الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جدلية الوحي والتاريخ (5)

عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

2014 / 5 / 14
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


- الأصل والفرع

كثر لغط المتكلمين المسلمين بدءً من الأشاعرة والمعتزلة حول مسألة فكرية غاية في الأهمية والخطورة عبر التاريخ الإسلامي، لكنهم قاربوها من مدخل بالغ الانغلاق والعقم. قد انصب كلام هؤلاء وخلفهم من الفريقين حول نفس جدلية الوحي والتاريخ موضوع هذا الكلام أيضاً، ما إذا كان القرآن (الوحي) قديم (أقدم من التاريخ وبالتالي يكون أصلاً له) أو مخلوق حديث (وبالتالي يصبح فرعاً من فروع التاريخ الأقدم والأشمل منه). إذا كان الوحي (القرآن) قديماً، يكون خالداً ومشتملاً التاريخ من أوله إلى آخره، ومن ثم يكون صالحاً لكل مكان وزمان. وتأتي النتيجة في الايمان بالقضاء والقدر واستحالة الجدة والحداثة بعد الوحي، الذي بانقطاعه قد رفعت الأقلام وجفت الصحف. في المقابل، إذا كان الوحي (القرآن) مخلوقاً محدثاً، يكون مجرد حدث من جملة أحداث تاريخيه متجددة وغير منتهية مرتبطة بأزمنتها وأمكنتها وظروفها وشروطها الخاصة. عندئذ لا يكون الوحي (القرآن) خالداً وصالحاً لكل زمان ومكان بصرف النظر عن الشروط والظروف المتغيرة رغم كون حدث القرآن هو الآخر من خلق الله، الذي قد خلق قبله ومعه وبعده أيضاً أحداث تاريخية أخرى منافسة له في المكانة والأولوية. في النهاية قد حسم الأشاعرة وخلفهم هذا اللغط لصالح أقدمية الوحي على الزمان والمكان.

بالنظر إلى هذه القضية من الزاوية الدينية، لا يكون غريباً أو مستهجناً أن يجعل رجال الدين في أي وكل دين من دينهم مركزاً مستوعباً للزمان والمكان كله، ثم يشرعون في تفسير الكون وأنفسهم والتعاطي معه من منطلق الأساطير والسرديات والأوامر والنواهي والتعليمات والفروض والسنن الرئيسة في دينهم، مهما كان؛ ولم يكن رجال الدين المسلمين شذوذاً عن هذه القاعدة حين جعلوا من الوحي (القرآن) مركزاً مستوعباً للكون كله وأنفسهم والعالمين. في الحقيقة، لا يكون الدين- أي وكل دين- ديناً بحق إلا بعدما يصنع من مقدساته مركزاً للكون، وخط بدايته ونهايته. هذا بالضبط هو ما فعله الأشاعرة حين جعلوا القرآن (الوحي) الأصل والكون (التاريخ) الفرع؛ أو، في قول آخر، الأشاعرة وخلفهم هم في الحقيقة الذين قد أتموا الإسلام ديناً بحق مكتمل الأركان لما نجحوا في تنصيب مقدساته فوق عرش اللازمان واللامكان بمركز الكون. في هذا الجدل، كان المتكلمون الأشاعرة وخلفهم يقفون على الأرض الأصلب والأخصب ومن ثم لم يكن مفاجئاً أن يكون النصر حليفهم في النهاية.

لكن بالنظر إلى نفس القضية من الزاوية الفلسفية التي لم يقاربها المعتزلة وخلفهم سوى من بعيد جداً، يصبح الأمر كله ’عبث في عبث وكلام فارغ‘. هنا تحديداً يجب الإشارة إلى أنه حتى قبل مئات السنين من اندلاع هذه المعركة الكلامية بين المعتزلة والأشاعرة كانت هناك ’تقاليد‘ قائمة ومتعارف عليها تحكم البحث الديني والفلسفي وتفصل بين الاثنين بحدود واضحة. من زمن بعيد قبل عظماء الفلسفة اليونانية الثلاثة سقراط وأفلاطون وأرسطو، كان جلياً للمهتمين أن ’مباحث‘ الفلسفة مختلفة ومتمايزة عن المباحث الدينية، حتى لو كان الاثنان يتناولان بالبحث الظاهرة نفسها ونفس الظاهرة؛ دائماً كانت طريقة نظر وبحث الفلسفة في الموضوع أو الظاهرة مختلفة ومتمايزة بوضوح- ومؤدية إلى استنتاجات مختلفة ومتمايزة بالضرورة- عن طريقة نظر وبحث العلوم الدينية، رغم كون المنظور والمبحوث واحداً في الحالتين. هذه تحديداً هي العثرة المهلكة التي قد ارتطم بها المعتزلة وخلفهم في معركتهم العبثية مع الأشاعرة، ليسقطوا في النهاية فريسة سهلة تحت رحمة خصومهم ويقضى عليهم دون عناء كبير. منذ البداية قد نظر المعتزلة وبحثوا في قضية قدم أو خلق القرآن من المنظور والمبحوث الديني الإسلامي التقليدي الموروث تماماً مثل الأشاعرة وغيرهم ولم ينتهجهوا آداب وتقاليد وسوابق النظر والبحث الفلسفي المعترف بها حتى قبل زمانهم بمئات السنين. هكذا كان منطقياً أن ينتهي مسار النظر والبحث الديني التقليدي بهم في حجر الفقهاء، لا الفلاسفة كما كانوا يأملون أو يأمل غيرهم.

رغم معاصرة الفلاسفة اليونان الثلاثة أدياناً مقدسة ومعترفاً بمركزيتها للكون والعالم من قبل أقوامهم، المؤكد أيضاً هو أن أي منهم أو من سلفهم أو خلفهم لم يسلم ابتداءً بهذه المركزية الدينية للكون ويجعلها مجالاً لنظره وأرضيه لبحثه كما فعل المعتزلة؛ بمجرد أن يقر المفكر ابتداءً بمثل هذه المركزية الدينية للكون والإنسان، هو يكون عندئذ مفكر ديني وليس فلسفي. وبسبب رفض الفلاسفة اليونان القدماء هذا الإقرار بمركزية المقدس الديني اليوناني قد تحملوا الملاحقة والاضطهاد، إلى حد الحكم بالموت على سقراط لانتهاكه التقاليد ونشر الفكر الهدام. دائماً، حتى زمن اليونان القديمة، كانت الفلسفة في أحسن الأحوال فكراً ضالاً ومنحرفاً عن التقليد الموروث، خاصة الديني. من ناحية أخرى، إذا لم ينحرف الفكر بهذا الشكل عن التقاليد الراسخة والموروثة، وتحديداً الدينية، ما كانت ’الفلسفة‘ قد نشأت من الأصل كمجال فكري منفصل ومتمايز عن أخرى كثيرة تستوعب الأديان والعلوم النظرية والتطبيقية الأخرى. في الواقع، نفس هؤلاء الفلاسفة الذين يوصفون بالعظماء هذه الأيام وينسب لهم فضل المساهمة بقسط عظيم في تقدم ورفاهية وإنسانية البشرية كانوا في الأصل، في واقع شروطهم وظروفهم اليونانية القديمة، منبوذين ومكروهين ومضطهدين وملاحقين بالموت في أي وقت.

المعتزلة، بتبنيهم الثوابت الإسلامية التقليدية، قد جنبوا أنفسهم وخلفهم عذابات ومعاناة الفلاسفة اليونان في أزمنتهم ووسط أقوامهم القديمة، لكنهم في الوقت نفسه قد حرموا أنفسهم وخلفهم أيضاً من نعمة التأصيل الفلسفي لتقدم ورفاهية وإنسانية عربية محتملة في المستقبل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تعليق
عبد الله خلف ( 2014 / 5 / 14 - 13:47 )
المسأله واضحه و بسيطه , الله الخالق أزلي , و اسماء و صفاته أزليه , و كلامه (القرآن) أزلي , لذلك , المسأله محسومه عقلياً و منطقياً .
المشكله هي : أن الكاتب -حسب علمي- كان ملحد , و قال فيما بعد أنه أسلم , و لا أعلم لماذا لا ينزل مقاله ؛ يخبرنا فيه عن رجوعه , و على أي منهج رجع ؛ أقلها لنعرف منهجه و فكره الإسلامي .


2 - كلامك يخرجك من ملة الاسلام يارجل
sameh takla ( 2014 / 5 / 14 - 15:31 )
كلام الله ازلى ؟ اهذا هو ما قلته
فهل المسيح طبقا لقرانك وهو كلمه الله - او حتى كلمه من كلامه -
ازلى هو الاخر
ومن هو الازلى سوى الله نفسه الذى ليس له بدايه
كلامك يخرجك من ملة الاسلام يارجل
و ليس مقاله الكاتب الباحث


3 - Sameh
عبد الله خلف ( 2014 / 5 / 14 - 21:50 )
1- نعم , كلام الله أزلي , و علم أزلي , و صفاته كلها أزليه .
2- المقصود بـ(كلمة الله) : ينقل كلام الله للبشر , و ليس هو كلام الله!... المسيح مجرد عبد من عبيد الله ؛ كرمه الله بالرساله .


4 - كلمه منه تعنى كلمه تكلمها هو
sameh takla ( 2014 / 5 / 15 - 00:22 )
كلمه منه تعنى كلمه تكلمها هو و لا تعنى اى شئ اخر
كلمه منه هى جزء من كلامه
معضله عليك حلها وانا لا احتاج لتفسيرات غير مقنعه بل عليك انت ان تقنع نفسك بما تقول

ايهما اعظم كلمه القيت فتجسدت و رايناها ولمسنا تجسدها ام كلمه قيل انه سمعها شخص واحد و اقسم انه سمعها بينما لم يسمعها غيره ابدا
لك الاجابه بينك وبين نفسك


5 - sameh takla
عبد الله خلف ( 2014 / 5 / 15 - 00:59 )
1- أثبت لي أن المسيح هو كلمة الله الأزليه؟ .
2- أثبت لي أن المسيحيه صحيحه في إعتقادها؟... و لكن قبل الإجابه ؛ يجب أن تمر مرور الكرام على هذا الموضوع ؛ و تجيب على تساؤلاته ؛ و إلا فدينك مُزيّف ؛ و لا شك أنه مُزيّف , راجع :
الأناجيل في الميزان :
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=410699


6 - ROBOT
nasha ( 2014 / 5 / 15 - 02:30 )
خلف منطقه اتجاه واحد
تكسب غزال تاخذ ارنب
تكسب ارنب تاخذ ارنب


7 - عوه للتفكير
sameh takla ( 2014 / 5 / 15 - 11:53 )
مع كامل احترامى لك
نحن لا نتكلم عن المسيحيه و اثباتها او نفيها
نحن نتكلم عن ايات قرانيه مطلوب تفسيرها
هناك شئ مهم انت تهمله
اثبات عدم صحه الاسلام لا يعنى اثبات صحه المسيحيه و العكس
اقول هذا و انا المسيحى
الاثنان غير مرتبطان ببعض الا بدافع المكانيه

انا لا احتاج ان تقنعنى بانه لان المسيحيه اذا كانت خطا فالاسلام هو الاصح هما شيئان غير مرتبطان
كل ما اطلب هو ان تفكر فيما كتبت و تؤمن به

فقط بخصوص مفهومك لكلام الله طبقا للقران
فطبقا للقران المسيح هو اعلى من كلمه الله فهو روح منه ايضا
فهل نحن كعبيد لله ايضا روح منه
ومن هو من روح الله الا الله نفسه
و ماهو من كلام الله الا الله نفسه
هو ليس سؤال للدعوه للمسيحيه بل دعوه للتفكير فيما تقوله


8 - sameh takla
عبد الله خلف ( 2014 / 5 / 15 - 15:17 )
1- معنى (كلمة) يعني : ناقل لكلام الله الخالق .
2- روح منه , يا أخي ؛ حتى أنا (عبد الله خلف) روح من الله , و كل إنسان روح من الله , يقول الله عن خلق آدم (و نفخت فيه من روحي) , فكل إنسان يحمل روح من الله .
3- يا رجل , راجع :
الأناجيل في الميزان :
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=410699
عندك تساؤلات تضرب صميم عقيدتك , إن لم تجب عليها , فلا تقول لي أن عقيدتي صحيحه , مالذي يثبت لنا أنكم نقلتوا عقيدتكم بشكل صحيح؟ .

اخر الافلام

.. البنتاغون يعلن البدء ببناء ميناء مؤقت في غزة لإستقبال المساع


.. أم تعثر على جثة نجلها في مقبرة جماعية بمجمع ناصر | إذاعة بي




.. جو بايدن.. غضب في بابوا غينيا الجديدة بعد تصريحات الرئيس الأ


.. ما تأثير حراك طلاب الجامعات الأمريكية المناهض لحرب غزة؟ | بي




.. ريادة الأعمال مغامرة محسوبة | #جلستنا