الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عندما ينتحب ُ هاتور

نضال الربضي

2014 / 4 / 30
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات


عندما ينتحب ُ هاتور

ثلاثةٌ و اربعون عاما ً على الكارثة، و لم يستطيع هاتور أن يمضي في حياته كما كان قبلها، صمته ُ المُنقطع بصوت ُ نحيب ٍ مخنوق يخرج ُ بين الأيام ِ لدقائق َ ثم يموت، كان الشئ َ الوحيد َ الذي يقول أنه ما زال ينطق، و أنه ما زال هناك، كان صوتها ما زال يعبُر بين حنايا ضلوعه و دفقات ِ قلبه و هي تحتضر ُ و تئن، و تتسرب ُ روحها من بين يديه، و هو يشهق ُ باكيا ً حتى خمد َ جسدُها تماما ً.

رائحة ُ دمها على ثيابه التي احتفظ َ بها ما تزال ُ تستنهض ُ الرُّعب َ المدفون في إحساسه ِ كلما استخرج َ رداءها و استشقهُ.

هو لا يعلم لم يستخرجُه، لم يستنشقُه، لم يعصرُه بين الذراعين ِ المضمومتين و بين الصدر ِ كأنه يريد أن يُدخلَه ُ إلى قلبه، ثم يموت َ بعدها، علها تعيش، علها تعود، عل دمه يكون مكان دمها، و عل قلبه يُصبح قلبها، و عل نور عينيها يُبعث ُ من جديد، مما تبقى من حطام كيانِه المفقود، حين خمدت فيها الحياة ُ بين يديه.

هاتور أحب ّ نوريني الجميلة َ حتى الموت، موتها بين يديه، بعد أن طعنتها ليليث لأنها غارت من طفولتها الشقية، و هي تصعد ُ في السنوات ِ بين عيني أبيها نحو اكتمال ِ الألوهة، هي نوريني المولودة ُ لهاتور َ النبيل، الذي من قسماتِه تشع ُّ الحياة ، و من بين يديه تنطلق ُ الأمنيات ُ الجميلة ُ لتستقر َ في قلوب البشر.

قالوا لهاتور أن اسمه ُ مؤنث، و هو إله ذكر، فكيف يستقيم ُ أن يأخذ َ الذكر مكان الأنثى ويلد، و تأتي نوريني، فقال لهم أن الحب لا جنس له ُ و لا سمات، فهو النوع ُ و هو السمة ُ و هو الحياة.

قالوا له أن الحب َّ تجديف ٌ على الآلهة ِ حين تتبدل ُ الأدوار، قال لهم أن الأدوار في الحب ِّ غير موجودة، و الحبُّ لا ثاني له، هو واحد مكتف ٍ بذاته، يُخصب نفسه، ليحبل َ بنفسه، ليلد نفسه.

قالوا أن ليليث لن تترك نوريني، فقال لهم أن الحب َّ لا يخاف، فنوريني تولد ُ في كل قلب ٍ أخصبه الحب.

هاتور ينتحب ُ و يئن ُ و يمسك ُ قميص َ نوريني و يلعن ُ ليليث و الآلهة َ و الزمان و المكان، و الأمل و الرجاء و السلام و الخلود، و يتذكر ُ نوريني، و يريدها أن تولد من جديد، لكن قلبه قد جف.

قتله موت ٌ أسود، أصدق ُ من الحياة، لأنه هدف ُ الحياة، و نهايتها المحتومة، المختومة بالدم و الألم، و الخوف.

هكذا قال هاتور، و هو ينتحب ُ على نوريني فطوبى لمن تولد ُ في قلبه نوريني من جديد، حتى يحيا هاتور، الذي هو الحب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - طوبى للولادة من جديد
مروان سعيد ( 2014 / 4 / 30 - 16:54 )
تحية لك الاستاذ الربضي وتحيتي للجميع
رائعة هي الاساطير القديمة ويتخذ الانسان منها حكمة وكان رائع قول هاتور
فقال لهم أن الحب لا جنس له ُ و لا سمات، فهو النوع ُ و هو السمة ُ و هو الحياة.

هذا صحيح لاان من يحب يغيب عن واقعه ويسموا فوق الاجناس والالوان والطوائف فيرى بعيون الرب ويفكر بفكره ويعمل اعماله لاانه متحد بحبه هذا بالرب وايضا اتحاد الزوج بالزوجة عندما قال لنا الرب تصيران جسدا واحدا وهنا تجد سموا عن الاجناس لم يبقى زكر ولا انثى بل جسد واحد متحد ماديا وروحيا وفكريا
وكم جميل ان يولد الانسان كل يوم مغسول من خطاياه ومتجدد في التفكير والقدرة على العطاء والمحبة انه طريق حياة
ولك جزيل الشكر
ومودتي للجميع


2 - الأستاذ/نضال الربضي
شوكت جميل ( 2014 / 4 / 30 - 20:55 )
تحية طيبة أخي الكريم
رائع!
هاتور كما نقول نحن المصريين(ده بتاعنا أو دي بتاعتنا)..هههه،و ما زال الشهر الثالث من الأشهر المصرية يحمل الاسم-هاتور،و هو(أو هي)التي حمت حورس أبن ايزيس و أوزير،حتى يشب و ينتقم من ست الشرير في الميثلوجيا المصرية.
تحياتي و أرق أمنياتي


3 - المنظومة الإدراكية
nasha ( 2014 / 5 / 1 - 01:51 )
تحياتي اخ نضال/ تعابير جميلة ومُثل واخلاق عليا يسلم قلمك.
ما كَتبتَ هو نوع من التدين لانك توصل الفكرة بفن الكتابة واستعمال الاسطورة الخيالية. اسغلالا للعاطفة والروحانية
هذا ما تفعله بالضبط الكتب الدينية تستخدم فن الكتابة والاسطوره لزرع الفكرة.
ولهذا لا مفر من استعمال النصوص الادبية والدين لزرع فكرة نكران الذات والتخفيف من الغرائز.
ليس بالعلم وحده يحيى الانسان بالرغم من انه الفكر الوحيد المبرهن حسياً.
شكراً لك ولقرائك


4 - تحياتي لابن الجبل
يارا عويس ( 2014 / 5 / 1 - 12:42 )
اجمل التحيات استاذ نضال الربضي
سرد جميل متمكن واسطورة تعبق بالاصالة ، احيي قلمك الذي اجاد في نحت الفكرة والشعور لدى القاريء
حقا هذا ابداع منفرد


5 - سرد جميل
سامى لبيب ( 2014 / 5 / 1 - 17:04 )
تحياتى عزيزى نضال
سرد جميل وتعاطى مع الكلمات والمعانى بشكل رشيق
هو تسجيل حضور واعجاب .. فلتستمر عزيزى بلا توقف ولتبوح بكل تأملاتك وأفكارك


6 - إلى الأستاذ مروان سعيد
نضال الربضي ( 2014 / 5 / 2 - 16:58 )
تحية طيبة أخي مروان،

لقد تفضلت َ بالقول: -هذا صحيح لاان من يحب يغيب عن واقعه ويسموا فوق الاجناس والالوان والطوائف -

أجد أنني أتفق معك 100% و أرى أن دواء آلام البشرية هو الحب المجاني دون شروط.

لا أريد أن أزيد شيئا ً على جملتك َ فهي كافية لوحدها أن تغير العالم.

شكرا ً لك و تحياتي الحارة.


7 - إلى الأستاذ شوكت جميل
نضال الربضي ( 2014 / 5 / 2 - 17:02 )
تحية طيبة أخي شوكت،

هاتور المصرية هي أحد أشكال الأم الكبرى و التي يُرمز لها بعشتار، و التي كانت َ واحدة ً جامعة ً لكل مظاهر الألوهة و تجلياتها قبل أن يتم تقسيمها لعدة آلهة تتخص كل واحدة منها بمظهر من المظاهر، فهي إيزيس أيضا ً و هي باست، و هي كالي و هي عشتار و هي فينوس و سيبيل و ديميتري و برسفوني و شاكتي، و هي الحياة :-)))))))

و ربما أقول ربما أنني قد جعلتها ذكرا ً لكي نفكر قليلا ً في سلطة الذكورة و مصدرها الأصيل قبل الانقلاب عليه، أقول ربما.


تحياتي الحارة لك.


8 - إلى الأستاذ Nasha
نضال الربضي ( 2014 / 5 / 2 - 17:05 )
تحية طيبة أخي ناشا،

الدين كما في بعض التعريفات: مُعتقدات ثم سلوكيات بحسب هذه المعتقدات، و لذلك أؤيدك فيما ذهبت َ إليه يا صديقي، فحتى اللادينية والإلحاد لا يخرجان عن كونهما نوعا ً من الدين، و الإنسان في داخل نفسه دين ٌ إنساني ٌ لنفسه حول محور ِ نفسه.

لذلك تستطيع كل البشر على اختلاف معتقداتها أن تلتقي، و لا عذر للبشرية أن تبقى على انعزال ٍ عن بعضها بسبب الاختلاف الديني أو الحضاري أو السياسي، فجوهرنا واحد.

دمت بود.


9 - إلى الأستاذة يارا عويس
نضال الربضي ( 2014 / 5 / 2 - 17:07 )
تحية لابنة بلدتي الجميلة عجلون!

أشكر لك حضورك ِ العذب و كلماتك ِ الرقيقة، و أتمنى أن أستطيع دوما ً الوصول لقلوب من يقرأون كلماتي حتى نلتقي دوما ً على الحب و الإخاء الإنساني.

دمت بود.


10 - إلى الأستاذ سامي لبيب
نضال الربضي ( 2014 / 5 / 2 - 17:10 )
تحية طيبة أخي سامي،

تثلج ُ صدري كلماتك َ الرائعة، و أتشرَّف ُ بحضورك العذب!

أُتابع دوما ً إبداعاتك الفكرية التي تُغني العقل و تستنهض ُ الفكر الغافي حتى يصحو نحو وعي ٍ حقيقي لهذا الوجود.

دمت بود.


11 - إلى الأستاذ شوكت جميل
نضال الربضي ( 2014 / 5 / 2 - 17:29 )
تحية طيبة أخي شوكت،

كتبت ُ ردا ً و أرسلته، و بقدرة قادر بين أسلاك الهواتف و بث الأقمار الصناعية، و خوادم الحاسوب الضخمة، اختفى!

سأحاول صياغته مجددا ً.

أرى أن هاتور و إيزيس و عشتار، و سيبيل و برسفوني و باست و كل الألهة الإناث هن تجليات: الأم الكبرى، و التي كانت تجمع في ذاتها كل مظاهر الأمومة قبل أن يقوم الإنسان بفصل الواحدة الأم إلى آلهات متعددة كل واحدة منهن تحمل صفة من صفات و مظهر من مظاهر الألوهة.

و هاتور المصرية أتت هنا كذكر، لكي تشير َ إلى ماضٍ سحيق كانت الأنثى فيه هي الأصل قبل أن يثور عليها الذكر فتصبح كل آلهته ذكورا ً.

على فكره أتابع إبداعاتك الجميلة، استمر يا صديقي لديك الكثر لتقدمه!

دمت بود و أهلا ً بك دوما ً.

اخر الافلام

.. نساء البرازيل يخرجن رافضات لمشروع قانون يهدد حق الإجهاض


.. الاقتصاد والإجهاض والهجرة غير النظامية من القضايا الجدلية بي




.. صباح العربية | في تونس.. الفتيات يكتسحن الأولاد في الثانوية


.. تريز سيف: لا بد من الإجابة على أسئلة كثيرة قبل الزواج المختل




.. فيلم 3000 ليلة