الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


!!المثقف في ظل الأنظمة الاستبدادية...؟

سلمان بارودو

2005 / 7 / 20
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


مما لا شك فيه، إن المفكر أو المثقف في ظل الأنظمة الاستبدادية، عاش ويعيش في خطر داهم، فإذا لم يسقط تحت وطأة فقدان الأمل واليأس والقنوط، لأن ما تريده الأنظمة الاستبدادية والقمعية في أغلبها، من المفكر أو المثقف عموماً الحقيقي، هو أن يصبح من دعاة ذلك النظام، يستخدم في دعاياتها السياسية والدفاع عن تصرفاتها القمعية، وأداة وظيفية في خدمة مشروعها، وأن يقبل أن يتحول إلى طبل يجلس النظام فوقه، ويقرع عليه، أو بوقاً ينفخ فيه، كلما أحتاج إلى طبل أو مزمار.
فإن قوة الأنظمة القمعية، أو معظمها لا تكمن في برامجها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، الغائبة فعلاً، والتي يمكن أن يقبلها الجمهور، أو أن يرفضها، وإنما في أكاذيبها، الإيديولوجية وإنجازاتها المزيفة، التي تقدمها لتبرير وجودها على رأس السلطة القمعية، وهي أكاذيب، تقوم دائماً على شعارات وطنية وقومية أو دينية عامة خادعة، لذلك فإن هذه الأنظمة لا يمكن أن تنظر إلى العمل الفكري، إلا من الزاوية التي يبرر وجودها وديمومتها، ويدافع عن أكاذيبها الإيديولوجية.
لا شيء تخافه معظم الأنظمة الاستبدادية، إن لم نقل كلها، أكثر من الثقافة النقدية الحرة، وعليه فهي لا تكتفي بمصادرة حرية الثقافة والمثقفين من خلال مؤسساتها هي فحسب وإنما تسعى إلى خلق أبواق لها في دأبها للحفاظ على استمرارية تسلطها، بل وإنها تمضي إلى أبعد من ذلك، باستئجار نقاد ومثقفين للحط من قيمة خطاب الآخر الذي يمثله مفكرون يمتلكون شجاعة قول الحق بمواجهة الطغيان والظلم، ومحاولة طمس أسمائهم بوسائل مختلفة، أو تعمد إلى تغييبهم وإقصائهم إلى حين.
إن ثمة فارقاً في ثقافة ينعدم فيها شرط الحرية بين كاتب يخدم القمع، وكاتب يفضحه ويعريه ويراهن على حياته كلها من أجل أن يكون في مستوى الشرف الذي يرتبط بالمفكر أو الكاتب أو الفنان ...
فالكاتب أو المفكر يقول أفكاراً أو شهادات تمتلك عيوناً، لكن قبل كل شيء ضميراً، وحرية ضمير.
وإن كاتباً يدمج شرف الحقيقة بعار القمع، مهما كانت مبرراته، ينتهي إلى الجريمة أو يبدأ بها.
وإذا افترضنا الجهل أو السذاجة عند هؤلاء الكتاب والمثقفين، وهذا هو الجانب الأسوأ في ثقافتنا، بل واعترافنا باعتبارات بعضهم الوطنية والقومية، فإنهم يكرسون كتاباتهم للدفاع عن أنظمة القمع والاستبداد التي يتواجدون على أرضها، أو يتواطؤون معها في تبرير مواقفها وهزائمها وجرائمها، بالاستناد إلى اعتبارات مضللة، خاصة عندما يكذبون حتى على أنفسهم، ويدعون أن تلك الأنظمة تمثلهم وتتطابق مع أفكارهم السياسية وعقائدهم الفكرية، ومثلهم الثقافية.
ومهما كانت الظروف المحيطة بالمثقف الحر والثقافة الحرة، فإن الكتابة ليست مهنة حيادية، مثل بقية المهن الأخرى، يمكن أن يتقنها صاحب المهنة بالتدريب والممارسة.
إن المثقف المبدع يحاور الواقع... يحاور الغير أفراداً وجماعات وحضارات... يحاور الذات... يستصوب ويصوب...ويقدم الجديد بما يساعد على إخراج المشروع الثقافي من التقوقع والانعزال والتهميش.
ولذلك على هؤلاء الذين ارتضوا أن يحملوا هموم جماهيرهم أن يعملوا على كشف الشعارات الكاذبة، وتوضيح معاناة الجماهير التي تلهث وراء لقمة العيش. إن تكاتف المفكرين والمثقفين، يؤدي بالنتيجة إلى حصار المتسلطين مهما بغوا، ومهما صادروا الرأي الآخر المختلف.
إن كاتباً ليس حراً في أن يكتب بحرية، ودون خوف من سلطة تعتقله أو تمنع كتابه، فيسيء بذلك إلى رسالته أكثر من كاتب يلجأ إلى الصمت خوفاً ورعباً، ويعتصم بسلامه الداخلي مع نفسه.
كما أن قارئاً لا يملك الحرية فيما يقرأ، وكما يشاء، ينمسخ هو الآخر، روحياً وثقافياً، ويصبح بهلواناً، يرقص على أنغام السلطة التي تريد منه أن يكون كذلك.
إن ممارسة المفكر أو الكاتب لدوره الحقيقي في الحياة العامة بالشكل الديمقراطي، دون خوف، سيجعل قادراً على كشف، معظم العوامل الايجابية والسلبية التي تعترض طريق مجتمعه في التقدم وصون كرامته الإنسانية، وممارسة حريته ومشاركته في تطوير بلاده، وحتى الإنسانية بكاملها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أضواء قطبية -مذهلة- تنير السماء بفعل عاصفة شمسية -تاريخية-


.. النيابة العامة في تونس تمدد الاحتفاظ ببرهان بسيس ومراد الزغي




.. الجيش الإسرائيلي يعلن تكبده خسائر بشرية على الجبهة الشمالية


.. الحرب تشتعل من جديد في جباليا.. ونزوح جديد للغزيين




.. بعد الزلزال.. غضب في تركيا و-مفاجآت سارة- في المغرب