الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رأي ديكارت في الفلاسفة و السفاسطة

شوكت جميل

2014 / 5 / 15
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


تجمع سفسطائي على سفسطائيين،و قد آثرت جمعها على"سفاسطة"لتأخذ لها نفس بنية"فلاسفة"؛و قد اتخذت كلا الطائفتين ذات المظهر و إن تناقض مخبرهما كل التناقض..

و بالطبع،لا أقصد هنا إلى المعنى اللغوي لـ"سوفيست"،و التي تعني صاحب المعرفة و الحنكة،إنما أقصد إلى المعنى الاصطلاحي،سيء السمعة،لتيارٍ فلسفيٍ عظيم انتهى أمره أو انتهى أمر الفلسفة على يديه إلى لا شيءٍ سوى الغموض واللعب بالألفاظ و المغالطات..و الشغف بالمناقشة من أجل المناقشة،و أصبح همّ أصحابه تفريخ تلاميذَ على شاكلتهم،و كانت قدر السفسطائي منهم،على قدر مهارته في تبني الرأي و نقيضه،و على إيجاد الحجج التي تدعم الرأيين في آن.

المفارقة أن بداية هذا التيار الفلسفي كانت قفزة للأمام ،فلم تسلم بالموروث أو تنصاع له،أو تنسحق تحت العقائد التي سبقتها،،فشككت في وجود الغيب و قدرته على تفسير الواقع أو الطبيعة،فقال بروتاغورس أحد أساطينه:(لا أستطيع أن أعلم إن كان الآلهة موجودين أم غير موجودين،فإن أموراً كثيرة تحول بيني و بين هذا العلم أخصها غموض المسألة و قصر الحياة)،و قد دفع حياته ثمناً لذلك؛إذْ اتهم بالإلحاد و حكم عليه بالإعدام،فمات غرقاً في فراره..إلا أن أمر هذه الفلسفة انتهى إلى فلسفة "مثالية ذاتية"،فأنكرت كل الموجودات و المحسوسات،و ذهبت أن الإنسان هو مقياس وجود ما يوجد،و عدم وجود ما لا يوجد،و طالما كان الإحساس هو المصدر الوحيد للمعرفة،و طالما كانت هذه الإحساسات تتعدد و تتناقض فلا وجود لشيء إذن في ذاته_و لا تختلف هذه النظرة عن نظرة المثاليين الذاتيين اليوم_حتى وضع أحد كبار السفسطائيين"غورغياس"،في القرن الخامس قبل المسيح، كتاباً اسماه( اللاوجود)،و تتلخص نظرته في ثلاثٍ:اولاً:لا يوجد شيء،ثانياً:إذا كان ثمة شيء موجود فالإنسان قاصر عن معرفته،ثالثاً:إذا فرضنا أن أنساناً أدركه فلن يستطيع إبلاغه لغيره....و بادٍ أن مثل هذا السبيل لن يفضي بالفلسفة كأداة للمعرفة سوى إلى مساجلاتٍ و ترهاتٍ،و إغماضٍ فوق إغماض،و إظلامٍ فوق إظلام....و في الحقيقة،هناك لفظة عامية مصرية،أرى أنها الأنسب و الأوقع من "سفاسطة"أو سوفيت و هي إيجابية المعنى لا تليق بموصوفها،و اللفظة هي "هلافطة" و أرى أنها الآنسب،و حينها يصبح هذا اللون من الفلسفة_إذا صح لنا أن نسميه فلسفة_هلفطة!!

السؤال هل يمكن أن تنتهي "المادية الجدلية" ذاتها إلى هذا السبيل؟!!!...الإجابة :هذا ما أراه يحاوله البعض الذين يعكفون و يتبنون منهج الغموض في مناقشتهم و للعجب ينسبون أنفسهم إليها_أي المادية الجدلية_،و حسبك أن تسمع من أفواههم محاورة عما يسمونه"الديالكتيك المادي"،و ما هو بديالكتيك،و الله المستعان على ما يصفون!

.يبدو أننا قد نسينا أمر ديكارت"الفيلسوف الكبير الحقيقي"الذي دعوناه إلى حديثنا، فلنعد إليه إذن على وجه السرعة، و لو أنه الساعة يبدو ضيق الصدر على غير عهدنا به من هدوءٍ رهيب و عقلٍ بارد،على أننا نعذره فقد ضاق ذرعاً بأمثال هؤلاء وهو لا يجد سبيلاً عليهم و لا يستطيع أن يقنعهم أو يظفر منهم بشيء،فأفصح عن رأيه في هؤلاء "الهلافطة"فقال:


(..ييسر لهم غموض و إبهام المبادئ التي يتناولونها،بالتكلم و الجدل في كل شيءٍ بجرأةٍ لا مثيلاً لها،و كأنهم على تمام العلم و اليقين بما يتحدثون،و هم يذودون عن أقوالهم في وجه أحصف منازعوهم و أدقهم(الفلاسفة الحقيقيون)،دون أن يجد الطرف الأخير سبيلاً إلى إقناعهم،فمثلهم مثل الأعمى الذي شرع ينازع مبصراً في جوف قبرٍ داجٍ )..انتهى

و نهايةً نقول،أن الكون به الكفاية كل الكفاية من الظلام و الغموض...و أحسب أن الفلسفة أداةٌ و مصباحٌ يبث بعض الضوء على أكنافه الشاسعة المظلمة،و لا المزيد من الإظلام والإغماض...فإن أظلمت الفلسفة،فبماذا يستضاء؟!..أبالدين أم الغيبيات أم الخرافات؟...و أرى أنه ،كلما أغمضنا الفلسفة في التهويمات،كلما تركنا الساحة للخرافة لتحل محلها؛فهي التي لا تبارى غموضاً و سحراً!












التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تعليق
عبد الله خلف ( 2014 / 5 / 16 - 01:37 )
معلوماتنا عن الكون محدوده جداً , لا توجد وسيلة نستمد منا معلوماتنا عما هو خارج المجموعة الشمسية إلا جسيمات الضوء ال quanta of light وهذه في أي لحظة يمكن أن تُحول جميع معلوماتنا عن الفلك من حولنا إلى وهم كبير , كما قال (ستيفن هاوكنج) .
الملاحده , كلامهم و نقاشهم و جدالهم كله ميتافيزيقي , سأوضح :
الملحد لم يتجاوز حدود مجموعتنا فما باله بمجرتنا , ثم ما باله بكوننا , ثم بعد هذا ؛ يضع رأس (معسل) و كأس (شاي) و يجلس أمام شاشة الكمبيوتر , ثم يكتب لا يوجد خالق!... هل تأكد القراء الآن ؛ أن إدعاء الملحد ؛ مجرد إدعاء ميتافيزيقي؟! .
ثم أن العلم يقول للملحد : (اننا إذا رمزنا للموجات الكهرومغناطىسية بخط تبلغ طوله150 مليون كيلومتر ؛ فإن العين البشرية تبصر منه مترا ونصف المتر ؛ فقط!... ما أشد عجز البصر عن إدراك ما حوله!... مثال آخر : هل يعلم المادي ان المخ البشري يتعرض لـ (400 مليار) معلومة في الثانية لكنه يدرك منها (2000) معلومة ؛ فقط!... ما أشد عجزه الإنسان عن الإدراك!... وبعد ذلك يطلب المادي دليلا حسياً علي الوجود الالهي!) .


2 - تعقيب
شوكت جميل ( 2014 / 5 / 16 - 07:24 )
الشيخ/عبد الله خلف
تحية و بعد
منبهر بغزارة معلوماتك،لكني مندهش من تعليقك، فالمقال ليس عن الإلحاد و الإيمان لو أدركت،إنما عن السفسطة الغامضة(أي الهراء غير المترابط)،و الفلسفة بمنهجيتها الواضحة المتماسكة،و السفسطة قد تكون سبيل بعض المؤمنين كما قد تكون سبيل بعض الملحدين..يبدو أني قرأت تعليقك أعلاه _عينه_ على مقالات مختلفة،لا يجمعها رابط.. .
مرحب بتعليقاتك دائماً_على أن تكون على متن الموضوع_

اخر الافلام

.. تشاد: فوز رئيس المجلس العسكري محمد ديبي إتنو بالانتخابات الر


.. قطاع غزة: محادثات الهدنة تنتهي دون اتفاق بين إسرائيل وحركة




.. مظاهرة في سوريا تساند الشعب الفلسطيني في مقاومته ضد إسرائيل


.. أم فلسطينية تودع بمرارة ابنها الذي استشهد جراء قصف إسرائيلي




.. مظاهرة أمام وزارة الدفاع الإسرائيلية بتل أبيب للمطالبة بصفقة