الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نصوص بدوية ~ البركة المسروقة والمُغتصبة

علي الخليفي

2014 / 5 / 15
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


فبقى يعقوب وحده. وصارعه إنسان حتى طلوع الفجر. ولما رأى أنه لا يقدر عليه ضرب حُق فخذه. فإنخلع حُقَّ فخذ يعقوب في مصارعته معه. وقال أطلقني لأنه قد طلع الفجر. فقال لا أطلقك إن لم تباركني. فقال له ما اسمك . فقال يعقوب. فقال لا يُدعى إسمك فيما بعد يعقوب بل إسرائيل. لأنك جاهدت مع الله والناس وقدرت.
وسأل يعقوب وقال أخبرني بإسمك. فقال لماذا تسأل عن اسمي. وباركه هناك.
(سفر التكوين )

كيف تعرف البدوي على الله وكيف أحبه ؟

يقول المثل المصري : ما من محبة إلا بعد علقة سُخنة.

كان البدوي يتجول في صحرائه وحيدا ،ً وقد إنتهى لتوه من خداع أباه الشيخ العجوز ، وسرقة البركة التي كانت مُخصصة من الله لأخيه وبينما هو في هذه الحال ظهر له الله فكان أول تعارف بينهما .

وبدأ هذا التعارف بمشاجرة إنتهت إلى إشتباك بالأيدي والأرجل والأسنان ، حيث تمكن البدوي من مصارعة الله لليلةٍ كاملة ، وإنتهت تلك المصارعة بأن يستعطف الله البدوي ويرجوه أن يُطلق سراحه لأن الفجر آذن بالبزوغ.

ولكن البدوي الجلف لم تؤثر فيه إسثغاتات إلههُ المهزوم ، وظل ماسكاً بخناقه حتى أضطر ذاك الإله إلى إستجماع ما تبقى لديه من قوة ، وضرب البدوي ضربةً مباغِثة خلعت حُق فخده ، وتمكن الإله أخيراً من أن ينجو بجلده ويُحلق لعرشه في السموات العُلى قبل أن يدركه ضوء الفجر .

هكذا عرف البدوي الله ، وبهذه الطريقة أجبر البدوي الله الذي لم يكن يعرف إسم عبده الذي يصارعه على منح عبده هذا البركة ، وتبديل إسمه من يعقوب إلى إسرائيل .

لسنا هنا بصدد الخوض في تناقضات هذا النص التوراتي ، ولا في تأويلات فقهاء العهد القديم والجديد ، ومحاولاتهم البائسة للتوفيق بين ما ورد في النص ، من أن يعقوب في خلوته صارع إنسان، وبين قول يعقوب إنه نظر الله ونجى بنفسه ، ولن نتطرق أيضاً لكل المُمَاحكات الكهنوتيه التي تحاول أن تُفلسف هذا النص البدوي ، وتجعل من ذاك الصراع ، صراع روحي وليس جسدي ، رغم أنه إنتهى بعاهة مادية للسيد يعقوب وذلك بخلع حُق فخده.

ما نريده من مقاربة هذه النصوص المُضحكة هو التأمل في طريقة فهم البدوي لمعنى الأُلوهية.

فذاك البدوي الذي كان يعيش حياة الترحال في بادية فلسطين، كان نبيا ، وابناً لنبي ، وحفيداً لنبي، وأيضاً والداً لنبي، ويبدو أن العلقة السُخنة التي نالها الله على يد هذا البدوي قدجعلته مُجبراً على منحه كل هذه البركات. والتي لم تنحصر في مباركة نسله بل إمتدت لأن يقطعه ذاك الإله كل الأرض التي تطأها قدمه خالصة له ولأبنائه.

لم تنتهي بركات الإله عند هذا الحد، فقد حول مآساة هذا البدوي والتي تسبب له فيها أبنائه بالغدر بأخيهم الطفل ، ورميه في الجُب ليباع كعبد ، حول تلك المآساة إلى نعمة حلّت على البدوي ، وعلى أبنائه الغادرين أيضاً ، وذلك بأن أوصل ذلك الإبن المغدور إلى سُدة الحكم في أرض النيل ، ليستقدم كل قبيلته البدويه إلى هناك ، لكن ذلك البدوي الذي إعتاد إنتزاع حتى البركة بالقوة والغصب والسرقة ، لم ترق له الحياة في مُجتمع متمدن ، تحكمه قوانين تُجرم الإغتصاب والسرقة والنهب ، فظل معزولاً في ذاك المُجتمع هو وإلههُ المغلوب ، حتى إبتكر خلفه قصة جديدة لتواصل جديد مع الله على يد أحد أحفاد ذاك البدوي.

كان ذاك الحفيد أكثر تأدباً مع إلهه ، فلم يدخل معه في مصارعة حرة كما فعل سلفه ، بل كان يختلي به على إنفراد في قمة جبل مجهول ، ليعود من عنده مرةً مزوداً بألواح كتبها له الله بخط يديه ، ومرةً أخرى يزوده ذاك الإله بعصى تُفجر الماء من الصخر ، وتفلق البحار ، وتلتهم الأفاعي والحيات وفيها منافع أخرى أيضا .

هذا النص التوراتي غاية في الأهمية لإنه يُبين لنا كيف بدأ أول تعامل للبدو مع مُفردة الله ، والتي لم تكن موجودة في قواميسهم ، ومن تلك البداية نستطيع متابعة كيف تطورت تلك العلاقة بين البدو والله على مرّ الدهور والأزمان حتى يومنا هذا ، وفي كل الديانات التي يسميها مُعتنقوها بالديانات السماوية .

سيتكشف لنا عبر هذه المُتابعة أن علاقة البدو ومن يعتنقون تعاليم البدو ويدينون بها مع الله ، تلك العلاقة كانت ولم تزل حتى اليوم قائمة على سرقة البركة وإغتصبابها من إلهِهم رغم أنفه .

فذلك الإله الذي يخشى طلوع الفجر ، ويتخفى في قمم الجبال محتجباً عن المؤمنين به ، هو ذات الإله الذي سنراه في نصوص بدوية لاحقة يمتنع عن لقاء عباده كلياً، فلا يكلمهم إلا من وراء حجاب ، أو يرسل رسولاً يوحي بإذنه ما يشاء، ويبدو أن تجربة إله البدو مع عباده البدو ، قد تركت مرارات في نفسه لم تستطع الدهور الطويلة محوها ، بل ستظل عالقة في ذهن الإله حتى في يوم دينونته. ذلك اليوم الذي سيضطر فيه للقاء كل عباده البدو ، بمن فيهم ذاك البدوي الذي إنتزع البركة منه إنتزاعاً ، ولذا سنراه في النصوص البدويه الاحقة يحتاط لنفسه فيتخد حرس إلهي سماهم الزبانية ، حتى إذا ما إستعان البدوي بعصبيته في يوم الدينونة ونادى ناديه ، فإن إلههُ سيدعو الزبانية لحمايته.

....... يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تعليق
عبد الله خلف ( 2014 / 5 / 16 - 00:41 )
1- هذا النص يؤكد تحريف الكتاب المقدس , فالعقل يسأل : كيف يُصارع المخلوق الضعيف الخالق؟ .
2- كل حضارات البشر تؤكد أن الإنسان و الدين قرينان , و أن الإيمان بالله الخالق الواحد هو الأساس , راجع :
و إن من امة الا خلا فيها نذير ..حقيقه ام خيال؟؟؟(مصدر الاديان) :
http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?49836-و-إن-من-امة-الا-خلا-فيها-نذير-حقيقه-ام-خيال؟؟؟(مصدر-الاديان)
3- الله (ليس كمثله شيء) و (لم يكن له كفواً أحد) .


2 - ...
زياد ( 2014 / 5 / 16 - 10:49 )
العقل نعمة من نعم الله ولا يوجد عقل سليم يقبل هذا النص وغيره من تحريف لصورة الله وان دل ذاك على شيء دل على ان البدو عاشوا على حياة القوة واغتصاب الحقوق حتى مع الله جل شأنه فلا قوة تعلو قوتهم
شكرا للكاتب


3 - تحياتي
علي الخليفي ( 2014 / 5 / 16 - 14:34 )
نعم سيد زياد العقل نعمة كبرى عند العقلاء ولكن الحمقى يفضلون اراحة عقولهم والاتكال على عقول اسلافهم الذين كانوا اكثر حمق منهم. شكراًللمرور والمتابعة.. دمتم بسلام


4 - كيف يصارع انسان خالقه
مروان سعيد ( 2014 / 5 / 16 - 14:48 )
تحية للاستاذ علي الخليفي وتحيتي لكل فهيم
هذا هوتفسير النص للبداوا
يعقوب نام فشاهد حلم بانه يصارع انسان وتقلب بحلمه حتى فك فخذه

وساعيد صارعه انسان وبما انك تعتبر نفسك كاتبا يجب عليك ان تقراء اولا وبعدها ان التبس عليك شيئا ارجع للمراجع المسيحية لكي تعرف خلفية النص
ومن الخطاء ان نضع عقلنا بعقل البداوا الذين لم يكن عندهم كتاب او شريعة او موبايل او انترنت
وجهاده مع الله اي جهاد ايماني بحت لاانه لم تكن شريعة او ناموس ا
وانصحك جاهد انت مع المسيح وفسر لنا الموعظة على الجبل لكي تكون عادلا ومنصفا واذا صعب عليك شيئ اذهب لصفحة الكاتب جهاد علاونة لقد فهمها جيدا
وللجميع مودتي

اخر الافلام

.. كيف تفاعل -الداخل الإسرائيلي- في أولى لحظات تنفيذ المقاومة ا


.. يهود يتبرأون من حرب الاحتلال على غزة ويدعمون المظاهرات في أم




.. لم تصمد طويلا.. بعد 6 أيام من ولادتها -صابرين الروح- تفارق ا


.. كل سنة وأقباط مصر بخير.. انتشار سعف النخيل في الإسكندرية است




.. الـLBCI ترافقكم في قداس أحد الشعانين لدى المسيحيين الذين يتب