الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجوانب النفسية لنظرية المؤامرة

هناء سليمان

2014 / 5 / 12
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


يشيع اعتقاد في العالم العربي عمومًا، أن الشعوب العربية تميل إلى تبني نظريات المؤامرة، بل يذهب البعض إلى الاعتقاد أن نظريات المؤامرة لا تلقى أنصارًا في البلاد المتقدمة. وقد يتعجب هؤلاء إذا عرفوا أن هناك في الغرب أنصارًا لنظريات عن أن بن لادن مازال حيًا أو أنه كان قد مات قبل الإعلان بفترة طويلة، و أن الأميرة ديانا أشاعت أنها ماتت لكي تواصل حياة سرية بعيدًا عن الأضواء ونظرية أخرى عن مؤامرة قتلها، أو أن الهبوط على سطح القمر لم يحدث. وهناك مواقع على الإنترنت يلتقي فيها المؤمنون بهذه النظريات ويتبادلون من الحجج ما يعتقدون أنه يدعمها.
ومن المؤكد أن هاك مؤامرات تحاك في الواقع وأنها بطبيعة الحال لا يعلن عنها، وقد تكتشف بعد زمن أو يعلن عنها بعد انتفاء أسباب سريتها. لكن تعبير نظرية المؤامرة يصف الاعتقاد بوجود شبكة واسعة من المتآمرين قادرة على الإتيان بأفعال مريعة شديدة الضرر. فلماذا تشيع نظريات المؤامرة عبر الثقافات المختلفة؟ وهل هناك ميل لدى مجموعات من البشر للوقوع أسرى لتلك النظريات أو لنسجها؟
يوضح علماء النفس من الاتجاه التطوري أن تصميم المخ يشبه جهاز كشف الدخان، أي أنه يصدر ضوءًا أحمر عند مجرد احتمال الخطر فالإنسان لا يستطيع أن ينتظر توافر أدلة ثابتة قبل الفعل لمواجهة الخطر لأن الوقت يكون قد فات والضرر قد وقع. وهذه الوظيفة ضرورية لحفظ النوع. يشكل هذا الأساس النفسي للاستعداد لرؤية الخطر في أحداث أو أنباء خارجية دون أن يكون الخطر ماثلا في الواقع.
وقد لاحظ علماء نفس آخرون أن لدى المخ البشري آليات معرفية للبحث عن الأسباب الخفية والمعقدة نتيجة للحاجة إلى فهم دوافع الآخرين داخل المجموعة التي ينتمي إليها الأفراد أو خارجها. وقد فسر العالمان بوير ونورنزايان شعبية أعمال أدبية كشرلوك هولمز وجيمس بوند وهاري بوتر إلى قدرة كتابها على تنشيط ممارسة تلك الآليات عند قراءة مثل هذه الروايات. لكن العمليات المعرفية قد تؤدي إلى نوع من التحيز والخطأ ومنها التحيز الإثباتي confirmation bias أي البحث عما يؤكد وجهة النظر الأصلية وإغفال ما يدخضها. فمن الثابت وفقًا للتجارب التي أجريت على مجموعات من المؤيدين لأحد الحزبين الرئيسيين في الولايات المتحدة أن الأفراد يواصلون التمسك بما وصلوا إليه من اعتقاد بصرف النظر عن توافر الأدلة على العكس، فالتجارب تثبت أن أصحاب أفكار متعارضة ينتهون إلى البحث عما يدعم وجهة نظرهم فقط إذا ما قدمت إليهم حجج وأدلة متوازنة على أفكارهم وعكسها.
وهناك ميل في عمل المخ لرؤية أنماط وأشكال مألوفة في صور عارضة أو جزء من شكل خارجي كأن يرى البعض في تعرجات الأشجار وجها أو شكلا لحيوان وتسمى هذه الظاهرة pareidolia. وقد ترتبط تلك الأنماط التي يسقطها المخ على الخارج بالحالة المزاجية للأفراد، كما ترتبط بالحاجة إلى محاولة لفهم أنماط داخل الفوضى الخارجية. ففي صورة شهيرة لانفجار برجي التجارة العالمي تبادل بعض الأمريكيين جزءًا من الصورة يشبه الصورة النمطية للشيطان وسط الدخان حتى أن صاحب الصورة اقتنع بذلك فيما بعد. وقد استخدم سلفادور دالي الفنان السيريالي الشهير صورا أخذت من زوايا مختلفة يشجع بعضها على هذا االإسقاط وسمى تلك الظاهرة "الطريقة النقدية الاضطهادية". ومحاولة فهم نمط داخل ركام من المعلومات والمعطيات قد يكون الخطوة الأولى للاكتشاف العلمي، ولكنه قد يقود أيضًا إلى البحث عن تفسيرات مناسبة للشخص حتى لو كانت غير حقيقية. ومن الواضح أن تلك الخطوة الأولى ليست كافية لبناء نظرية علمية أو نظرية للمؤامرة بل يجب أن يتبعها بحث وتمحيص للوقائع وإخضاعها للتجريب والتثبت في حالة الكشف العلمي، وربما يتبعها تفسيرات غير قابلة للفحص في الحالة الثانية. فمن الممكن أن يدرك الشخص الذي يرى شكلا مألوفًا في سياق غير محتمل أن يعزو ذلك للصدفة أو يضيف تفسيرًا آخر بأن تلك رسالة ذات معنى خاص من قوى فوق الطبيعة.
وتؤكد الدراسات الحديثة على العلاقة بين القلق والشعور بالاضطهاد والاعتقاد بوجود مؤامرة خارجية. فقد أثبت دانييل فريمان ومجموعة من الباحثين في معهد الطب النفسي بجامعة لندن في دراسة على عدد كبير من الأفراد لا يشكون من مرض نفسي أن هناك ارتباطًا وثيقًا بين القلق والشعور بوجود مؤامرة للإيذاء قد تنتقل في درجاتها الشديدة من الشك إلى الاعتقاد الراسخ. وبينما يبدو أن نظريات المؤامرة يجب أن تؤدي إلى القلق من وجود خطر خارجي هناك جانب متناقض في الظاهرة يجعل أصحابها يشعرون بالارتياح. فالغموض الذي يحيط بظاهرة ما قد يثير القلق بينما الوصول إلى فهم أو تفسير، حتى لو كان غير صحيح، عادة ما يٌشعِر الإنسان بزوال القلق أو التحكم في درجته. والحاجة إلى الفهم والتفسير تشكل دافعًأ أساسيًا في سلوك البشر.
هل يختلف الأفراد الذين يتبنون نظريات المؤامرة عن غيرهم؟ أجرت كارين دوجلاس مع مجموعة من الباحثين في جامعة كنت ببريطانيا مجموعة من الأبحاث لفهم الأفراد الذين يميلون لتبني نظريات شائعة للمؤامرة أحاطت بوفاة الأميرة ديانا أو تكذيب هبوط نيل أرمسترونج على القمر وتوصلت إلى أن من لديه استعداد لقبول فكرة المؤامرة في موضوع ما يميل إلى تصديق قصة متعارضة عن الموضوع نفسه، مثل كون حادث موت ديانا مؤامرة مدبرة أوأنها دبرت الحادث لتغطي على استمرارها في حياة سرية بعيدة عن الأنظار. وفسرت النتائج بوجود نظرية أشمل للمؤامرة تجمع تلك النظريات الفرعية وتتضمن تلك النظرية الشاملة قدرة الحكومات على إخفاء الحقائق. وفي دراسة أخرى توصل الباحثون إلى أن الأفراد الذين يميلون إلى تصديق نظريات المؤامرة لديهم استعداد للقيام بدور ما في خطة حقيقية للتآمر إذا ما أتيحت لهم الفرصة وهو ما فسِّر بالإسقاط أي ان هؤلاء الأشخاص يسقطون ميولهم للتآمر على الواقع.
وفي الختام يثور سؤال عما إذا كان الاعتقاد بنظريات المؤامرة يندرج في إطار المرض النفسي. والأرجح أن ذلك ليس صحيحًا بالضرورة. فهناك أشخاص لا يعانون من أي مرض نفسي يؤمنون بتلك النظريات ويمارسون حياتهم بشكل طبيعي تمامًا. وهناك فروق بين الشك والاعتقاد الراسخ لم تشر إليها معظم الدراسات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - اللعب بالجماهير
رائد الحواري ( 2014 / 5 / 12 - 20:05 )
منذ بدايةالقرن الماضي وفكرة المؤامرة تستخدم من هذا الطرف او ذاك للاستمرار في التحجم بمسار الةتفكير عند الجماهير، وقد استخدمها كافة الاطراف السياسية في منطقتنان إن كانت حاكمة ام محكومة، وقد وضح هشام شرابي في كتابه -مقدمة لدراسة المجتمع العربي- شيئا من هذا الامر،

اخر الافلام

.. أزمات إنسانية متفاقمة وسط منع وصول المساعدات في السودان


.. جدل في وسائل الإعلام الإسرائيلية بشأن الخلافات العلنية داخل




.. أهالي جنود إسرائيليين: الحكومة تعيد أبناءنا إلى نفس الأحياء


.. الصين وروسيا تتفقان على تعميق الشراكة الاستراتيجية




.. حصيلة يوم دام في كاليدونيا الجديدة مع تواصل العنف بين الكانا