الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البداوة والمواطنة _ 3

علي الخليفي

2014 / 5 / 12
المجتمع المدني


لا يمكن لنا أبداً معالجة التشوهات التي أصابت عقل الإنسان المشرقي ، دون تخليصه من رواسب الثقافة البدوية المُستهلِكة ، والتي سيطرت عليه لقرون متطاولة . وهذا لن يتأتى لنا دون الخوض في العقيدة الإيمانية التي ورثها هذا العقل المشرقي عن أسلافه ، والذين أجبروا على إعتناقها تحت تهديد السيف ، أو تحت إرهاب التخويف بجهنم المزعومة.

فصل الإيمان كمفهوم إنساني وحضاري عن عادات وتقاليد بدو قريش وما جاورها من قبائل الصحراء المُتوحشة ، سيكون هو الأساس ليبدأ هذا العقل المشرقي مسيرته نحو التحرر والإنعتاق من سطوة البداوة ، التي سيطرت عليه لما يزيد عن ألف وأربعمائة عام ، تحت عنوان زائف ومُزور يسمى دين الله .

ذلك لن يتم ، إلا بعودة هذا العقل المشرقي للبحث والتنقيب في ميراث أسلافه العظماء ، الذين صنعوا الحضارات قبل الإجتياح البدوي الرهيب.

بحثه ذاك سينير له الطريق ، وسيساعده في إيجاد أصول هذه المفردات الإيمانيه التي يدعي البدو أنها هبطت إليهم من السماء ، وبذلك سيتعرف هذا العقل المشرقي على تلك المفردات الإيمانيه في نسختها النقية ويدرك جوهرها ، ويستطيع بذلك فصلها عن الموروث البدوي القرشي الذي أُلصق بها.

كل مُفردة من مُفردات الإيمان البدوي المزعوم ،لابد أن تجد لها جدور راسخة في فلسفات وأفكار حضارات المشرق القديم ، والبدو لم يفعلوا شيئاً بعد سرقتها سوى تشويهها ، وتسخيرها لخدمة نمط حياتهم الغير مُنتجة ، ومن تم وضع ختم الله عليها لتكون مُلزمة وغير قابلة للتطوير أو حتى للنقاش.

لايمكن أبداً للعقل المشرقي أن يتحرر ، طالما ظل يعتنق عادات البدو وتقاليدهم ، ويعتبرها دين يدين به لله .
سياسة الهروب للأمام التي ينتهجها العقل المشرقي ، عبر محاولاته اليائسة والبائسة في الفصل بين ما يعيشه اليوم ، من نتاج لإنتشار ثقافة البداوة في نسختها الحديثة المُعاشة ، ومحاولة فصلها عن جدورها الأولى عبر تنزيه النسخة الأصلية لهذه الثقافة ، وإعطائها مسحة نورانية تبرأها من هذا الواقع المُعاش اليوم ، هذا الهروب هو عمل عبثي لن يُفضي إلا إلى مزيد من الغرق في الأوهام .

الداعشيون الذين نُعاصرهم اليوم ، ونرى مدى بشاعتهم وقبحهم وإجرامهم ، إن هم إلا صورة طبق الأصل عن أسلافهم الداعشيون القُدماء ، الذين داهموا هذه المنطقة قبل ألف وأربعمائة عام .

نحن اليوم بمشاهدتنا لما يفعله الداعشيون المُحدثون إنما نشاهد صورة قد تكون مخففة عما فعله أسلافهم من داعشيو قريش ، ولو تطورت وسائل الإبداع في هذه المنطقة ، ووجد مثقف حقيقي يستطيع إنتاج أفلام سينمائية ، تستقي نصوصها من الكتب التي تروي سير الداعشيون القدماء، وتتناولها بعين الإنسان المُتحضر ، لشاهدنا من البشاعات ما تتضائل معه كل بشاعات القاعدة والنُصرة وحماس وحزب الله ، وكل التنظيمات الإرهابية بمختلف مسمياتها .

العقل المرعوب عقل عاجز عن التفكير ، وطالما ظل العقل المشرقي يتناول المسائل التي تُطرح عليه للنقاش ، وهو تحت سطوة ألسنة جهنم المزعومة التي أرعبه بها البدو ، فهو لن ينتج شيئا .

الخلاص من سطوة الرعب والخوف ، هو ما سيجعل هذا العقل قادر على وضع تلك النُصوص التي جاء بها البدو ، ونسبوها زوراً إلى الله ، ليستعبدو بها الأمم من حولهم ، وضعها على طاولة البحث والدراسة ، ولن يحتاج العقل المتحرر من سطوة الخوف إلى كثير من العناء ، ليدرك أن تلك النصوص لاتصلح حتى أن تُنسب إلى الشيطان إذا إفترضنا جدلاً وجود كائن بهذا الإسم.

إدراك المصدر الحقيقي لتلك النصوص ، ومعرفة أنها ليست سوى مفاهيم بدوية متخلفة عن الحياة سيوجب الخلاص منها ، والخلاص منها سيوجب خلاص العقل المشرقي من ثقافة الترحال والتيه والتشرد التي جعلته يعيش حياة البداوة روحياً ، حتى بعد أن تجاوزها جسديا.

خلاصه من ثقافة البداوة التي تقوم على الإقتتال، والغزو ،والسلب ،والنهب، ستكون هي خطوته الأولى نحو التأسيس لثقافة المواطنة ،التي تقوم على الحياة المشتركة المبنية على التعاون والتكافل، والتي يكون فيها كل فرد خيط أساسي في النسيج الإجتماعي للوطن المُزمع بناءه.

قِطعة الأرض هي العنصر الأقل أهمية في بناء الأوطان ، فطالما توافر الإنسجام الفكري بين طائفة مُعينة من الناس ، وتوحدت أهدافهم وتوجهاتهم ، فهم قادرون ولاشك على بناء أوطان عظيمة ، أعظم بمئات المرات من الأوطان المتوارثة التي لايجيد أهلها سوى التغني بحفنات ترابها الغالية .

لقد أسس الإنسان لأوطان وراء البحار في هذا الكوكب ، وصنع فيها أعظم الحضارات التي وصلت بالإنسان إلى إستكشاف مجاهل الفضاء ، وهو سيكون قادر على التأسيس لأوطان أكثر رقي وتقدم في كواكب أخرى بعيدة عن هذا الكوكب.

أما العقول التي ستظل تعيش على ثقافة البدواة التي تقول أن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده الصالحين ، وتظل تتقاتل وتتناحر لأجل بُقعة من الأرض ، زرعت ثقافة البداوة في عقولها أنها بُقعة مُقدسة عند الله ، تلك العقول ستظل مستلبة لصالح تعاليم البداوة المُقدسة ، ونهايتها ستكون حتماً هي نهاية كل ما يتعارض مع قوانين الحياة ، التي تقوم على التقدم والتطور والإرتقاء .

نهايتها الحتمية هي الإنقراض ، إما على يد القوارض التي تعشش في عقولها وتقرضها ، وإما بمبيدات القوارض التي سيضطر الإنسان المُتحضر يوماً ما لإستعمالها ، عندما ييأس من صلاح هذه المخلوقات ، فيضطر لإبادتها حتى لاتستمر في إعاقة الحياة عن التقدم والنماء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تحرر
جوري ( 2014 / 5 / 12 - 13:30 )
عندما نتحرر من عقدة الخوف ومن عقوبة جهنم والحرق ...الخ الذي انحفر في العقول من الف واربعمئة عام ونستخدم عقولنا ونحررها وقتها فقط نستطيع ان نصنع افضل الحضارات
شكرا للكاتب علي الخليفي لك التقدير والاحترام


2 - احسنت
زياد ( 2014 / 5 / 12 - 21:45 )
لايوجد كلام يوضح ممارسات البدو البشعة القائمة على القتل والذبح والجنس وستبقى ممارساتهم قائمة إن بقينا نشاهد ونصمت عن أفعالهم القذرة المنسوبة لله.الحل الوحيد الانتفاضة ضدهم ضد هذا الوباء الذي ينتشر ولن يقف إلا بالقضاء على إصوله ومنشئته
دمت بخير


3 - اشكالية الأنسنة
أحمد عليان ( 2014 / 5 / 13 - 00:03 )
يبدو لي أننا في حاجة الى أنسنة الفكر و الثقافة ..
و أضرار توظيف الدين مصدرها تصور امتلاك الحقيقة ..و قد عرفت الانسانية مصائب توظيف الدين سياسيا قبل الاسلام و مع الاسلام ، وبغير الاسلام .. فالمشكل اجتماعي تربوي . و العلوم الانسانية كفيلة بتفسير ظواهر العنف التي تعانيها الشعوب المتخلفة .. و الاصلاح المطلوب ينبغي أن يتمحور على أنسنة الخطاب التربوي و الثقافي ، مع الفصل بين السياسة و الدين .. المشترك بين المواطنين يه يخضع للعقل و الضمير .. و الخصوصي لا دخل لأحد في شأن أحد .. ذاك ما تمخضت عنه حضارة الغرب الذي تخلص من ثقافة التبرير الماضو، و وضع أسس ثقافة حقوق الانسان .. تحيات ي


4 - البحث في قدسية المُقدس
علي الخليفي ( 2014 / 5 / 13 - 05:19 )
 للسيدة جوري والسيد زياد تحية طيبة وشكراً لمروركما 
وللسيد العليان مرحباً من جديد ،، احببت فقط أن اضيف إلى كلماتك أن حضارة
الغرب التي أشرت إليها خطت أولى خطوتها بعد أن أزاحت الكنيسة وأسقطت النظام الكهنوتي البشع الذي أغرق أوربا في عصور الإنحطاط .. هذا تماماً ما نسعى إليه من خلال ما نكتب ونطرح . فلا أمل في تجاوز عتبة البداوة والتخلف دون إسقاط القدسية عن النصوص التي تُمجد البداوة وثقافة البداوة ، وما نكتبه هو محاولات منا لمساعدة أنفسنا ومساعدة الاخرين في كسر حاجز الخوف المُقدس الذي تسترت وراءه تعاليم البدو .. شكراً للمتابعة وللمرور ودمت بسلام


غ

اخر الافلام

.. فلسطيني يصنع المنظفات يدويا لتلبية احتياجات سكان رفح والنازح


.. ??مراسلة الجزيرة: آلاف الإسرائيليين يتظاهرون أمام وزارة الدف




.. -لتضامنهم مع غزة-.. كتابة عبارات شكر لطلاب الجامعات الأميركي


.. برنامج الأغذية العالمي: الشاحنات التي تدخل غزة ليست كافية




.. كاميرا العربية ترصد نقل قوارب المهاجرين غير الشرعيين عبر الق