الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حوار الاديان: دواء شافِ للإنسانية المُعَذَبة

صبري المقدسي

2014 / 5 / 5
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات



ان يجلس الانسان مع أخيه الانسان ليحاوره في أمور حياته المختلفة ولاسيما الدينية، أمر حضاري وعصري مطلوب منا جميعاً. وعلينا أن نباشر بالشروع في ممارسة الحوار وتوعية بعضنا البعض، وذلك تحاشيا لما يمكن أن يمس مشاعر الناس وبنية صادقة ومخلصة. ولا يتم ذلك في طبيعة الحال، إلا بالتخلي عن الصور السلبية والبالية التي تشوّه العلاقات مع الاعتراف طبعا، بمظالم الماضي التي أرتكبها الجميع. وهذا ما يمثل قيمة دينية أصيلة يجب علينا اكتسابها وعدم الافراط فيها. فالحوار الصحيح والبناء إذن يقوم على أساس مقبول من كل الأطراف، سواء كانوا يهوداً أم مسيحيين أم مسلمين، أم غيرهم من أتباع الديانات الاخرى. ويجب أن يكون الحوار بين الاديان، تسامحياً، يقضي بفهم وجهات النظر المختلفة، وأن يتسم بالاحترام المتبادل وبالنزاهة والاستقامة والموعظة الحسنة.
فالتحديات التي تواجهها الاديان في هذا العصر لا حصر لها، ومنها العولمة والالحاد واللامبالاة، إضافة إلى الارهاب العالمي الذي يستخدم الدين غطاءًا في تصرفات عدوانية عشوائية لا تمت للدين بصلة. وتفرض هذه التحديات على الانسان المؤمن ان يدخل في حوار، من أجل خير البشرية والعلاقات الاخوية بين الاديان. ولما كانت مقاصد الاديان واهدافها مشتركة، فلابد إذن من النظرة الصحيحية للاخر، والابتعاد عن الخصومية والبحث عن العيوب والاستهزاء بها. لان الانسان اليوم بأمس الحاجة الى التقارب والتعاون والعمل المشترك، وكون العالم قد أصبح وكأنه قرية صغيرة. لذا فعلى الانسان أن يكون إيجابياً ومتفائلا ومستعداً لخدمة الآخر ومحبته من دون شروط. وروح الخدمة هذه نجدها في كل الفعاليات الانسانية والحضارية والدينية، لأن كل شىء، إنما صنع من أجل الانسان وخدمته. فالدين ليس بالحقيقة ببعيد عن هذا النهج. إذ ما جاء الدين إلا ليخدم الانسان ويوجهه للحقيقة ولله الذي خلقه. وأما الدين الذي يفرض على الانسان كره أخاه الانسان، يحتاج في الحقيقة الى مراجعة الذات وطلب المغفرة من الله، خالق الكون والانسان، الذي يشرق شمسه على الاشرار والاخيار وعلى المؤمنين وغير المؤمنين. ففي اليهودية والمسيحية والاسلام، التي تدعى بالاديان التوحيدية أو السماوية، نجد فيها عقائد جوهرية تتشابه مع بعضها البعض. فهذه الديانات مثلا تؤمن بإله واحد خالق الكون وكل ما يرى وما لا يرى، وبالقيامة والجنة والجحيم. وعلى الرغم من كل هذه القواسم المشتركة، إلا انه توجد كذلك اختلافات عميقة. فاليهودية مثل الاسلام تؤمن بإله واحد ووحيد، وأما المسيحية فانها تؤمن بإله واحد بثلاثة أقانيم. وبالنسبة لإيمانهم بالمسيح، فلا يزال اليهود ينتظرون مجيئه. وأما المسيحيون فانهم يؤمنون بأن يسوع الناصري ابن مريم هو المسيح المنتظر، وبهذا يشترك المسلمون مع المسيحيون. واختلافهم هو في كون المسيحيين يعدّون يسوع المسيح هو نفسه ابن الله، وهذا ما يرفضه المسلمون الذين يقولون بعدم جواز ذلك الكلام.
وأما بالنسبة إلى الكنيسة الكاثوليكية، فانها تعمل في هذا الاتجاه منذ المجمع الفاتيكاني الثاني في 1963، ففي الوثيقة الفاتيكانية، (عن علاقة الكنيسة مع الاديان الاخرى)، نجد أن الكنيسة تُلزم نفسها بالحوار من دون خجل أو تردد، إذ أسس البابا بولس السادس في 1964 مكتباً خاصاً للديانات غير المسيحية ونشرت وثيقة بهذا الخصوص: "موقف الكنيسة تجاه أتباع الديانات الاخرى". وفي 27 /11/1986 وضعت كل الوثائق الفاتيكانية للتطبيق الفعلي حينما افتتح البابا (يوحنا بولس الثاني) الراحل، اليوم العالمي للصلاة والسلام في العالم وبمشاركة أغلب قادة الاديان الرئيسة في العالم، في مدينة الاسيزي (ايطاليا). وفي لقاء الاسيزي سنة 2002 من اجل السلام، وفي احتفال استثنائي في بلدة أسيزي الايطالية، اجتمع فيها البابا الراحل مع 220 شخصية دينية من الكاثوليك والاورثوذكس واللوثريين، جنباً الى جنب مع ممثلي الاسلام واليهودية والبوذية والهندوسية والشنتوية والكونفوشية والسيخ والزرادشتية، إجتمعوا في كنيسة القديس فرنسيس الاسيزي التي بُنيت في القرن الرابع عشر، ودعا فيها البابا الراحل الى التعاون من أجل السلام الدولي والتفاهم بين الاديان والشعوب ووجوب عدم إستخدام الدين ذريعة للارهاب، وأكد الجميع في كلماتهم على الحوار البناء بين الاديان والحضارات وايجاد عالم أكثر عدالة اقتصادياً.
وإختتم الجميع مؤتمرهم طالبين من الله العدل والسلام والغفران والمحبة لمجتمعاتهم ولشعوبهم في كل بلدان العالم، وأعلنوا في نهاية لقائهم عن تأليف نوع من (الوصايا العشرة)، كيما تساعدهم على استمرارية الحوار بين الاديان.
وفيما يلي أنموذجاً من الوصايا في لقاء الاسيزي في يوم الاثنين المصادف (4/ 3/ 2002)، حيث وافق عليها كل رجال الدين في العالم والوصايا كانت بعنوان "الوصايا العشرة للسلام في العالم"
نعلن أن العنف والارهاب يتنافيان مع روح الاديان.
نحث المؤمنين على الاحترام والمودة للجميع كي يعيشوا معاً بسلام وأمان.
نتعهد بتشجيع الحوار، كي تزداد الثقافة الحوارية بين الشعوب وتتعزز الثقة المشتركة.
نتعهد بالدفاع عن كرامة كل كائن بشري على وفق هويته الثقافية والتمتع بكافة الحقوق الاخرى.
نتعهد بالحوار الهادىء والصريح مع وجود الاختلافات والتنوعات واعتبارها مصدرا للفائدة الحضارية المشتركة.
نتعهد بالتغلب على الكراهية والحقد والعنف والغفران عن اخطاء الماضي.
نتعهد بالوقوف الى جانب البؤساء والمهمشين والمتألمين والمضطهدين في العالم ومع الذين لا صوت لهم.
نتعهد بالمساهمة بكل قوة وجهد في اعطاء البشر كل اسباب السلام والامن والعدل.
نتعهد بتشجيع كل مبادرات الصداقة والتعاون بين الشعوب والثقافات والاديان.
نتعهد بحثّ الرؤساء والمسؤولين في كل دول العالم على بذل الجهود اللازمة في سبيل التضامن والعدل التي اتفق عليها كل المجتمعين والسلام للعالم اجمع.
وتجدر الإشارة على أن للرئيس الايراني الأسبق "محمد خاتمي"، دور لا يُستهان به في تقريب وجهات النظر بين الغرب والشرق. وكذلك لعب نداء الامم المتحدة في خصوص الموضوع نفسه في عام 2001، دوراً ايجابياً على هذه الحركة في العالم. وتُجسّد كل هذه النداءات والاجتماعات حالة التواصل الفعال وازالة جدار سوء الفهم وانعدام الثقة بين الثقافات والاديان والحضارات، ولتجاوز الإطر التي قيّدت الانسان وحالت دون تطوره. ففي مثل هذه التجمعات نجد أملا كبيراً في التحرر من ظلمات التاريخ وحالة التقوقع التي عاشها أبناؤنا، وبالعيش والعمل معاً. وبهذه الطريقة نكون قد غيّرنا مواقفنا السابقة وبنينا جسوراً لا يمكن هدمها، ونكون قد أعطينا الاجيال القادمة، الفرصة المُثلى للتعارف والتقارب، بل حتى التزاوج مع بعضها البعض، وذلك من أجل بناء عالم تسوده المحبة والرحمة، وغايته، الانسان وسعادته وسلامته ومستقبله. فالمسيح يسوع يدعونا الى رؤيته في وجه كل إنسان بغض النظر عن دينه ومذهبه أو إنتمائه.
وأما بالنسبة للتعارف الواجب وجوده كأساس للحوار والمحبة بين الاديان، فلابد إذن من ان تعرف الاديان شيئا عن خلفية بعضها البعض وعن لاهوتها وأسسها المذهبية، وعن اختلافاتها وتشابهها، اذ كما يتعارف الناس والثقافات والحضارات مع بعضهم البعض، كذلك على الاديان ان تتعارف كي تتقارب، لان البشر جميعهم من أصل واحد، ولهم رب واحد، وهم من عائلة واحدة، خلقهم الله الواحد الاحد شعوباً وقبائل ، لكي يتعارفوا ويتحاوروا مع بعضهم البعض.
فاليهودية مثلا، تؤمن بالله الواحد الاحد (لا اله الا اله واحد)، ويؤمن اليهود بدنو عهد جديد للبشرية بمجىء المسيح الذي ينتظرونه، الذي سيجعل العالم مثل الفردوس الموعود، ملؤه العدل والانصاف للجميع. وأما في العقيدة اليهودية، فعلى اليهودي أن يُهذب ويُزكي نفسه أمام الله إذا ما رتّب حياته بحسب روح وشرع التوراة، الذي يوجه الانسان نحو الحياة المثالية. ومن عقائد اليهود الاخرى، الوصايا العشرة، وعقيدة الخطيئة، التي تكمن في غفران الله الخطايا المقصودة وغير المقصودة، شريطة أن يتوب الخاطىء او المذنب كون الله يرحم ويغفر الخاطىء حتى وان لم يستحق الغفران. لان رحمته هي فوق عدله ((اريد رحمة لا ذبيحة)).
وأما في خصوص المسيحية، فهي تؤمن أن خلاص الفرد المسيحي هو هبة مجانية من الله في يسوع المسيح الذي تالّم ومات على الصليب من أجل البشر وقام من بين الأموات في اليوم الثالث. والاقتداء به في أقواله وأعماله. وخيرُ ما يبيّن العقائد المسيحية هو قانون نيقية، الذي يُعدّ شهادة إيمانية لكل مؤمن مسيحي، وتبدأ عادة بصيغة إيجابية: نؤمن باله واحد. ومن العقائد الاخرى ان المسيح يسوع يغفر خطايا التائبين المذنبين: "تعرفون ان المسيح ظهر ليزيل الخطايا وهو الذي لا خطيئة له" (رسالة يوحنا 3: 5). وهو حمل الله الحامل خطايا العالم، وبدمه المسفوك على الصليب مسح خطايا العالم. وأعطى يسوع تلاميذه السلطان لغفران الخطايا حينما قال لهم: "خذوا الروح القدس. من غفرتم له خطاياه تغفر له، ومن منعتم عنه الغفران يمنع عنه" (انجيل يوحنا 20: 22).
وأما بالنسبة للاسلام فيعدّ ديانة ابراهيمية توحيدية، يؤمن بالله الواحد الاحد ويستمد كثيرا من تعاليمه، من اليهودية والمسيحية. ويعدّ الإسلام نفسه مُكملا لهما غير نافياً أو ملغياً. والله في الإسلام هو نفسه الخالق والعادل والغفار الذي لا اله الا هو. الذي يستجيب دعوة الداعي إذا طلب منه شيئا، يعاقب المتجبرين والاشرار في جهنم وبئس المصير. ولا يرد توبة التائب أبداً، وما يفعله كله انما يفعله لحكمة بالغة لايدرك كُنهها البشر. وواجب المسلم في العقيدة الاسلامية هو أن يعبده ويشكره على كل النعم، وأن يطيعه ورسوله، طالبا رحمته كل حين ومن دون ادنى شك.
وفي الاسلام خمسة فرائض مهمة جداً، وتعدّ أعمدة الايمان، ولا يستطيع المرء أن يكون مسلما من دونها. وهذه الفرائض هي:
1ـ الشهادة وهي (اشهد ان لا اله الا الله، واشهد ان محمدا رسول الله).
2ـ الصلاة الفرضية، خمس مرات في اليوم.
3ـ الصوم في شهر رمضان.
4ـ الزكاة ومساعدة الفقراء.
5ـ الحج الى الكعبة المشرفة في مكة المكرمة.
والخلاص في الاسلام إذن يتعلق بتكملة هذه الفرائض الخمسة وكذلك بذكر الله كثيراً، وعندئذ يكون المرء مسلماً صادقاً ومحبذاً لدى الله على الارض وفي السماء. ويرى الاسلام الخطيئة (ذنب) شيئا ضد إرادة الله. والله في الاسلام يُعاقب الخطاة ويوعدهم بنار جهنم. ولكنه الرحمن الرحيم والغفار، الذي يغفر التائبين الذين يخدمونه: " قل يا عبادي الذين اسرفوا على انفسهم لاتقنطوا من رحمة الله ان الله يغفر الذنوب جميعا انه هو الغفور الرحيم". " القرآن 39: 53".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رئيس كولومبيا يعلن قطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل ويعتب


.. -أفريكا إنتليجنس-: صفقة مرتقبة تحصل بموجبها إيران على اليورا




.. ما التكتيكات التي تستخدمها فصائل المقاومة عند استهداف مواقع


.. بمناسبة عيد العمال.. مظاهرات في باريس تندد بما وصفوها حرب ال




.. الدكتور المصري حسام موافي يثير الجدل بقبلة على يد محمد أبو ا