الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأخرويات (الإسخاتولوجيا) و تفكيك الجهاد من خلال -سبعة أماكن - (محال ) ليوسف زيدان (ترجمة عن الإيطالية))

حذام الودغيري

2014 / 5 / 10
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


" لكنه لم يكن ساذجا ، وما كان ليغير رأيه، أو يحيد عن أمله في الجنة وفي رحمة الله يوم القيامة . كان الحاج بلال يردد دائما لمحاوريه الحديث النبوي الذي يقول : " سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ...من بينهم ، شاب نشأ في عبادة الله" ولكن الحاج بلال لم يكن ينهي أبدا الحديث ليذكّر ببقية المظللين السبعة".
فتىً ، نبوءةُ الخلاص ، قَدَرٌ ، حتميةُ التاريخ، القرآنُ ، والحرب . هذه هي مواضيع آخر رواية ليوسف زيدان ، "سبعة أماكن" ، التي نشرتها نيري پوتزا (من ترجمة دانييلي ماشيتيلّي ولورينزو ديليك ، 2014 ) .
اسمٌ ولقبٌ ، ليسا بالهيّنين لمن يتابع روايات الربيع العربي . الكاتب هو مؤلف "عزازيل" ، الفائزة بالجائزة الدولية لأفضل عمل روائي باللغة العربية عام 2008 ، والتي أصبحت من بين كلاسيكيات الأدب العربي ،و لكن أيضا مصدرا لمشاكل غير قليلة للمؤلف. اتّهِم بكونه أساء وأهان دين الأقلية القبطية في مصر، التي طالبت بتدخل جماعة الإخوان المسلمين . زيدان اتهم بالتحريض على الصراع بين الجماعات الإثنية والحضارات ، بالازدراء بالأديان و بترويج أفكار متطرفة . في الواقع، الكاتب المصري ليس سوى دارس حريص للفلسفة، يملك الجدارة، أو بالأحرى، في هذه الحالة ، عدم االجدارة، بأن يناقش بوضوح، وبعقلانية و علمانية التناقضات الكامنة في الأديان التوحيدية الكبرى وإثارة الأفكار والشكوك ، ليس فقط عبر المنشورات العلمية ولكن أيضا من خلال الروايات. متخصص في الدراسات العربية و الإسلامية ، ومدير مركز المخطوطات والمتحف التابع لمكتبة الإسكندرية ، وهو أستاذ جامعي للفلسفة الإسلامية و التصوف .
ولد في سوهاج في نهاية الخمسينيات وانتقل إلى الإسكندرية رضيعا ، مكرّسا حياته كلها للدراسة و التدريس. تخرج بمرتبة الشرف ، مركزا اهتمامه على دراسة التصوف و أسسه الفلسفية ، ومقتنعا بوجود خيطٍ من الفكر الفلسفي الإسلامي، حسب ما يرى ، لم يتأثر بتفشي الفلسفة الهيلينية . مفهرس دؤوب، عمل مستشارا في مجال الحفاظ على التراث العربي المخطوط، بالتعاون مع اليونسكو ومنظمة الاسكوا وجامعة الدول العربية ،كما أدار العديد من المشاريع . أنتج زيدان حوالي 20 كتالوجات سهلة االتناول والاستعمال بفضل World Wide Web، وهي بوابة للعربية والمخطوطات المرقمنة ومنصّة قيمة تحتوي بدون شك على واحدة من أكبر المجموعات من المخطوطات الأصلية في شكل رقمي على شبكة الإنترنت (انظر http://www.ziedan.com ) . كاتب غزير الإنتاج ،له أكثر من خمسين مؤلف علمي و أربع روايات . إلى جانب عزازيل التي سبق ذكرها ما يلي: النبطي ـ الكاتب ـ (2011 ) ، نشرتها نيرى پوتزا ، و" ظل الأفعى" التي لم تترجم بعد إلى اللغة الإيطالية .
لفهم روايات يوسف زيدان ، التي تبدو بسيطة في الظاهر،إذ أنها تقع في منتصف الطريق بين النوع التاريخي الموسع، والرومانسيي ونوع بناء الشخصية ، (Bildungsroman ) ينبغي أن ننظر إلى رؤية المؤلف الشخصية حول الدين : " في كتابي ، اللاهوت العربي وأصول العنف الديني، الذي نشر عام 2010، أوضح فكرتي الرئيسية حول وحدة الأديان الثلاثة ( اليهودية- الإسلام - المسيحية) . فأنا أعتبرها دينا واحدا نزل في ثلاث فترات مختلفة: ولهذا فرؤيتي للأديان الثلاثة واحدة . في روايتي الأولى "ظل الأفعى" واجهتُ تأثير التدين على تغيير المفاهيم العامة التي وضعتها الحضارة الإنسانية القديمة التي عاشت في مصر والعراق وسوريا و العالم القديم. وقد أظهرتُ في الأعمال التالية ( عزازيل ، و النبطي الكاتب ) كيف أنّ أثر التدين (وليس الدين) حوّل النظام السائد للقيم ( المبادئ ) الإنسانية " .
ومن هنا وجب التمييز بين الدين و التدين ، و فهم هذا الأخير، كمنتوج مشروط و تاريخي . روايات يوسف زيدان تعتمد على سرد كبير متواصل ، وحكاية واحدة يتخلّلها خيط ذهبي في تلك الزخرفة (الأرابيسك ) الممثلة للإنسان " أعتقد أن الزمن الإنساني له وجهان ( الماضي والمستقبل) .أما الحاضر فهو مرحلة انتقالية بينهما ، لهذا فإن الماضي و المستقبل معاً يمثّلان خطّا واحدا مستمرّا يدفع الوعي البشري إلى خلق النص الأدبي . رواية "ظل الأفعى" تدور في المستقبل القريب ( عام 2020 ) ، في حين تمّت أحداث رواية "عزازيل" في القرن الخامس والنبطي في القرن السابع الميلادييين ، بينما أحداث رواية "محال" تدورفي الفترة الممتدة بين عامي 1993 و 2001 ، لذلك فإنّي، لا أولي الأهمية للحركة ( التغيير ) عبر الزمن، بقدر ما أهتمّ باكتشاف "الإنسان " في مختلف الفترات التاريخية . "

"سبعة أماكن" (محال) هي قصة رجل ، أو بالأحرى فتى في سنواته العشرين ر، مثل آخرين كثيرين ، بشرة داكنة و عينان جميلتان تغشاهما الأحلام. يأمل بأن يتخرج من قسم علم الاجتماع. يعمل مرشدا سياحيا في أسوان، حيث يرافق الأجانب بين أنقاض معبد إيليفانتينا و الضريح الذي يحتضن تمثال رمسيس الثاني. يأمل في فتح وكالة سفر، وأن يتزوج فتاة من قبيلة المتّوكي ، لأن نساء المتوكي كنوز لطيفة وعطرة. كان يطمح إلى حياة ساكنة هادئة كما تجري مياه النيل ، وفقا لتعاليم الشريعة . نظرة نقية بريئة كتلك التي يملكها من يؤمن بإرادة عليا طيبة وعادلة. تعرّف على فتاة جميلة، نورا ،ببشرة لا تشوبها شائبة، بعينين و شعر من الأبنوس. يقع في حبها، فيقررالزواج منها ، ومن أول لقاء يسعى جاهدا إلى هذا الهدف، لأن الزواج هو أساس الحياة ، وسرها ، ومنتهى أملها. لكن الحياة شديدة المِحال، وهو لم يكن يعلم أننا نهرب من مصير فرضه الله علينا إلى مصير آخرفرضه علينا أيضا. التاريخ يرشق بكل ثقله: حرب ورعب و إرهاب ومجازر وعنف و بؤس و سفك دماء في حد ذاته. وتضحية باسم الجهاد. "إمام عادل، وشاب ينشأ في عبادة الله " يسقط في دوامة مياه عكرة ، آليات الحياة تتعرقل، فيعلَق ويُحاصَر ويصبح مظلوما .

إنها رواية تكوين (Bildungsroman) حديثة. يقودنا زيدان عبر مسار يتجلى في " سبعة أماكن " . الأماكن التي تميز المراحل الأساسية لبطل الرواية وللقارئ ؛ فإذا كان بطل الرواية ، في الواقع، يصل إلى الوعي تدريجيا من خلال التجربة ،فإن القارئ بدوره يتم إرشاده عبر كشف للأفكار المسبقة و التحيزات الكامنة في العقيدة الإسلامية . رواية زيدان ، من خلال المواجهة والمقارنة بين رموز تأويلية داخلية لأشخاص من نفس الثقافة أومن ثقافة مختلفة ، لديها جدارةُ إبراز منظور يفكّك تمثيلا معيّنا للإسلام، أصبح ـ بصورة كاريكاتيية ـ موسوما ومُنفِرا بعد أحداث سبتمبر 11 . تكتب الأنثروبولوجية أناماريا ريفيرا (2002 : 24-25 ) : " ومن أجل التغلب على الميل إلى تشييئ الإسلام ، والجعل منه كيانا متآلفا فوق الأفراد ، ينبغي التخلي عن نموذج كلّي وحتمي [ ... ] والأخذ بنموذج قائم على المنطق الظرفي الذي يضع المعتقدات والسلوكيات الدينية في حالات تاريخية ملموسة من التفاعلات المحلية وعلى تحليل تجارب الفاعلين الاجتماعيين" .
الرواية ، تمشيا مع النموذج ، تعطي معلومات عن الوضع التاريخي والسياسي للدول التي يعبرها الشاب : الإسكندرية ، الإمارات العربية المتحدة ، بخارى ، أفغانستان، وقندهارمسلطةً الضوء على صفات النبل والتناقضات والانحلال. ​-;-​-;-و.ببالغ الدقة ،يصف الجماعات العرقية في نفس الأراضي المتنازع عليها ، المقسمة بين االرفاوي ، والفجكي والمتوكي والعرب ، و النوبيين ، ويبين المؤلف كيف أن كل فريق لديه تقاليده و ملامح الوجه الخاصة به ، كما يتحدث عن مفاخرة طائفة بنقاء نسبها الذي يصل مباشرة إلى الرسول. إلا أنها قبل كل شيء، تقدم لنا ذلك التنوع، الذي يبتره ويخفيه ، مجملاً، أدبٌ تغذيه النعرة العرقية، فيدمج الاختلاف في فئة ضيقة وغير مريحة. ولكن الرواية لا تتوقف عند هذا المستوى، فمن خلال المواجهة بين الحضارات ، وتحليل سلوكيات مهاجمة الآخر وتدميره ، تبرز بوضوح فكرة أن هذا يُعزى أساسا ـ ما وراء الخلافات ـ إلى قاسم مشترك، يرمي إلى تدمير رمزي للهويات الدينية ، واحد من خلال الشهادة ، و الاستشهاد ، وآخر من خلال تدمير القرآن ؛ وفي كلتا الحالتين يلغى أي احتمال للخلاص.
منذ عدة سنوات، أصبح علماء الأنثروبولوجيا ، و المستشرقون، وعلماء الاجتماع يتساءلون إذا كان من المناسب تعزيز استراتيجيات و رؤى خطابية تؤيّد المعارضة بين غرب عادل وعصري ، وشرق همجي ودموي؛ أو بالأحرى، إذا كان المرغوب فيه ، والأكثر صدقا فكريّا، في ضوء عالم يتقدم باستمرار نحو العولمة وتضمحل هوامشه ، إحداث تفكيك نوعيّ من شأنه أن يستقبل رؤية أقل جمودا وأكثر انفتاحا تجاه الآخر؛ نموذجا ديناميكيا أكثر مرونة ولدونة.
. يبدو أن الحبكة السردية توحي بهذه الطريقة : الرواية تقدم لنا إسلاماً تخترقه شقوق ، وعالما ً تهتز أرضه بحركات جيوسياسية ، ويرسم حدود ه الأقوياء ، وفقا لجشعهم و طموحاتهم ، زارعين الحواجز وناشرين حراسا مسلّحين ، ليجعلوا بذلك عقبة لا يمكن التغلب عليها إلا بإذن رسمي ، أو لا يمكن إزاحتها إلا بالسلاح . المصالح والتواطؤ المنحرف؛ التحالفات الاستراتيجية المعقودة بين أطراف مرتبطة بعالمين يراد لهما أن يكونا متناقضين ؛ الأفعال وردود الأفعال على رقعة شطرنج دولية، تغذي دوائر قصيرة مقلقة مع نتائج عنيفة و متضاربة. جنون انتحاري ، تعصب، وأوهام اعتذارية ، تلتقطها مصفاة مُنفِرَة، لمؤمن تقي، تساعدنا على فهم كيف أن هذه الحركات، أكثر من كونها تحدث بدافع شعور من التقوى، هي نتيجة زواج غير سعيد بين خطاب ديني و أساطير سياسية ليست فاكهتها المسمّمة سوى تورّم خبيث.
من خلال قراءة هذه الرواية، نتبيّن كم أن الحسّ السليم كذوب ، وكم تتطلب نفس الفئة الغربية ـ قبل الإسلامية ـ تفكيكا و تجزئة ، لأنها تتشابك حتما وتنغمس في الوقائع الشرقية ، الماضية والحاضرة، وأنه يكفي تغيير وجهة النظر التقليدية ، التي ترى القطيعة والمعارضة بين الغرب والإسلام لصالح النموذج الذي يؤكد على الاستمرارية و التكامل بين المصطلحين ، للتحقق كيف أن التاريخ و الحضارة الأوروبية يمكن إدخالهما جنبا إلى جنب مع الإسلام في الفضاء التاريخي الثقافي للبحر الأبيض المتوسط .
"سبعة أماكن" (محال)، عظيمة الأهمية، ليس فقط من أجل النقط المحفزة للتفكير ، ولكن لأن النص مثقل بالألغاز، وبالأسس الرمزية والتأثيرات الصوفية ، وهي لا تظهر بسهولة عند القراءة الأولى ، من بينها العدد سبعة ورمزيته المتصلة في النص القرآني، فهو يرمز إلى مجمل الكون، إلى اتجاهات الفضاء السبعة، إلى الآيات السبعة من أول سورة في القرآن ، إلى الطواف سبع مرات حول الكعبة، إلى نائمي أفسس السبعة . وبالأخص، إلى التذكير بالسبعة الذين يظللهم الله بظله يوم القيامة: مثل أخْرَويّ مشترك بين جميع أديان البحر الأبيض المتوسط، ينبئ بإمكانية الخلاص ، وولادة جديدة بعد نوم طويل ، في انتظار أن لا يعود التعصب والكراهية و الاختلافات يستخدم أو يُشيّأُ لتبرير ما يمليه منطق القوة ومنطق الاعتداء الاقتصادي.
أناماريا كليمنتي (حوارات متوسطية ، العدد 7 ، مايو 2014)
Annamaria Clemente
Dialoghi Mediterranei, n.7, maggio 2014








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف تفاعل -الداخل الإسرائيلي- في أولى لحظات تنفيذ المقاومة ا


.. يهود يتبرأون من حرب الاحتلال على غزة ويدعمون المظاهرات في أم




.. لم تصمد طويلا.. بعد 6 أيام من ولادتها -صابرين الروح- تفارق ا


.. كل سنة وأقباط مصر بخير.. انتشار سعف النخيل في الإسكندرية است




.. الـLBCI ترافقكم في قداس أحد الشعانين لدى المسيحيين الذين يتب