الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشر النسبي .. بالمصري

سامي حرك

2014 / 5 / 5
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


الشر النسبي .. بالمصري
الشر المطلق .. بالعبراني

إختلطت المفاهيم عن شخصية "ست" في الثقافة المصرية القديمة, بحيث تاهت المعاني –أيضًا- بين "الشرير", و"الأعمال الشريرة", والفرق بينهما واضح, إلا أن ذلك هو الحاصل!
نذهب مباشرة إلى مصر القديمة, ونسألها عن ذلك, فتجيب بإيجاز:
إن "ست" هو أحد الكائنات المقدسة "نتر", وبالتالي فهو:
• حيٌ لا يموت!
• كل شئ عنده بقدر ومقدار, ولا وجود للعشوائية في تصرفاته, إنما هو جزء من خطة كونية محكمة, يقوم بدوره فيها, بلا زيادة أو نقصان!
وبناء عليه .. لا يجوز وصف ذلك الكائن المقدس "ست" بـ "الشرير", بل يمكن وصف بعض أفعاله حسب تقييمنا البشري, بأنها أفعال شريرة, لحظية, أي لكل حادثة حديث!
ذلك الكائن السماوي, لا يموت أبدًا, بينما تُقهر بعض تجلياته, فالصقر حورس ينقض على تجلي "ست" (فرس النهر/ سيد قشطة/ خرتيت), وفي الجانب االآخر قام "ست" بأدوار "خير" بالغة الأهمية في قصص التكوين, فهو المسئول عن ضمان تنفيذ سُنة الكون في التغيير والتداول (تلك الأيام نداولها), وذلك في تجليه الأشهر "عبيب", حيث يبتلع الشمس "رع" كل مساء, ثم يظهر في تجليه الإنساني مساعدًا للرب "رع" حتى يتخلص من الأسر, وينطلق مشرقًا كل صباح!
بماذا نسمي هذا النوع من التصرف؟ أليس ذلك عمل خير! بل إن المصري القديم كافأه عن عمل الخير هذا, بأن خلد تجليه الأفعى التنينية وأطلق إسمه على واحد من شهور السنة "أبيب"!
حتى في الأسطورة الأوزيرية, وهي سبب وصم "ست" بالشرير, لأنه يظهر فيها بهيئة القاتل, مُقَطِّع جسد "أوزير" إلى 14 قطعة, مدفونة وموزعة بين أقاليم مصر الأربعتاشر, حيث في الأسطورة نلاحظ شيئين:
• تُظهر إحدى صيغ الأسطورة, "ست" مبررًا لجريمة القتل, بأنه إنما كان مدافعًا عن شرفه, بعدما إعتدى "أوزير" على زوجته "نبت-حوت", وكان "أوزير" قد برر فعلته تلك بأنها من أثر الخمر! إذن "ست" لم يبدأ الأعمال الشريرة عن إرادة شريرة, بل كان مجرد رد فعل, بدافع النخوة والزود عن حماه, أي أنها حالة دفاع شرعي, كما تسميه أحدث مبادئنا الحقوقية الدستورية!
• في نفس الأسطورة, نلحظ قيامة "أوزير" بمجرد نجاح عظيمة السحر "ورت-حكاو" في تجميع أشلاء جسده, ذهب مباشرة بعد لقائه التناسلي مع إيزيس إلى عالم آخر, وكان في إمكانه البقاء مع زوجه وإبنه في عالم الدنيا, إلا أنه إختار عالم الآخرة, وجد أنه أفضل له من عالم قُتل وقُطِّع جسده فيه (والآخرة خير وأبقى) .. ونلاحظ أنه قبل تلك الحادثة لم يكن للآخرة أي وجود في الميثولوجي القديم, بل إنها وإعتبارًا من ذلك فقط, تم إنشاء وتدشين ملكوت العالم الآخر, كمملكة أوزيرية خالصة, تولى إدارتها بنفسه, وترأس محكمتها تمهيدًا لإستقبال المتوفين الأبرار فيها.. أي كان لجريمة "ست" (القانونية) مبرر قدري, أنفذ به سُنة كونية أخرى, تقضي بالحساب, والعقاب والثواب!
هذا هو الشر في مصر القديمة, نسبي, لحظي, متسقًا مع خلاصة الحكمة البشرية بأن في داخل كلٍ منا جزء من هذا وجزء من ذاك.
الشر (العنف) في الثقافة المصرية يتم تبريره بأنه ضمن خطة الخالق لإعمار الكون, تمامًا كما قد نستخدم الديناميت لتفجير بناء قديم آيل للسقوط, لنقيم مكانه منشأة جديدة, كان "ست" هو ديناميت حضارتنا القديمة, أو قنبلتها النووية, لذلك كانت أهم كتيبة حربية في جيش مصر, هي كتيبة "ست", بمثابة قوات العمليات الخاصة, أو المارينز, وتَسمى بإسمه الملوك والأمراء المحاربين, حيث مؤسس الأسرة 19 هو "سيتي", بعدما كان قائدًا للجيش, ولا يُعقل أن يتسمى الملك بإسم الشيطان, بالتأكيد لم يكن "ست" هو الشيطان, ولم تعرف مصر القديمة تلك الصيغة "الشيطانية" المُطلقة لمفهوم الشر, كما هو الحال في الثقافة العبرانية!
إستقت الإسرائليات رموز ثقافتها من مفردات العالم القديم المجاور لها, خاصة مصر وسوريا والعراق, ومن بينها أخذت التيمة الدرامية لشخصية "ست", فيصير هو "شت" وجمعه كحزمة شريرة بإضافة أداة الجمع ليصبح "شيطان"!
• لا يفعل الشيطان أي خير, وكل ما يصدر عنه هو شر مُطلق, لا مجال إذن لأي تبرير!
• لا يمكن إطلاق إسم الشيطان على شخص ينتمي للثقافة العبرانية, فهي ثقافة لا تحمل أي إحترام لتلك الشخصية المحورية, ويقوم عليها بناءها الفكري, إذ توجه إليه كافة المشاعر السلبية, من شحنات الغضب والتشنج إلى تربص وديمومة العداء وكذلك ضغينة الكراهية!
نعود إلى الثقافة المصرية, لتقابلنا صور جداريات المعابد, بأكثر من مثال يفتخر فيه الملك بقيامه بالصلح بين اللدودين "حورس" و"ست", وحصوله على المباركة منهما معًا!
سؤال قبل الختام: أي الصور هي الأقرب لمفاهيمنا الحالية؟ "ست" أم "شيطان"؟ وللتقريب أكثر, في خصامنا مع أمريكا نعطيها صورة الشيطان, والشر المطلق؟ أم نعترف لها ببعض الخير ولا ننسى ما تقوم به من أفعال شريرة (حسب مصالحنا) في العالم؟
توصية: ربما التواصل مع جذور الثقافة المصرية, يفيدنا, ويفيد العالم, أكثر في التعايش, بينما تؤسس بعض المفاهيم العبرانية لمشاعر سلبية يتوارثها الوعي واللاوعي!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سرّ الأحذية البرونزية على قناة مالمو المائية | #مراسلو_سكاي


.. أزمة أوكرانيا.. صاروخ أتاكمس | #التاسعة




.. مراسل الجزيرة يرصد التطورات الميدانية في قطاع غزة


.. الجيش الإسرائيلي يكثف هجماته على مخيمات وسط غزة ويستهدف مبنى




.. اعتداء عنيف من الشرطة الأمريكية على طالب متضامن مع غزة بجامع