الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العالم كهدية إلى كونثيا

مزوار محمد سعيد

2014 / 5 / 3
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


على امتداد راحة يد الإنسان امتد تاريخه الدموي، وقد زيّنت مناظر المجازر صفحات كتب التاريخ لأكثر من مرّة، حتى أصبحت الجزء الرئيس من تباهي الأمم بماضيها الزاهي، وقلبت القوة المعادلة في معظم الأحيان، فكان الإنسان و لا يزال يفتخر بإنجازاته العظيمة، القائمة على الجماجم المصفوفة؛ وبينما هو يسير على طريق اصطفّت العظام لتعبّده، تنكّر الإنسان لها، فراح يسرد على أنغام الغباء مبادئ لا إعراب لها على الواقع، و زاد من حدة الأخذ بالعنف منذ أن أعلن الرومان القدامى قاعدتهم الحربية الشهيرة، فسار الأقوياء في موكب رائحة الموت، و استدلّ العظماء بمتعة الغلبة والانتصار، بينما اكتفى الضعفاء بأهازيج شعر المحبة و الأخلاق كما العطف الكوني، وهي أوهام تسكّن آلام الضعيف، تلك التي فُتحت من قِبَل أسلحة الأقوياء، وقد أثبتت الأيام بأنّ أقوى الأسلحة، تلك المتجسدة في "الفكرة" التي تعطي أبعاد القدرة على إنتاج القوة وإدارتها، وهي التي تفعّل دورها بالمرفوع، وهي التي توزّع الفناء بابتسامة غنّاء.
1.
عندما أتوجه ناحية الشرق، وبالخصوص إلى أرض الحضارة البابلية القديمة، فإنني أجد تلك الوجبة الأزلية، و المسماة بـ: "العالم"، هي وليدة صراع و صدام عنيفيْن، يتخذان الكثير من الصيغ، لكنّ النتيجة هي مرتبطة بسيادة طرف على الآخر، فيكون من اللزوم صياغة الصراع؟ و الحسم سيكون حتما للأقوى.
"... كانت للعالم أصول كثيرة قبل مجيء زردشت ثم قام بجمعها في مبدأين أساسيين هما:
أ‌. أهورا مازدا: إله الخير و سبب النظام في العالم و المسئول عن إقرار العدالة و محاسبة النفوس بعد الموت عما اقترفته من السيئات في الحياة.
ب‌. أهريمان: إله الشر و المرض و الموت و ملك الشياطين، و تنقسم الكائنات إلى كائنات خيّرة، طاهرة و شريرة دنس.
يكون الصراع بينها مستمرا، وهو الصراع بين الخير والشر، بين الجنة والنار، بين الألوهية والإنسان (....)
إن الثنائية التي يتصارع فيها إله الخير وإله الشر هي العملية التي ينتج عنها العالم...."
(محمد جديدي، الفلسفة الإغريقية، منشورات الاختلاف – الجزائر، سنة2009م، ص: 29، ص: 31)
إذن حسب البابليين فالعالم هو نتاج صراع بين إلهيْن، إله الخير وإله الشر، قوة أحدهما وطغيانها على الآخر هي الفاصل في هذا الصراع، حيث أنّ هذان الحدان، هما باقيان في صراع إلى أن تطغى إحدى القوى على الأخرى، و بالتالي فإنّ العنف هو موجود حسب أبناء بابل القديمة في العالم، وهو يتجلى في الصراع الذي لا ينطفئ.
في عتمة العالم المعاصر، في الأدغال و بين التلال، تصعد أصوات مبحوحة، لتعبّر عن ضعف الحيلة، وبصر الرؤية الملمة، بينما الأيادي التي تبطش هي أقصر من أن تبطش.! في أفريقيا؛ تظهر إحدى مسكّنات آلام الصراع، هي صيد الضعيف الذي لا قوة له، بحيث يلجأ المرء إلى سكوت التسامح، وحيث تلحّ الحاجة على السير في المسالك الجانبية لطريق العنف السريع، تلك المسالك التي تتحد تحت عنوان: إرادة التسامح و المحبة، و هي التي تطارد وهما لا أساس له في الواقع، وهم يبدوا كالأحلام لدا أصحابه والمعجبين به، لكنه يتعرى ويُفضح أمام قوة خصومه، ليظل وهما لا غير، سرعان ما يتبدد تحت مطرقة العنف الأصيل.
"... كاد العنف أن يأخذ السمة البارزة لعالمنا المعاصر في مقابل إجهاض كلّ رسائل التسامح والمحبة، وإهمال نصوص السلام والحكماء الداعية إلى المحبة والتسامح، من كونفوشيوس و زرداشت إلى كانط وبيير بورديو، مرورا بسقراط وأفلاطون والنبي عيسى ورسولنا محمد صلى الله عليه وسلّم وابن رشد، الذين كلهم دعوا إلى الاعتصام بحبل السلام والتسامح جميعا، على أن تكون في صلب السياسات المشرقة وفي أخلاقيات المدينة الحرة، فلطالما ردد كانط أنّ حالة السلام بين الناس ليست من فعل الطبيعة، وإنما ينبغي أن تصنعها إرادة البشر... "
(مونيس بخضرة، تاريخ الوعي، منشورات الاختلاف – الجزائر، سنة 2003م، ص: 80)
هذا هو خطاب الضعفاء لدى طرقهم بأياديهم المرتعشة أبواب الأقوياء، وهو يحمل بعضا من معاني خطابات الأقوياء عندما يأخذون بإلهاء الضعفاء عن الأخذ بأسباب القوة من أجل التفطن إلى إدارة الصراع، فمقبول القول بوجود التسامح، لكنه من غير المقبول الإيعاز بوجوده كبديل للعنف، لأنّ التسامح ذاته، إن لم يأخذ بالعنف فإنّه لن يجد موقعا له على خريطة الأحداث ومؤثراتها، وبالتالي يمكن القول بأنّ التسامح هو موجود، لكن وجوده على هيئة طرف في مواجهة العنف، هو طرف يحاول الأخذ بأسباب القوّة في منظومة الصراع عينه.
هناك من يأخذ بالعنف "المشروع" و بالعنف "غير المشروع"، ولكنه عنف، لأنّ الماهية التي تحرّك الأنظمة الفكرية هي لا تختلف أو تتحوّل، لا تتغيّر أو تتبدّل بالعَرَض، وبالتالي عندما يحضر العنف يبقى الصراع موجودا والقوة فاعلة.
"... لا يمكن أن تكون ثورة دون "سلاح" العنف، فالعنف بالنسبة إلى الثورة هو كالسلطة بالنسبة للدولة، أي لا يمكن قيام أحدهما دون الآخر، ولا يمكن قياس وعي شعب يخضع للاضطهاد إلاّ بدرجة ثورته العنيفة، وما الثورة التي ستقود إلى تغيير في أشكال الحياة، ومظاهرها بالنسبة إلى أفراد مضطهدين مستعبَدين، وما الثورة في حقيقة الأمر إلاّ عنف منظم أساسها العقل و هدفها التغيير و غايتها التطوير وسلاحها العنف.... "
(عبد الغني بوالسكك، الفلسفة و سؤال الثورة: هربرت مركوز نموذجا، مجلة دراسات فلسفية، العدد رقم 01، ص: 119)
أنا من بلد يعتز بثورته العنيفة، ويزهوا بعدد قتلى حربه التحريرية، ويسميهم بـ: "الشهداء"، و يتناسى في الوقت نفسه الدماء التي سالت من الطرفيْن خلال سبع سنوات في الحد الأدنى، وأكثر من قرن من الزمان في الحد الأقصى، وهو الأمر الذي يزكي شرعية الأخذ بالقوة، لأنّ العبد القوي بإمكانه الشرب من كؤوس السادة، بينما العبد الضعيف، الذي يهلوس بشعارات التسامح، العطف والمحبة، هو يمنع عن نفسه اشتياقها إلى مكانتها، السيادية السامية.
التصدق بجزء من الذات على الآخرين لا يعني ضعفها، والأخذ بكل الطرق كما الطرائق من أجل إعطاء الذات مكانتها، حتى ولو تمّ اللجوء إلى العنف و إثارة الشظايا المهلكة، لا يعني بأنّ هذه الذات هي شريرة، بل يعني أنّها قوية، فهي تتصدق بما تريد، في الوقت الذي تشاء، لكنها إن هي ألقيت في مجال القسر أو الرغبة كان لها ما أرادته، وُفق تدخل قوتها التي تعبّر عنها.
"... أنت صالح، يا صاحِ، إذا جاهدت لتعطي الناس من ذاتك، ولكنك لستَ بالشرير إذا سعيت وراء منفعة نفسك. لأنك في سعيك وراء منفعة نفسك تشبه جذر الشجرة الذي يلتصق بالأرض، لكي يمتص الحليب من ثديها..."
(جبران خليل جبران، النبي، دار تلانتيقت للنشر-بجاية، سنة 2003م، ص: 88)
من حقوق الذات على صاحبها أن يأخذ بأسباب القوة والبطش، من أجل كفالة سيادتها، وهذا الحق هو قابع في الجانب الذي لا يعترف به الضعيف الغارق في ضعفه والقابع فيه، ولكن السادة هي يأخذون بتقوية الأداة كما الوسيلة، من أجل الزمجرة بالنصر، ذاك الذي يعطي للذات وجودها اللائق.
على شاكلة الأصنام يتموقع الضعفاء، هي صماء لا تسمع، هي في خانة العميان فلا ترى، هي لا تتحرك، إلا إذا نقلها سيّدها من مكان إلى آخر، وبالتالي القوة كظاهرة فيزيائية، هي تعكس صورة نافعة لمضمون الحالة النفسية المنهجية، خاصة إن تعلق الأمر بمصير الإنسان كفرد، أو مصير الإنسانية كفئة، حيث يلزم عن القوة إما تثبيت الموقف لصالح القوي الأقوى، أو تغيير الموقف لصالحه إن كان غير ذلك، كما يقول جورج بوش الابن:
"... أحيانا قد يؤدي إظهار القوة إلى تصفية الأوضاع... "
(أنظر: رون سسكند، ثمن الولاء "جورج بوش، البيت الأبيض، وتعاليم بول أونيل")
في اعتقادي: الذات تُصنع بالحروب، بـ: القوة التي تظهر في مدى قدرة الصراع على إنهاء العنف أو باستثمار الخراب، مصداقا لقول أخيل: "... الجنود من قاتل..."
(أنظر: مزوار محمد سعيد، القيصر، ميديافاير "الولايات المتحدة الأميركية"، ص: 18)
شرح المصطلحات:
كونثيا: Cyntia, وهي عشيقة سكستوس بروبرتيوس.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الرئيس الصيني في زيارة إلى فرنسا تركز على العلاقات التجارية


.. مفاوضات حماس وإسرائيل تأتي في ظل مطالبة الحركة بانسحاب كامل




.. مصدر مصري رفيع المستوى يؤكد إحراز تقدم إيجابي بشأن مفاوضات ا


.. النازحون يأملون وصول إسرائيل وحماس إلى اتفاق وقف إطلاق النا




.. Ctقتيلان وعدة إصابات بغارة إسرائيلية استهدفت بلدة ميس الجبل