الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مأزق طارق رمضان

أحمد عصيد

2014 / 5 / 7
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


تابعت باهتمام الحوار الشيق الذي أجرته القناة الثانية المغربية مع طارق رمضان، وهو الحوار الذي يعكس بوضوح المأزق الذي يتواجد فيه المفكر الإسلامي السويسري.
يتواجد طارق رمضان في موقع صعب لا يحسد عليه، فهو يعمل جاهدا من أجل إعطاء صورة مشرفة عن الإسلام والمسلمين، ومن أجل نقد الغرب "العنصري المتعجرف الذي لا يفهم الإسلام"، والذي ينقض مبادئه الديمقراطية بتكريس "الإسلاموفوبيا". ويقدم رمضان من أجل ذلك خطابا متماسكا من الناحية المنهجية، كما يتميز بجماليته ونزعته الإنسانية، وبقدر من العقلانية والواقعية أيضا، لكن موقفه ذلك يجعله بين نارين: نار المسلمين الذين ألفوا حديث المشايخ والدعاة المتخلفين، ونار المجتمعات الغربية التي لا ترى أثرا لما يقوله رمضان في سلوك الجالية المسلمة، أو داخل البلدان الإسلامية نفسها، بل أكثر من ذلك يمكن القول إن الغربيين يُصدمون يوميا بسلوكات تتعارض كليا مع ما يدافع عنه المفكر الإسلامي السويسري، مما أظهره ـ خاصة في عيون الفرنسيين ـ بمظهر من يتحايل عليهم أو يحاول تمرير صورة مفبركة وغير واقعية لإسلام مؤنسن humanisé وحضاري، لتبرير إسلام وهابي عنيف وغير متسامح، هدفه نقض المجتمعات الغربية وهدم أسسها الديمقراطية التي رسختها بتضحيات جسيمة.
من جانب آخر يكتسي مأزق المفكر الإسلامي طابعا أكثر تعقيدا من الناحية النظرية، فهو يقدم نفسه على أنه "متجذر في التراث الإسلامي ومتحدث من داخل المرجعية الدينية"، وقد تكون هذه ميزة نسبية
داخل بلدان المسلمين، لكنها ليست بالعنصر الإيجابي داخل المجتمعات الغربية التي تقوم على ركيزتين لا شرعية بدونهما: العلم ((science وحقوق الإنسان.
من جانب آخر فالقول بالانطلاق من داخل المرجعية الدينية يؤدي في حالة طارق رمضان إلى نوع من التموقع لا يكون دائما لصالح الحقيقة، حيث يضطر المفكر الإسلامي إلى إنكار العديد من المعطيات السلبية في المرجعية الإسلامية أو إلى محاولة تجميلها، كما يضطر إلى غض الطرف عن إيجابيات الحضارة الغربية رغم أن فكره يعتبر في الكثير من نقط قوته استبطانا لمكتسبات الغرب ومآثره الحضارية.
ومن أمثلة ذلك ما ذكره من أن العلمانية غربية المنشأ وأن المسلمين لم يتعرفوا عليها إلا من خلال الاصطدام مع الغرب خلال المرحلة الكولونيالية، وهو أمر غير دقيق، إلا إن كان يقصد بالعلمانية سياقها التاريخي الغربي، وإلا فهي قيمة إنسانية موجودة في كل الثقافات والحضارات، بما فيها الحضارة الإسلامية التي عرفت بدورها وجود توجهات فكرية وسياسية انحازت بشكل كبير لمرجعيات أخرى غير المرجعية الدينية الشرعية، ويبدو أن طارق رمضان قد اعتمد في حديثه عن المرجعية الإسلامية رؤية اختزالية تنطلق من الدين والفكر الديني دون غيرهما من المرجعيات الفلسفية والصوفية والأدبية، وهو بذلك ينظر إلى الحضارة الإسلامية من المنظور الأورثوذوكسي السني الذي تكرس رسميا مع دولة الخلافة، وهو منظور لا يعكس كل الوهج الحضاري الإسلامي، الذي لم يؤثر في الحضارات الأخرى بالفكر الفقهي الديني، بقدر ما ترك فيها بصماته بالعلوم والفلسفة والتصوف والأدب والفنون، وهي كلها علوم كانت محط انتقاد شديد وتحامل كبير من الفقهاء وأهل الاختصاص في الدين، باعتبار "الضرر الحاصل منها للملة".
إن أولوية العقل والبرهان المنطقي على النصوص الدينية، والاعتقاد في إمكان تدبير شئون الدولة بالعقل فيما سمي بالسياسة العقلية (في مقابل السياسة الشرعية)، واعتماد نزعة إنسانية في النظر إلى المجتمع والإنسان ومشاعره ونزعاته وتجاربه، والاعتقاد في مبدأ السببية ونظام الكون المستقل عن أية إرادة علوية، كلها عناصر فكرية علمانية داخل الحضارة الإسلامية، وهذا يعني أن العلمانية يمكن أن تكتسي أبعادا ومظاهر مختلفة من حضارة إلى أخرى.
من جانب آخر نعتقد أن طارق رمضان ظل حبيس الفكر التراثي الديني فلم يسمح لنفسه بدراسة واقع المجتمعات الإسلامية وتجاربها، والتي قد تعكس معطيات مخالفة كليا للنظرة التي يكرسها الفكر الديني الفقهي، ففي القبائل الأمازيغية مثلا في بلدان شمال إفريقيا كان الفصل بين الديني والدنيوي أمرا واقعا، قبل مجيء الاستعمار بقرون، حيث اعتمد الأمازيغ في تدبير شئونهم قوانين عرفية وضعية عوض تطبيق الشريعة في عدد كبير من المجالات، كما كان حياد الفقيه في الأمور العملية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية أمرا معتمدا كما تشهد على ذلك الكثير من الوثائق والمعطيات المتوفرة.
إن اعتقاد طارق رمضان بأن المسلمين في الغرب تجاوزوا مرحلة "الاندماج" إلى مرحلة "المشاركة" هو أمر بحاجة إلى إعادة تشكيل وعي الجالية المسلمة وفق حاجات وسياق المجتمع العصري، ولهذا فالعمل الذي ينتظر رمضان هو مع الجالية المسلمة وليس مع المجتمعات الغربية، لأنه لا جدوى من التبشير بإسلام متسامح إذا كان المسلمون لا يعكسون في سلوكهم أي احترام لحقوق الإنسان ولمعنى المواطنة. إن نمط التدين الذي يتم تسويقه في الغرب باسم الإسلام، وما يتم عمله في بلدان الشرق الأوسط، سيؤدي إلى مزيد من ضعف الثقة في المسلمين وفي خطاب طارق رمضان.
إن تذمر طارق رمضان من خطاب المشايخ والدعاة المتطرفين لا يمكن أن يخفي أن هؤلاء هم المؤطرون الحقيقيون لنسبة كبيرة من أبناء الجالية "النشطاء" المستفيدين من شبكات تمويل هائلة يعرف الجميع مصدرها، وأخشى أن يكون مستقبل المفكر الإسلامي أكثر صعوبة، أن يعمل كرجل إطفاء فاشل، وسط المحارق التي يشعلها الطرف الوهابي ويردّ عليها الغربيون بمزيد من الإقصاء والعنصرية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ضد الانسانية
د/ سالم محمد ( 2014 / 5 / 7 - 09:17 )
ان ابسط ما يمكن ان يوصف به هو المخادع الدجال المنافق
الاسلام هو اخطر و احط الفاشية
هو معادى للحرية و الاخاء و المساواة و حقوق الانسان
مسكين هذا الرمضان


2 - وجوه لعملة واحدة
عاد بن ثمود ( 2014 / 5 / 7 - 12:06 )
طارق رمضان، عمرو خالد، زغلول النجار، روجي غارودي، ديدات ... و غيرهم، ليسوا سوى وجوه لعملة واحدة فاقدة لصلاحية التداول اللهم إلاّ في بعض الأسواق النائية التي يرتادها من يطمعون في (طير ممّا يشتهون) لإشباع نهمهم و(حور عين) لإطفاء شبقهم الغريزي في جنة الخلد الموعودة.


3 - ثقافة الإرتزاق
بلبلي أحمد ( 2014 / 5 / 7 - 19:08 )
تحية للأخ أحمد عصيد.
أريد أن أعبر عن موقف استهجان لهدا المدعو طارق رمضان .فكل شيئ فيه غريب: يقال أنه حفيد حسن البنا وعليه فهو مصري الأصل ولكنه سويسري الجنسية وفرنسي اللغة.مند شهرين رأيته مع الفيلسوف الفرنسي - إدغار موران - في الدوحة في محاضرة ثنائية . بقي الإثنان جالسين وصامتين كتلميدين ينتظران قدوم الشيخة موزة لتعطيهما إشارة البداية. وقتها سقط من عيني حتى إدغار موغان الدي كنت أحترمه وأدركت أن الإثنين ليسا سوى لاهثين وراء السفريات المجانية والإكراميات.


4 - تعليق
عبد الله خلف ( 2014 / 5 / 7 - 22:50 )
الإسلام منصور من الله , و الواقع يقول : (المستقبل للإسلام) , رضي من رضي , و أبى من أبى , و الأدله على ذلك :
- فرنسا (أم القانون الحديث)وكما اعترف المؤرخ (سيديو) بنفسه في كتابه (تاريخ العرب العام ص 395 : تعريب عادل زعيتر : البابي الحلبي) , وقد ولد سيديو عام 1808 م حيث قال :
[عهدتْ الحكومة الفرنسية إلى الدكتور (بيرون) في أن يترجم إلى الفرنسية كتاب (المختصر في الفقه) للخليل بن إسحاق بن يعقوب المتوفى عام 1422 م!... وهذا الكتاب هو أحسن ما أُلِّف في الفقه المالكي] .
- دول كألمانيا (مثلاً) تُطالب بالإقتصاد الإسلامي , راجع :
https://www.youtube.com/watch?v=dgW6o9cOBvI
- الفاتيكان (أعلى سلطه مسيحيه عالميه) تُطالب بالأقتصاد الإسلامي , راجع :
https://www.youtube.com/watch?v=xQOug48HDpg
- 68 ألف شخص يعتنقون الإسلام يوميا :
https://www.youtube.com/watch?v=twJAdpvQCJ4
- تحليل أمريكي .. الإسلام سيحكم العالم قريبا :
https://www.youtube.com/watch?v=vg1lMMIdrYQ
- إسلام وزير إيطالي :
https://www.youtube.com/watch?v=zCqKXvyyPBU


5 - هل فعلا اعتمد الأمازيغ قوانين عرفية لاشرعية؟
عبد الله اغونان ( 2014 / 5 / 7 - 23:14 )
هذه فكرة استعمارية باختصاص البربر بقوانين عرفية مفارقة للشريعة الاسلامية وهذا هو مضمون الظهير البربري الذي واجهه المغاربة معا من عرب وبربر وخرجوا في مظاهرات لقراءة اللطيف في المساجد
نحن أمازيغ وعشنا بداية حياتنا في قرى أمازيغية و لم نر أية قوانين عرفية خاصة بلأمازيغ.فهل مثلا في الأحوال الخاصة في الزواج والطلاق والارث والوقف عندهم عرف
خاص ؟ العرف في هذه اللهجات ماهي الكلمة التي تعبر عنه بأية لهجة؟ لانعرفه
هل العرف عند قبائل أمازيغية يمنع التعدد في الزواج؟ الواقع الى الان هو اباحة التعدد
ربما يقصد الأستاذ عصيد درئ الحدود والعقوبات وهي في الاسلام نفسه قليلة التطبيق
كرجم الزاني وشارب الخمر
العرف أحد وسائل التشريع في الاسلام ما لم يخاف نصا شرعيا وفقهاء الأمازيغ ومهم من كتب بتلك اللهجات وبحروف عربية ماتزال كتبهم تشهد بالالتزام بما هوشرعي في الاعتقاد والعبادة والمعاملات. ويمكن فقط مراجعة متن وأدبيات المختار السوسي المتخصص في الثقافة الأمازيغية لمنطقة سوس وكتبه مطبوعة
أما منهج طارق رمضان فهو مستنبط من منهج نبوي
من تعلم لغة قوم أمن مكرهم.هويشبه فكر ادوارد سعيد في التصدي لفكر الاستشراق

اخر الافلام

.. رغم تضييقات الاحتلال.. فلسطينيون يؤدون صلاة عيد الأضحى في ال


.. دائرة الأوقاف الإسلامية بالقدس تعلن عن تأدية 40 ألف فلسطيني




.. خطيب المسجد الحرام: فرحة العيد لا تنسي المسلمين مآسي ما يتعر


.. مراسل العربية أسامة القاسم: نحو 1.5 مليون مليون حاج يصلون إل




.. مبعدون عن المسجد الأقصى يؤدون صلاتهم عند باب الأسباط