الشكلي ..
من أبرزها أيضا ما تقوم به أنظمة الاستبداد المتحكمة في مجتمعاتنا من ممارسات تحرص بها على تعميق الخوف في نفوس الناس باستمرار، حيث تبدو هنا المعتقلات وما فيها من تعذيب جسدي ونفسي رهيب ، وترسانة ما يسمى برجال الأمن التي لا تتورع عن مداهمة الناس في بيوتهم ليلا وإهانتهم وضربهم وجرهم إلى المخافر وهم في ملابسهم الداخلية ، إلى جانب زرع ظاهرة الطمع في تلك النفوس بما يجعلها نفوسا قابلة للخضوع لإرادة ذلك المتحكم أكثر..
منها كذلك الخوف على منصب العمل..الخوف على مصير الأبناء..إلخ..إلخ..كل حياة العربي خوف على خوف على خوف..
2- شعور هذا الفرد العربي باليأس المطلق من إمكانية أن يكون مساهما بفعالية في بناء حاضر البشرية ومستقبلها..إنه عاجز حتى عن المشاركة في تسيير شؤونه المشتركة ، فكيف يشارك العالم إذن؟..يؤدي هذا الشعور العام إلى فقدان ذلك الفرد شعوره بمسؤوليته..إلى موت ضميره..إلى زيادة تدينه أكثر..يرتبط بالآخرة أكثر..يرى فيها التعويض عن افتقاده متع الحياة..يرى تلك المتع في الجنة التي يتعلق بها بشدة ويفرط في تدينه والاستماع إلى دروس وخطب رجال الدين المخوِّفين له دائما.. 3- يتواجد الفرد في مجتمع قطيعي ( من القطيع) ، تعمل كل الظروف على منعه من الخروج عن دائرته، كل خروج هو تكسير لتلك القطيعية ، تكسير لعصا الطاعة فيه، على الفرد أن يتبنى التقية دائما..يتظاهر بالانخراط في سلوكات القطيع وإلا حدث النفور الاجتماعي منه، وتعرض لشتى الاتهامات التي تصل إلى حد التكفير من قبل القوى الأصولية شبه المهيمنة على عقول ومشاعر الناس ،وإلى حد التخوين من قبل الأنظمة الحاكمة..يتحول الإنسان الرافض فكريا ونفسيا لتلك الحالة/ الوضعية القطيعية إلى شبه منافق..لا يعترض..لا ينتقد ..وإلا كان عرضة للاستهزاء ، وربما العنف النفسي واللفظي ، وحتى البدني أحيانا..
الأصولية من جهة ، وأنظمة الاستبداد من جهة أخرى..كلاهما يحاصران الفرد العربي..فأين المهرب يا ترى؟..لا مهرب سوى الدين..سوى الله بالدعاء..تكثر الأدعية..تصير رفعا مستمرا للأيدي إلى السماء ..لا تستجيب السماء..لا تستجيب الأرض أيضا لأن أيدي الناس لا توجه نحوها..
3- ذكورية المجتمع التي تحتقر المرأة ، تضطهدها..المرأة هنا قاصرة باستمرار حتى وإن عملت.. حتى وإن وصلت إلى أعلى المراتب..دائما يلاحق شك الذكر أبا أو أخا أو زوجا المرأة..دائما يخيف الذكرُ العربي المرأة..يخيفها بالتطليق..بإعادتها إلى أهلها ..بحرمانها منه جسديا ومعاملة حسنة.. يشعرها بالنقص أمامه ..المرأة هذه هي من تنشئ الأطفال، تربيهم..الخائف لا يزرع في من يتولى أمرتربيتهم سوى الخوف..ينشأ الأطفال هكذا ..خائفين..
يتعانق هذا الخوف الأسري بالخوف من القطيع الاجتماعي..بالهروب إلى الخرافات التي تعشش في مجتمعاتنا العربية بشكل كبير سحرا ورقية وكتابة حروز وقراءة كف ..إلخ..إلخ..
4- يرتبط كل ما تقدم بالفشل الذريع الذي منيت به تجارب الأنظمة العربية التي حكمت باسم الثورة ، كونها هي من بنى حركة التحرر الوطني إبان الاستعمار..بفشل كل التجارب والإيديولوجيات التي تبنتها..فشلها في بناء مجتمعات ديمقراطية..مجتمعات مواطنين واعين منتجين..لقد أدى هذا الفشل الذريع الذي ارتبط في الوقت نفسه بتقدم مجتمعات كثيرة كانت في نفس مستوى مجتمعات العرب في ستينيات القرن الماضي إلى شعور الإنسان العربي بالهزيمة المطلقة ، خاصة وهو يرى نفسه عاجزا تماما عن إنتاج حتى ما يشبع حاجاته الضرورية..أحس العربي بأن كل أبواب الأرض موصدة أمامه..لم يبق له إذن سوى باب السماء..لم تبق له سوى عصا الأسلاف ..توكأ على تلك العصى ..وسار في طريق السماء..وكان أن سقط ..وكيف لا يسقط وقد ذاب شمع أجنحته بفعل حرارة شمس صحرائه العقلية اللاهبة..
5- هنا يتقدم العامل الخامس..إنه تفشي ظاهرة الجهل في مجتمعنا العربي..إنه فقدان المقروئية أساسا..العربي عموما يعادي الكتاب..والكتاب الحديث حصرا..في الكتاب الحديث الخطر ، كل الخطر على أصالته، هكذا يقول له رجال الدين..المستبدون الحاكمون يسعدهم ذلك..اللا قراءة عماء..لا يرى العربي حاضره بعقله..لا يعرف كيف يسير إلى أمامه..رجال الدين يسيرونه..لا قبول بالتعدد الفكري..لا قبول بالاختلاف..أحادية الفكر هي ما يضمن وحدتنا..التعدد والاختلاف يشتتنا..( وفي الحقيقة يقضي على قطيعيتنا )..إلى الخلف يتحرك..بقفاه ينظر..ومن ينظر بقفاه لا يرى..هنا يسقط العربي أيضا..في سقوطه ذاك ..وفي خندق التيه.. لا يجد سوى الرمل يحاصره..يقتله الضمأ..ينظر حوله..لا منقذ..ينظر إلى السماء..يارب ، أنقذني..يناطح بمآذنه السماء..يرفع صوته..يستعمل مكبرات الصوت..لا تسمعه السماء..في السماء دوي المركبات الفضائية والطائرات النفاثة..لا إنقاذ إذن..لا إنقاذ..ينكفئ العربي على نفسه..يزداد قنوطا..ويزداد تدينا حتما..ولا إنقاذ لا إنقاذ..
6- هنا تأتي مأساة فلسطين..ملايين المسلمين يدعون لفلسطين بالنصر..في صلواتهم يدعون..في حجهم يدعون ..في عمراتهم..في كل مكان من أرضهم..وفي أرض غيرهم أيضا..كلما دعوا، كلما ازداد بعد فلسطين عنهم..أدى ذلك إلى ازدياد شعورهم باليأس أكثر..وبدل التفكير في البحث عن طريق أخرى لتحرير فلسطين لا يجد هؤلاء العرب غير تلك الطريق..الله غاضب عنا..غير راض بأفعالنا.. يزدادون تدينا أكثر..ويزدادون دعاء.. يتضاعف شعورهم بالفشل أكثر أكثر..يرون بلدانا عربية أخرى تضيع منهم..تدخل نفق الفوضى.. يرون القتل باسم الإسلام..بين المسلمين والمسلمين يحدث القتل..يتيهون أكثر..
العالم من حولهم غير عالمهم..الأرض ليست لهم..السماء تخلت عنهم..المستقبل لا وجود له..الحاضر أيضا لاوجود لهم فيه..وحده النفط يغذيهم..والنفط ثروة زائلة..وهم لم يوجدوا بديل تلك الثروة..لا أمل لهم في وجود ذلك البديل..
يزداد خوفهم من المستقبل أكثر..يزداد يأسهم..يزداد هروبهم إلى عصا الأسلاف..يزداد سيرهم في طريق السماء..
حرارة الشمس مرتفعة جدا جدا..وعواصف الرمل تعلو من كل الجهات..
ماذا يفعل العرب؟..ماذا يفعلون؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشقيران: الإخوان منبع العنف في العالم.. والتنظيم اخترع جماع


.. البابا فرانسيس يلقي التحية على قادة مجموعة السبع ودول أخرى خ




.. عضو مجلس الشعب الأعلى المحامي مختار نوح يروي تجربته في تنظيم


.. كل الزوايا - كيف نتعامل مع الأضحية وفكرة حقوق الحيوان؟.. الش




.. كل الزوايا - الشيخ بلال خضر عضو مركز الأزهر للفتوى يشرح بطري